الأنصارُ هم أوَّلُ مَن قَرَّرَ بعَزمٍ وحَزمٍ أنْ يُهاجِرَ إليهم رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، على أنْ يُؤمِنوا به ويُوَقِّروه ويَنصُروه، وكانَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لَيلةَ العَقَبةِ طَلَبَ منهم نُقَباءَ لِيَكونوا وُكلاءَ عن قَومِهم وأهليهم، فخَرَجَ اثنا عَشَرَ نَقيبًا، وبايَعوه على النُّصرةِ والسَّمعِ والطَّاعةِ، وبَشَّرَهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ مَن بايَعَ على ذلك له الجَنَّةُ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عُبادةُ بنُ الصَّامِتِ: "كُنتُ فيمَن حَضَرَ العَقَبةَ الأُولى" وكانَتْ في مَكةَ قَبلَ الهِجرةِ بعامٍ، والعَقَبةُ هي المَوضِعُ الذي بمِنًى، والتي تُنسَبُ إليها جَمرةُ العَقَبةِ، "وكُنَّا اثنَيْ عَشَرَ رَجُلًا" والاثنا عَشَرَ هم: أسعَدُ بنُ زُرارةَ، ورافِعُ بنُ مالِكٍ، والبَراءُ بنُ مَعرورٍ، وعُبادةُ بنُ الصَّامِتِ، وعَبدُ
اللهِ بنُ عَمرِو بنِ حَرامٍ، وسَعدُ بنُ الرَّبيعِ، وعَبدُ
اللهِ بنُ رَواحةَ، وسَعدُ بنُ عُبادةَ، والمُنذِرُ بنُ عَمرِو بنِ حُبَيشٍ، وأُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ، وسَعدُ بنُ خَيثَمةَ، وأبو الهَيثَمِ بنُ التَّيهانِ، وقيلَ بَدَلَه: رِفاعةُ بنُ عَبدِ المُنذِرِ.
قالَ عُبادةُ رَضيَ
اللهُ عنه: "فبايَعْنا رَسولَ
الله صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على بَيعةِ النِّساءِ"، ويَقصِدُ قَولَ
اللهِ تَعالى:
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [
الممتحنة: 12 ]، والمُبايَعةُ: المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ، وسُمِّيتْ بذلك تَشبيهًا لها بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يَبيعُ ما عِندَه مِن صاحِبِه؛ فمِن طَرَفِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وَعْدُ الثَّوابِ، ومِن طَرَفِهمُ التِزامُ الطَّاعةِ.
"وذلك قَبلَ أنْ تُفرَضَ الحَربُ" ويُقصَدُ بها حَربُ الدِّفاعِ عنِ النَّفسِ، والجِهادُ في سَبيلِ
اللهِ وعُلوِّ كَلِمتِه؛ فبايَعوه، "على ألَّا نُشرِكَ ب
اللهِ شَيئًا" على التَّوحيدِ الخالِصِ مِنَ الشِّركِ، وإفرادِ
اللهِ تَعالى بالعِبادةِ، "ولا نَسرِقَ"؛ لِأنَّ الإسلامَ جاءَ لِحِمايةِ الأموالِ "ولا نَزنيَ"؛ لِأنَّ الإسلامَ يَحمي أعراضَ الناسِ وأنسَابَهم، "ولا نَقتُلَ أولادَنا"، وإنَّما خَصَّ الأولادَ؛ لِأنَّه قَتلٌ وقَطيعةُ رَحِمٍ، ولِأنَّهم كانوا في الأغلَبِ يَقتُلونَ أولادَهم خَشيةَ الفَقرِ، "ولا نأتيَ ببُهتانٍ نَفتريه بَينَ أيدينا وأرجُلِنا" والافتِراءُ هو الاختِلاقُ والكَذِبُ، والمَعنى: لا تَبهَتوا الناسَ افتراءً واختِلافًا بما لم تَعلَموه منهم، فتَجْنوا عليهم مِن قِبَلِ أيديكم وأرجُلِكم، أيْ: مِن قِبَلِ أنْفُسِكم جِنايةً تَفضَحونَهم بها، وهم بُرآءُ، واليَدُ والرِّجْلُ كِنايةٌ عنِ الذَّاتِ، وقيلَ: نَسَبَ الافتِراءَ إلى اليَدِ والرِّجْلِ بسَبَبِ أنَّ مُعظَمَ الأفعالِ تَقَعُ بهما، وإنْ شارَكَهما سائِرُ الأعضاءِ، "ولا نَعصيَه في مَعروفٍ" والعِصيانُ خِلافُ الطَّاعةِ، والمَعروفُ: اسمٌ جامِعٌ لِكُلِّ ما عُرِفَ مِن طاعةِ
اللهِ تَعالى، والإحسانِ إلى الناسِ، "فإنْ وَفَّيتُم فلكمُ الجَنَّةُ، وإنْ غَشَيتُم مِن ذلك شَيئًا فأمْرُكم إلى
اللهِ؛ إنْ شاءَ عَذَّبَكم، وإنْ شاءَ غَفَرَ لكم" والمَعنى أنَّ مَن ثَبَتَ على ما بايَعَ عليه، ولم يَرتَكِبْ مَعصيةً مِن هذه المَعاصي التي نُهيَ عنها فثَوابُه مُحَقَّقٌ، وسَيَجِدُه يَومَ القيامةِ عِندَ رَبِّه؛ لِأنَّه لا يُخلِفُ الميعادَ، وأنَّ مَنِ ارتَكَبَ مَعصيةً مِنَ المَعاصي التي تَستَوجِبُ الحَدَّ الشَّرعيَّ، كالزِّنا والسَّرِقةِ، فهو تَحتَ مَشيئةِ
اللهِ عَزَّ وجَلَّ، إنْ شاءَ غَفَرَ له، فأدخَلَه الجَنَّةَ مع الأوَّلينَ، وإنْ شاءَ عاقَبَه بالنارِ على قَدْرِ جِنايَتِه، ثم أدخَلَه الجَنَّةَ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ صِدقِ النُّقَباءِ في بَيعةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: مَشروعيَّةُ اتِّخاذِ نُقَباءَ أو وُكَلاءَ عن جُموعِ الناسِ، كُلُّ نَقيبٍ يُمثِّلُ جُزءًا مُعيَّنًا ويُعبِّرُ عن رَأْيِهم قَبولًا ورَفضًا.
وفيه: أنَّ وَفاءَ المُسلِمِ بأحكامِ الشَّرعِ يُدخِلُه الجَنَّةَ بفَضلِ
اللهِ ورَحمَتِه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم