شرح حديث لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
من مقاصِدِ الإسلامِ حِفْظُ النَّفْسِ والعِرْضِ؛ ولذلك شَرَعَ ما يحفظُهما مِنَ الإهدارِ، حتَّى عِند التَّلَبُّسِ بالزِّنا أو الاتِّهامِ به شَرَعَ ضرورةَ وُجودِ أربعةِ شُهداءَ؛ حتَّى لا يُفْتَحَ البابُ للتُّهَمِ والافتراءِ، وهذا الحديثُ مُختصَرٌ من حديثٍ آخَرَ، وفيه يَذكُر أبو هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ سَعْدَ بنَ عُبادَةَ الأنصاريَّ، قال: يا رسولَ اللهِ، لو وجدْتُ مع أهلي رجلًا"، أي: رجلًا يَزني بزَوجتِهِ، "لم أَمَسَّهُ"، أي: أَترُكْهُ وأُمْهِلْه، "حتَّى آتيَ بأربعةِ شُهداءَ؟!" أي: لِيشهدوا على الرَّجلِ وعلى الزَّوجةِ، "قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَعَمْ، قال سعدٌ: كلَّا، والَّذي بعثَكَ بالحقِّ، إنْ كُنْتُ لَأُعاجِلُهُ بالسَّيْفِ قَبْلَ ذلك"، أي: إنَّ غَيْرَتَهُ ستَجعله يَقتُله قبْلَ أنْ يُفكِّرَ في الإتيانِ بأربعةِ شُهداءَ، وليس قَوْلُ سَعْدٍ ردًّا لقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا مُخالَفَةً لأمْرِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّما معناه الإخبارُ عن حالةِ الإنسانِ عِند رُؤيتِهِ الرَّجُلَ عِند امرأتِهِ واستيلاءِ الغَضَبِ عليه؛ فإنَّه حينئذٍ يُعَاجِلُه بالسَّيفِ وإنْ كان عاصيًا، "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للقومِ: اسمَعوا إلى ما يقول سيِّدُكم، إنَّه لَغَيورٌ"، أي: عَظَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِند سَعدٍ شُعورَهُ بالغَيْرَةِ، وبيَّن أنَّها من شِيَمِ كِرامِ النَّاسِ وساداتِهم، والغَيْرةُ: الحَمِيَّةُ الَّتي تَعْتَري الإنسانَ عندما يرَى في أهلِهِ ما لا يَرضَى، "وأنا أَغْيَرُ منه"، أي: على محارمي، "واللهُ أغيرُ منِّي"، أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أشدُّ غيرةً على مَحارِمِه أنْ تُنتهَكَ، وقدْ جاءَ في حديثٍ آخَرَ مُفسَّراً، وفيه: "وغَيرةُ اللهِ أنْ يأتيَ المؤمنُ ما حَرَّم اللهُ"، وغَيرةُ اللهِ عزَّ وجلَّ صِفةٌ مِن صِفاتِه كما يَليقُ بكَمالِه وجَلالِه وعَظمتِه سُبحانَه، ولا يُقاسُ ذلك على صِفاتِ المُخلوقِينَ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ليس كمِثلِه شيءٌ وهو السَّميعُ البَصيرُ.
هذا، وعلى الرَّغْمِ مِنْ كِبَرِ هذا الأمرِ- أنْ يَرَى الرجُلُ مع أهلِه رجلًا غريبًا- وعِظَمِهِ، فالمُسلِمُ مُلْزَمٌ بأوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ونواهيه وإنْ خالَفَتْ رأيَهُ وهَواه، ولو تُرِكَ الأمرُ لِمِثْلِ ما قال سَعدٌ لَكانتِ المَفْسَدَةُ أعظمَ، ولَفَتَحَ ذلك بابًا لِلْفِرْيَةِ وغيرِها مِنَ المفاسِدِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم