شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
الإسلامُ دِينُ التوْحيدِ الخالِصِ للهِ تَعالى، وقد نَهى عن كُلِّ مَظاهِرِ الشِّركِ، ومِن ذلك النهْيُ عنِ الحَلفِ بغيرِ اللهِ، وإشْراكِ غَيرهِ في أُمورِ المَشيئةِ.
وفي هذا الحَديثِ عن طُفَيلِ بنِ سَخْبرةَ رضِيَ اللهُ عنه -أخو عائِشةَ لأُمِّها-: "أنَّه رَأى فيما يَرى النائمُ"، والمُرادُ: ما يَراهُ النائمُ من حُلمٍ ونَحوِه، ولفظُ الرُّؤْيا يُطلَقُ على الصالحِ منه، "كأنَّه مرَّ برَهطٍ منَ اليَهودِ"، والرهْطُ الجَماعةُ "فقال: مَن أنتم؟ قالوا: نحن اليَهودُ، قال: إنَّكم أنتمُ القَومُ"، قال ذلك مادِحًا لهم، والمعنى: أنتمُ القَومُ الحَقيقيُّونَ "لولا أنَّكم تَزعُمونَ أنَّ عُزَيْرًا ابنُ اللهِ"، والمُرادُ: أنَّهم يتَّخِذونَ آلِهةً مِن دونِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "فقالتِ اليَهودُ: وأنتمُ القَومُ لولا أنَّكم تَقولونَ: ما شاء اللهُ وشاءَ مُحمدٌ"، وهذا فيه أثَرُ الشِّركِ، ووَجْهُ شِركِهم باللهِ هو التَّسويةُ بينَ مَشيئةِ الخالقِ والخَلْقِ، "ثم مرَّ برَهطٍ منَ النَّصارَى"، وهم مَن يَعبُدونَ المَسيحَ عَيسى ابنَ مَريمَ عليه السلامُ، "فقال: مَن أنتم؟ قالوا: نحن النَّصارَى، فقال: إنَّكم أنتمُ القومُ، لولا أنَّكم تَقولونَ: المَسيحُ ابنُ اللهِ"، وذلك أنَّ اللهَ واحدٌ ليس له شَريكٌ ولا ولدٌ، "قالوا: وإنَّكم أنتمُ القَومُ، لولا أنَّكم تَقولونَ: ما شاء اللهُ وشاء مُحمَّدٌ، فلمَّا أصبَحَ أخبَرَ بها مَن أخبَرَ"، ذكَرَ رُؤْيَتَه لمَن رَآه منَ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم قبلَ أنْ يُخبِرَ بها النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "ثم أتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ؛ فأخبَرَه" بما رَآه في نومِه، "فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "هل أخبَرْتَ بها أحدًا؟" قبلَ إخْبارِي، "قال عفَّانُ" ابنُ مُسلمٍ، وهو أحَدُ رُواةِ الحَديثِ: "قال: نَعمْ، فلمَّا صَلَّوْا، خطَبَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، "فحَمِدَ اللهَ وأثْنَى عليه" في بدايةِ خُطبتِه، "ثم قال: إنَّ طُفَيلًا رَأى رُؤْيا، فأخبَرَ بها مَن أخبَرَ منكم"، وهذا يتوجَّبُ بيانُ مَعانِيها وحُكمِها ومَدَى صحَّتِها، "وإنَّكم كُنْتُم تَقولونَ كلمةً كان يَمنَعُني الحياءُ منكم أنْ أنْهاكم عنها"، وتَوْجيهُ ذلك أنَّ الكلمةَ عندَما كانتْ شائعةً فيهم لم يُقصَدْ في حَقيقتِها المُساواةُ، ولكنْ كانتْ تأدُّبًا ورِفعةً لقَدْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بينَهم؛ فلذلك لم يَهتَمَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالنهْيِ عنها، فلمَّا كانتِ الرُّؤْيا، ووجَدَ أنَّ الكلمةَ يَراها البعضُ مُساواةً بينَ مَشيئةِ الخالِقِ والمَخْلوقِ استَوْجَبَ ذلك بيانَ ما فيها من مُخالفةٍ شَرعيةٍ، والنهْيَ عنها بتلك الصِّيغةِ، وإلَّا فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد عُرِفَ بأنَّه لا يَستَحي منَ الباطِلِ، "قال: لا تَقولوا ما شاء اللهُ وما شاء محمدٌ"، فنَهاهم عن هذه الصِّيغةِ، وعلَّمَهمُ الصِّيغةَ الشرعيَّةَ التي تَنْفي الشِّركَ، وهي -كما جاء عندَ النَّسائيِّ وابنِ ماجَهْ-: "ما شاء اللهُ ثمَّ شِئْتَ"؛ فإنَّ مَشيئةَ العبدِ تَأْتي بعدَ مَشيئةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لا أنْ تَشترِكَ معَه.
وفي الحديثِ: الحثُّ على غَلقِ كلِّ بابٍ يُؤدِّي إلى الشِّركِ وإنْ صغُرَ أمرُه.
وفيه: أنَّ مَن أرادَ أنْ يَحلِفَ فلْيَحلِفْ باللهِ تَعالى وحْدَه .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم