حديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوة ولا طيرة

أحاديث نبوية | مسند أحمد تحقيق شاكر | حديث سعيد بن المسيب

«سألتُ سعدَ بنَ أبي وقاصٍ عن الطِّيَرةَ فانْتَهرَني وقال : مَن حدَّثك فكرِهتُ أن أحدِّثَهُ من حدَّثَني قال : قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : لا عَدوةَ ولا طِيَرَةَ ولا هَامَ إن تكنِ الطِّيرةُ في شيٍء ففي الفرسِ والمرأةِ والدارِ وإذا سمعتمْ بالطَّاعونِ بأرضٍ فلا تَهبطوا وإذا كان بأرضٍ وأنتم بها فلا تَفِروا منه»

مسند أحمد تحقيق شاكر
سعيد بن المسيب
أحمد شاكر
إسناده صحيح

مسند أحمد تحقيق شاكر - رقم الحديث أو الصفحة: 3/77 -

شرح حديث سألت سعد بن أبي وقاص عن الطيرة فانتهرني وقال من حدثك


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

جاءَ الإسْلامُ ليَهدِمَ مُعتَقَداتِ الجاهِليَّةِ، ويَبْني للمُسلمِ العَقيدةَ الصَّحيحةَ المَبْنيَّةَ على صِحَّةِ التَّوْحيدِ، وقُوَّةِ اليَقينِ، والابتِعادِ عنِ الأوْهامِ والخَيالاتِ الَّتي تَعبَثُ بالعُقولِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابِعيُّ سَعيدُ بنُ المُسيِّبِ أنَّه سَألَ الصَّحابيَّ سَعْدَ بنَ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه عنِ «الطِّيَرةِ» مِنَ التَّطيُّرِ، وهوَ التَّشاؤمُ بالشَّيءِ يُرَى أو يُسمَعُ، ويُتوَهَّمُ وُقوعُ المَكْروهِ به، فيُظَنُّ أنَّ هذا الشَّيءَ هو السَّببُ فيما يَحدُثُ، فيُتَطيَّرُ به ويُتَشاءَمُ منه؛ بل كُلُّ شَيءٍ بقَدَرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، «فانْتَهَرَني»؛ أي: زَجَرَني وأغلَظَ القَولَ، ثمَّ قال: «مَن حدَّثَكَ؟» وكأنَّ ظاهِرَ سُؤالِ سَعيدٍ يُفهَمُ منه أنَّه كان يُقِرُّ الطِّيَرةَ، فلمَّا أنكَرَ عليه سَعدٌ رَضيَ اللهُ عنه؛ كَرِه سَعيدُ بنُ المُسيِّبِ أنْ يُخبِرَ عمَّن حدَّثَه بهذا المَعنى، أو أنَّ الطِّيَرةَ أصبَحَت مِن المُعتَقَداتِ الَّتي وَلَّت في زمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَناسَها النَّاسُ، فكان سُؤالُ سَعيدٍ عنها يُنذِرُ أنَّ هناك مَن تَكلَّمَ فيها؛ ولذلك أنكَرَ سَعدٌ سَماعَها.
فأخْبَرَه سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «لا عَدْوى»، وهي انْتِقالُ المَرَضِ مِن المَريضِ إلى غَيرِه، والمَعنى: أنَّها لا تُؤثِّرُ بطَبْعِها، وإنَّما يَحدُثُ هذا بقَدَرِ اللهِ وتَقْديرِه، وكانوا يَظُنُّونَ أنَّ المَرَضَ بنَفْسِه يُعْدي، فأعلَمَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الأمْرَ ليْس كذلك، وإنَّما اللهُ عزَّ وجلَّ هو الَّذي يُمرِضُ ويُنزِلُ الدَّاءَ.
«ولا طِيَرةَ»، والطِّيَرةُ هي ما يُتَشاءمُ به منَ الفَأْلِ الرَّديءِ، وكان أهْلُ الجاهِليَّةِ إذا خَرَجوا لحاجةٍ لهم مِن سَفرٍ أو تِجارةٍ، فإذا شَاهَدوا الطَّيرَ يَطيرُ عن يَمينِهم استَبْشَروا به، وإذا طار عن يَسارِهم تَشاءَموا بهِ ورَجَعوا، فنَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك، وأمَرَ بحُسنِ التَّوكُّلِ على اللهِ وإمْضاءِ الأُمورِ.
«ولا هَامَ»، وهنا أيضًا يُبطِلُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التَّشاؤمَ والتَّطيُّرَ بالهامَةِ، وأنَّه لا وُجودَ لهذا المُعتَقَدِ الجاهِليِّ في ظِلِّ الإسْلامِ، والهامَةُ: اسمُ طائِرٍ؛ وذلك أنَّهم كانوا يَتشاءَمونَ بها، وهي مِن طَيرِ اللَّيلِ، وقيلَ: هي البُومةُ، وقيلَ: كانتِ العَرَبُ تَزعُمُ أنَّ رُوحَ القَتيلِ الَّذي لا يُدرَكُ بثَأْرِه تَصيرُ هامَةً، فتَقولُ: اسْقوني، اسْقوني، فإذا أُدرِكَ بثَأْرِه طارَتْ.
وقيلَ: كانوا يَزعُمونَ أنَّ عِظامَ المَيِّتِ -وقيلَ: رُوحُه- تَصيرُ هامَةً، فتَطيرُ، ويُسَمُّونَه: الصَّدى، فنَفاه الإسْلامُ، ونَهاهم عنه.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنْ تكُنِ الطِّيَرةُ في شَيءٍ؛ ففي الفَرَسِ، والمَرأةِ، والدَّارِ»، بمَعنى: أنَّ النُّفوسَ يَقَعُ فيها التَّشاؤمُ بهذه أكثَرَ ممَّا يقَعُ بغَيرِها، ومِن شُؤمِ الدَّارِ سُوءُ جِوارِها، وكونُها بَعيدةً منَ المَسجِدِ لا يُسمَعُ منها الأذانُ، ومِن شُؤمِ المَرأةِ أنْ تَكونَ غيْرَ وَلُودٍ، أو غيْرَ صالِحةٍ، وِمن شُؤْمِ الفَرَسِ ألَّا يُغْزى عليه، ولهذه الأشْياءِ الثَّلاثةِ -المَرأةِ، والدَّارِ، والفَرَسِ- أهَمِّيَّةٌ عُظْمى، وأثَرٌ كَبيرٌ في حَياةِ الإنْسانِ؛ فإنْ كانتِ المَرأةُ مُلائمةً لزَوجِها خُلُقًا، مُتَفاهِمةً معَه، مُخلِصةً له، مُطيعةً وَفِيَّةً، وكانتِ الدَّارُ صِحِّيَّةً، واسِعةً، مُناسِبةً له ولأُسْرتِه، وكانتِ الفَرَسُ -وما في مَعانيها ممَّا يُركَبُ؛ مِثلِ السَّيَّارةِ- قَوِيَّةً مُريحةً؛ ارْتَاحَ الإنْسانُ في حَياتِه، وشعَرَ بالسَّعادةِ، وأحَسَّ بالاطْمِئنانِ والاسْتِقرارِ النَّفْسيِّ.
وأمَّا إذا كانتِ الزَّوجةُ غيْرَ صالِحةٍ، أوِ الدَّارُ غيْرَ مُناسِبةٍ، أوِ الفَرَسُ، أوِ السَّيَّارةُ غيْرَ مُريحةٍ؛ فإنَّ الإنْسانَ يَشعُرُ بالتَّعاسةِ والقَلَقِ، ويَتعَبُ تعَبًا جِسْميًّا ونَفْسيًّا معًا.
وقيلَ: الشُّؤمُ في هذه الثَّلاثةِ إنَّما يَلحَقُ مَن تَشاءَمَ بها وتَطيَّرَ بها، أمَّا مَن توكَّلَ على اللهِ، ولم يَتشاءَمْ، ولم يَتطيَّرْ؛ لم تكُنْ مَشْؤومةً عليه، ويدُلُّ عليه ما أخْرَجَه ابنُ حِبَّانَ عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «الطِّيَرةُ على مَن تَطيَّرَ»، ومَعْناهُ إثمُ الطِّيَرةِ على مَن تَطيَّرَ بعْدَ عِلمِهِ بنَهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الطِّيَرةِ.
وإخْبارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ الشُّؤمَ يكونُ في هذه الثَّلاثةِ ليْس فيه إثْباتُ الطِّيَرةِ الَّتي نَفاها، وإنَّما غايَتُهُ أنَّ اللهَ سُبحانَه قدْ يَخلُقُ منها أعْيانًا مَشْؤومةً على مَن قارَبَها، وأعْيانًا مُبارَكةً لا يَلحَقُ مَن قارَبَها منها شُؤمٌ ولا شرٌّ، وهذا كما يُعْطي سُبحانَه الوالِدَينِ وَلدًا مُبارَكًا يَرَيانِ الخَيرَ على وَجْهِه، ويُعْطي غَيْرَهما وَلَدًا مَشْؤومًا نَذْلًا يَرَيانِ الشَّرَّ على وَجْهِه، وكُلُّ ذلك بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، كما خلَقَ سائِرَ الأسْبابِ ورَبَطَها بمُسبَّباتِها المُتَضادَّةِ والمُختَلِفةِ.
ثمَّ أخبَرَ سَعدٌ رَضِي اللهُ عنهبأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «إذا سَمِعْتُم أنَّ الطَّاعونَ وقَع بأرضٍ فَلا تَقْدَموا عليه»؛ لِيَكونَ أسْكَنَ لأنفُسِكُم، وأقْطَعَ لوَساوِسِ الشَّيْطانِ، وإذا وقَع بأرضٍ وأنتم بها فلا تَخْرُجوا فِرارًا منه؛ لِئَلَّا يَكونَ مُعارَضةً للقَدَرِ، وحتَّى لا يَنتَشِرَ الوَباءُ خارِجَ المَكانِ الَّذي بَدَأ فيه.
وهكذا فإنَّ هذا التَّشْريعَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقيمُ نِظامَ الحِمايةِ والحَجْرِ الصِّحِّيِّ؛ حتَّى لا يَنتَشِرَ الوَباءُ، ومع ذلك؛ فقدْ جعَل للصَّبْرِ والاحْتِسابِ أجْرًا عَظيمًا، كما حذَّرَ مِن الانتِقالِ مِن مَكانِ الوَباءِ؛ فعالَجَ المَوضوعَ من جِهةِ الطِّبِّ، ومِن جِهةِ الوازِعِ الأخْلاقيِّ، وجعَل الضَّميرَ الإنْسانيَّ مَسْؤولًا عن أفْعالِه.
وفي الحَديثِ: نَفيُ ما كانتِ الجاهِليَّةُ تَزعُمُه وتَعتَقِدُه أنَّ المَرضَ والعاهةَ تُعْدي بطَبعِها لا بفِعلِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: أنَّ الأسْبابَ بيَدِ اللهِ وهو الَّذي يُجْريها، أو يَسلُبُها تَأثيرَها، فيَنبَغي الإيمانُ باللهِ وقُدرتِه.
وفيه: دَعْوةٌ إلى حُسنِ التَّوكُّلِ على اللهِ، وحُسنِ الاعتِقادِ، وعَدمِ التَّأثُّرِ بالمَفاهيمِ السَّلبيَّةِ الَّتي لا أساسَ لها.
وفيه: بَيانُ اهتِمامِ الشَّرعِ بحِمايةِ المُجتَمَعاتِ مِن الأوْبِئةِ.
وفيه: سَبْقُ الإسْلامِ في وَضْعِ نِظامِ الحَجْرِ الصِّحِّيِّ؛ لتَحْجيمِ الوَباءِ.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
الاستذكارأن معاذا قضى باليمن في بنت وأخت فجعل المال بينهما نصفين
مسند أحمد تحقيق شاكرابتاع النبي صلى الله عليه وسلم من عير أقبلت فربح أواقي فقسمها بين
السنن الكبرى للبيهقيأنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في
مسند أحمد تحقيق شاكرلما مات عثمان بن مظعون قالت امرأة هنيئا لك الجنة عثمان بن
مسند أحمد تحقيق شاكرصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سافر ركعتين وحين أقام أربعا
البدر المنيرعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوج امرأة
السلسلة الصحيحةزارنا سلمان من المدائن إلى الشام ماشيا وعليه كساء واندرورد قال يعني سراويل
مسند أحمد تحقيق شاكرإني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا يا أبا
السلسلة الصحيحةأن ابن عمر أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة إلا أن يصليها مع
السلسلة الصحيحةاستعمل عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح على الشام وعزل خالد
إرواء الغليلقال لبلال أسفر بصلاة الصبح حتى يرى القوم مواقع نبلهم
السلسلة الصحيحةأن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, December 25, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب