شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
الحجُّ رُكْنٌ مِن أرْكانِ الإسلامِ العظامِ، وأداؤُهُ واجِبٌ على كُلِّ مُستطيعٍ، كما أنَّ نَذْرَ الحَجِّ يَجعَلُه دَينًا في عُنقِ النَّاذرِ، حتى يَقضِيَه أو يُقْضَى عنه، وفي هذا الحَديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ -أو الفَضلُ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ رجُلًا سأَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أبي أدرَكَهُ الإسلامُ وهو شَيخٌ كَبيرٌ لا يَثبُتُ على راحِلَتِهِ"، والرَّاحِلةُ: الجَمَلُ الَّذي يُرتَحلُ به، والمَعْنى: أنَّ الرَّجُلَ سأَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن جَوازِ الحَجِّ بَدَلًا مِن أبيهِ، الَّذي فُرِضَتْ عليه الفَريضةُ وهو شَيخٌ كَبيرٌ لا يَستقِرُّ جِسمُهُ على الرَّاحِلةِ أو لم تَتَوافَرْ فيه شُروطُ الحَجِّ إلَّا في هذه السِّنِّ المُتأخِّرةِ حتَّى أصبَحَ عاجِزًا، ضَعيفَ الجِسمِ، مُنهَكَ القُوى، "أَفَأَحُجُّ عنه؟" بالنِّيابةِ في أداءِ المناسكِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أرأيتَ لو كان عليه دَينٌ" دَينٌ بمالٍ لأحَدِ الناسِ، "فقَضَيتَهُ عنه" بدَفْعِ المالِ إلى الدَّائنِ، "أكان يُجزيهِ؟ قال: نَعَمْ.
قال: فاحْجُجْ عن أبيكَ"، فأمَرَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحجِّ عن أبيهِ المَريضِ، وأنَّ ذلك مُجزِئٌ له.
ولعلَّ سَماحَ النَّبيِّ له بالحَجِّ نِيابةً عن أبيهِ يُفهَمُ منه أنَّ الابنَ قد حجَّ عن نَفسِهِ أوَّلًا، ثُمَّ أرادَ أنْ يحُجَّ عن أبيهِ؛ لحديثِ أبي داودَ عن ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَمِعَ رجُلًا يقولُ: لبَّيْكَ عن شُبْرُمةَ.
قال: مَنْ شُبْرُمةُ؟ قال: أخٌ لي، أو قَريبٌ لي.
قال: حجَجْتَ عن نفسِك؟ قال: لا.
قال: حُجَّ عن نَفسِكَ، ثم حُجَّ عن شُبْرُمةَ"، وفي بَعضِ ألْفاظِ الحَديثِ: "هذه عنْكَ، ثُمَّ حُجَّ عن شُبْرُمةَ".
وقد شُرِعَتِ النِّيابةُ في الحجِّ لِتَرفَعَ وِزْرَ التَّقْصيرِ عمَّن لم يحُجَّ؛ والعِباداتُ أنْواعٌ، عباداتٌ ماليَّةٌ مَحْضةٌ؛ كالزَّكاةِ، وهذه تجوزُ النِّيابةُ فيها، وعباداتٌ بَدَنيَّةٌ مَحْضةٌ؛ كالصَّلاةِ، وهذا النَّوعُ لا تجوزُ النِّيابةُ فيه، وعباداتٌ مُركَّبةٌ منهما؛ كالحجِّ، وهذا النَّوعُ تجوزُ النِّيابةُ فيه عِندَ العَجزِ وعَدَمِ القُدرةِ على الأداءِ، أو المَوتِ، وقد شبَّهَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحجَّ الَّذي عليه بالدَّينِ، وهو واجِبُ القَضاءِ؛ لأنَّه حقٌّ للآدميِّينَ، والحجُّ حقٌّ للهِ تَعالى، فكان قَضاءُ حقِّهِ تَعالى أوثَقَ وأوْلى مِن قَضاءِ حَقِّ الآدميِّينَ؛ فالحجُّ الَّذي وجَبَ في الذِّمَّةِ لا يَسقُطُ سِوى بقَضائِهِ، كما لا يَسقُطُ الدَّينُ سِوى بالقَضاءِ، فإذا وجَبَ الحَجُّ على شَخصٍ وماتَ قبْلَ أدائِهِ، ثمَّ أدَّى شَخصٌ آخرُ هذا الحجَّ عنه سقَطَ عنه، وهذا لا يَبعُدُ في كَرَمِ اللهِ وفَضلِهِ أنَّه إذا حجَّ الوليُّ عن الميِّتِ أن يعفوَ اللهُ عن الميِّتِ بذلك، ويُثيبَهُ عليه، أو لا يُطالبَه بتَفْريطِهِ.
وفي الحديثِ: الاستِنابةُ في حَجِّ الفريضةِ لِعَجزٍ مَيؤوسٍ مِن زَوالِهِ بهَرَمٍ أو زَمانةٍ أو مَوتٍ.
وفيه: أنَّ الاستِطاعةَ تكونُ بالغَيرِ كما تكونُ بالنَّفسِ.
وفيه: بِرُّ الوالدَينِ، والاعتِناءُ بأمْرِهِما، والقيامُ بمَصالِحهِما من قَضاءِ دَينٍ، وخِدْمةٍ ونَفَقةٍ، وغَيرِ ذلكَ مِن أُمورِ الدِّينِ والدُّنيا( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم