قال عمرُ بنُ الخطَّابِ : ألا لا تغلوا صُدُقِ النِّساءِ ، فإنَّه لو كان مَكرُمةً في الدُّنيا ، أو تقوَى عند اللهِ عزَّ وجلَّ كان أولاكم به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ما أصدق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم امرأةً من نسائِه ، ولا أُصدِقت امرأةٌ من بناتِه أكثرَ من ثنتَيْ عشرةَ أُوقيَّةً ! وإنَّ الرَّجلَ ليُغلي بصدقةِ امرأتِه ، حتَّى يكونَ لها عداوةٌ في نفسِه ، وحتَّى يقولَ : كلَفتُ لكم علَقَ القِرْبةِ ! وكنتُ غلامًا عربيًّا مُولَّدًا ، فلم أدْرِ ما علَقُ القِرْبةِ ؟ ! قال : وأخرَى يقولونها لمن قُتِل في مغازيكم أو مات : قُتِل فلانٌ شهيدًا ، أو مات فلانٌ شهيدًا ، ولعلَّه أن يكونَ قد أوقر عجُزَ دابَّتِه ، أو دفَّ راحلتِه ذهبًا أو ورِقًا ، يطلُبُ التِّجارةَ ، فلا تقولوا ذاكم ، ولكن قولوا كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : من قُتِل في سبيلِ اللهِ ، أو مات ، فهو في الجنَّةِ
الراوي : أبو العجفاء السلمي | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم: 3349 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه الترمذي ( 1114 )، والنسائي ( 3349 ) واللفظ له، وابن ماجه ( 1887 )، وأحمد ( 340 )
كان عُمرُ بنُ الخَطَّابِ رضِيَ
اللهُ عنه مِن فُقهاءِ الصَّحابةِ، وكان مُحدَّثًا مُلْهَمًا ونزَلَت بعضُ الآيات في
القُرآنِ موافقة لرَأيهِ، وكان يَتمثَّلُ رُوحَ الشَّرعِ ومَقاصِدَه في بَعضِ آرائِه واجتهاداتِه، وحِينَما صار أميرًا للمُؤمنِينَ وراعيًا لهم، كان يَتحرَّى العَدلَ ويُوضِّحُ لهم كثيرًا من الأمورِ التي تُصلِحُ أحوالَهم وتُرشِدُهم إلى الطَّريقِ القويمِ، وتُيسِّرُ عليهم مَعاشَهم.
وفي هذا الحديثِ أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رَضِي
اللهُ عَنه قال: "ألَا لا تُغْلوا صُدُقَ النِّساءِ"،
أي: لا تُبالِغوا ولا تُكثِروا في مُهورِ النِّساءِ على مَن أرادَهنَّ للزَّواجِ "فإنَّه لو كان مَكرُمةً في الدُّنيا"،
أي: لو كانتْ تلك الْمُغالاةُ في المهورِ تَزيدُ المَرءَ شرَفًا ومَفخَرةً في الدُّنيا، "أو تَقْوى عِندَ
اللهِ عزَّ وجلَّ، كان أولاكم به النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم"،
أي: كان أسرَعَ النَّاسِ لها هو النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم، "ما أصدَقَ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم امرَأةً مِن نِسائِه"،
أي: أعطاها مَهرًا، "ولا أُصدِقَتِ امرأةٌ مِن بَناتِه"،
أي: ولا أخذَتْ بناتُه مَهرًا، "أكثرَ مِن ثِنْتَي عَشْرةَ أوقيَّةً"، والأوقيَّةُ: أربَعُ مِئةٍ وثَمانون دِرْهمًا، "وإنَّ الرَّجُلَ لَيُغْلي بصَدُقةِ امرأتِه"،
أي: يُكثِرُ في مَهْرِها ويُبالِغُ فيه، "حتَّى يكونَ لها عَداوةٌ في نَفْسِه"،
أي: حتَّى يُعادِيَ امرأتَه في نفْسِه عندَ أداءِ ذلك المهرِ؛ لثِقَلِه عليه حينَئذٍ، أو عندَ مُلاحَظةِ قَدْرِه، وتَفكُّرِه فيه بالتَّفصيلِ، "وحتَّى يقولَ: كُلِّفتُ لكم عِلْقَ القِرْبةِ"، وعِلقُ القِرْبةِ: الحَبلُ الَّذي يُحمَلُ به السِّقاءُ، وتُعلَّقُ به القربةُ، وهي وِعاءٌ مِن الجِلْدِ، يُحفَظُ فيه الماءُ والسَّوائلُ، والمرادُ: بيانُ ما تَحمَّله مِن المشقَّةِ، وهذا بيانٌ لتَأسُّفِه إذا ما بلَغ به مِثلُ هذا الزَّواجِ مِن التَّعبِ والإرهاقِ؛ فإنَّه يَذكُرُ ما بذَلَه مِن مَهرٍ وما كان مِن غَلائِه مِمَّا يَزيدُ العَداوةَ لامرأتِه.
قال أبو العَجْفاءِ-راوي الحديثِ عن عُمرَ-: "وكنتُ غُلامًا عرَبيًّا مُولَّدًا"، وهذا بَيانٌ لقِلَّةِ مَعرفتِه بغَريبِ اللُّغةِ؛ فكَونُه يُشيرُ إلى أنَّ عرَبيَّتَه مُقتصِرةٌ على المولَّدِ أنَّه لم يُخالِطْهم لِيُتقِنَ اللُّغةَ، "فلم أدْرِ ما عِلْقُ القِرْبةِ؟"،
أي: فلم أعرِفْ مَعنى عِلْقِ القِرْبةِ.
والمقصودُ أنَّ الزَّوجَ يقولُ لزَوجتِه: كُلِّفتُ لكم بكُلِّ أمرٍ صغيرٍ أو كبيرٍ، وحَقيرٍ أو ثَمينٍ، حتَّى إنَّكم طلَبتُم مِنِّي الحَبلَ الصَّغيرَ لِتَعليقِ القِرْبةِ، ولم يتَكلَّفْ أهلُكِ بشَيءٍ.
قيل: ونَهْيُ عُمرَ رَضِي
اللهُ عَنه عن المغالاةِ هو مِن بابِ الحثِّ والتَّرغيبِ في الأفضَلِ والأَوْلى؛ وذلك أنَّه ليس هناك حَدٌّ لِمَهرِ المرأةِ؛ لقولِه تعالى:
{ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } [
النساء:20 ].
قال عُمرُ رَضِي
اللهُ عَنه: "وأخرى"،
أي: وهناك خَصْلةٌ أخرى يُبيِّن للنَّاسِ والرَّعيَّةِ خطَأَهم فيها، وهي كلمةٌ "يَقولونها لِمَن قُتِل في مَغازيكم أو مات"،
أي: يَقولُها النَّاسُ فيمَن قُتل أو في مَوتِ أحدٍ مِنهم إذا خرَج غازيًا: "قُتِل فُلانٌ شَهيدًا، أو ماتَ فلانٌ شهيدًا"،
أي: إحقاقٌ وإخبارٌ بالشَّهادةِ فيمَن لا يَعرِفُ أمْرَه إلَّا
اللهُ عزَّ وجلَّ، "ولعَلَّه"،
أي: الَّذي مات أو قُتِل، "أن يَكونَ قد أوقَرَ عَجُزَ دابَّتِه"،
أي: علا ظَهْرَها، "أو دَفَّ راحلتِه"،
أي: جعَل في رَحْلِه ومَتاعِه الَّذي تَحمِلُه دابَّتُه، "ذَهبًا أو وَرِقًا"،
أي: مالًا، "يَطلُبُ التِّجارةَ"،
أي: إنَّه لَمَّا مات أو قُتل، لم يَكُنْ خارِجًا لطَلبِ الجهادِ في سبيلِ
اللهِ عزَّ وجلَّ، فلا يَحِقُّ أن يُخبَرَ عنه بعَينِه بأنَّه شَهيدٌ، "فلا تَقولوا ذاكم"،
أي: لا تُخبِروا ولا تَقولوا بشَهادتِه، "ولكن قُولوا كما قال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم: مَن قُتِل في سبيلِ
اللهِ، أو مات، فهو في الجنَّةِ"،
أي: على العمومِ دون أن يخصَّ أحداً بِعينهِ.
وفي الحديثِ: التَّرغيبُ في تَرْكِ المغالاةِ في مُهورِ النِّساءِ؛ تَخفيفًا على المتزوِّجين، وليس هذا إجبارًا على الأمرِ.
وفيه: بيانُ ما كان عِندَ عُمرَ رَضِي
اللهُ عَنه من فِقهٍ.
وفيه: عدَمُ الشَّهادةِ لميِّتٍ مُعيَّنٍ بجَنَّةٍ أو نارٍ؛ لأنَّ النِّيَّاتِ لا يَعلَمُها
اللهُ سُبحانَه .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم