إعراب الآية 256 من سورة البقرة , صور البلاغة و معاني الإعراب.
إعراب لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت
{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( البقرة: 256 ) }
﴿لَا﴾: نافية للجنس حرف مبنيّ على السكون.
﴿إِكْرَاهَ﴾: اسم "لا" مبنيّ على الفتح في محلّ نصب.
﴿فِي﴾: حرف جرّ مبنيّ على السكون.
﴿الدِّينِ﴾: اسم مجرور بالكسرة الظاهرة، والجارّ والمجرور متعلّقان بمحذوف خبر "لا".
وجملة "لا إكراه في الدين" استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق مبنيّ على السكون.
﴿تَبَيَّنَ﴾: فعل ماضٍ مبنيّ على الفتح.
﴿الرُّشْدُ﴾: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
﴿مِنَ﴾: حرف جرّ مبنيّ على السكون وحرِّك بالفتح منعًا من التقاء الساكنين.
﴿الْغَيِّ﴾: اسم مجرور بالكسرة الظاهرة، والجارّ والمجرور متعلّقان بـ"تبيّن".
وجملة تبيّن الرشد من الغيِّ" لا محلّ لها من الإعراب، لأنّها تعليليّة.
﴿فَمَنْ﴾: الفاء حرف عطف مبنيّ على الفتح، و "من" اسم شرط جازم مبنيّ على السكون في محلّ رفع مبتدأ.
﴿يَكْفُرْ﴾: فعل مضارع مجزوم بالسكون وهو فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
﴿بِالطَّاغُوتِ﴾: الباء حرف جرّ مبنيّ على الكسر، و "الطاغوت": اسم مجرور بالكسرة، والجارّ والمجرور متعلّقان بيكفر"، وجملة "يكفر" في محلّ رفع خبر المبتدأ "من".
وجملة "من يكفر بالطاغوت" معطوفة على جملة "تبين".
﴿وَيُؤْمِنْ﴾: الواو حرف عطف مبنيّ على الفتح، و "يؤمنُ" فعل مضارع مرفوع بالضمّة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
﴿بِاللَّهِ﴾: الباء حرف جرّ مبنيّ على الكسر، و "الله": لفظ الجلالة اسم مخفوض بالكسرة الظاهرة، والخافض والمخفوض متعلّقان بـ"يؤمن ".
وجملة "يؤمن بالله" في محلّ رفع معطوفة على جملة "يكفر".
﴿فَقَدِ﴾: الفاء: حرف رابط لجواب الشرط جرف مبنيّ على الفتح، و "قد" حرف تحقيق مبنيّ على السكون.
﴿اسْتَمْسَكَ﴾: فعل ماضٍ مبنيّ على الفتح، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
﴿بِالْعُرْوَةِ﴾: الباء حرف جرّ مبنيّ على الكسر، و "العروة": اسم مجرور بالكسرة الظاهرة، والجارّ والمجرور متعلّقان بـ"ستمسك".
﴿الْوُثْقَى﴾: نعت لِـ"العروة" مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف للتعذّر.
وجملة "قد استمسك" في محلّ جزم فعل الشرط الجازم.
﴿لَا﴾: نافية للجنس حرف مبنيّ على السكون.
﴿انْفِصَامَ﴾: اسم "لا" مبنيّ على الفتح الظاهر.
﴿لَهَا﴾: اللام حرف جرّ مبنيّ على الفتح، و "الهاء": ضمير متّصل مبنيّ على السكون في محلّ جرّ بحرف الجرّ، والجارّ والمجرور متعلّقان بمحذوف خبر "لا".
وجملة "لا انفصام لها" في محلّ نصب حال من "العروة".
﴿وَاللَّهُ﴾: الواو حرف استئناف مبنيّ على الفتح، و "الله" لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
﴿سَمِيعٌ﴾: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
﴿عَلِيمٌ﴾: خبر ثانٍ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
وجملة "الله سميع عليم" استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
[ البقرة: 256]
إعراب مركز تفسير: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت
﴿لَا﴾: حَرْفُ نَفْيٍ لِلْجِنْسِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ.
﴿إِكْرَاهَ﴾: اسْمُ ( لَا ) مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ.
﴿فِي﴾: حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ.
﴿الدِّينِ﴾: اسْمٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ، وَشِبْهُ الْجُمْلَةِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ ( لَا ).
﴿قَدْ﴾: حَرْفُ تَحْقِيقٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ.
﴿تَبَيَّنَ﴾: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ.
﴿الرُّشْدُ﴾: فَاعِلٌ مَرْفُوعٌ وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿مِنَ﴾: حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ الْمُقَدَّرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
﴿الْغَيِّ﴾: اسْمٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿فَمَنْ﴾: "الْفَاءُ" حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( مَنْ ) اسْمُ شَرْطٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ مُبْتَدَأٌ.
﴿يَكْفُرْ﴾: فِعْلٌ مُضَارِعٌ فِعْلُ الشَّرْطِ مَجْزُومٌ وَعَلَامَةُ جَزْمِهِ السُّكُونُ الظَّاهِرُ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ تَقْدِيرُهُ "هُوَ".
﴿بِالطَّاغُوتِ﴾: "الْبَاءُ" حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ، وَ( الطَّاغُوتِ ) اسْمٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿وَيُؤْمِنْ﴾: "الْوَاوُ" حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( يُؤْمِنْ ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَعْطُوفٌ مَجْزُومٌ وَعَلَامَةُ جَزْمِهِ السُّكُونُ الظَّاهِرُ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ تَقْدِيرُهُ "هُوَ".
﴿بِاللَّهِ﴾: "الْبَاءُ" حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ، وَاسْمُ الْجَلَالَةِ اسْمٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿فَقَدِ﴾: "الْفَاءُ" حَرْفٌ رَابِطٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( قَدْ ) حَرْفُ تَحْقِيقٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ الْمُقَدَّرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
﴿اسْتَمْسَكَ﴾: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ تَقْدِيرُهُ "هُوَ"، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ ( مَنْ ).
﴿بِالْعُرْوَةِ﴾: "الْبَاءُ" حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ، وَ( الْعُرْوَةِ ) اسْمٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿الْوُثْقَى﴾: نَعْتٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الْمُقَدَّرَةُ لِلتَّعَذُّرِ.
﴿لَا﴾: حَرْفُ نَفْيٍ لِلْجِنْسِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ.
﴿انْفِصَامَ﴾: اسْمُ ( لَا ) مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ.
﴿لَهَا﴾: "اللَّامُ" حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ"هَاءُ الْغَائِبِ" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِالْحَرْفِ، وَشِبْهُ الْجُمْلَةِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ ( لَا ).
﴿وَاللَّهُ﴾: "الْوَاوُ" حَرْفُ اسْتِئْنَافٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَاسْمُ الْجَلَالَةِ مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿سَمِيعٌ﴾: خَبَرٌ مَرْفُوعٌ وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿عَلِيمٌ﴾: خَبَرٌ ثَانٍ لِلْمُبْتَدَإِ مَرْفُوعٌ وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
( لا إِكْراهَ ) لا نافية للجنس إكراه اسمها مبني على الفتح
( فِي الدِّينِ ) متعلقان بمحذوف خبرها
( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ ) قد حرف تحقيق وفعل مضارع وفاعل
( مِنَ الْغَيِّ ) متعلقان بمحذوف حال من الرشد أو بتبين
( فَمَنْ ) الفاء استئنافية من اسم شرط جازم مبتدأ
( يَكْفُرْ ) فعل الشرط مجزوم
( بِالطَّاغُوتِ ) متعلقان بيكفر
( وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ ) لفظ الجلالة مجرور بالباء والجار والمجرور متعلقان بيؤمن والجملة معطوفة على يكفر
( فَقَدِ ) الفاء رابطة لجواب الشرط قد حرف تحقيق
( اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ ) الجار والمجرور متعلقان بالفعل قبله
( الْوُثْقى ) صفة والجملة في محل جزم جواب الشرط
( لَا انْفِصامَ لَها ) لا النافية للجنس وانفصام اسمها ولها متعلقان بالخبر المحذوف والجملة في محل نصب حال
( وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) لفظ الجلالة مبتدأ وخبراه والجملة اعتراضية أو استئنافية.
تفسير الآية 256 - سورة البقرة
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | Tafsir English |
الصور البلاغية و المعاني الإعرابية للآية 256 - سورة البقرة
لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم
سورة: البقرة - آية: ( 256 ) - جزء: ( 3 ) - صفحة: ( 42 )أوجه البلاغة » لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت :
استئناف بياني ناشىء عن الأمر بالقتال في سبيل الله في قوله : { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } [ البقرة : 244 ] إذ يبدو للسامع أن القتال لأجل دخول العدو في الإسلام فبيّن في هذه الآية أنه لا إكراه على الدخول في الإسلام وسيأتي الكلام على أنّها محكمة أو منسوخة .
وتعقيب آية الكرسي بهاته الآية بمناسبة أنّ ما اشتملت عليه الآية السابقة من دلائل الوحدانية وعظمة الخالق وتنزيهه عن شوائب ما كفرت به الأممُ ، من شأنه أن يسوق ذوي العقول إلى قبول هذا الدين الواضححِ العقيدة ، المستقيم الشريعةِ ، باختيارهم دون جبر ولا إكراه ، ومن شأنه أن يجعل دوامهم على الشرك بمحل السؤال : أيُتْرَكون عليه أم يُكْرَهُون على الإسلام ، فكانت الجملة استئنافاً بيانياً .
والإكراه الحمل على فعل مكروه ، فالهمزة فيه للجعل ، أي جعله ذا كراهية ، ولا يكون ذلك إلاّ بتخويف وقوع ما هو أشدّ كراهية من الفعل المدعو إليه .
والدين تقدم بيانه عند قوله : { مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 3 ] ، وهو هنا مراد به الشرع .
والتعريف في الدين للعهد ، أي دين الإسلام .
ونفي الإكراه خير في معنى النهي ، والمراد نفي أسباب الإكراه في حُكم الإسلام ، أي لا تكرهوا أحداً على أتباع الإسلام قسراً ، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصاً . وهي دليل واضح على إبطال الإكراه على الدِّين بسائر أنواعه ، لأنّ أمر الإيمان يجري على الاستدلال ، والتمكين من النظر ، وبالاختيار . وقد تقرر في صدر الإسلام قتال المشركين على الإسلام ، وفِي الحديث : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها » . ولا جائز أن تكون هذه الآية قد نزلت قبل ابتداء القتال كله ، فالظاهر أنّ هذه الآية نزلت بعد فتح مكة واستخلاص بلاد العرب ، إذ يمكن أن يدوم نزول السورة سنين كما قدمناه في صدر تفسير سورة الفاتحة لا سيما وقد قيل بأنّ آخر آية نزلت هي في سورة النساء ( 176 ) { يبين الله لكم أن تضلوا } الآية ، فنسخت حكم القتال على قبول الكافرين الإسلام ودلت على الاقتناع منهم بالدخول تحت سلطان الإسلام وهو المعبّر عنه بالذمة ، ووضحُه عمل النبي وذلك حين خلصت بلاد العرب من الشرك بعد فتح مكة وبعد دخول الناس في الدين أفواجاً حين جاءت وفود العرب بعد الفتح ، فلما تم مراد الله من إنقاذ العرب من الشرك والرجوع بهم إلى ملَّة إبراهيم ، ومن تخليص الكعبة من أرجاس المشركين ، ومن تهيئة طائفة عظيمة لحمل هذا الدين وحماية بيضته ، وتبيّنَ هدى الإسلام وزال ما كان يحول دون أتِّباعه من المكابرة ، وحقّق الله سلامه بلاد العرب من الشرك كما وقع في خطبة حجة الوداع إنّ الشيطان قد يئس من أن يُعبد في بلدكم هذا لَمَّا تم ذلك كله أبطل الله القتال على الدين وأبقى القتال على توسيع سلطانه ، ولذلك قال ( سورة التوبة 29 )
{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } وعلى هذا تكون الآية ناسخة لما تقدّم من آيات القتال مثل قوله قبلها { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلط عليهم } [ التوبة : 73 ] على أن الآيات النازلة قبلها أو بعدها أنواع ثلاثة :
أحدها : آيات أمرت بقتال الدفاع كقوله تعالى : { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } [ التوبة : 36 ] ، وقوله : { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله } [ البقرة : 194 ] ، وهذا قتال ليس للإكراه على الإسلام بل هو لدفع غائلة المشركين .
النوع الثاني : آيات أمرت بقتال المشركين والكفّار ولم تغيّ بغاية ، فيجوز أن يكون إطلاقها مقيّداً بغاية آيةِ { حتى يعطوا الجزية } [ التوبة : 29 ] وحينئذ فلا تعارضه آيتنا هذه { لا إكراه في الدين } .
النوع الثالث : مَا غُيِّيَ بغاية كقوله تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } [ البقرة : 193 ] ، فيتعين أن يكون منسوخاً بهاته الآية وآيةِ { حتى يعطوا الجزية } [ التوبة : 29 ] كما نُسخ حديثُ " أمرتُ أن أقاتل الناس " هذا ما يظهر لنا في معنى الآية ، والله أعلم .
ولأهل العلم قبلنا فيها قولان : الأول قال ابن مسعود وسليمان بن موسى : هي منسوخة بقوله { يأيها النبي جاهد الكفّار والمنافقين } [ التوبة : 73 ] ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم أكره العرب على الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلاّ به . ولعلهما يريدان من النسخ معنى التخصيص . والاستدلال على نسخها بقتال النبي صلى الله عليه وسلم العربَ على الإسلام ، يعارضه أنّه عليه السلام أخذ الجزية من جميع الكفّار ، فوجه الجمع هو التنصيص . القول الثاني أنها محكّمة ولكنّها خاصة ، فقال الشعبي وقتادة والحسن والضحاك هي خاصة بأهل الكتاب فإنّهم لا يُكْرَهون على الإسلام إذا أدّوا الجزية وإنّما يجبر على الإسلام أهل الأوثان ، وإلى هذا مال الشافعي فقال : إنّ الجزية لا تؤخذ إلاّ من أهل الكتاب والمجوسسِ . قال ابن العربي في الأحكام «وعلى هذا فكل من رأى قبول الجزية من جنسسٍ يَحمل الآية عليه» ، يعني مع بقاء طائفة يتحقق فيها الإكراه . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد : نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا في الجاهلية إذا كانت المرأة منهم مِقلاتاً أي لا يعيش لها ولد تنذر إن عاش لها ولد أن تهوّده ، فلما جاء الإسلام وأسلموا كان كثير من أبناء الأنصار يهودا فقالوا : لا ندع أبناءنا بل نكرههم على الإسلام ، فأنزل الله تعالى : { لا إكراه في الدين } .
وقال السدي : نزلت في قصة رجل من الأنصار يقال له أبو حُصَين من بني سلِمة بن عَوف وله ابنان جاء تجّار من نصارى الشام إلى المدينة فدعَوْهما إلى النصرانية ، فتنصّرا وخرجا معهم ، فجاء أبوهما فشكا للنبيء صلى الله عليه وسلم وطلب أن يبعث من يردّهما مكرهين فنزلت { لا إكراه في الدين } ، ولم يؤمر يومئذ بالقتال ثم نسخ ذلك بآيات القتال . وقيل : إن المراد بنفي الإكراه نفي تأثيره في إسلام من أسلم كرهاً فراراً من السيف ، على معنى قوله تعالى : { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا } [ النساء : 94 ] . وهذا القول تأويل في معنى الإكراه وحمل للنفي على الإخبار دون الأمر .
وقيل : إنّ المراد بالدين التوحيد ودين له كتاب سماوي وإنّ نفي الإكراه نهي ، والمعنى لا تكرهوا السبايا من أهل الكتاب لأنّهنّ أهل دين وأكرهُوا المجوس منهم والمشركات .
وقوله : { قد تبين الرشد من الغيّ } واقع موقع العلة لقوله : { لا إكراه في الدين } ولذلك فصلت الجملة .
والرشد بضم فسكون ، وبفتح ففتح الهُدى وسداد الرأي ، ويقابله الغيّ والسفه ، والغيّ الضلال ، وأصله مصدرُ غَوَى المتعدي فأصله غَوْي قلبت الواو ياء ثم أدغمتا . وضُمّن تبيّن معنى تميز فلذلك عدي بمَن ، وإنّما تبيّن ذلك بدعوة الإسلام وظهوره في بلد مستقل بعد الهجرة .
وقوله : { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } تفريع على قوله : { قد تبيّن الرشد من الغي } إذ لم يبق بعد التبيين إلاّ الكفرُ بالطاغوت ، وفيه بيان لنفي الإكراه في الدين؛ إذ قد تفرّع عن تميّز الرشد من الغي ظهور أنّ متّبع الإسلام مستمسك بالعروة الوثقى فهو ينساق إليه اختياراً .
والطاغوت الأوثان والأصنام ، والمسلمون يسمّون الصَّنم الطاغية ، وفي الحديث : " كانوا يهلون لمناة الطاغية " ويجمعون الطاغوت على طواغيت ، ولا أحسبه ألاّ من مصطلحات القرآن وهو مشتق من الطغيان وهو الارتفاع والغلو في الكبر وهو مذموم ومكروه . ووزن طاغوت على التحقيق طَغَيُوت فَعَلُوت من أوزان المصادر مثل مَلَكوت ورَهَبوت وَرَحَمُوت فوقع فيه قلب مكاني بين عينه ولامه فصيرُ إلى فَلَعوت طيَغوت ليتأتى قلب اللام ألفاً فصار طَاغوت ، ثم أزيل عنه معنى المصدر وصار اسماً لطائفة مما فيه هذا المصدر فصار مثل مَلَكوت في أنه اسم طائفة مما فيه معنى المصدر لا مثل رَحَموت ورهبوت في أنّهما مصدران فتاؤه زائدة ، وجعل علماً على الكفر وعلى الأصنام ، وأصله صفة بالمصدر ويطلق على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كشأن المصادر .
وعطف { ويؤمن بالله } على الشرط لأنّ نبذ عبادة الأصنام لا مزيّة فيه إن لم يكن عَوّضها بعبادة الله تعالى .
ومعنى استمسك تمسك ، فالسينُ والتاء للتأكيد كقوله : { فاستمسكْ بالذي أُوحيَ إليك } [ الزخرف : 43 ] وقوله : { فاستجاب لهم ربهم } [ آل عمران : 195 ] وقول النابغة : «فاستنكحوا أمّ جابر» إذ لا معنى لطلب التمسك بالعروة الوثقى بعد الإيمان ، بل الإيمان التمسك نفسه .
والعروة بضم العين ما يُجعل كالحلْقة في طرف شيء ليقبض على الشيء منه ، فللدّلوْ عروة وللكُوز عُروة ، وقد تكون العروة في حبل بأن يشدّ طرفه إلى بعضه ويعقد فيصير مثل الحلقة فيه ، فلذلك قال في «الكشاف» : العروة الوثقى من الحبل الوثيق .
و { الوثقى } المحكمة الشدّ . { ولا انفصام لها } أي لا انقطاع ، والفصم القطع بتفريق الاتصال دون تجزئة بخلاف القصم بالقاف فهو قطع مع إبانة وتجزئة .
والاستمساك بالعروة الوثقى تمثيلي ، شبهت هيأة المؤمن في ثباته على الإيمان بهيأة من أمسك بعروة وثقى من حَبل وهو راكب على صَعب أو في سفينة في هَول البحر ، وهي هيأة معقولة شبهت بهيأة محسوسة ، ولذلك قال في «الكشاف» «وهذا تمثيل للمعلوم بالنظَر ، بالمشاهَد» وقد أفصح عنه في تفسير سورة لقمان إذ قال «مثلت حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه» ، فالمعنى أنّ المؤمن ثابت اليقين سالم من اضطراب القلب في الدنيا وهو ناج من مَهاوي السقوط في الآخرة كحال من تمسك بعروة حبل متين لا ينفصم .
وقد أشارت الآية إلى أنّ هذه فائدة المؤمن تنفعه في دنياه بأن يكون على الحق والبصيرة وذلك ممّا تطلبه النفوس ، وأشارت إلى فائدة ذلك في الآخرة بقوله : { والله سميع عليم } الذي هو تعريض بالوعد والثواب .
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تحميل سورة البقرة mp3 :
سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب