يسَّرَ
اللهُ سُبحانه وتعالَى حِفظَ كِتابِه
القُرآنِ الكَريمِ، وأنْزَلَه على سَبْعةِ أحْرُفٍ تَيسيرًا وتخفيفًا، وعلَّمَه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم لِأصْحابِه، فَنَقَلَ كُلٌّ منهم ما تَعلَّمَه مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم وقَرَأ به.
وفي هذا الحَديثِ ذِكْرُ بَعضِ ما قرَأَ به عبدُ
اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما وفَسَّرَه، ففيه أنَّه قرَأ َ قَولَ
اللهِ تعالَى:
{ أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } [
هود: 5 ]، فقَرَأَ
( يَثْنُونَ ) بفَتْحِ الياءِ وسُكونِ الثَّاءِ وضَمِّ النُّونِ، وهي القراءةُ المشهورةُ، و
{ صُدُورَهُمْ } مَنْصوبٌ به.
وقدْ ورَد عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ
اللهُ عنهما في حديثٍ آخَرَ في صحيحِ البُخاريِّ أنَّه قرأ:
( أَلَا إنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ )، ولا يُقرَأُ بها في الصَّلاةِ، ومعناها: جَعْلُ الفِعلِ للصُّدورِ،
أي: تَنْثَني وتنعَطِفُ.
ورَوى غيرُ عَمرِو بنِ دِينارٍ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه فسَّر قولَه تعالى:
{ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } بأنَّهم يُغطُّون رُؤوسَهم.
ومعنى الآيةِ: أنَّ المشرِكينَ قدْ بالَغَوا في عَداوةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، وكانوا يَظنُّونَ أنَّ أحوالَهم تَخفَى على
اللهِ تعالَى، فيَثْنونَ صُدورَهم،
أي: يَطوُونَها على عَداوةِ المسلمينَ ويُخفونَ فيها مِنَ الشَّحناءِ والعداوةِ ما
اللهُ به عليمٌ، ويُظهِرونَ خِلافَ ذلك، و
اللهُ أعلمُ بِحالِهم وسِرِّهم حِين يأْوُون إلى فِراشِهم ويُغطُّونَ رُؤوسَهم.
وقدْ جاءَ عَن ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما تَفسيرُها أيضًا، كما في الرِّوايةِ الأُخرى في صحيحِ البُخاريِّ، والمعنى: كان أُناسٌ يَستحيون أنْ يَذْهَبوا إلى الخلاءِ لقضاءِ حاجتِهم وهم عُراةٌ ليس عليهم ثيابٌ، فتَظهرَ عورتُهم في الفضاءِ ليس بينها وبين السَّماءِ شيءٌ، وأنْ يُجامِعوا نِساءَهم ويُباشِروهنَّ فيُفضوا إلى السَّماءِ، فتظهرَ عوارتُهم ويُكشَفون، فكانوا يُميلون صُدورَهم ويُغطُّون رؤوسَهم مُستخفِين، فنزلتْ هذه الآيةُ؛ ليُعلِمَهم
اللهُ أنَّه يَعلمُ ما يُسرُّون وما يُعلِنون.
وفسَّرَ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما أيضًا قولَه تعالَى في قِصَّةِ لوطٍ:
{ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } [
هود: 77 ]، بأنَّ معناه: ساءَ ظنُّ لُوطٍ عليه السَّلامُ بِقومِه، وضاقَ بأَضيافِه الَّذين أتَوْه.
فالضميرُ الأوَّلُ للقَومِ، والثَّاني للأضيافِ، فاختلف الضَّميرانُ.
وقيل: سِيءَ بهم، معناه: ساءَه مَجيءُ الأَضيافِ.
ومعنى الآية: وحين جاء الملائكةُ إلى لوطٍ عليه السَّلامُ بعد مُفارقتِهم لإبراهيم، ساءه وأحزنه مجيئُهم؛ لأنَّه كان لا يَعرِفُهم، أو ساء ظَنُّ لُوطٍ بقَومِه؛ لأنَّه كان يَعرِفُ أنَّ قَومَه قَومُ سَوءٍ، فخَشِيَ أن يعتَدِيَ قَومُه عليهم بعادتهم الشَّنيعةِ، وهو عاجِزٌ عن الدِّفاعِ عنهم.
وقوله:
{ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } تصويرٌ بَديعٌ لنَفادِ حِيلتِه، واغتمامِ نَفْسِه وعَجْزِه عن وُجودِ حيلةٍ للخُروجِ مِن المكروهِ الذي حَلَّ بهم، فضِيقُ الذَّرعِ عبارةٌ عن ضيقِ الوُسعِ.
وقيل: هو مِن ذَرَعَه القَيءُ،
أي: غلبه.
ومعناه: ضاق عن حَبْسِه المكروهَ في نَفْسِه.
وذكَرَ ابنُ عبَّاسٍ أنَّ قوله تعالَى:
{ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ } [
هود: 81 ] في قولِه:
{ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ } [
هود: 81 ]، معناه: بِسَوادِ اللَّيْلِ، يعني: إذا بَقِيَ منه قِطعةٌ أو جُزءٌ، ومعنى الآيةِ: فاخرُجْ من هذه القريةِ مَصحوبًا بالمؤمنين مِن أهلِك في جُزءٍ مِن سَوادِ اللَّيلِ يكفي لابتعادِك عن هؤلاء المجرِمين.
وفسَّر التابعيُّ مجاهِدُ بنُ جَبرٍ قَولَه:
{ أُنِيبُ } في قولِه:
{ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [
هود: 88 ]،
أي: أرجِعُ، والمعنى: و
اللهُ وَحْدَه هو الذي إليه أرجِعُ في كُلِّ أُموري.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم