الكَبائرُ المَقْصودُ بها: الذُّنوبُ العَظيمةُ، وهي كلُّ ذَنْبٍ أُطْلِقَ عليْه -في
القُرآنِ، أو السُّنَّةِ الصَّحيحَةِ، أو الإجْماعِ- أنَّه كَبيرةٌ، أو أنَّه ذَنْبٌ عَظيمٌ، أو أُخبِرَ فيه بشِدَّةِ العِقابِ، أو كان فيه حَدٌّ، أو شُدِّدَ النَّكيرُ على فاعِلِه، أو وَرَدَ فيه لَعْنُ فاعِلِه.
وقيلَ: الكَبائرُ هي: كلُّ فِعْلٍ قَبيحٍ شَدَّدَ الشَّرْعُ في النَّهيِ عنه، وأعْظَمَ أمْرَه.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليْه وسلَّمَ: "اجْتَنِبوا الكَبائرَ السَّبْعَ"، وهذا أَمْرُ إرْشادٍ إلى الابْتِعادِ عن ارْتِكابِ تلك المَعاصي، ولا انحِصارَ للكَبائِرِ في عَددٍ مُحدَّدٍ، وإنَّما وقَعَ الاقتِصارُ هنا على هذه السَّبْعِ.
وفي الرِّوايةِ الأُخرَى: «
ثَلاث».
وفي الأخرى: «
أربَع»؛ لكونِها من أفحشِ الكَبائِرِ مع كَثرةِ وُقوعِها، لا سيَّما فيما كانتْ عليه الجاهليَّةُ "فَسَكَتَ النَّاسُ، فلم يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ"، وهذا مِن حُسْنِ أَدَبِهم، وعَدَمِ تَقَدُّمِهم بَيْنَ يَدَيْ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليْه وسلَّمَ، وكذا يَحْتَمِلُ -إلى جانَبِ ما سَبَقَ- أنْ يَكونَ تَشَوُّفًا لِسَماعِ التَّفِصيلِ بعْدَ الإجْمالِ، وسُكوتُهم هذا يَدُلُّ على خُطورَةِ الأمْرِ وأهمِّيَّتِه؛ فلمَّا سَكَتوا قالَ لهم النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليْه وسلَّمَ: "أَلا تَسْأَلوني عنْهنَّ؟" حتى أُخْبِرَكم بِأنْواعِها، ثُمَّ قالَ: "الشِّرْكُ ب
اللهِ"، وهو أنْ يَجْعَلَ للهِ نِدًّا ويَعبُدَ غَيرَه مِن حَجَرٍ، أو شَجَرٍ، أو غَيرِ ذلك، "وقَتْلُ النَّفْسِ"، يعْني: قَتْلَ النَّفْسِ ظُلْمًا بغَيرِ حقٍّ مِن الحُقوقِ التي أوْجَبَها
اللهُ تَعالى، وهي النَّفْسُ المَعْصومةُ بإسْلامٍ، أو ذِمَّةٍ، أو عَهْدٍ، أو أَمانٍ، فلا تُقْتَلُ إلَّا بِالحقِّ، كالقَتْلِ قِصاصًا، أو حَدًّا، أو رِدَّةً.
"والفِرارُ مِنَ الزَّحْفِ"،
أي: الفِرارُ في ساعةِ القِتالِ يومَ مُلاقاةِ الكُفَّارِ وأعْداءِ
اللهِ، "وأَكْلُ مالِ اليَتيمِ"، وهو الاعْتِداءُ الظَّالمُ والآثِمُ على أمْوالِ اليَتامَى، وإتْلافُها، وخَصَّ الأكْلَ بالذِّكْرِ؛ لأنَّه المَقْصودُ الغالِبُ مِن المالِ، "وأَكْلُ الرِّبا"، يَعْني: التَّعامُلَ بِالرِّبا، وهو: زِيادةُ أَحَدِ البَدَلَينِ المُتَجانِسَينِ مِن غَيرِ أنْ يُقابِلَ هذه الزِّيادةَ عِوَضٌ، أو كلُّ زِيادةٍ لم يُقابِلْها عِوَضٌ، وهو ظُلْمٌ للإنْسانِ، وأَكْلٌ لِمالِه بِالباطِلِ، ومُحارَبةٌ للهِ ورَسولِه، كما حَكى القُرْآنُ، وإنَّما عَبَّرَ عنه بِالأَكْلِ؛ لأنَّ الأَكْلَ مُعْظَمُ مَقاصِدِه، والمُرادُ بذلك: النَّهْيُ عن التَّعامُلِ بكلِّ أنْواعِ الرِّبا، سَواءٌ كان في المالِ أو السِّلَعِ، والتَّحْذيرُ يَبدَأُ بالمُقْرِضِ والمُقْترِضِ، ويَنْتَهي بالمُجْتمَعِ الذي يَرْضى بمِثْلِ هذا ولا يُحارِبُه.
"وقَذْفُ المُحْصَنَةِ"، وهو رَمْيُ النِّساءِ العَفيفاتِ البَريئاتِ مِن الفاحِشةِ بالزِّنا والفاحِشةِ دُونَ بَيِّنةٍ.
"والتَعَرُّبُ بَعْدَ الهِجْرةِ"، ويُقْصَدُ به: عَوْدةُ المُهاجِرِ إلى البادِيةِ، وإقامَتُه مع الأعْرابِ بعْدَ أنْ كان مُهاجِرًا، وكان مَن رَجَعَ بعْدَ الهِجْرةِ إلى مَوضِعِه مِن غَيرِ عُذْرٍ يَعُدُّونَه كالمُرْتَدِّ، وكانَتِ الهِجْرةُ واجِبةً إلى المدينةِ قبْلَ فَتْحِ مكَّةَ، فلمَّا أَتَمَّ
اللهُ الفَتْحَ على المُسْلِمينَ انْقَطَعَتِ الهِجرةُ، وبَقِيَتِ الهِجْرةُ مِن دارِ الحَرْبِ إلى دارِ الإسْلامِ، في أيِّ عَصْرٍ كان؛ فإنَّها باقيةٌ إلى يومِ القِيامَةِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ أنْواعِ الكَبائرِ في الإسْلامِ، والزَّجْرُ عن فِعْلِها.
وفيه: حِرْصُ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليْه وسلَّمَ على أُمَّتِه، وبَيانُه لهم ما يَجْتَنِبوه.
وفيه: بَيانُ أنَّ الذُّنوبَ كَبائرُ وصَغائرُ، بمَفْهومِ المُخالَفةِ.
وفيه: بَيانُ الأَدَبِ معَ حديثِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليْه وسلَّمَ، وحُسْنِ الاسْتِماعِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم