عن مُطَرِّفٍ، قال: قعَدْتُ إلى نَفرٍ من قُرَيشٍ، فجاءَ رَجُلٌ، فجعَلَ يُصلِّي: يَركَعُ ويَسجُدُ، ثُم يقومُ، ثُم يَركَعُ ويَسجُدُ لا يَقعُدُ، فقُلْتُ: واللهِ ما أُرى هذا يَدْري يَنصَرِفُ على شَفعٍ أو وِترٍ، فقالوا: ألَا تَقومُ إليه فتقولَ له؟ قال: فقُمْتُ فقُلْتُ: يا عبدَ اللهِ، ما أُراكَ تَدْري تَنصَرِفُ على شَفعٍ أو على وِترٍ؟ قال: ولكنَّ اللهَ يَدْري، سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن سجَدَ للهِ سَجدةً، كتَبَ اللهُ له بها حَسَنةً، وحطَّ بها عنه خَطيئةً، ورفَعَ له بها دَرَجةً، فقُلْتُ: مَن أنتَ؟ فقال: أبو ذَرٍّ، فرجَعْتُ إلى أصْحابي، فقُلْتُ: جَزاكمُ اللهُ من جُلَساءَ شَرًّا، أمَرْتُموني أنْ أُعلِّمَ رَجُلًا من أصْحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 21317 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه أحمد ( 21317 ) واللفظ له، ومحمد بن نصر المروزي في ( (تعظيم قدر الصلاة )) ( 286 )، وابن عساكر في ( (تاريخ دمشق )) ( 58/291 )
السُّجودُ للهِ سُبْحانَهُ وتَعالى مِن أعظَمِ القُرُباتِ التي يَتقرَّبُ العَبدُ بها إلى ربِّهِ، كما في هذا الحَديثِ الذي يَحكِي فيه التَّابعيُّ مُطرِّفُ بنُ عبدِ
اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ: "قَعَدتُ إلى نَفَرٍ من قُرَيشٍ" في جَماعةٍ منهم، "فجاءَ رَجُلٌ، فجَعَلَ يُصلِّي: يَركَعُ ويَسجُدُ، ثُمَّ يَقومُ، ثُمَّ يَركَعُ ويَسجُدُ لا يَقعُدُ" بمَعْنى أنَّ الرَّجُلَ صلَّى صَلاةً كَثيرةً، وصلَّى الرَّكَعاتِ مُتَّصِلاتٍ، ولم يَجلِسْ بيْنَهُنَّ للتَّشهُّدِ، وإنَّما جلَسَ للتَّشهُّدِ في النِّهايةِ؛ فلمَّا رآهُ مُطرِّفٌ قالَ: "و
اللهِ ما أرى هذا يَدْري يَنصَرِفُ على شَفعٍ أو وَترٍ" يَعْني: أنَّه لا يَدْري كم صلَّى، فلمَّا قال ذلِكَ، قال النَّاسُ لِمُطرِّفٍ: "ألَا تقومُ إليه فتقولُ له؟" فتُخبِرُهُ بالصَّوابِ، فقامَ وهو يظُنُّ نفسَهُ أنَّه يَنصَحُهُ، قال: "فقُمتُ" لأنصَحَهُ وأستَوضِحَ الأمْرَ منه، "فقُلتُ: يا عبدَ
اللهِ، ما أراكَ تَدْري تَنصَرِفُ على شَفعٍ أو على وَترٍ؟ قال: ولكِنَّ
اللهَ يَدْري"، فإذا كُنتُ لا أدْري، ف
اللهُ يَدْري؛ لأنَّه أعلَمُ بكُلِّ شَيءٍ، وهذا جَوابٌ مُهذَّبٌ يَنُمُّ عن عِلمٍ بقُدْرةِ
اللهِ سُبْحانَهُ، ثُمَّ قالَ الرَّجُلُ: "سَمِعتُ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن سجَدَ للهِ سَجْدةً" بإخْلاصٍ وحُسنِ توجُّهٍ في صَلاةِ فَريضةٍ أو نافِلةٍ وتَطوُّعٍ "كتَبَ
اللهُ له بها حَسَنةً" ثوابًا من عِندِ
اللهِ "وحَطَّ بها عنه خَطيئةً" مَغفِرةً لِذُنوبِهِ "ورَفَعَ له بها دَرَجةً" تَفضُّلًا من
اللهِ على عَبدِهِ السَّاجِدِ فيَزيدُهُ عُلُوًّا ورِفْعةً في دَرَجاتِ الجنَّةِ، أو يَزيدُهُ في الأَجْرِ والثَّوابِ؛ وذلِكَ الفَضْلُ لأنَّ السُّجودَ اقتِرابٌ مِن
اللهِ، ولأنَّ السُّجودَ غايةُ التَّواضُعِ والعُبوديَّةِ للهِ تَعالى،
وفيه تَمْكينُ أعَزِّ أعْضاءِ الإنسانِ وأعْلاها- وهو وَجهُهُ- مِن التُّرابِ الَّذي يُداسُ، ويُمتَهَنُ، فيَرفَعُ
اللهُ عَبدَهُ الَّذي أذَلَّ نفسَهُ لِمَولاهُ رَبِّ العالَمينَ، وتَواضَعَ له غايةَ التَّواضُعِ؛ حيثُ وضَعَ أشرَفَ أعْضائِهِ على الأرضِ، وباعَدَ نفْسَهُ مِن الكِبْرِ؛ فجازاهُ
اللهُ تعالى بأنْ غفَرَ ذَنْبَهُ، وزادَ أجْرَهُ، ورفَعَ درَجَتَهُ.
فلمَّا سَمِعَ مُطرِّفٌ من الرَّجُلِ ذلِكَ سَأَلَهُ: "مَن أنتَ؟ فقال: أبو ذَرٍّ، فرَجَعتُ إلى أصْحابي، فقُلتُ: جَزاكُمُ
اللهُ من جُلَساءَ شرًّا "أعْطاكُمْ سُوءَ الجَزاءِ على سُوءِ فَعلَتِكُم، "أمَرْتُموني أنْ أُعلِّمَ رَجُلًا من أصْحابِ رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم" تَطْلُبونَ مِنِّي أنْ أنصَحَ صَحابِيًّا، وأنتُم تَعْرفونَ أنَّه صَحابيٌّ؟ ولا يَنبَغي لأحَدٍ أنْ يَتَطاولَ على صَحابةِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الحَديثِ: بيانُ فَضلِ
اللهِ على عِبادِهِ؛ بأنْ جعَلَ لهم مِن الأعْمالِ ما يَرفَعُ درَجاتِهم ويَغفِرُ خَطاياهم.
وفيه: أنَّ العالِمَ عليه التَّأنِّي في الجَوابِ؛ حتَّى يَستيقِنَ منه، ويُجيبَ بما يُناسِبُ حالَ السَّائلِ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم