جاهَدَ الصَّحابةُ رَضيَ
اللهُ عنهم في
اللهِ مع رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ حقَّ الجِهادِ؛ لإعْلاءِ كَلِمتِه، وتَنْفيذًا لأمْرِه، فأُوذوا، وصَبَروا ابتِغاءَ ما عندَ
اللهِ سُبحانَه وتعالَى، فمَنَّ
اللهُ عليهم بنَصرِه، وردَّ عنهم كَيدَ عَدوِّهم، وفازوا بخَيرَيِ الدُّنْيا والآخِرةِ.
وفي هذا الحَديثِ –وهو جُزءٌ مِن رِوايةٍ مُطوَّلةٍ- تَحْكي أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ
اللهُ عنها أنَّ سَعدَ بنَ مُعاذٍ الأنْصاريَّ رَضيَ
اللهُ عنه قال في قُرَيشٍ يومَ بَني قُرَيْظةَ -وكانتْ بعْدَ غَزْوةِ الأحزابِ مُباشَرةً في ذي القَعْدةِ مِن العامِ الخامِسِ مِن الهِجْرةِ-: «
اللَّهمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّه ليس أحدٌ أحبَّ إلَيَّ أنْ أُجاهِدَهم فيكَ مِن قَومٍ كذَّبوا رَسولَكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأخْرَجوه»،
أي: مِن مكَّةَ، و
يَعني بهم كفَّارَ قُرَيشٍ، كما صُرِّحَ بذلك في الرِّوايةِ الأُخْرى؛ وذلك أنَّ إيذاءَ كفَّارِ قُرَيشٍ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ والمُسلِمينَ أوجَبَ عليهمُ الهِجرةَ إلى المَدينةِ، والخُروجَ مِن ديارِهم وأمْوالِهم، وكان سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضيَ
اللهُ عنه قد أُصيبَ في أكْحَلِه -وهو عِرقٌ باليَدِ، وقيلَ: في نِهايةِ القدَمِ- في غَزْوةِ الخَندَقِ
( الأحْزابِ )، فقال بعدَما أُصيبَ تلك الإصابةَ: «
اللَّهمَّ فإنِّي أظُنُّ أنَّكَ قدْ وضَعْتَ الحَربَ بيْننا وبيْنهم»، يَقصِدُ الحَربَ مع قُرَيشٍ، وأنَّ تلك المَعرَكةَ قدِ انتَهَت بانْسِحابِ قُرَيشٍ، ولم يَقْدِروا على النَّيلِ منَ المُسلِمينَ، ودُخولِ المَدينةِ، وفي تَمامِ مَقولتِه ودُعائِه في رِوايةٍ عندَ البُخاريِّ: «
فإنْ كان بَقيَ مِن حَربِ قُرَيشٍ شَيءٌ، فأبْقِني له حتَّى أُجاهِدَهم فيكَ»، يَسأَلُ
اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يُحْييَه حتَّى يُجاهِدَ كفَّارَ قُرَيشٍ في حُروبٍ مُستَقبَلةٍ، إنْ لم يَنْتَهوا عن إيذاءِ نَبيِّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، «
وإنْ كُنتَ وضَعْتَ الحَربَ»،
أي: لا يكونُ هناك حَربٌ بيْن المُسلِمينَ وقُرَيشٍ، «
فافْجُرْها»،
أي: جِراحَتَه وإصابَتَه حتَّى يكونَ موتُه فيها، وقدْ مات بعْدَ أنْ قَضى في بَني قُرَيْظةَ، وحكَم فيهم بحُكمِ
اللهِ ورَسولِه؛ بأنْ يُقتَلَ المُحارِبونَ مِن الرِّجالِ، ويُسْبى النِّساءُ والأطْفالُ.
قيلَ: إنَّ ظنَّ سَعدٍ كان مُصيبًا، وأنَّ دُعاءَه في هذه القِصَّةِ كان مُجابًا؛ وذلك أنَّه لم يقَعْ بيْن المُسلِمينَ وبيْن قُرَيشٍ مِن بعدِ وَقْعةِ الخَندَقِ حَربٌ يكونُ ابتِداءُ القَصْدِ فيها مِن المُشرِكينَ؛ فإنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ تَجهَّزَ إلى العُمرةِ، فصَدُّوه عن دُخولِ مكَّةَ، وكادتِ الحَربُ أنْ تقَعَ بينَهم فلم تقَعْ؛ كما قال تعالَى:
{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } [
الفتح: 24 ]، ثمَّ وقَعَتِ الهُدْنةُ، واعتَمَر صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قابِلٍ، واستَمَرَّ ذلك إلى أنْ نَقَضوا العَهدَ، فتَوجَّهَ إليهم غازيًا، ففُتِحَتْ مكَّةُ؛ فعلى هذا فالمُرادِ بقولِه: «
أظُنُّ أنَّكَ قدْ وضَعْتَ الحَربَ»،
أي: أنْ يَقْصِدونا مُحارِبينَ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ سَعدِ بنِ مُعاذٍ رَضيَ
اللهُ عنه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم