تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 251 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾
[ سورة البقرة: 251]

معنى و تفسير الآية 251 من سورة البقرة : فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه


من هاهنا نعلم أن جالوت وجنوده كانوا كفارا، فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لإتيانهم بالأسباب الموجبة لذلك، ونصرهم عليهم فهزموهم بإذن الله وقتل داود عليه السلام، وكان مع جنود طالوت، جالوت - أي: باشر قتل ملك الكفار بيده لشجاعته وقوته وصبره وآتاه الله - أي: آتى الله داود الملك والحكمة - أي: منَّ عليه بتملكه على بني إسرائيل مع الحكمة، وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم، ولهذا قال وعلمه مما يشاء من العلوم الشرعية والعلوم السياسية، فجمع الله له الملك والنبوة، وقد كان من قبله من الأنبياء يكون الملك لغيرهم، فلما نصرهم الله تعالى اطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله آمنين مطمئنين لخذلان أعدائهم وتمكينهم من الأرض، وهذا كله من آثار الجهاد في سبيله، فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض - أي: لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه ولكن الله ذو فضل على العالمين حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الأرض بأسباب يعلمونها، وأسباب لا يعلمونها.

تفسير البغوي : مضمون الآية 251 من سورة البقرة


( فهزموهم بإذن الله ) أي بعلم الله تعالى ( وقتل داود جالوت ) وصفة قتله : قال أهل التفسيرعبر النهر مع طالوت فيمن عبر إيشا أبو داود في ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغرهم وكان يرمي بالقذافة فقال لأبيه يوما يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته فقال : أبشر يا بني فإن الله جعل رزقك في قذافتك ثم أتاه مرة أخرى فقال : يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا فركبته فأخذت بأذنيه فلم يهجني فقال : أبشر يا بني فإن هذا خير يريده الله بك ثم أتاه يوما آخر فقال : يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح فما يبقى جبل إلا سبح معي ، فقال : أبشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه الله تعالى فأرسل جالوت إلى طالوت أن ابرز إلي أو أبرز إلي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فشق ذلك على طالوت فنادى في عسكره : من قتل جالوت زوجته ابنتي وناصفته ملكي فهاب الناس جالوت فلم يجبه أحد فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله تعالى فدعا الله في ذلك فأتى بقرن فيه دهن القدس وتنور في حديد فقيل: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي الدهن حتى يدهن منه رأسه ولا يسيل على وجهه ويكون على رأسه كهيئة الإكليل ويدخل في هذا التنور فيملؤه ولا يتقلقل فيه فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم فلم يوافقه منهم أحد فأوحى الله إلى نبيهم أن في ولد إيشا من يقتل الله به جالوت فدعا طالوت إيشا فقال : اعرض علي بنيك فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا فقال : لإيشا هل بقي لك ولد غيرهم فقال : لا فقال النبي : يا رب إنه زعم أن لا ولد له غيرهم فقال كذب فقال النبي : إن ربي كذبك فقال : صدق الله يا نبي الله إن لي ابنا صغيرا يقال له داود استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته ( فخلفته ) في الغنم يرعاها وهو في شعب كذا وكذا وكان داود رجلا قصيرا مسقاما مصفارا أزرق أمعر ، فدعاه طالوت ويقال : بل خرج طالوت إليه فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها فوجده يحمل شاتين يجيز بهما السيل ولا يخوض بهما الماء فلما رآه قال : هذا هو لا شك فيه هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم فدعاه ووضع القرن على رأسه ففاض فقال طالوت : هل لك أن تقتل جالوت وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي قال : نعم قال : وهل آنست من نفسك شيئا تتقوى به على قتله؟ قال : نعم أنا أرعى فيجيء الأسد أو النمر أو الذئب فيأخذ شاة فأقوم إليه فأفتح لحييه عنها وأضرقها إلى قفاه فرده إلى عسكره فمر داود عليه السلام في طريقه بحجر فناداه الحجر يا داود احملني فإني حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا فحمله في مخلاته ثم مر بحجر آخر فقال : احملني فإني حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا فحمله في مخلاته ثم مر بحجر آخر فقال : احملني فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت فوضعها في مخلاته فلما تصافوا للقتال وبرز جالوت وسأل المبارزة انتدب له داود فأعطاه طالوت فرسا ودرعا وسلاحا فلبس السلاح وركب الفرس وسار قريبا ثم انصرف إلى الملك فقال من حوله جبن الغلام فجاء فوقف على الملك فقال : ما شأنك؟ فقال : إن الله إن لم ينصرني لم يغن عني هذا السلاح شيئا فدعني أقاتل كما أريد قال : فافعل ما شئت قال : نعم فأخذ داود مخلاته فتقلدها وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت وكان جالوت من أشد الرجال وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد فلما نظر إلى داود ألقي في قلبه الرعب فقال له : أنت تبرز إلي؟ قال : نعم .
وكان جالوت على فرس أبلق عليه السلاح التام قال : فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب؟ قال : نعم أنت شر من الكلب قال لا جرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء قال داود : أو يقسم الله لحمك فقال داود : باسم إله إبراهيم وأخرج حجرا ثم أخرج الآخر وقال : باسم إله إسحاق ووضعه في مقلاعه ثم أخرج الثالث وقال : باسم إله يعقوب ووضعه في مقلاعه فصارت كلها حجرا واحدا ودور داود المقلاع ورمى به فسخر الله له الريح حتى أصاب الحجر أنف البيضة فخالط دماغه وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلا وهزم الله تعالى الجيش وخر جالوت قتيلا فأخذه يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت ففرح المسلمون فرحا شديدا وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين والناس يذكرون داود فجاء داود طالوت وقال انجز لي ما وعدتني فقال : أتريد ابنة الملك بغير صداق؟ فقال داود : ما شرطت علي صداقا وليس لي شيء فقال لا أكلفك إلا ما تطيق أنت رجل جريء وفي حيالنا أعداء لنا غلف فإذا قتلت منهم مائتي رجل وجئتني بغلفهم زوجتك ابنتي فأتاهم فجعل كلما قتل واحدا منهم نظم غلفته في خيط حتى نظم غلفهم فجاء بها إلى طالوت فألقى إليه وقال ادفع إلي امرأتي فزوجه ابنته وأجرى خاتمه في ملكه فمال الناس إلى داود وأحبوه وأكثروا ذكره فحسده طالوت وأراد قتله فأخبر ذلك ابنة طالوت رجل يقال له ذو العينين فقالت لداود إنك مقتول في هذه الليلة قال : ومن يقتلني؟ قالت أبي قال وهل أجرمت جرما قالت : حدثني من لا يكذب ولا عليك أن تغيب هذه الليلة حتى تنظر مصداق ذلك فقال : لئن كان أراد الله ذلك لا أستطيع خروجا ولكن ائتيني بزق خمر فأتت به فوضعه في مضجعه على السرير وسجاه ودخل تحت السرير فدخل طالوت نصف الليل فقال لها : أين بعلك؟ فقالت : هو نائم على السرير فضربه بالسيف ضربة فسال الخمر فلما وجد ريح الشراب قال : يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر وخرج .
فلما أصبح علم أنه لم يفعل شيئا فقال : إن رجلا طلبت منه ما طلبت لخليق أن لا يدعني حتى يدرك مني ثأره فاشتد حجابه وحراسه وأغلق دونه أبوابه ثم إن داود أتاه ليلة وقد هدأت العيون فأعمى الله سبحانه الحجبة وفتح له الأبواب فدخل عليه وهو نائم على فراشه فوضع سهما عند رأسه وسهما عند رجليه وسهما عن يمينه وسهما عن شماله ثم خرج فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال : يرحم الله تعالى داود هو خير مني ظفرت به فقصدت قتله وظفر بي فكف عني ولو شاء لوضع هذا السهم في حلقي وما أنا بالذي آمنه فلما كانت القابلة أتاه ثانيا وأعمى الله الحجاب فدخل عليه وهو نائم فأخذ إبريق طالوت الذي كان يتوضأ منه وكوزه الذي كان يشرب منه وقطع شعرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه ثم خرج وهرب وتوارى فلما أصبح طالوت ورأى ذلك سلط على داود العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه ثم إن طالوت ركب يوما فوجد داود يمشي في البرية فقال : اليوم أقتله فركض على أثره فاشتد داود وكان إذا فزع لم يدرك فدخل غارا فأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فنسج عليه بيتا فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت قال : لو كان دخل هاهنا لخرق بناء العنكبوت فتركه ومضى فانطلق داود وأتى الجبل مع المتعبدين فتعبد فيه فطعن العلماء والعباد على طالوت في شأن داود فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلا قتله وأغرى بقتل العلماء فلم يكن يقدر على عالم في بني إسرائيل يطيق قتله إلا قتله حتى أتي بامرأة تعلم اسم الله الأعظم فأمر خبازه بقتلها فرحمها الخباز وقال : لعلنا نحتاج إلى عالم فتركها فوقع في قلب طالوت التوبة وندم على ما فعل وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس .
وكان كل ليلة يخرج إلى القبور فيبكي وينادي : أنشد الله عبدا يعلم أن لي توبة إلا أخبرني بها فلما أكثر عليهم ناداه مناد من القبور يا طالوت أما ترضى أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتا فازداد بكاء وحزنا فرحمه الخباز فقال : ما لك أيها الملك؟ قال : هل تعلم لي في الأرض عالما أسأله هل لي من توبة فقال الخباز : إنما مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء فصاح الديك فتطير منه فقال : لا تتركوا في القرية ديكا إلا ذبحتموه فلما أراد أن ينام قال لأصحابه : إذا صاح الديك فأيقظونا حتى ندلج فقالوا له : وهل تركت ديكا نسمع صوته؟ ولكن هل تركت عالما في الأرض؟ فازداد حزنا وبكاء فلما رأى الخباز ذلك قال له : أرأيتك إن دللتك على عالم لعلك أن تقتله قال : لا فتوثق عليه الخباز فأخبره أن المرأة العالمة عنده قال : انطلق بي إليها أسألها هل لي من توبة؟ وكانت من أهل بيت يعلم الاسم الأعظم فإذا فنيت رجالهم علمت نساؤهم فلما بلغ طالوت الباب قال الخباز إنها إذا رأتك فزعت فخلفه خلفه ثم دخله عليها فقال لها : ألست أعظم الناس منة عليك أنجيتك من القتل وآويتك قالت : بلى قال : فإن لي إليك حاجة هذا طالوت يسأل هل لي من توبة؟ فغشي عليها من الفرق فقال لها : إنه لا يريد قتلك ولكن يسألك : هل له من توبة؟ قالت : لا والله لا أعلم لطالوت توبة ولكن هل تعلمون مكان قبر نبي؟ فانطلق بهما إلى قبر إشمويل فصلت ودعت ثم نادت يا صاحب القبر فخرج إشمويل من القبر ينفض رأسه من التراب فلما نظر إلى ثلاثتهم قال : ما لكم أقامت القيامة؟ قالت : لا ولكن طالوت يسألك : هل له من توبة؟ قال إشمويل : يا طالوت ما فعلت بعدي؟ قال : لم أدع من الشر شيئا إلا فعلته وجئت أطلب التوبة قال : كم لك من الولد؟ قال : عشرة رجال قال : ما أعلم لك من توبة إلا أن تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك في سبيل الله ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا بين يديك ثم تقاتل أنت حتى تقتل آخرهم؟ ثم رجع إشمويل إلى القبر وسقط ميتا ورجع طالوت أحزن ما كان رهبة أن لا يتابعه ولده وقد بكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فدخل عليه أولاده فقال لهم : أرأيتم لو دفعت إلى النار هل كنتم تفدونني؟ قالوا : نعم نفديك بما قدرنا عليه قال : فإنها النار إن لم تفعلوا ما أقول لكم قالوا : فاعرض علينا فذكر لهم القصة قالوا : وإنك لمقتول قال : نعم قالوا : فلا خير لنا في الحياة بعدك قد طابت أنفسنا بالذي سألت فتجهز بماله وولده فتقدم ولده وكانوا عشرة فقاتلوا بين يديه حتى قتلوا ثم شد هو بعدهم حتى قتل فجاء قاتله إلى داود ليبشره وقال : قتلت عدوك فقال داود : ما أنت بالذي تحيا بعده فضرب عنقه وكان ملك طالوت إلى أن قتل أربعين سنة وأتى بنو إسرائيل إلى داود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه على أنفسهم .
قال الكلبي والضحاك : ملك داود بعد قتل طالوت سبع سنين ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود فذلك قوله تعالى : ( وآتاه الله الملك والحكمة ) يعني : النبوة; جمع الله لداود بين الملك والنبوة ولم يكن من قبل بل كان الملك في سبط والنبوة في سبط وقيل: الملك والحكمة هو العلم مع العمل .
قوله تعالى : ( وعلمه مما يشاء ) قال الكلبي وغيره يعني صنعة الدروع وكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل إلا من عمل يده وقيل: منطق الطير ( وكلام الحكل ) والنمل والكلام الحسن وقيل هو الزبور وقيل هو الصوت الطيب والألحان فلم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوته وكان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها وتظله الطير مصيخة له ويركد الماء ( الجاري ) ويسكن الريح .
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما هو أن الله تعالى أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة ورأسها عند صومعته قوتها قوة الحديد ولونها لون النار وحلقها مستديرة مفصلة بالجواهر مدسرة بقضبان اللؤلؤ الرطب فلا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة فعلم داود ذلك الحدث ولا يمسها ذو عاهة إلا برئ وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود عليه السلام إلى أن رفعت فمن تعدى على صاحبه وأنكر له حقا أتى السلسلة فمن كان صادقا مد يده إلى السلسلة فتناولها ومن كان كاذبا لم ينلها فكانت كذلك إلى أن ظهر بهم المكر والخديعة فبلغنا أن بعض ملوكها أودع رجلا جوهرة ثمينة فلما استردها أنكر فتحاكما إلى السلسلة فعمد الذي عنده الجوهرة إلى عكازة فنقرها وضمنها الجوهرة واعتمد عليها حتى حضر السلسلة فقال صاحب الجوهرة : رد علي الوديعة فقال صاحبه : ما أعرف لك عندي من وديعة فإن كنت صادقا فتناول السلسلة فتناولها بيده فقيل للمنكر : قم أنت فتناولها فقال لصاحب الجوهرة : خذ عكازي هذه فاحفظها حتى أتناول السلسلة فأخذها عنده ثم قام المنكر نحو السلسلة فأخذها فقال الرجل : اللهم إن كنت تعلم أن هذه الوديعة التي يدعيها علي قد وصلت إليه فقرب مني السلسلة فمد يده فتناولها فتعجب القوم وشكوا فيها فأصبحوا وقد رفع الله السلسلة .
قوله تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) قرأ أهل المدينة ويعقوب " دفاع الله " ) بالألف هاهنا وفي سورة الحج وقرأ الآخرون بغير الألف لأن الله تعالى لا يغالبه أحد وهو الدافع وحده ومن قرأ بالألف قال : قد يكون الدفاع من واحد مثل قول العرب : أحسن الله عنك الدفاع ، قال ابن عباس ومجاهد : ولولا دفع الله بجنود المسلمين لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المؤمنين وخربوا المساجد والبلاد وقال سائر المفسرين : لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض بمن فيها ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر وبالصالح عن الفاجر .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله بن فنجويه أنا أبو بكر بن خرجة أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل أنا أبو حميد الحمصي أنا يحيى بن سعيد العطار أنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة عن وبرة عن عبد الرحمن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء " ثم قرأ " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض.
.
( لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) .

التفسير الوسيط : فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه


فماذا كانت نتيجة هذا الدعاء الخاشع الخالص؟ كانت نتيجته النصر المؤزر الذي حكاه القرآن في قوله: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ.
وأصل الهزم في اللغة الكسر.
ومنه سقاء منهزم أى انثنى بعضه على بعض مع الجفاف.
ويقال للسحاب هزيم، لأنه يتشقق بالمطر.
والفاء هنا فصيحة أو سببية أى أنهم بسبب دعائهم المخلص، وإيمانهم القوى، واستجابتهم لما أمرهم الله به، استطاعوا أن يكسروا أعداءهم ويهزموهم، وقوله: بِإِذْنِ اللَّهِ أى بتوفيقه وتيسيره وتأييده.
والباء إما للاستعانة والسببية وإما للمصاحبة.
ثم قال-تبارك وتعالى-: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ أى: وقتل داود بن إيشا- وكان في جيش طالوت- جالوت الذي كان يقود جيش الكفر، وبقتله مزق أتباعه شر ممزق، ورزق الله طالوت ومن معه النصر والغلبة.
ثم بين- سبحانه - ما منحه لداود من نعم فقال: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ والحكمة المراد بها هنا النبوة، ولم يجتمع الملك والنبوة لأحد قبله في بنى إسرائيل، وورثه فيهما ابنه سليمان- عليه السلام-.
أى: وأعطى الله-تبارك وتعالى- عبده داود ملك بنى إسرائيل وأعطاه النبوة التي هي أشرف من الملك زيادة في ترقيته في درجات الشرف والكمال، وعلمه- سبحانه - مما يشاء من فنون العلم، ومن أمور الدين والدنيا كمعرفته لغة الطيور، وكلام الدواب، وصناعة آلات الحرب وغير ذلك من ألوان العلوم المختلفة التي لا تحدها إلا مشيئة الله وإرادته.
وفي قوله-تبارك وتعالى-: وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ بعد الإخبار بأنه- سبحانه - آتى داود الحكمة، إشعار بأن الإنسان لا يستغنى عن التعلم سواء أكان نبيا أم لم يكن، لأن داود- عليه السلام- مع حصوله على النبوة لم يستغن عن تعليم الله إياه، وقد أمر الله-تبارك وتعالى- نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم أن يلتمس المزيد من العلم فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.
ثم بين- سبحانه - بعض مظاهر فضله على عباده فقال: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.
أى: ولولا أن الله-تبارك وتعالى- يدفع أهل الباطل بأهل الحق، لفسدت الأرض، وعمها الخراب لأن أهل الفساد إذا تركوا من غير أن يقاوموا استطارت شرورهم، وتغلبوا على أهل الصلاح والاستقامة، وتعطلت مصالح الناس، وانتشر الفساد في الأرض.
فلولا في الجملة الكريمة حرف امتناع لوجود.
أى: امتنع فساد الأرض لأجل وجود دفع الناس بعضهم ببعض.
فالجملة الكريمة تأمر الأخيار في كل زمان ومكان أن يقفوا في وجوه الأشرار، وأن يقاوموهم بكل وسيلة من شأنها أن تحول بينهم وبين الفساد والطغيان.
ثم ختم- سبحانه - الآية بقوله: وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ.
أى: ولكن الله-تبارك وتعالى- صاحب فضل عظيم، وإنعام كبير على الناس أجمعين، لأنه وضع لهم هذا التنظيم الحكيم الذي أوجب فيه على المصلحين أن يدافعوا المفسدين، وأن يقاوموهم بالطريقة التي تمنع فسادهم حتى ولو أدى ذلك إلى رفع السلاح في وجوههم، لأن السكوت عن فساد المفسدين سيؤدي إلى العقاب الذي يعمهم ويصيب معهم المصلحين.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 251 من سورة البقرة


قال الله تعالى : ( فهزموهم بإذن الله ) أي : غلبوهم وقهروهم بنصر الله لهم ( وقتل داود جالوت ) ذكروا في الإسرائيليات : أنه قتله بمقلاع كان في يده رماه به فأصابه فقتله ، وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته ويشركه في أمره فوفى له ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله به من النبوة العظيمة ; ولهذا قال تعالى : ( وآتاه الله الملك ) الذي كان بيد طالوت ( والحكمة ) أي : النبوة بعد شمويل ( وعلمه مما يشاء ) أي : مما يشاء الله من العلم الذي اختصه به صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) أي : لولاه يدفع عن قوم بآخرين ، كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود لهلكوا كما قال : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) الآية [ الحج : 40 ] .وقال ابن جرير ، رحمه الله : حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء " . ثم قرأ ابن عمر : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) وهذا إسناد ضعيف فإن يحيى بن سعيد [ هذا ] هو أبو زكريا العطار الحمصي وهو ضعيف جدا .ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو حميد الحمصي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ، ولا يزالون في حفظ الله عز وجل ما دام فيهم " .وهذا أيضا غريب ضعيف لما تقدم أيضا . وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم أخبرنا علي بن إسماعيل بن حماد أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد أخبرنا زيد بن الحباب ، حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رفع الحديث قال : " لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون حتى يأتي أمر الله " .وقال ابن مردويه أيضا : وحدثنا محمد بن أحمد حدثنا محمد بن جرير بن يزيد ، حدثنا أبو معاذ نهار بن عثمان الليثي أخبرنا زيد بن الحباب أخبرني عمر البزار ، عن عنبسة الخواص ، عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض ، وبهم تمطرون وبهم تنصرون " قال قتادة : إني لأرجو أن يكون الحسن منهم .وقوله : ( ولكن الله ذو فضل على العالمين ) أي : من عليهم ورحمة بهم ، يدفع عنهم ببعضهم بعضا وله الحكم والحكمة والحجة على خلقه في جميع أفعاله وأقواله .

تفسير الطبري : معنى الآية 251 من سورة البقرة


فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوتالقول في تأويل قوله تعالى : فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت يعني تعالى ذكره بقوله : فهزم طالوت وجنوده أصحاب جالوت , وقتل داود جالوت .
وفي هذا الكلام متروك ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ظهر منه عليه .
وذلك أن معنى الكلام : ولما برزوا لجالوت وجنوده , قالوا : ربنا أفرغ علينا صبرا , وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ! فاستجاب لهم ربهم , فأفرغ عليهم صبره , وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين , فهزموهم بإذن الله .
ولكنه ترك ذكر ذلك اكتفاء بدلالة قوله : فهزموهم بإذن الله على أن الله قد أجاب دعاءهم الذي دعوه به .
ومعنى قوله : فهزموهم بإذن الله قتلوهم بقضاء الله وقدره , يقال منه : هزم القوم الجيش هزيمة وهزيمي .
وقتل داود جالوت وداود هذا هو داود بن إيشا نبي الله صلى الله عليه وسلم .
وكان سبب قتله إياه كما : 4477 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا بكار بن عبد الله , قال : سمعت وهب بن منبه يحدث , قال : لما خرج , أو قال : لما برز طالوت لجالوت , قال جالوت : أبرزوا لي من يقاتلني , فإن قتلني , فلكم ملكي , وإن قتلته فلي ملككم ! فأتي بداود إلى طالوت , فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله .
فألبسه طالوت سلاحا , فكره داود أن يقاتله , وقال : إن الله لم ينصرني عليه لم يغن السلاح .
فخرج إليه بالمقلاع وبمخلاة فيها أحجار , ثم برز له , قال له جالوت : أنت تقاتلني ؟ قال داود : نعم .
قال : ويلك أما تخرج إلي إلا كما يخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة ؟ لأبددن لحمك , ولأطعمنه اليوم الطير والسباع ! فقال له داود : بل أنت عدو الله شر من الكلب .
فأخذ داود حجرا ورماه بالمقلاع , فأصابت بين عينيه حتى نفذت في دماغه , فصرع جالوت , وانهزم من معه , واحتز داود رأسه .
فلما رجعوا إلى طالوت ادعى الناس قتل جالوت , فمنهم من يأتي بالسيف وبالشيء من سلاحه أو جسده , وخبأ داود رأسه , فقال طالوت : من جاء برأسه فهو الذي قتله .
فجاء به داود .
ثم قال لطالوت : أعطني ما وعدتني ! فندم طالوت على ما كان شرط له , وقال : إن بنات الملوك لا بد لهن من صداق , وأنت رجل جريء شجاع , فاحتمل صداقها ثلثمائة غلفة من أعدائنا ! وكان يرجو بذلك أن يقتل داود .
فغزا داود وأسر منهم ثلثمائة , وقطع غلفهم وجاء بها , فلم يجد طالوت بدا من أن يزوجه .
ثم أدركته الندامة , فأراد قتل داود حتى هرب منه إلى الجبل , فنهض إليه طالوت فحاصره .
فلما كان ذات ليلة سلط النوم على طالوت وحرسه , فهبط إليهم داود , فأخذ إبريق طالوت الذي كان يشرب منه ويتوضأ , وقطع شعرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه , ثم رجع داود إلى مكانه , فناده أن حرسك , فإني لو شئت أقتلك البارحة فعلت , فإنه هذا إبريقك وشيء من شعر لحيتك وهدب ثيابك , وبعث إليه .
فعلم طالوت أنه لو شاء قتله , فعطفه ذلك عليه فأمنه , وعاهده بالله لا يرى منه بأسا .
ثم انصرف .
ثم كان في آخر أمر طالوت أنه كان يدس لقتله , وكان طالوت لا يقاتل عدوا إلا هزم , حتى مات .
قال بكار : وسئل وهب وأنا أسمع : أنبيا كان طالوت يوحى إليه ؟ فقال : لم يأته وحي , ولكن كان معه نبي يقال له أشمويل , يوحى إليه , وهو الذي ملك طالوت .
4478 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : كان داود النبي وإخوة له أربعة , معهم أبوهم شيخ كبير , فتخلف أبوهم وتخلف معه داود من بين إخوته في غنم أبيه يرعاها له , وكان من أصغرهم وخرج إخوته الأربعة مع طالوت , فدعاه أبوه وقد تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض .
قال ابن إسحاق : وكان داود فيما ذكر لي بعض أهل العلم عن وهب بن منبه رجلا قصيرا أزرق قليل شعر الرأس , وكان طاهر القلب نقيه , فقال له أبوه : يا بني إنا قد صنعنا لإخوتك زادا يتقوون به على عدوهم , فاخرج به إليهم , فإذا دفعته إليهم فأقبل إلي سريعا ! فقال : أفعل .
فخرج وأخذ معه ما حمل لإخوته , ومعه مخلاته التي يحمل فيها الحجارة ومقلاعه الذي كان يرمي به عن غنمه .
حتى إذا فصل من عند أبيه , فمر بحجر , فقال : يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت , فإني حجر يعقوب ! فأخذه فجعله في مخلاته , ومشى .
فبينا هو يمشي إذ مر بحجر آخر , فقال : يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت , فإني حجر إسحاق ! فأخذه فجعله في مخلاته , ثم مضى .
فبينا هو يمشي إذ مر بحجر , فقال : يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت , فإني حجر إبراهيم ! فأخذه فجعله في مخلاته .
ثم مضى بما معه حتى انتهى إلى القوم , فأعطى إخوته ما بعث إليهم معه .
وسمع في العسكر خوض الناس بذكر جالوت , وعظم شأنه فيهم , وبهيبة الناس إياه , ومما يعظمون من أمره , فقال لهم : والله إنكم لتعظمون من أمر هذا العدو شيئا ما أدري ما هو , والله إني لو أراه لقتلته , فأدخلوني على الملك ! فأدخل على الملك طالوت , فقال : أيها الملك إني أراكم تعظمون شأن هذا العدو , والله إني لو أراه لقتلته ! فقال : يا بني ما عندك من القوة على ذلك ؟ وما جربت من نفسك ؟ قال : قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي , فأدركه فآخذ برأسه , فأفك لحييه عنها , فآخذها من فيه , فادع لي بدرع حتى ألقيها علي ! فأتي بدرع , فقذفها في عنقه ومثل فيها فملأ عين طالوت ونفسه ومن حضر من بني إسرائيل , فقال طالوت : والله لعسى الله أن يهلكه به ! فلما أصبحوا رجعوا إلى جالوت , فلما التقى الناس قال داود : أروني جالوت ! فأروه إياه على فرس عليه لامته ; فلما رآه جعلت الأحجار الثلاثة تواثب من مخلاته , فيقول هذا : خذني ! ويقول هذا : خذني ! ويقول هذا : خذني ! فأخذ أحدها فجعله في مقذافه , ثم قتله به , ثم أرسله فصك بين عيني جالوت فدمغه , وتنكس عن دابته فقتله .
ثم انهزم جنده , وقال الناس : قتل داود جالوت , وخلع طالوت .
وأقبل الناس على داود مكانه , حتى لم يسمع لطالوت بذكر ; إلا أن أهل الكتاب يزعمون أنه لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود , هم بأن يغتال داود وأراد قتله فصرف الله ذلك عنه وعن داود وعرف خطيئته , والتمس التوبة منها إلى الله .
وقد روي عن وهب بن منبه في أمر طالوت وداود قول خلاف الروايتين اللتين ذكرنا قبل , وهو ما : 4479 - حدثني به المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه , قال : لما سلمت بنو إسرائيل الملك لطالوت أوحى إلى نبي بني إسرائيل أن قل لطالوت : فليغز أهل مدين , فلا يترك فيها حيا إلا قتله , فإني سأظهره عليهم ! فخرج بالناس حتى أتى مدين , فقتل من كان فيها إلا ملكهم , فإنه أسره , وساق مواشيهم .
فأوحى الله إلى أشمويل : ألا تعجب من طالوت إذ أمرته فاختان فيه , فجاء بملكهم أسيرا , وساق مواشيهم , فالقه فقل له : لأنزعن الملك من بيته , ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة , فإني إنما أكرم من أطاعني , وأهين من هان عليه أمري ! فلقيه , فقال ما صنعت ؟ لم جئت بملكهم أسيرا , ولم سقت مواشيهم ؟ قال : إنما سقت المواشي لأقربها .
قال له أشمويل : إن الله قد نزع من بيتك الملك , ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة .
فأوحى الله إلى أشمويل أن انطلق إلى إيشا , فيعرض عليك بنيه , فادهن الذي آمرك بدهن القدس يكن ملكا على بني إسرائيل ! فانطلق حتى أتى إيشا , فقال : اعرض علي بنيك ! فدعا إيشا أكبر ولده , فأقبل رجل جسيم حسن المنظر , فلما نظر إليه أشمويل أعجبه , فقال : الحمد لله إن الله لبصير بالعباد ! فأوحى الله إليه : إن عينيك تبصران ما ظهر , وإني أطلع على ما في القلوب ليس بهذا , اعرض علي غيره , فعرض عليه ستة في كل ذلك يقول : ليس بهذا , فقال : هل لك من ولد غيرهم ؟ فقال : بني لي غلام وهو راع في الغنم .
فقال : أرسل إليه ! فلما أن جاء داود جاء غلام أمعر , فدهنه بدهن القدس , وقال لأبيه : اكتم هذا , فإن طالوت لو يطلع عليه قتله ; فسار جالوت في قومه إلى بني إسرائيل , فعسكر وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر , وتهيئوا للقتال , فأرسل جالوت إلى طالوت : لم تقتل قومي وأقتل قومك ؟ ابرز لي أو أبرز لي من شئت , فإن قتلتك كان الملك لي , وإن قتلتني كان الملك لك ! فأرسل طالوت في عسكره صائحا من يبرز لجالوت , فإن قتله , فإن الملك ينكحه ابنته , ويشركه في ملكه .
فأرسل إيشا داود إلى إخوته وكانوا في العسكر , فقال : اذهب فرد إخوتك , وأخبرني خبر الناس ماذا صنعوا .
فجاء إلى إخوته , وسمع صوتا : إن الملك يقول : من يبرز لجالوت فإن قتله أنكحه الملك ابنته .
فقال داود لإخوته : ما منكم رجل يبرز لجالوت فيقتله , وينكح ابنة الملك ؟ فقالوا : إنك غلام أحمق , ومن يطيق جالوت وهو من بقية الجبارين ؟ فلما لم يرهم رغبوا في ذلك , قال : فأنا أذهب فأقتله ! فانتهروه وغضبوا عليه .
فلما غفلوا عنه , ذهب حتى جاء الصائح , فقال : أنا أبرز لجالوت .
فذهب به إلى الملك , فقال له : لم يجبني أحد إلا غلام من بني إسرائيل هو هذا ؟ قال : يا بني أنت تبرز لجالوت فتقاتله ؟ قال : نعم .
قال : وهل آنست من نفسك شيئا ؟ قال : نعم , كنت راعيا في الغنم , فأغار علي الأسد , فأخذت بلحييه ففككتهما .
فدعا له بقوس وأداة كاملة , فلبسها وركب الفرس , ثم سار منهم قريبا .
ثم صرف فرسه , فرجع إلى الملك , فقال الملك ومن حوله : جبن الغلام ! فجاء فوقف على الملك , فقال : ما شأنك ؟ قال داود : إن لم يقتله الله لي لم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح , فدعني فأقاتل كما أريد .
فقال : نعم يا بني .
فأخذ داود مخلاته , فتقلدها وألقى فيها أحجارا , وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به .
ثم مضى نحو جالوت ; فلما دنا من عسكره , قال : أين جالوت يبرز لي ؟ فبرز له على فرس عليه السلاح كله , فلما رآه جالوت قال : إليك أبرز ؟ قال نعم .
قال : فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى إلى الكلب ؟ قال : هو ذاك .
قال : لا جرم إني سوف أقسم لحمك بين طير السماء وسباع الأرض .
قال داود : أو يقسم الله لحمك .
فوضع داود حجرا في مقلاعه , ثم دوره فأرسله نحو جالوت , فأصاب أنف البيضة التي على جالوت حتى خالط دماغه , فوقع من فرسه , فمضى داود إليه , فقطع رأسه بسيفه , فأقبل به في مخلاته , وبسلبه يجره , حتى ألقاه بين يدي طالوت , ففرحوا فرحا شديدا , وانصرف طالوت .
فلما كان داخل المدينة , سمع الناس يذكرون داود , فوجد في نفسه , فجاءه داود , فقال : أعطني امرأتي ! فقال : أتريد ابنة الملك بغير صداق ؟ فقال داود : ما اشترطت علي صداقا , وما لي من شيء .
قال : لا أكلفك إلا ما تطيق , أنت رجل جريء , وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس وهم غلف , فإذا قتلت منهم مائتي رجل , فأتني بغلفهم .
فجعل كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط , حتى نظم مائتي غلفة , ثم جاء بهم إلى طالوت , فألقى إليه , فقال : ادفع لي امرأتي قد جئت بما اشترطت ! فزوجه ابنته .
وأكثر الناس ذكر داود , وزاده عند الناس عجبا , فقال طالوت لابنه : لتقتلن داود ! قال : سبحان الله ليس بأهل ذلك منك ! قال : إنك غلام أحمق , ما أراه إلا سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك .
فلما سمع ذلك من أبيه , انطلق إلى أخته , فقال لها : إني قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود , فمريه أن يأخذ حذره , ويتغيب منه .
فقالت له امرأته ذلك فتغيب .
فلما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود , وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته .
فلما جاء رسول طالوت قال : أين داود ؟ ليجب الملك ! فقالت له : بات شاكيا ونام الآن ترونه على الفراش .
فرجعوا إلى طالوت فأخبروه ذلك , فمكث ساعة ثم أرسل إليه , فقالت : هو نائم لم يستيقظ بعد .
فرجعوا إلى الملك فقال : ائتوني به وإن كان نائما ! فجاءوا إلى الفراش , فلم يجدوا عليه أحدا .
فجاءوا الملك فأخبروه , فأرسل إلى ابنته فقال : ما حملك على أن تكذبيني ؟ قالت : هو أمرني بذلك , وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني .
وكان داود فارا في الجبل حتى قتل طالوت , وملك داود بعده .
4480 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : كان طالوت أميرا على الجيش , فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته , فقال داود لطالوت : ماذا لي فأقتل جالوت ؟ قال : لك ثلث مالي , وأنكحك ابنتي .
فأخذ مخلاته , فجعل فيها ثلاث مروات , ثم سمى حجارته تلك إبراهيم وإسحاق ويعقوب , ثم أدخل يده فقال : باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ! فخرج على إبراهيم , فجعله في مرجمته , فخرقت ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه , وقتلت ثلاثين ألفا من ورائه .
4481 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر مع ثلاثة عشر ابنا له , وكان داود أصغر بنيه .
فأتاه ذات يوم فقال : يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته .
فقال : أبشر يا بني , فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك ! ثم أتاه مرة أخرى قال : يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال , فوجدت أسدا رابضا , فركبت عليه , فأخذت بأذنيه , فلم يهجني .
قال : أبشر يا بني , فإن هذا خير يعطيكه الله ! ثم أتاه يوما آخر فقال : يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال , فأسبح , فما يبقى جبل إلا سبح معي .
فقال : أبشر يا بني , فإن هذا خير أعطاكه الله ! .
وكان داود راعيا , وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام .
فأتى النبي بقرن فيه دهن وبثوب من حديد , فبعث به إلى طالوت , فقال : إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حتى يدهن منه ولا يسيل على وجهه , يكون على رأسه كهيئة الإكليل , ويدخل في هذا الثوب فيملؤه .
فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم , فلم يوافقه منهم أحد .
فلما فرغوا , قال طالوت لأبي داود : هل بقي لك من ولد لم يشهدنا ؟ قال : نعم , بقي ابني داود , وهو يأتينا بطعامنا .
فلما أتاه داود مر في الطريق بثلاثة أحجار , فكلمنه , وقلن له : خذنا يا داود تقتل بنا جالوت ! قال : فأخذهن فجعلهن في مخلاته .
وكان طالوت قال : من قتل جالوت زوجته ابنتي , وأجريت خاتمه في ملكي .
فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه , فغلى حتى ادهن منه , ولبس الثوب فملأه , وكان رجلا مسقاما مصفارا , ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه .
فلما لبسه داود تضايق الثوب عليه حتى تنقض .
ثم مشى إلى جالوت , وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم ; فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه , فقال له : يا فتى ارجع فإني أرحمك أن أقتلك ! قال داود : لا , بل أنا أقتلك .
فأخرج الحجارة فجعلها في القذافة , كلما رفع حجرا سماه , فقال : هذا باسم أبي إبراهيم , والثاني باسم أبي إسحاق , والثالث باسم أبي إسرائيل .
ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجرا واحدا , ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت , فنقب رأسه فقتله .
ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه , حتى لم يكن بحيالها أحد .
فهزموهم عند ذلك , وقتل داود جالوت .
ورجع طالوت , فأنكح داود ابنته , وأجرى خاتمه في ملكه ; فمال الناس إلى داود فأحبوه .
فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده , فأراد قتله .
فعلم به داود أنه يريد به ذلك , فسجى له زق خمر في مضجعه , فدخل طالوت إلى منام داود , وقد هرب داود فضرب الزق ضربة فخرقه , فسالت الخمر منه , فوقعت قطرة من خمر في فيه , فقال : يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر ! ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم , فوضع سهمين عند رأسه وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين ; فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها , فقال : يرحم الله داود هو خير مني , ظفرت به فقتلته , وظفر بي فكف عني .
ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس , فقال طالوت : اليوم أقتل داود ! وكان داود إذا فزع لا يدرك , فركض على أثره طالوت , ففزع داود , فاشتد فدخل غارا , وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا ; فلما انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت , فقال : لو كان دخل ها هنا لخرق بيت العنكبوت , فخيل إليه فتركه .
4482 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : ذكر لنا أن داود حين أتاهم كان قد جعل معه مخلاة فيها ثلاثة أحجار .
وإن جالوت برز لهم , فنادى : ألا رجل لرجل ! فقال طالوت : من يبرز له , وإلا برزت له .
فقام داود فقال : أنا فقام له طالوت فشد عليه درعه , فجعل يراه يشخص فيها ويرتفع .
فعجب من ذلك طالوت , فشد عليه أداته كلها .
وإن داود رماهم بحجر من تلك الحجارة فأصاب في القوم , ثم رمى الثانية بحجر فأصاب فيهم , ثم رمى الثالثة فقتل جالوت .
فآتاه الله الملك والحكمة , وعلمه مما يشاء , وصار هو الرئيس عليهم , وأعطوه الطاعة .
4483 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثني ابن زيد في قول الله تعالى ذكره : ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل فقرأ حتى بلغ : فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين قال : أوحى الله إلى نبيهم إن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت , ومن علامته هذا القرن تضعه على رأسه , فيفيض ماء .
فأتاه فقال : إن الله أوحى إلي أن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت , فقال : نعم يا نبي الله , قال : فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري , وفيهم رجل بارع عليهم , فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا , فيقول لذلك الجسيم : ارجع فيرده عليه , فأوحى الله إليه : إنا لا نأخذ الرجال على صورهم , ولكن نأخذهم على صلاح قلوبهم , قال : يا رب قد زعم أنه ليس له ولد غيره , فقال : كذب , فقال : إن ربي قد كذبك , وقال : إن لك ولدا غيرهم , فقال : صدق يا نبي الله , لي ولد قصير استحييت أن يراه الناس , فجعلته في الغنم , قال : فأين هو ؟ قال في شعب كذا وكذا من جبل كذا وكذا , فخرج إليه , فوجد الوادي قد سال بينه وبين التي كان يريح إليها قال : ووجده يحمل شاتين يجيز بهما , ولا يخوض بهما السيل , فلما رآه قال : هذا هو لا شك فيه , هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم , قال : فوضع القرن على رأسه ففاض , فقال له : ابن أخي هل رأيت ها هنا من شيء يعجبك ؟ قال : نعم إذا سبحت , سبحت معي الجبال , وإذا أتى النمر أو الذئب أو السبع أخذ شاة قمت إليه , فافتح لحييه عنها فلا يهيجني , وألفى معه صفنه , قال : فمر بثلاثة أحجار يأثر بعضها على بعض : كل واحد منها يقول : أنا الذي يأخذ , ويقول هذا : لا بل إياي يأخذ , ويقول الآخر مثل ذلك , قال : فأخذهن جميعا , فطرحهن في صفنه ; فلما جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم وخرجوا قال لهم نبيهم : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا فكان من قصة نبيهم وقصتهم ما ذكر الله في كتابه , وقرأ حتى بلغ : والله مع الصابرين قال : واجتمع أمرهم وكانوا جميعا , وقرأ : وانصرنا على القوم الكافرين وبرز جالوت على برذون له أبلق , في يده قوس ونشاب , فقال : من يبرز ؟ أبرزوا إلي رأسكم , قال : ففظع به طالوت , قال : فالتفت إلى أصحابه فقال : من رجل يكفيني اليوم جالوت , فقال داود أنا , فقال تعال , قال : فنزع درعا له , فألبسه إياها , قال : ونفخ الله من روحه فيه حتى ملأه , قال : فرمى بنشابة , فوضعها في الدرع , قال : فكسرها داود ولم تضره شيئا ثلاث مرات , ثم قال له : خذ الآن , فقال داود : اللهم اجعله حجرا واحدا , قال : وسمى واحدا إبراهيم , وآخر إسحاق , وآخر يعقوب , قال : فجمعهن جميعا فكن حجرا واحدا , قال : فأخذهن وأخذ مقلاعا , فأدارها ليرمي بها , فقال : أترميني كما ترمي السبع والذئب , ارمني بالقوس , قال : لا أرميك اليوم إلا بها , فقال له مثل ذلك أيضا , فقال نعم , وأنت أهون علي من الذئب , فأدارها وفيها أمر الله وسلطان الله , قال : فخلى سبيلها مأمورة , قال : فجاءت مظلة فضربت بين عينيه حتى خرجت من قفاه , ثم قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا , وهزمهم الله .
4484 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : لما قطعوا ذلك يعني النهر الذي قال الله فيه مخبرا عن قيل طالوت لجنوده : إن الله مبتليكم بنهر وجاء جالوت وشق على طالوت قتاله , فقال طالوت للناس : لو أن جالوت قتل أعطيت الذي يقتله نصف ملكي , وناصفته كل شيء أملكه , فبعث الله داود , وداود يومئذ في الجبل راعي غنم , وقد غزا مع طالوت تسعة إخوة لداود , وهم أند منه وأعتى منه , وأعرف في الناس منه , وأوجه عند طالوت منه , فغزا وتركوه في غنمهم , فقال داود حين ألقى الله في نفسه ما ألقى وأكرمه : لأستودعن ربي غنمي اليوم , ولآتين الناس فلأنظرن ما الذي بلغني من قول الملك لمن قتل جالوت , فأتى داود إخوته , فلاموه حين أتاهم , فقالوا : لم جئت ؟ قال : لأقتل جالوت , فإن الله قادر أن أقتله , فسخروا منه .
قال ابن جريج : قال مجاهد : كان بعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته , فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات , ثم سماهن إبراهيم وإسحاق ويعقوب .
قال ابن جريج : قالوا : وهو ضعيف رث الحال , فمر بثلاثة أحجار , فقلن له : خذنا يا داود فقاتل بنا جالوت .
فأخذهن داود وألقاهن في مخلاته , فلما ألقاهن سمع حجرا منهن يقول لصاحبه : أنا حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا ; وقال الثاني : أنا حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا ; وقال الثالث : أنا حجر داود الذي أقتل جالوت , فقال الحجران : يا حجر داود نحن أعوان لك , فصرن حجرا واحدا ; وقال الحجر : يا داود اقذف بي فإني سأستعين بالريح , وكانت بيضته فيما يقولون والله أعلم فيها ستمائة رطل , فأقع في رأس جالوت فأقتله .
قال ابن جريج : وقال مجاهد : سمى واحدا إبراهيم , والآخر إسحاق , والآخر يعقوب , وقال : باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب , وجعلهن في مرجمته .
قال ابن جريج : فانطلق حتى نفذ إلى طالوت , فقال : إنك قد جعلت لمن قتل جالوت نصف ملكك ونصف كل شيء تملك .
أفلي ذلك إن قتلته ؟ قال : نعم , والناس يستهزءون بداود , وإخوة داود أشد من هنالك عليه , وكان طالوت لا ينتدب إليه أحد زعم أنه يقتل جالوت إلا ألبسه درعا عنده , فإذا لم تكن قدرا عليه نزعها عنها , وكانت درعا سابغة من دروع طالوت , فألبسها داود ; فلما رأى قدرها عليه أمره أن يتقدم , فتقدم داود , فقام مقاما لا يقوم فيه أحد وعليه الدرع , فقال له جالوت : ويحك من أنت إني أرحمك , ليتقدم إلي غيرك من هذه الملوك , أنت إنسان ضعيف مسكين , فارجع , فقال داود : أنا الذي أقتلك بإذن الله , ولن أرجع حتى أقتلك , فلما أبى داود إلا قتاله , تقدم جالوت إليه ليأخذه بيده مقتدرا عليه , فأخرج الحجر من المخلاة , فدعا ربه , ورماه بالحجر , فألقت الريح بيضته عن رأسه , فوقع الحجر في رأس جالوت حتى دخل في جوفه , فقتله .
قال ابن جريج : وقال مجاهد : لما رمى جالوت بالحجر خرق ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه , وقتلت من ورائه ثلاثين ألفا , قال الله تعالى : وقتل داود جالوت فقال داود لطالوت : وف بما جعلت , فأبى طالوت أن يعطيه ذلك , فانطلق داود , فسكن مدينة من مدائن بني إسرائيل , حتى مات طالوت ; فلما مات عمد بنو إسرائيل إلى داود , فجاءوا به , فملكوه , وأعطوه خزائن طالوت , وقالوا : لم يقتل جالوت إلا نبي , قال الله : وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاءالقول في تأويل قوله تعالى : وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء يعني تعالى ذكره بذلك : وأعطى الله داود الملك والحكمة وعلمه مما يشاء .
والهاء في قوله : وآتاه الله عائدة على داود والملك السلطان والحكمة النبوة .
وقوله : وعلمه مما يشاء يعني علمه صنعة الدروع , والتقدير في السرد , كما قال الله تعالى ذكره : وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم 21 80 وقد قيل : إن معنى قوله : وآتاه الله الملك والحكمة أن الله آتى داود ملك طالوت ونبوة أشمويل .
ذكر من قال ذلك : 4485 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : ملك داود بعدما قتل طالوت , وجعله الله نبيا , وذلك قوله : وآتاه الله الملك والحكمة قال : الحكمة : هي النبوة , آتاه نبوة شمعون , وملك طالوت .
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمينالقول في تأويل قوله تعالى : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين يعني تعالى ذكره بذلك : ولولا أن الله يدفع ببعض الناس , وهم أهل الطاعة له والإيمان به , بعضا وهم أهل المعصية لله , والشرك به , كما دفع عن المتخلفين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر بالله والمعصية له وقد أعطاهم ما سألوا ربهم ابتداء من بعثة ملك عليهم ليجاهدوا معه في سبيله بمن جاهد معه من أهل الإيمان بالله واليقين والصبر , جالوت وجنوده , لفسدت الأرض , يعني لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم , ففسدت بذلك الأرض , ولكن الله ذو من على خلقه , وتطول عليهم بدفعه بالبر من خلقه عن الفاجر , وبالمطيع عن العاصي منهم , وبالمؤمن عن الكافر .
وهذه الآية إعلام من الله تعالى ذكره أهل النفاق الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن مشاهده والجهاد معه للشك الذي في نفوسهم ومرض قلوبهم والمشركين وأهل الكفر منهم , وأنه إنما يدفع عنهم معاجلتهم العقوبة , على كفرهم ونفاقهم بإيمان المؤمنين به وبرسوله , الذين هم أهل البصائر والجد في أمر الله , وذوو اليقين بإنجاز الله إياهم وعده على جهاد أعدائه , وأعداء رسوله من النصر في العاجل , والفوز بجناته في الآخرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : 4486 - حدثني محمد بن عمر , قال : ثنا أبو عاصم عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض يقول : ولولا دفع الله بالبار عن الفاجر , ودفعه ببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها .
* حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا سبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض يقول : ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر , وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لهلك أهلها .
4487 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن حنظلة , عن أبي مسلم , قال : سمعت عليا يقول : لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم .
4488 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض يقول : لهلك من في الأرض .
4489 - حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة , قال : ثنا يحيى بن سعيد , قال : ثنا حفص بن سليمان , عن محمد بن سوقة , عن وبرة بن عبد الرحمن , عن ابن عمر , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء " ثم قرأ ابن عمر : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض 4490 - حدثني أحمد أبو حميد الحمصي , قال : ثنا يحيى بن سعيد , قال : ثنا عثمان بن عبد الرحمن , عن محمد بن المنكدر , عن جابر بن عبد الله , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله , ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم " .
وقد دللنا على قوله العالمين , وذكرنا الرواية فيه .
وأما القراء فإنها اختلفت في قراءة قوله : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض .
فقرأته جماعة من القراء : ولولا دفع الله على وجه المصدر من قول القائل : دفع الله عن خلقه , فهو يدفع دفعا .
واحتجت لاختيارها ذلك بأن الله تعالى ذكره , هو المتفرد بالدفع عن خلقه , ولا أحد يدافعه فيغالبه .
وقرأت ذلك جماعة أخرى من القراء : " ولولا دفاع الله الناس " على وجه المصدر من قول القائل : دافع الله عن خلقه , فهو يدافع مدافعة ودفاعا .
واحتجت لاختيارها ذلك بأن كثيرا من خلقه يعادون أهل دين الله , وولايته والمؤمنين به , فهو بمحاربتهم إياهم ومعاداتهم لهم لله مدافعون بباطلهم , ومغالبون بجهلهم , والله مدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والإيمان به .
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأت بهما القراء وجاءت بهما جماعة الأمة , وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر .
وذلك أن من دافع غيره عن شيء , فمدافعه عنه دافع , ومتى امتنع المدفوع عن الاندفاع , فهو لمدافعه مدافع ; ولا شك أن جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده , محاولين مغالبة حزب الله وجنده , وكان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة الله ودفاعه عما قد تضمن لهم من النصرة , وذلك هو معنى مدافعة الله عن الذين دافع الله عنهم بمن قاتل جالوت وجنوده من أوليائه .
فتبين إذا أن سواء قراءة من قرأ : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض وقراءة من قرأ : " ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض " في التأويل والمعنى .

فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين

سورة : البقرة - الأية : ( 251 )  - الجزء : ( 2 )  -  الصفحة: ( 41 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون
  2. تفسير: تنـزيل الكتاب من الله العزيز العليم
  3. تفسير: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله
  4. تفسير: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء
  5. تفسير: إنه لقول فصل
  6. تفسير: قال فرعون وما رب العالمين
  7. تفسير: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين
  8. تفسير: إن أنت إلا نذير
  9. تفسير: فألقي السحرة ساجدين
  10. تفسير: أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

داوود , جالوت ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب