هاهنا فصل فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرات كل ذلك يقول النبي

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرشِدُ أصحابَه إلى ما هو أرفَقُ بهم وأيسَرُ عليهم في أُمورِهم، كما في هذا الحَديثِ؛ حيثُ رَوى عُمَرُ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ، عن رِجالٍ مِنَ الأنصارِ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنصارِ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الفَتحِ" وهو يَومُ فَتحِ مَكةَ سَنةَ تِسعٍ مِن الهِجرةِ "والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَجلِسٍ قَريبٍ مِنَ المَقامِ" وهو مَقامُ إبراهيمَ بجِوارِ الكَعبةِ، "فسَلَّمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" بأنْ ألقَى تحية الإسلامِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "ثم قال: يا نَبيَّ اللهِ، إنِّي نَذَرتُ لَئِن فَتَحَ اللهُ لِلنَّبيِّ والمُؤمِنينَ مَكةَ لَأُصلِّيَنَّ في بَيتِ المَقدِسِ" جَعَلَ عليه نَذرًا أنْ يُصلِّيَ في المَسجِدِ الأقصى، "وإنِّي وَجَدتُ رَجُلًا مِن أهلِ الشَّامِ ها هنا في قُرَيشٍ مُقبِلًا معي ومُدبِرًا" يأتي معي ويَذهَبُ، وكَونُه مِن أهلِ الشَّامِ لَعَلَّه يُريدُ بذلك مُرافَقَتَه في السَّفَرِ، فيُسهِّلَ عليه، "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ها هنا فَصَلِّ" فأرشَدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الصَّلاةِ في الحَرَمِ المَكِّيِّ عِندَ الكَعبةِ، "فقال الرَّجُلُ قَولَه هذا ثَلاثَ مَرَّاتٍ" يُراجِعُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في نَذرِه ووَفائِه به، "كُلَّ ذلك يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ها هنا فصَلِّ" وتَكرارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِإرشادِه إلى الصَّلاةِ في البَيتِ الحَرامِ؛ لِيُؤكِّدَ فَضلَه على بَيتِ المَقدِسِ؛ فالصَّلاةُ في المَسجِدِ الحَرامِ أفضَلُ مِن مِئةِ ألْفِ صَلاةٍ فيما سِواه "ثم قال" الرَّجُلُ المَرَّةَ "الرابِعةَ مَقالَتَه هذه" يُريدُ بذلك أنْ يَذهَبَ لِلصَّلاةِ في بَيتِ المَقدِسِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اذهَبْ فصَلِّ فيه"، وهذا ليس أمرًا، ولكِنَّه دَليلٌ على الغَضَبِ؛ لِأنَّ الرَّجُلَ لم يَمتَثِلْ أمْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَغمَ تَكرارِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فوالذي بَعَثَ مُحمدًا بالحَقِّ" وهذا قَسَمٌ باللهِ الذي أرسلَ نَبيَّه مُحمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان كثيرًا ما يُقسِمُ به: "لو صَلَّيتَ ها هنا، لَقَضى عنكَ ذلك كُلَّ صَلاةٍ في بَيتِ المَقدِسِ"؛ لِأنَّ الصَّلاةَ في البَيتِ الحَرامِ أفضَلُ مِنَ الصَّلاةِ في بَيتِ المَقدِسِ، قيل: ويُؤخَذُ منه أنَّه لو صَلَّى في غَيرِ مَكةَ أوِ المَدينةِ لم يَقضِ عنه نَذرَه، بل يَجِبُ الوَفاءُ به في المسجِدِ المُعيَّنِ في نَذرِه.