صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى

الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، ورُكنُ الإسلامِ الرَّكينُ، وقدْ أَمَر اللهُ وأوْصَى بالمحافظةِ عليها، وعلى الجَماعةِ؛ لِمَا فيها مِن عَظيمِ الأجْرِ والثَّوابِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ صَلاةَ الرَّجُلينِ جَماعةً، يؤُمُّ أحَدُهُما الآخَرَ؛ أَزْكَى عندَ اللهِ وأفضَلُ في الأجْرِ والثَّوابِ مِن صَلاةِ أربعةٍ «تَتْرَى»؛ أي: فُرادَى، كلٌّ يُؤدِّي صَلاتَه على حِدَةٍ، فثَوابُ الجماعةِ مِنَ الرَّجُلينِ يَفوقُ ثَوابَ الأكثَرِ منهم إنْ صَلَّوا فُرادَى، والمرادُ بالصَّلاةِ: الفَريضةُ منها، وكذلكَ صَلاةُ الأرْبعةِ جَماعةً أفضَلُ عندَ اللهِ مِن صَلاةِ الثَّمانيةِ مُتفرِّقينَ، وغَيْرَ مُجتمِعينَ، وهكذا كلَّما كان المسلِمُ أحرَصَ على الجماعةِ، ولوْ في العددِ القليلِ كان أعظَمَ عندَ اللهِ في الأجْرِ والثَّوابِ مِن أداءِ الصَّلاةِ مُنفرِدًا، وقدْ قيلَ: وظاهرُ الحَديثِ أنَّ صَلاةَ ثَمانيةٍفُرادى أزْكَى عندَ اللهِ مِن صَلاةِ اثنينِ، يَؤُمُّ أحَدُهُما صاحبَه.
ولا يُفهَمُ ذلكَ؛ بلْ يُفهَمُ أنَّ صَلاةَ الجماعةِ مهْما قلَّ عدَدُهم أفضَلُ عندَ اللهِ مِن صَلاةِ الفُرادَى مهْما كثُرَ عدَدُهُم، ففي قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وصَلَاةُ ثَمانيةٍ يَؤُمُّهم أحَدُهم أَزْكَى عندَ اللهِ مِن صَلاةِ مائةٍ تَتْرَى»؛ قدْ جعَلَ الثَّمانيةَ بالنِّسْبةِ إلى المائةِ أفضَلَ ثَوابًا وأجْرًا، فالمرادُ بالعددِ التَّقريبُ والتَّمثيلُ، لا وَجْهُ التَّحقيقِ.
والمقصِدُ: أنَّ المسلِمَ يُصلِّي الجَماعةَ قَدْرَ المستطاعِ، وكلَّما كانَتِ الجماعةُ أكثَرَ عدَدًا كانتْ للإنسانِ أَزْكى وأفضَلَ.
وأيضًا: فلَأَنْ يُصلِّيَ في الجماعةِ الَّتي فيها عدَدٌ كثيرٌ أفضَلُ مِن أنْ يُصلِّيَ في مَسجِدٍ فيه عدَدٌ قَليلٌ مِنَ النَّاسِ.