تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 187 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 187  اعلم أولاً أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوا سطر {بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} في سورة «براءة» هذه في المصاحف العثمانية، واختلف العلماء في سبب سقوط البسملة منها على أقوال:
منها: أن البسملة رحمة وأمان و«براءة» نزلت بالسيف. فليس فيها أمان، وهذا القول مروي عن علي رضي الله عنه، وسفيان بن عيينة.
ومنها: أن ذلك على عادة العرب إذا كتبوا كتاباً فيه نقض عهد أسقطوا منه البسملة، فلما أرسل النَّبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه ليقرأها عليهم في الموسم. قرأها، ولم يبسمل على عادة العرب في شأن نقض العهد، نقل هذا القول بعض أهل العلم، ولا يخفى ضعفه.
ومنها: أن الصحابة لما اختلفوا: هل «براءة» و«الأنفال» سورة واحدة أو سورتان. تركوا بينهما فرجة لقول من قال: إنهما سورتان، وتركوا البسملة لقول من قال: هما سورة واحدة، فرضي الفريقان وثبتت حجتاهما في المصحف.
ومنها: أن سورة «براءة» نسخ أولها فسقطت معه البسملة، وهذا القول رواه ابن وهب، وابن القاسم، وابن عبد الحكم، عن مالك، كما نقله القرطبي.
وعن ابن عجلان، وسعيد بن جبير، أنها كانت تعدل سورة «البقرة». وقال القرطبي: والصحيح أن البسملة لم تكتب في هذه السورة. لأن جبريل لم ينزل بها فيها. قاله القشيري. اهـ.
قال مقيده ـ: عفا الله عنه ـ أظهر الأقوال عندي في هذه المسألة. أن سبب سقوط البسملة في هذه السورة. هو ما قاله عثمان رضي الله عنه لابن عباس.
فقد أخرج النسائي، والترمذي، وأبو داود، والإمام أحمد، وابن حبان، في (صحيحه) والحاكم في (المستدرك) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال ـ وهي من المثاني ـ وإلى براءة ـ وهي من المائين ـ فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} ووضعتموهما في السبع الطول فما حملكم على ذلك؟
فقال عثمان رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أنزل عليه شيء يدعو بعض من يكتب عنده، فيقول: ضعوا هذا في السورة التي فيها كذا وكذا، وتنزل عليه الآيات فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت «الأنفال» من أوائل ما أنزل بالمدينة، و«براءة» من آخر ما أنزل من القرآن، وكانت قصتهما شبيهة بقصتها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ}، ووضعتها في السبع الطول. اهـ.
تنبيهان
الأول: يؤخذ من هذا الحديث أن ترتيب آيات القرآن بتوقيف من النَّبي صلى الله عليه وسلم. وهو كذلك بلا شك، كما يفهم منه أيضاً: أن ترتيب سورة بتوقيف أيضاً فيما عدى سورة «براءة»، وهو أظهر الأقوال، ودلالة الحديث عليه ظاهرة.
التنبيه الثاني: قال أبو بكر بن العربي المالكي ـ رحمه الله تعالى ـ: في هذا الحديث دليل على أن القياس أصل في الدين: ألا ترى إلى عثمان وأعيان الصحابة كيف لجئوا إلى قياس الشبه عند عدم النص، ورأوا أن قصة «براءة» شبيهة بقصة «الأنفال» فألحقوها بها، فإذا كان القياس يدخل في تأليف القرآن، فما ظنك بسائر الأحكام.

{بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِى ٱلاٌّرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِى ٱلْكَـٰفِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلاٌّكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَـٰهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ}
قوله تعالى: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ} إلى قوله تعالىٰ: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}.
ظاهر هذه الآية الكريمة العموم في جميع الكفار المعاهدين، وأنه بعد انقضاء أشهر الإمهال الأربعة المذكورة في قوله: {فِى ٱلاٌّرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} لا عهد لكافر.
وفي هذا اختلاف كثير بين العلماء. والذي يبينه القرآن، ويشهد له من تلك الأقوال، هو أن محل ذلك إنما هو في أصحاب العهود المطلقة غير الموقتة بوقت معين، أو من كانت مدة عهده الموقت أقل من أربعة أشهر، فتكمل له أربعة أشهر. أما أصحاب العهود الموقتة الباقي من مدتها أكثر من أربعة أشهر، فإنه يجب لهم إتمام مدتهم، ودليله المبين له من القرآن. هو قوله تعالى: {إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَـٰهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ} وهو اختيار ابن جرير، وروي عن الكلبي، ومحمد بن كعب القرظي، وغير واحد، قاله ابن كثير ويؤيده حديث علي رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم، بعثه حين أنزلت «براءة» بأربع: ألا يطوف بالبيت عريان. ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا. ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته.
ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة.
قوله تعالى: {فَسِيحُواْ فِى ٱلاٌّرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}.
قال بعض العلماء: كان ابتداء التأجيل بالأشهر الأربعة المذكورة من شوال. وآخره سلخ المحرم، وبه قال الزهري ـ رحمه الله تعالى ـ ولكن القرآن، يدل على أن ابتداءها من يوم النحر على الأصح من أنه يوم الحج الأكبر، أو يوم عرفة على القول بأنه هو يوم الحج الأكبر، وذلك في قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلاٌّكْبَرِ}. وهو صريح في أن ابتداء الإعلام المذكور من يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، ولا يخفى انتهاؤها في العشر من ربيع الثاني.
قال ابن كثير: ـ في تفسير هذه الآية ـ وقال الزهري: كان ابتداء التأجيل من شوال، وآخره سلخ المحرم، وهذا القول غريب، وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها، وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر، حين نادى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ولهذا قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلاٌّكْبَرِ}.
قوله تعالى: {إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَـٰهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ}.
يفهم من مفهوم مخالفة هذه الآية: أن المشركين إذا نقضوا العهد جاز قتالهم، ونظير ذلك أيضاً، قوله تعالى: {فَمَا ٱسْتَقَـٰمُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ} وهذا المفهوم في الآيتين صرح به جل وعلا في قوله: {وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَـٰنَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ فَقَـٰتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَـٰنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} ***.

{فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ * كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَـٰمُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ * كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوٰهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَـٰسِقُونَ * ٱشْتَرَوْاْ بِأايَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ * فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءٰاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلاٌّيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَـٰنَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ فَقَـٰتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَـٰنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلاَ تُقَـٰتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَـٰنَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ * قَـٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَـهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ وَفِى ٱلنَّارِ هُمْ خَـٰلِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاٌّخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ * أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاٌّخِرِ وَجَـٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ * ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَٰنٍ وَجَنَّـٰتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}
قوله تعالى:
{فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ}.
اختلف العلماء في المراد بالأشهر الحرم في هذه الآية.
فقال ابن جرير: إنها المذكورة في قوله تعالى. {مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} قاله أبو جعفر الباقر.
ولكن قال ابن جرير: آخر الأشهر الحرم في حقهم المحرم، وحكى نحو قوله هذا علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وإليه ذهب الضحاك.
ولكن السياق يدل على أن المراد بها أشهر الإمهال المذكورة في قوله: {فَسِيحُواْ فِى ٱلاٌّرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} .
قال ابن كثير: في تفسير هذه الآية: والذي يظهر من حيث السياق، ما ذهب إليه ابن عباس، في رواية العوفي عنه، وبه قال مجاهد، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن إسحاق، وقتادة، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن المراد بها، الأشهر الأربعة المنصوص عليها بقوله: {فَسِيحُواْ فِى ٱلاٌّرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} ثم قال: {فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ} أي: إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم قتالهم فيها، وأجلناهم فيها، فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر، مع أن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى ـ اهـ.
قوله تعالى: {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ}.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن كفار مكة هموا بإخراجه صلى الله عليه وسلم من مكة، وصرح في مواضع أخر بأنهم أخرجوه بالفعل، كقوله {يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّـٰكُمْ} ، وقوله: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِىۤ أَخْرَجَتْكَ} وقوله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُو} ، وذكر في مواضع أخر: محاولتهم لإخراجه قبل أن يخرجوه، كقوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} ، وقوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلاٌّرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَ} .