على مُعلِّمِ
القُرآن أنْ يطلُبَ بتَعليمِهِ الثَّوابَ من
اللهِ، وألَّا يأخُذَ أجْرًا من النَّاسِ؛ حتى ينالَ الثَّوابَ العَظيمَ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رضِيَ
اللهُ عنه: "علَّمتُ رجُلًا
القُرآنَ، فأهْدى إليَّ قوسًا، فذَكَرتُ ذلك للنَّبيِّ"،
يَعني أنَّه علَّمَهُ وحفَّظَهُ
القُرآنَ، فأهْدى إليه الرَّجُلُ قوسًا، وهو من آلةِ الحَربِ على شَكلِ نِصفِ دائرةٍ تُرْمى بها السِّهامُ، ولعلَّ قَبولَهُ لهذه الهَديَّةِ؛ لأنَّها ليستْ ذاتَ قيمةٍ، ويُمكِنُ أنْ يَستفيدَ بها، ويَرميَ بها العَدُوَّ في الحَربِ، ولكنَّه سأَلَ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عن هذه الهَديَّةِ؛ لِيُقِرَّهُ على قَبولِها، أو أنَّ بها شُبهةً تَمنَعُهُ من أخْذِها، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنْ أخَذتَها أخَذتَ قَوسًا من نارٍ، فرَدَدتُها"،
أي: إنْ كُنتَ تُحِبَّ أو إنْ أرَدتَ أنْ يكونَ هذا القَوسُ عذابًا لك في النَّارِ يومَ القيامةِ، فاقْبَلْها وخُذْ هذا القَوسَ، وهذا من بابِ الزَّجْرِ عن قَبولِها ورَفضِهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لأخْذِ أجْرٍ على تَعْليمِ
القُرآنِ، "فرَدَدتُها"، فاسْتَجابَ لأمْرِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وردَّ القَوسَ على صاحِبِها.
فظاهِرُ هذا الحَديثِ يدلُّ على أنَّ أخْذَ الأُجرةِ والعِوَضِ على تَعليمِ
القُرآنِ غيرُ مُباحٍ، وقد وردتْ أحاديثُ أُخرى استُدلَّ بها على إباحةِ العِوَضِ وأخْذِ الأجرةِ على تَعليمِ
القُرآنِ، كحديثِ البُخاريِّ عن ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم قال: "إنَّ أحقَّ ما أخَذتُم عليه أجْرًا كتابُ
اللهِ"، وأخرَجَ ابنُ ماجَهْ عن سَهلِ بنِ سَعدٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم قال للرَّجُلِ الذي خطَبَ المرأةَ فلم يجِدْ لها مَهْرًا: "زَوجتُكَها على ما معَكَ من
القُرآنِ"، وقد جاء عن عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رضِيَ
اللهُ عنه أنه كان يَرزُقُ المُعلِّمينَ، وأنَّه كتَب إلى بَعضِ عُمَّالِه: أنْ أعطِ الناسَ على تعليمِ القرآنِ.
وتأوَّلُوا هذا الحديثَ على أنَّ أُبَيَّ بنَ كَعبٍ رضِيَ
اللهُ عنه كان قد تبرَّعَ بعمَلِه، ونوَى الاحتِسابَ فيه، ولم يكن قَصدُهُ وقتَ التَّعليمِ إلى طَلبِ عِوَضٍ ونَفْعٍ؛ فحذَّرَهُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم مِن إبطالِ أجْرِهِ وتوعَّدَهُ عليه.
وقيلَ: إذا كان في المُسلِمينَ غَيرُهُ ممَّن يقومُ بتَعليمِ
القُرآنِ حلَّ له أخْذُ الأُجْرةِ عليه؛ لأنَّ فَرْضَ ذلك لا يَتعيَّنُ عليه، وإذا كان في حالٍ أو مَوضعٍ لا يقومُ به غيرُه لم يحِلَّ له أخْذُ الأُجْرةِ، وبهذا تأوَّلَ العُلَماءُ اختِلافَ الأخْبارِ فيه.
وفي الحَديثِ: أنَّ على المُسلِمِ أنْ يَتحرَّى في مَكسَبِهِ الحَلالَ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم