وفيه نزلت هذه الآية وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله الأحقاف

كان عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن أحْبارِ اليَهودِ وعُلمائِهم، وأسلَمَ بعْدَ قُدومِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ مُهاجِرًا، وأقامَ الحُجَّةَ على اليَهودِ بأنَّهم قَومٌ بُهتٌ، وشَهِد عليهم بذلك.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه ما سَمِع النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ لأحدٍ يَمْشي على الأرضِ وما زالَ حيًّا: «إنَّه مِن أهلِ الجنَّةِ» إلَّا لعَبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ فإنَّه الحَيُّ مِن أهلِ الجنَّةِ وَقتَ تَحْديثِ سَعدٍ بهذا الحَديثِ، ولم يكُنْ بَقيَ مِن المُبَشَّرينَ بالجنَّةِ حينَئذٍ غيرُه، وغيرُ سَعدٍ نفْسِه، ولكنْ سكَتَ سَعدٌ عن ذِكرِ نفْسِه كَراهةَ تَزْكيةِ نفْسِه.
ثمَّ أخبَرَ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه في عَبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ نزَلَتْ هذه الآيةُ: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ }، أي: أخْبِروني -أيُّها الكافرونَ- لو كان هذا القرآنُ مِن عندِ اللهِ، وشَهِد على صِحَّتِه الموفَّقون مِن أهْلِ الكتابِ -ومنهم عبْدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ- فآمَنوا به واهْتَدَوا، واستَكْبَرْتُم أيُّها الجُهلاءُ الأغبياءُ؛ فهلْ هذا إلَّا أعظَمُ الظُّلمِ وأشدُّ الكفْرِ؟! { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ومِن الظُّلمِ الاستكبارُ عن الحقِّ بعْدَ مَعرفتِه والتَّمكُّنِ منه.

وفي الحَديثِ: مَنقَبةٌ عَظيمةٌ لعبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رَضيَ اللهُ عنه.