مِن حِكمةِ
اللهِ تعالَى أنَّه لم يُنزِلِ
القُرآنَ الكريمَ جُملةً واحدةً، بلْ أنْزَلَه مُفرَّقًا وَفْقَ التَّدرُّجِ الذي أرادهُ
اللهُ في بِناءِ وتَربيةِ المجتمَعِ المُسلِمِ الوليدِ، وقد حفظ الصَّحابةُ عن رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم كلَّ ما نزل، وكُتِبَ بين يديه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، فاجتمع للقُرآنِ الحِفظُ في الصُّدورِ والحِفظُ في السُّطورِ.
وفي هذا الحَديثِ يحكي زِرُّ بنُ حُبَيشٍ أنَّه سأل الصَّحابيَّ أُبَيَّ بنَ كَعبٍ رَضِيَ
اللهُ عنه، فقال له: يا أبا المُنذِرِ، إنَّ أخاكَ ابنَ مَسعودٍ رَضِيَ
اللهُ عنه -يعني بها أُخُوَّةَ الدِّينِ- يقولُ كذا وكذا،
أي: يقولُ إنَّ المَعوِّذتَينِ ليْستَا مِن
القُرآنِ، وفي روايةٍ أُخرى في البُخاريِّ: «
سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ المُعَوِّذَتَيْنِ».
فأجابه أُبَيٌّ رَضِيَ
اللهُ عنه بأنَّه قد سأل رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، عَن المَعوِّذتَين، هل هُما مِن
القُرآنِ؟ فقالَ له النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: «
قيلَ لي، فقلتُ»،
أي: قالَ لي جِبريلُ: إنَّهما مِن
القُرآنِ، فقُلتُ كما قالَ جِبريلُ؛ لأنَّه أَمينٌ على وَحْيِ السَّماءِ.
قالَ أبيُّ بنُ كَعبٍ: «
فنَحنُ نَقولُ كما قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»،
أي: نقول: إنَّ المَعوِّذتَينِ مِن
القُرآنِ.
ولم يُنكِرِ ابنُ مَسعودٍ رضِيَ
اللهُ عنه كونَهُما مِن
القُرآنِ، وإنَّما أنكَرَ إثباتَهُما في المُصحَفِ؛ فإنَّه كانَ يَرى ألَّا يُكتَبَ في المُصحَفِ شَيءٌ إلَّا إنْ كانَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم أَذِن في كِتابتِه فيه، وكأنَّه لَم يَبلُغْه الإذْنُ في ذلك.
وقيل: إنَّ ابنَ مَسعودٍ رَضِيَ
اللهُ عنه كان لا يقولُ بقُرآنيَّتِهما، ويؤَيِّدُه ما ورد عند أحمدَ عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَزيدَ، قال: كان عبدُ
اللهِ يحُكُّ المعوِّذَتينِ من مَصاحِفِه، ويقولُ: إنَّهما ليستا من كتابِ
اللهِ.
وهذا كان مما اختَلَف فيه الصَّحابةُ، وقد كان الأمرُ وَقْتَها محتَمِلًا للتأويلاتِ، ثمَّ ارتفع الخِلافُ ووقع الإجماعُ عليه، فلو أنكر اليومَ أحدٌ قرآنِيَّتَهما اليومَ لكَفَر.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم