شرح حديث من أنظر معسرا أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
حَرَص الشَّرعُ على إقامةِ المَودَّةِ، والإخاءِ، والتَّكافُلِ بيْنَ النَّاسِ، وبيَّنَ الأجْرَ العَظيمَ لمَن فرَّجَ كُرُباتِ النَّاسِ، أو أقرَضَهم، أو أنظَرَ المُعسِرَ لوَقتِ يَسارِه.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ رَسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «
مَن أنظَرَ مُعسِرًا»، فأجَّلَ له في مُدَّةِ سَدادِ دَيْنِه، ويسَّرَ ولم يشُقَّ عليه، «
أو وضَعَ له»، فتَنازَلَ عن جُزءٍ مِن الدَّينِ؛ كان جَزاؤُه أنْ يَحميَه
اللهُ ويُبعِدَه عن حرِّ جهَنَّمَ وعَذابِها، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ -ثَلاثَ مرَّاتٍ-: «
ألَا إنَّ عمَلَ الجنَّةِ حَزْنٌ برَبْوةٍ»؛
أي: إنَّ العمَلَ الموَصِّلَ إلى الجنَّةِ صَعبٌ، كأنَّه على رأْسِ جبَلٍ وَعرٍ، لا يُوصَلُ إليه إلَّا بمَشقَّةٍ، ثمَّ أخبَرَ أنَّ عمَلَ النَّارِ سَهلٌ مع لذَّةٍ فيه ورَغبةٌ، وأخبَرَ أنَّ السَّعيدَ الَّذي أسعَدَه
اللهُ هو مَن حَماهُ وحَفِظَه منَ الوُقوعِ في الفِتَنِ.
ثمَّ أخبَرَ أنَّه «
ما مِن جُرْعةٍ أحَبَّ إلى اللهِ مِن جُرْعةِ غَيظٍ يَكظِمُها عبْدٌ»، وأصْلُ الجُرْعةِ: الابْتِلاعُ، والتَّجرُّعُ: شُربٌ في عَجَلةٍ، وأعْلا جُرْعةٍ وأكبَرُها في الأجْرِ والثَّوابِ عندَ
اللهِ، وأعظَمُها وأرفَعُها دَرجةً، هي «
جُرْعةُ غَيظٍ يَكظِمُها عَبدٌ»، فيَكتُم غَيظَه مِن أحَدٍ، ويَحبِسُ نفْسَه مِن التَّشفِّي، ولا يَحصُلُ هذا إلَّا بكَونِه قادِرًا على الانتِقامِ، وما كتَم عَبدٌ جُرْعةً مِن الغَيظِ ابتِغاءَ وَجْهِ
اللهِ وطلَبًا لمَرْضاتِه، لا لغرَضٍ آخَرَ، ولا لعَجزٍ عن إمْضائِها؛ إلَّا مَلأَ
اللهُ جَوفَه إيمانًا، فيكونُ جَزاؤُه مِن
اللهِ أفضَلَ مِن إنْفاذِ غَيظِه، وشِفاءَ قَلبِه بالإيمانِ، وشَبَّهَ كَظْمَ الغَيظِ ومُدافَعةَ النَّفْسِ عليه بتَجرُّعِ الماءِ مرَّةً بعْدَ أُخْرى؛ لشِدَّةِ مُدافَعةِ النَّفْسِ على ذلك، وقد قال
اللهُ تعالَى:
{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [
آل عمران: 133 - 134 ].
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على التَّيْسيرِ على المُعسِرينَ، وبَيانُ جَزاءِ ذلك عندَ
اللهِ.
وفيه: الحَثُّ على إخْفاءِ الغَيظِ، وإنِ امْتلَأَ منه قَلبُ الإنْسانِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم