أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ كانَ كلَّما صلَّى صلاةً جلسَ للنَّاسِ فمن كانت لهُ حاجةٌ كلَّمهُ وإلَّا قامَ فحضرتُ البابَ يومًا فقلتُ يا يَرفَأُ فخرجَ وإذا عثمانُ بالبابِ فخرجَ يرفَأُ فقالَ قم يا ابنَ عفَّانَ قم يا ابنَ عبَّاسٍ فدخَلْنا على عمرَ وعندَهُ صُبَرٌ من مالٍ فقالَ إنِّي نظرتُ في أهلِ المدينةِ فرأيتُكما من أكثرِ أهلِها عشيرةً فخُذا هذا المالَ فاقسِماهُ فإن كانَ فيهِ فضلٌ فرُدَّا قلتُ وإن كانَ [ نقصانٌ ] زدتَنا فقالَ نَشْنَشَةٌ مِنْ أَخشَنَ قد علمتَ أنَّ محمَّدًا وأهلَهُ كانوا يأكلونَ القَدَّ قلتُ بلى واللَّهِ لو فتحَ اللَّهُ هذا على محمَّدٍ لصنعَ فيهِ غيرَ ما صنعتَ فغضبَ وانتشجَ حتَّى اختَلفتْ أضلاعُهُ وقالَ إذًا صنعَ فيهِ ماذا فقلتُ إذًا أكلَ وأطعَمنا فسُرِّيَ عنهُ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن حجر العسقلاني
| المصدر : مختصر زوائد البزار
الصفحة أو الرقم: 2/495 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كان عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ خَيرَ مِثالٍ للخليفةِ العادلِ المُتعفِّفِ عن أمْوالِ رَعِيَّتِه، وقد فتَحَ
اللهُ على يَدَيْه مَمالِكَ وأُممًا كثيرةً، وجاءتْه الأموالُ مِن كُلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، فاستعمَلَ كُلَّ ذلك في طاعةِ
اللهِ، وعمِلَ فيها بأمْرِ
اللهِ ورسولِهِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ
اللهِ بنُ عباسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما: "أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ كان كُلَّما صلَّى صلاةً"،
أي: صلاةَ فرْضٍ في جماعةٍ في المسجدِ، "جلَسَ للناسِ، فمَنْ كانتْ له حاجةٌ كلَّمَه، وإلَّا قام" وهذا مِن سَمْتِ الإمامِ العادلِ الذي يُراَعِي مَصالِحَ الناسِ ويَفْصِلُ بينهم، "فحضَرْتُ البابَ يومًا، فقُلتُ: يا يَرْفَأُ"،
أي: نادَى على خادمِ عُمَرَ، واسْمُهُ يَرْفَأُ، "فخرَجَ" وفي رِوايةِ الحُمَيْدِيِّ: "قال: فصَلَّى صلواتٍ لا يَجلِسُ للناسِ فيهنَّ، قال ابنُ عباسٍ: فحضَرْتُ البابَ، فقُلتُ: يا يَرْفَأُ؛ أَبِأَمِيرِ المؤمنين شَكاةٌ؟ فقال: ما بِأَميرِ المؤمنينَ مِن شَكوى" يَطلُبُ أنْ يَستأذِنَ له لِيَدخُلَ على عُمَرَ رضِيَ
اللهُ عنه، "وإذا عُثمانُ بالبابِ، فخرَجَ يَرْفَأُ، فقال: قُمْ يا ابنَ عَفَّانَ، قُمْ يا ابنَ عبَّاسٍ"،
أي: يَأْذَنُ لهما في الدُّخولِ على عُمَرَ، "فدخَلْنَا على عُمَرَ وعندَهُ صُبَرٌ مِن مالٍ"،
أي: أكوامٌ وصُرَرٌ مِن الأموالِ، وهي ممَّا فتَحَ
اللهُ على الأُمَّةِ مِنَ الفُتوحاتِ في عَهدِ عُمَرَ رضِيَ
اللهُ عنه، "فقال: إنِّي نظَرْتُ في أهلِ المدينةِ، فرأَيتُكما مِن أكثرِ أهلِها عَشيرةً" والعشيرةُ: الأهلُ والأقاربُ؛ "فخُذَا هذا المالَ فاقْسِمَاه" بيْن عَشيرتَيْكما، "فإنْ كان فيه فضْلٌ فَرُدَّا"،
أي: وإنْ وُجِدَتْ زِيادةٌ في المالِ بعْدَ قِسْمَتِه، فأعِيدَا ما بقِيَ منه، قال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما: "قُلتُ: وإنْ كان نُقْصانٌ زِدْتَنا؟" والمعنى: وإنْ نقُصَ المالُ وضاقَ، فلمْ يَكْفِ الناسَ؛ فهل تَزِيدُ المالَ حتى يَكْفِيَهم؟ "فقال عُمَرُ: نِشْنِشَةٌ مِنْ أخْشَنَ" وقدْ رُوِيَ بلفْظِ: "شِنْشِنَةٌ مِن أخْزَمَ"، يَعْني: حَجَرٌ مِن جَبَلٍ، ومعناه: أنَّه شَبَّهَه بأبِيه العبَّاسِ، في شَهامَتِه، ورَأْيِه، وجُرأتِه على القَولِ، وقيلَ: أراد أنَّ كلِمَتَه مِنه كحَجَرٍ مِن جَبَلٍ،
أي: أنَّ مِثْلَها يَجِيءُ مِن مِثْلِه، يُريد: إنَّك رمَيتَنِي بأمْرٍ عظيمٍ.
ثم قال عُمَرُ رضِيَ
اللهُ عنه: "قد علِمْتَ أنَّ محمدًا وأهلَهُ كانوا يأْكُلون القِدَّ" وهو الخُبْزُ الجافُّ، "قلتُ: بلَى و
اللهِ، لو فتَحَ
اللهُ هذا على محمَّدٍ لَصنَعَ فيه غيرَ ما صنَعْتَ"،
أي: لَقسَمَ المالَ بغيرِ هذه الطريقةِ، "فغضِب وانْتشَجَ"،
أي: بكَى بصَوتٍ مُرتفعٍ، "حتى اختلَفَتْ أضلاعُه"، والمعنى: حتى اهتَزَّ صَدْرُه مِن شِدَّةِ البُكاءِ، "وقال: إذنْ صنَعَ فيه ماذا؟" وهذا سؤالٌ مِن عُمَرَ لابنِ عبَّاسٍ عن تصَوُّرِه ماذا كان سيَفعلُ النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لو جاءه هذا المالُ، وكأنَّ عُمَرَ خاف على نفْسِه أنْ يكونَ قد أخطَأَ، وكان ابنُ عباسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما مِن عُلماءِ الصحابةِ ومِن أكثرِهم مَعرفةً بسُنَّةِ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "فقلْتُ: إذًا أكَلَ وأطْعَمَنا"،
أي: كان النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ سيأْخُذُ مِن هذا المالِ قدْرَ حاجتِهِ، ويُعطي الناس بقيَّتَهُ ويُقَسِّمُها فيهم، وهذه نَصيحةُ تَخْفيفٍ مِن ابنِ عبَّاسٍ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ الذي تعفَّفَ عن مالِ المسلمينَ، وكان لا يأخُذُ منه شيئًا لنفْسِه، "فسُرِّي عنه"، والمعنى أنَّ عُمَرَ لمَّا سمِعَ وفهِمَ قَصدَ ابنِ عباسٍ ذهَبَ ما به مِن الخوفِ والقلَقِ؛ لأنَّه وجَدَه ناصحًا يُرِيدُ له الخيرَ.
وفي الحديثِ: نُصْحُ الصَّحابةِ بعضِهم لبعضٍ في الخيرِ والطاعاتِ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم