شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
كان الصَّحابةُ الكرامُ أكرَمَ الناسِ، وكان الأنصارُ القُدوةَ في ذلك، وقد كانوا يُضيِّفون مَن يأْتي إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الغُرباءِ والوُفودِ، ويَتقاسَمون الطَّعامَ معهم، مع ما كانوا عليه مِن الشِّدَّةِ والفقرِ في بعضِ الأوقاتِ.
وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لبَعضِ هذه المعاني، حيثُ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ رضِيَ اللهُ عنهما: "كان يَقدَمُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ قومٌ ليست لهم مَعارِفُ"، أي: يأْتي إليه أُناسٌ أغرابٌ ليس لهم مَن يَعرِفُهم في المدينةِ حتى يَقومَ على ضِيافتِهم وشأْنِهم، "فيأخُذُ الرَّجلُ بيَدِ الرَّجلِ"، بمعنى يُمسِكُ الرَّجلُ مِن الصحابةِ بيَدِ رجُلٍ مِن الغُرباءِ؛ لِيُضيِّفَه في بيتِه، "والرَّجلُ بيَدِ الرَّجلينِ، والرَّجلُ بيَدِ الثلاثةِ؛ على قَدْرِ طاقتِه"، أي: على قَدْرِ غِناهُ وما عنده مِن الطَّعامِ، "فأخَذَ خَتَني"، والخَتَنُ: هو الصِّهرُ وزَوجُ الأختِ، "بيَدِ رَجلينِ"؛ لِيُضيِّفَهما في بَيتِه، "فخَلَوتُ به فلُمْتُه"؛ خشِيَ عليه ألَّا يَقدِرَ على ضِيافتِهما، "فقلْتُ: تأخُذُ رَجلينِ وعندك ما عِندك؟!" أي: وعندك القليلُ مِن الطَّعامِ، "فقال: إنَّ عندنا رِزقًا مِن رِزقِ اللهِ"، بمعنى عندنا سَعةٌ مِن الطَّعامِ والمالِ، "فانطَلِقْ حتى أُرِيَكَ، فانطلَقْتُ فأَراني شيئًا مِن بُرٍّ"، أي: بعضًا منه، وهو القمْحُ الذي يُطحَنُ ويُصنَعُ منه الخُبْزُ، "فقال: هذا عندنا، فقلْتُ: مِن أين لك هذا؟ قال: اشتريناهُ مِن العِيرِ التي قدِمَت أمْسِ"، أي: اشتَرَينا مِن القافلةِ التي أتَتْ بالأمسِ إلى المدينةِ، "وأَراني كمَثلِ جَثوةِ البعيرِ تَمْرًا"، أي: كَومًا مِن التَّمرِ مِثلَ حَجمِ جُثَّةِ البعيرِ، أي: إنَّها كمِّيَّةٌ كبيرةٌ مِن التَّمرِ، "فقال: وهذا عندنا، وأَراني جَرَّةً فيها وَدَكٌ"، أي: فيها دُهنٌ أو سمْنٌ ممَّا يُؤتَدَمُ به ويُصنَعُ منه الطَّعامُ، والجَرَّةُ: وِعاءٌ يُصنَعُ مِن الفَخَّارِ، "فقال: وهذا دِهانٌ وإدامٌ"، أي: دُهنٌ للطَّبخِ وطعامٌ يُؤكَلُ منه يُوضَعُ على الشَّعَرِ؛ لِتَثبيتِه وتَسريحِه، "ثمَّ غدا بهما إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم، أو راح بِهما"، أي: ذهَبَ بهما إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّباحِ أو المساءِ، "وقد أطعَمَهما ودَهَنَهما"، أي: أكرَمَهما بالإطعامِ والادِّهانِ، وتَسريحِ الشَّعرِ والتَّنظيفِ، "فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم: إنِّي أرى صاحبَيك حَسَنَا الحالِ"، أي: مَظهَرُهما حَسنٌ، وعليهما أثَرُ النِّعمةِ، "كم تُطعِمُهما كلَّ يومٍ مِن وَجبةٍ؟ قال: وَجبتينِ.
قال: وَجبتينِ! فلولا كانت واحدةً"، أي: فهلِ اكتفَيْتَ بإطعامِهما مرَّةً واحدةً في اليومِ؛ لِضِيقِ الحالِ والشِّدَّةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ لصاحبِ البيتِ أنْ يُكرِمَ ضَيفَه على قَدْرِ غِناهُ دونَ تَشديدٍ عليه( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم