تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 15 من سورة الأحقاف - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾
[ سورة الأحقاف: 15]

معنى و تفسير الآية 15 من سورة الأحقاف : ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها


هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين أن وصى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف والكلام اللين وبذل المال والنفقة وغير ذلك من وجوه الإحسان.ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة، وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين،وإنما ذلك مدة طويلة قدرها { ثَلَاثُونَ شَهْرًا } للحمل تسعة أشهر ونحوها والباقي للرضاع هذا هو الغالب.ويستدل بهذه الآية مع قوله: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع -وهي سنتان- إذا سقطت منها السنتان بقي ستة أشهر مدة للحمل، { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ }- أي: نهاية قوته وشبابه وكمال عقله، { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي }- أي: ألهمني ووفقني { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ }- أي: نعم الدين ونعم الدنيا، وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها ومقابلته منته بالاعتراف والعجز عن الشكر والاجتهاد في الثناء بها على الله، والنعم على الوالدين نعم على أولادهم وذريتهم لأنهم لا بد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها، خصوصا نعم الدين فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم.{ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } بأن يكون جامعا لما يصلحه سالما مما يفسده، فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله ويثيب عليه.
{ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي } لما دعا لنفسه بالصلاح دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله: { وَأَصْلِحْ لِي }{ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } من الذنوب والمعاصي ورجعت إلى طاعتك { وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }

تفسير البغوي : مضمون الآية 15 من سورة الأحقاف


قوله - عز وجل - : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) قرأ أهل الكوفة : " إحسانا " [ كقوله تعالى : " وبالوالدين إحسانا " ( البقرة - 83 ) ] ( حملته أمه كرها ووضعته كرها ) يريد شدة الطلق .
قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو " كرها " بفتح الكاف فيهما ، وقرأ الآخرون بضمهما .
( وحمله وفصاله ) فطامه ، وقرأ يعقوب : " وفصله " بغير ألف ( ثلاثون شهرا ) يريد أقل مدة الحمل ، وهي ستة أشهر ، وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا .
وروى عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا ، وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا ( حتى إذا بلغ أشده ) نهاية قوته ، وغاية شبابه واستوائه ، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة ، فذلك قوله : ( وبلغ أربعين سنة ) .
وقال السدي والضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وقد مضت القصة .
وقال الآخرون : نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو ، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو .
قال علي بن أبي طالب : الآية نزلت في أبي بكر ، أسلم أبواه جميعا ، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره ، أوصاه الله بهما ، ولزم ذلك من بعده .
وكان أبو بكر صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثماني عشرة سنة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عشرين سنة ، في تجارة إلى الشام ، فلما بلغ أربعين سنة ونبئ النبي - صلى الله عليه وسلم - آمن به ودعا ربه ف ( قال رب أوزعني ) ألهمني ( أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ) بالهداية والإيمان ( وأن أعمل صالحا ترضاه ) قال ابن عباس : وأجابه الله - عز وجل - ، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه ، ودعا أيضا فقال : ( وأصلح لي في ذريتي ) فأجابه الله ، فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعا ، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا ، فأدرك أبو قحافة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة .
قوله : ( إني تبت إليك وإني من المسلمين ) .

التفسير الوسيط : ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها


قال الإمام ابن كثير: لما ذكر-تبارك وتعالى- في الآية الأولى التوحيد له، وإخلاص العبادة والاستقامة إليه، عطف بالوصية بالوالدين، كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن، كقوله: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة .
وقوله- سبحانه -: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ...
من الإيصاء بالشيء بمعنى الأمر به.
قال-تبارك وتعالى-: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا أى: أمرنى بالمحافظة على أدائهما..وقوله: إِحْساناً قراءة عاصم وحمزة والكسائي.
وقرأ غيرهم من بقية السبعة حسنا وعلى القراءتين فانتصابهما على المصدرية.
أى: ووصينا الإنسان وأمرناه بأن يحسن إلى والديه إحسانا أو حسنا، بأن يقدم إليهما كل ما يؤدى إلى برهما وإكرامهما.
ويصح أن يكون وصينا بمعنى ألزمنا، فيتعدى لاثنين، فيكون المفعول الثاني منهما، قوله:إِحْساناً أو حسنا.
وقوله- سبحانه -: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً تعليل للإيصاء المذكور ولفظ كُرْهاً قرئ بضم الكاف وفتحها، وهما قراءتان سبعيتان، قالوا: ومعناهما واحد كالضّعف- بتشديد الضاد وفتحها أو ضمها- فهما لغتان بمعنى واحد.
وهذا اللفظ منصوب على الحال من الفاعل.
أى: حملته أمه ذات كره.
ووضعته ذات كره، أو هو صفة لمصدر مقدر، أى: حملته حملا ذا كره، ووضعته كذلك.
ولا شك في أن الأم تعانى في أثناء حملها ووضعها لوليدها، الكثير من المشاق والآلام والمتاعب.. فكان من الوفاء أن يقابل ذلك منها بالإحسان والإكرام.
وشبيه بهذه الآية قوله-تبارك وتعالى- في آية أخرى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ.. .
أى: حملته أمه ضعفا على ضعف، لأن الحمل كلما تزايد وعظم في بطنها، ازداد ضعفها..وقوله-تبارك وتعالى-: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً بيان لمدة الحمل والفطام، والكلام على حذف مضاف.
والفصال: مصدر فاصل، وهو بمعنى الفطام، وسمى الفطام فصالا، لأن الطفل ينفصل عن ثدي أمه في نهاية الرضاع.
أى: ومدة حمل الطفل مع مدة فصاله عن ثدي أمه، ثلاثون شهرا.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: المراد بيان مدة الرضاع لا الفطام، فكيف عبر عنه بالفصال.. قلت: لما كان الرضاع يليه الفصال ويلابسه، لأنه ينتهى به ويتم، سمى فصالا..وفيه فائدة، وهي الدلالة على الرضاع التام المنتهى بالفصال ووقته.. .
وقال الشوكانى: وقد استدل بهذه الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر، لأن مدة الرضاع سنتان، أى: مدة الرضاع الكامل، كما في قوله-تبارك وتعالى-: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ فذكر- سبحانه - في هذه الآية أقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم، آكد من حق الأب، لأنها هي التي حملت وليدها بمشقة ووضعته بمشقة، وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب.. .
وقوله-تبارك وتعالى-: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ.. غاية لمحذوف يفهم من سياق الكلام.
والأشد: قوة الإنسان واشتعال حرارته، من الشدة بمعنى القوة والارتفاع.
يقال: شد النهار، إذا ارتفع، وهو مفرد جاء بصيغة الجمع، ولا واحد له من لفظه.
والمراد ببلوغ أشده: أن يصل سنه على الراجح- إلى ثلاث وثلاثين سنة.
وقوله: أَوْزِعْنِي أى: رغبني ووفقني، من قولك: أوزعت فلانا بكذا، إذا أغريته وحببته في فعله.
أى: أن هذا الإنسان بعد أن بقي في بطن أمه ما بقي، وبعد أن وضعته وأرضعته وفطمته وتولته برعايتها، واستمرت حياته «حتى إذا بلغ أشده» أى: حتى إذا بلغ زمن استكمال قوته، وبلغ أربعين سنة وهي تمام اكتمال العقل والقوة والفتوة.
قالَ على سبيل الشكر لخالقه رَبِّ أَوْزِعْنِي ...
أى: يا رب وفقني وألهمنى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ بأن وفقتني ووفقتهما إلى صراطك المستقيم، وبأن رزقتهما العطف عليّ، ورزقتني الشكر لهما، ووفقني- أيضا- أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ منى، وتقبله عندك وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي أى: واجعل- يا إلهى- الصلاح راسخا في ذريتي، وساريا فيها، لأن صلاح الذرية فيه السعادة الغامرة للآباء.
إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ توبة صادقة نصوحا وإنى من المسلمين الذين أخلصوا نفوسهم لطاعتك، وقلوبهم لمرضاتك.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد اشتملت على أسمى ألوان الدعوات، التي عن طريق إجابتها تتحقق السعادة الدنيوية والأخروية.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى «في» في قوله: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي؟قلت: معناه أن يجعل ذريته موقعا للصلاح ومظنته، كأنه قال: هب لي الصلاح في ذريتي، وأوقعه فيهم..وفي الآية الكريمة: تنبيه للعقلاء، إلى أن شأنهم- خصوصا عند بلوغ سن الأربعين.
أن يكثروا من التضرع إلى الله بالدعاء، وأن يتزودوا بالعمل الصالح، فإنها السن التي بعث الله-تبارك وتعالى- فيها معظم الأنبياء، والتي فيها يكتمل العقل، وتستجمع القوة، ويرسخ فيها خلق الإنسان الذي تعوده وألفه ورحم الله القائل:إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن ...
له دون ما يهوى حياء ولا سترفدعه، ولا تنفس عليه الذي مضى ...
وإن جر أسباب الحياة له العمر

تفسير ابن كثير : شرح الآية 15 من سورة الأحقاف


لما ذكر تعالى في الآية الأولى التوحيد له وإخلاص العبادة والاستقامة إليه ، عطف بالوصية بالوالدين ، كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن ، كقوله : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } [ الإسراء : 23 ] وقال : { أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير } [ لقمان : 14 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة . وقال هاهنا : { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا } أي: أمرناه بالإحسان إليهما والحنو عليهما .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، أخبرني سماك بن حرب قال : سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال : قالت أم سعد لسعد : أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين ، فلا آكل طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى تكفر بالله . فامتنعت من الطعام والشراب ، حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ، ونزلت هذه الآية : { ووصينا الإنسان بوالديه حسنا } الآية [ العنكبوت : 8 ] .
ورواه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه ، من حديث شعبة بإسناده ، نحوه وأطول منه .
{ حملته أمه كرها } أي: قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبا ، من وحام وغشيان وثقل وكرب ، إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة ، { ووضعته كرها } أي: بمشقة أيضا من الطلق وشدته ، { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا }
وقد استدل علي ، رضي الله عنه ، بهذه الآية مع التي في لقمان : { وفصاله في عامين } [ لقمان : 14 ] ، وقوله : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } [ البقرة : 233 ] ، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وهو استنباط قوي صحيح . ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة ، رضي الله عنهم .
قال محمد بن إسحاق بن يسار ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن بعجة بن عبد الله الجهني قال : تزوج رجل منا امرأة من جهينة ، فولدت له لتمام ستة أشهر ، فانطلق زوجها إلى عثمان فذكر ذلك له ، فبعث إليها ، فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها ، فقالت : ما يبكيك ؟ ! فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله غيره قط ، فيقضي الله في ما شاء . فلما أتي بها عثمان أمر برجمها ، فبلغ ذلك عليا فأتاه ، فقال له : ما تصنع ؟ قال : ولدت تماما لستة أشهر ، وهل يكون ذلك ؟ فقال له [ علي ] أما تقرأ القرآن ؟ قال : بلى . قال : أما سمعت الله يقول : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وقال : { [ يرضعن أولادهن ] حولين كاملين } ، فلم نجده بقى إلا ستة أشهر ، قال : فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، علي بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها ، قال : فقال بعجة : فوالله ما الغراب بالغراب ، ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه . فلما رآه أبوه قال : ابني إني والله لا أشك فيه ، قال : وأبلاه الله بهذه القرحة قرحة الأكلة ، فما زالت تأكله حتى مات .
رواه ابن أبي حاتم ، وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله : { فأنا أول العابدين } [ الزخرف : 81 ] .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن أبي المغراء ، حدثنا علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا ، وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا ، وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين ; لأن الله تعالى يقول : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا }
{ حتى إذا بلغ أشده } أي: قوي وشب وارتجل { وبلغ أربعين سنة } أي: تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه . ويقال : إنه لا يتغير غالبا عما يكون عليه ابن الأربعين .
قال أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قلت لمسروق : متى يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال : إذا بلغت الأربعين ، فخذ حذرك .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله القواريري ، حدثنا عزرة بن قيس الأزدي - وكان قد بلغ مائة سنة - حدثنا أبو الحسن السلولي عنه وزادني قال : قال محمد بن عمرو بن عثمان ، عن عثمان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله حسابه ، وإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه ، وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء ، وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله حسناته ومحا سيئاته ، وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفعه الله في أهل بيته ، وكتب في السماء أسير الله في أرضه " .
وقد روي هذا من غير هذا الوجه ، وهو في مسند الإمام أحمد .
وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق : تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس ، ثم تركتها حياء من الله ، عز وجل .
وما أحسن قول الشاعر :
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه فلما علاه قال للباطل : ابطل
{ قال رب أوزعني } أي: ألهمني { أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه } أي: في المستقبل ، { وأصلح لي في ذريتي } أي: نسلي وعقبي ، { إني تبت إليك وإني من المسلمين } وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله ، عز وجل ، ويعزم عليها .
وقد روى أبو داود في سننه ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد : " اللهم ، ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا ، وأزواجنا ، وذرياتنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها قابليها ، وأتممها علينا " .

تفسير الطبري : معنى الآية 15 من سورة الأحقاف


القول في تأويل قوله تعالى : وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 15 )يقول تعالى ذكره: ووصينا ابن آدم بوالديه الحسن في صحبته إياهما أيام حياتهما, والبرّ بهما في حياتهما وبعد مماتهما.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( حُسنا ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة " حُسنا " بضمّ الحاء على التأويل الذي وصف.
وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ( إحْسانا ) بالألف, بمعنى: ووصيناه بالإحسان إليهما, وبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب, لتقارب معاني ذلك , واستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في القرّاء.
وقوله ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) يقول تعالى ذكره: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا برّا بهما, لما كان منهما إليه حملا ووليدا وناشئا, ثم وصف جلّ ثناؤه ما لديه من نعمة أمه, وما لاقت منه في حال حمله ووضعه, ونبهه على الواجب لها عليه من البرّ, واستحقاقها عليه من الكرامة وجميل الصحبة, فقال: ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ) يعني في بطنها كرها, يعني مشقة,( وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) يقول: وولدته كرها يعني مشقة.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) يقول: حملته مشقة, ووضعته مشقة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والحسن , في قوله ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) قالا حملته في مشقة, ووضعته في مشقة.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أَبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ) قال: مشقة عليها.
اختلف القرّاء في قراءة قوله ( كُرْها ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة " كَرها " بفتح الكاف.
وقرأته عامة قرّاء الكوفة ( كُرها ) بضمها, وقد بينت اختلاف المختلفين في ذلك قبل إذا فتح وإذا ضمّ في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ) يقول تعالى ذكره: وحمل أمه إياه جنينا في بطنها, وفصالها إياه من الرضاع, وفطمها إياه, شرب اللبن ثلاثون شهرا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( وَفِصَالُهُ ) , فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار غير الحسن البصري: ( وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ) بمعنى: فاصلته أمه فصالا ومفاصلة.
وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: " وحَمْلُهُ وَفَصْلُهُ " بفتح الفاء بغير ألف, بمعنى: وفصل أمه إياه.
والصواب من القول في ذلك عندنا, ما عليه قرّاء الأمصار, لإجماع الحجة من القراء عليه، وشذوذ ما خالف.
وقوله ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) اختلف أهل التأويل في مبلغ حد ذلك من السنين, فقال بعضهم: هو ثلاث وثلاثون سنة.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن إدريس, قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن خثيم, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: أشدّه: ثلاث وثلاثون سنة, واستواؤه أربعون سنة, والعذر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) قال: ثلاثا وثلاثين.
وقال آخرون: هو بلوغ الحلم.
* ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا مجالد, عن الشعبيّ, قال: الأشدّ: الحلم إذا كتبت له الحسنات, وكتبت عليه السيئات.
وقد بيَّنا فيما مضى الأشدّ جمع شدّ, وأنه تناهي قوّته واستوائه.
وإذا كان ذلك كذلك, كان الثلاث والثلاثون به أشبه من الحلم, لأن المرء لا يبلغ في حال حُلمه كمال قواه, ونهاية شدّته, فإن العرب إذا ذكرت مثل هذا من الكلام, فعطفت ببعض على بعض جعلت كلا الوقتين قريبا أحدهما من صاحبه, كما قال جلّ ثناؤه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ ولا تكاد تقول أنا أعلم أنك تقوم قريبا من ساعة من الليل وكله, ولا أخذت قليلا من مال أو كله, ولكن تقول: أخذت عامة مالي أو كله, فكذلك ذلك في قوله ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) لا شك أن نسق الأربعين على الثلاث والثلاثين أحسن وأشبه, إذ كان يراد بذلك تقريب أحدهما من الآخر من النسق على الخمس عشرة أو الثمان عشرة.
وقوله ( وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) ذلك حين تكاملت حجة الله عليه, وسير عنه جهالة شبابه وعرف الواجب لله من الحق في بر والديه.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) وقد مضى من سيئ عمله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ) حتى بلغ ( مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) وقد مضى من سيئ عمله ما مضى.
وقوله ( قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ) يقول تعالى ذكره: قال هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده, وعرف حقّ الله عليه فيما ألزمه من برّ والديه ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ) يقول: أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت عليّ في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك لي للإقرار بذلك, والعمل بطاعتك ( وَعَلَى وَالِدَيَّ ) من قبلي, وغير ذلك من نعمتك علينا, وألهمني ذلك.
وأصله من وزعت الرجل على كذا: إذا دفعته عليه.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ) قال: اجعلني أشكر نعمتك, وهذا الذي قاله ابن زيد في قوله ( رَبِّ أَوْزِعْنِي ) وإن كان يئول إليه معنى الكلمة, فليس بمعنى الإيزاع على الصحة.
وقوله ( وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ) يقول تعالى ذكره: أوزعني أن أعمل صالحا من الأعمال التي ترضاها, وذلك العمل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقوله ( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) يقول: وأصلح لي أموري في ذرّيتي الذين وهبتهم, بأن تجعلهم هداة للإيمان بك, واتباع مرضاتك, والعمل بطاعتك, فوصفه ( 1 ) جل ثناؤه بالبرّ بالآباء والأمهات والبنين والبنات.
وذُكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وقوله ( إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا الإنسان.
( إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ ) يقول: تبت من ذنوبي التي سلفت مني في سالف أيامي إليك ( وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يقول: وإني من الخاضعين لك بالطاعة, المستسلمين لأمرك ونهيك, المنقادين لحكمك.
الهوامش:( 1 ) لعله فوصاه .

ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين

سورة : الأحقاف - الأية : ( 15 )  - الجزء : ( 26 )  -  الصفحة: ( 504 ) - عدد الأيات : ( 35 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين
  2. تفسير: فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن
  3. تفسير: أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين
  4. تفسير: وما أضلنا إلا المجرمون
  5. تفسير: وجنات وعيون
  6. تفسير: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين
  7. تفسير: قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم
  8. تفسير: ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل
  9. تفسير: قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون
  10. تفسير: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج

تحميل سورة الأحقاف mp3 :

سورة الأحقاف mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأحقاف

سورة الأحقاف بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأحقاف بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأحقاف بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأحقاف بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأحقاف بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأحقاف بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأحقاف بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأحقاف بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأحقاف بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأحقاف بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب