شرح حديث لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح أن يسجد بشر
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
شدَّدَ الإسلامُ في طاعةِ المرأةِ لزوجِها، وقد فُسِّرتْ تلك الطاعةُ على عدَّةِ مَعانٍ، منها ما للزَّوجِ مِن فضلٍ وقِوامةٍ تُوجِبُ تلك الطاعةَ.
وقد جاء في سببِ هذا الحديثِ ما رواهُ أحمدُ عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِي اللهُ عنه قال: "كان أهلُ بيتٍ مِن الأنصارِ لهم جَمَلٌ يَسْنُونَ عليه" يَحمِلونَ عليه الماءَ، "وإنَّ الجمَلَ استَصعَبَ عليهم" فرفَضَ الانصياعَ لهم، وأصبَحَ صعبَ القِيادِ، "فمنَعَهم ظَهْرَه"، ولم يَستطيعوا الحَمْلَ عليه، "وإنَّ الأنصارَ جاؤوا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالوا: إنَّه كان لنا جملٌ نَسْنِي عليه، وإنَّه استَصعَبَ علينا، ومنَعَنا ظَهْرَه، وقد عَطِشَ الزَّرعُ والنخلُ"؛ لأنَّهم لا يَستطيعونَ حَمْلَ الماءِ على الجَمَلِ لرَيِّ زَرعِهم "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه: "قُوموا"، فقاموا فدخَلَ الحائطَ" وهو البُستانُ، "والجَملُ في ناحيتِه، فمشى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نحوَه، فقالتِ الأنصارُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّه قد صار مِثلَ الكَلْبِ الكَلِبِ"؛ أي: مِثلَ الكَلْبِ المَسعورِ، "وإنَّا نَخافُ عليك صَولتَه" وهجومَه، "فقال: "ليس عليَّ منه بأسٌ" فلا خطَرَ عليَّ مِن الجَملِ؛ لأنَّ اللهَ سبحانَه يَحفَظُ نبيَّه، "فلمَّا نظَرَ الجَملُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقبَلَ نحوَه" مُنقادًا "حتى خَرَّ ساجدًا بينَ يدَيْه" تعظيمًا وإجلالًا بتطويعِ اللهِ سبحانَه، "فأخَذَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بناصِيَتِه أَذَلَّ ما كانتْ قطُّ"، والناصيةُ هي مُقدَّمُ الرأسِ أو أحدُ جانبَيْه، "حتى أدخَلَه في العملِ، فقال له أصحابُه: يا نبيَّ اللهِ، هذه بهيمةٌ لا تَعقِلُ تسجُدُ لك، ونحن نَعقِلُ؛ فنحنُ أَحَقُّ أنْ نسجُدَ لك، فقال: لا يصلُحُ لِبَشَرٍ أنْ يسجُدَ لبشَرٍ" لا يَحِقُّ لأحدٍ أنْ يسجُدَ لغيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، سواءٌ كان للتَّعظيمِ أو التقديرِ، فضلًا عن أنْ يكونَ للتعبُّدِ، "ولو صلَحَ أنْ يسجُدَ بشَرٌ لبشرٍ" ولو كان هذا جائزًا في حقِّ العبادِ بعضِهم لبعضٍ، "لأمَرتُ المرأةَ أنْ تسجُدَ لزوجِها" لكان الأَولى به الزوجَ مِن زوجتِه؛ "مِن عِظَمِ حقِّه عليها"؛ لِما له مِن فضلٍ وحقٍّ يُعطيهِ تلك الأولويَّةَ، "والذي نفسي بيدِه" أقسَمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ عزَّ وجلَّ، وهو الذي يَملِكُ الأنفُسَ، وكثيرًا ما كان يُقسِمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا القَسَمِ، "لو أنَّ مِن قَدَمِه إلى مَفرِقِ رأسِه قَرْحةً"؛ أي: جروحًا كثيرةً منتشرةً بجسدِه "تَنبجِسُ" تَنفجِرُ وتنبُعُ، "بالقَيْحِ" وهو المِدَّةُ التي لا يُخالِطُها دمٌ، والمِدَّةُ: هي ما يَجتمِعُ في الجُرحِ ثُمَّ يَنفجِرُ منه، "والصَّديدِ" وهو الماءُ الرقيقُ الذي يخرُجُ مِن الجُرحِ، "ثمَّ أقبَلَتْ تَلحَسُه" تَمسَحُه عن زَوجِها بلِسانِها، "ما أدَّتْ حقَّه" وما وفَّتْ بفعلِها هذا الحقَّ، فقرَنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حقَّ الزَّوجِ على الزَّوجةِ بحقِّ اللهِ، فإذا كفَرتِ المرأةُ حقَّ زوجِها وقد بلَغَ مِن حقِّه عليها هذه الغايةَ، كان ذلك دليلًا على تهاوُنِها بحقِّ اللهِ.
وأيضًا من أسبابِ تعظيمِ الشَّرعِ لحَقِّ الزوجِ على زَوجتِه: عِظَمُ منته عليها، وكَثْرةُ واجباتِه ومَسؤولياتِه التي يضطلعُ بها تُجاهَها؛ فقد أوجبَ الشرعُ عليه ما لم يُوجِبْه على المرأةِ حتى على نفْسِها، فأوجبَ لها عليه مَهرًا، وأنْ يُنفِقَ عليها، وأعفاها من النَّفقةِ على نفْسِها، وأنْ يُؤمِّنَ لها السكنَ والكُسوةَ، حتى ولو كانتْ غنِّيةً، أو كان لها موردٌ ماليٌّ يكفيها، أو يزيدُ على حاجتِها.
وفي الحديثِ: النهيُ عن السُّجودِ لغيرِ اللهِ.
وفيه: بيانٌ لعِظَمِ حقِّ الزوجِ على زوجتِه.
وفيه: بيانُ عَظيمِ ثَوابِ الزَّوجةِ إذا هي أطاعتْ زوجَها وعاشَرتْه عِشرةً حَسنةً ابتغاءَ وجْهِ اللهِ تعالَى( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم