تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 2 من سورة الحجر - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾
[ سورة الحجر: 2]

معنى و تفسير الآية 2 من سورة الحجر : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين


فأما من قابل هذه النعمة العظيمة بردها والكفر بها، فإنه من المكذبين الضالين، الذين سيأتي عليهم وقت يتمنون أنهم مسلمون،- أي: منقادون لأحكامه وذلك حين ينكشف الغطاء وتظهر أوائل الآخرة ومقدمات الموت، فإنهم في أحوال الآخرة كلها يتمنون أنهم مسلمون، وقد فات وقت الإمكان، ولكنهم في هذه الدنيا مغترون.

تفسير البغوي : مضمون الآية 2 من سورة الحجر


( ربما ) قرأ أبو جعفر ، ونافع ، وعاصم بتخفيف الباء والباقون بتشديدها ، وهما لغتان ، ورب للتقليل وكم للتكثير ، ورب تدخل على الاسم ، وربما على الفعل ، يقال : رب رجل جاءني ، وربما جاءني رجل ، وأدخل ما هاهنا للفعل بعدها .
( يود ) يتمنى ( الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
واختلفوا في الحال التي يتمنى الكافر فيها الإسلام .
قال الضحاك : حالة المعاينة .
وقيل: يوم القيامة .
والمشهور أنه حين يخرج الله المؤمنين من النار .
وروي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا اجتمع أهل النار في النار ، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة : ألستم مسلمين ؟ قالوا بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا في النار ؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها ، فيغضب الله تعالى لهم [ بفضل رحمته ] فيأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار فيخرجون منها ، فحينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
فإن قيل: كيف قال " ربما " وهي للتقليل وهذا التمني يكثر منه الكفار ؟قلنا : قد تذكر " ربما " للتكثير ، أو أراد : أن شغلهم بالعذاب لا يفرغهم للندامة إنما يخطر ذلك ببالهم أحيانا .

التفسير الوسيط : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين


ثم بين- سبحانه - أن الكافرين سيندمون بسبب كفرهم في وقت لا ينفع فيه الندم، فقال-تبارك وتعالى-: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.
قال الشوكانى ما ملخصه: قرأ نافع وعاصم بتخفيف الباء من رُبَما، وقرأ الباقون بتشديدها.. وأصلها أن تستعمل في القليل وقد تستعمل في الكثير.
قال الكوفيون: أى يود الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين.
وقيل: هي هنا للتقليل، لأنهم ودوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب....» .
وقد حاول بعض المفسرين الجمع بين القولين فقال: من قال بأن رُبَما هنا للتكثير نظر إلى كثرة تمنيهم أن لو كانوا مؤمنين، ومن قال بأنها للتقليل نظر إلى قلة زمان إفاقتهم من العذاب بالنسبة إلى زمان دهشتهم منه، وهذا لا ينافي أن التمني يقع كثيرا منهم في زمن إفاقتهم القليل، فلا تخالف بين القولين .
والمعنى: ود الذين كفروا عند ما تنكشف لهم الحقائق.
فيعرفون أنهم على الباطل، وأن المؤمنين على الحق، أن لو كانوا مسلمين، حتى ينجوا من الخزي والعقاب.
ودخلت رب هنا على الفعل المضارع يَوَدُّ مع اختصاصها بالدخول على الفعل الماضي، للإشارة إلى أن أخبار الله-تبارك وتعالى- بمنزلة الواقع المحقق سواء أكانت للمستقبل أم لغيره.
قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم دخلت على المضارع وقد أبوا دخولها إلا على الماضي؟ قلت: لأن المترقب في أخبار الله-تبارك وتعالى- بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه، فكأنه قيل: «ربما ود الذين كفروا ...
» .
ولَوْ في قوله لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ يصح أن تكون امتناعية، وجوابها محذوف، والتقدير: لو كانوا مسلمين لسروا بذلك.
ويصح أن تكون مصدرية، والتقدير: ود الذين كفروا كونهم مسلمين.
وعلى كلا المعنيين فهي مستعملة في التمني الذي هو طلب حصول الأمر الممتنع الحصول.
وقال- سبحانه - لَوْ كانُوا ...
بفعل الكون الماضي، للإشعار بأنهم يودون الدخول في الإسلام، بعد مضى وقت التمكن من الدخول فيه.
وعبر- سبحانه - عن متمناهم بالغيبة كانُوا، نظرا لأن الكلام مسوق بصدد الإخبار عنهم، وليس بصدد الصدور منهم، ولو كان كذلك لقيل: لو كنا مسلمين.
هذا، وللمفسرين أقوال في الوقت الذي ود فيه الكافرون أن لو كانوا مسلمين، فمنهم من يرى أن ودادتهم هذه تكون في الدنيا، ومنهم من يرى أنها تكون عند الموت، ومنهم من يرى أنها تكون عند الحساب، وعند عفو الله عن عصاة المؤمنين.
والحق أن هذه الودادة تكون في كل موطن يعرف فيه الكافرون بطلان كفرهم، وفي كل وقت ينكشف لهم فيه أن الإسلام هو الدين الحق.
فهم تمنوا أن لو كانوا مسلمين في الدنيا، عند ما رأوا نصر الله لعباده المؤمنين، في غزوة بدر وفي غزوة الفتح وفي غيرهما، فعن ابن مسعود- رضى الله عنه-: «ود كفار قريش ذلك يوم بدر حين رأوا نصر الله للمسلمين» .
وهم تمنوا ذلك عند الموت كما حكى عنهم- سبحانه - ذلك في آيات كثيرة منها قوله -تبارك وتعالى-: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ.
لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ....وهم يتمنون ذلك عند ما يعرضون على النار يوم القيامة.
قال-تبارك وتعالى- وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
وهم يتمنون ذلك عند ما يرون عصاة المؤمنين، وقد أخرجهم الله- تعالى برحمته من النار.
وقد ذكر الإمام ابن كثير هنا جملة من الأحاديث الدالة على ذلك منها: ما أخرجه الطبراني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ناسا من أهل «لا إله إلا الله» يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قولكم «لا إله إلا الله» وأنتم معنا في النار؟ قال فيغضب الله لهم، فيخرجهم، فيلقيهم في نهر الحياة فيبرءون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه، فيدخلون الجنة.
ويسمون فيها الجهنميين.
فقال رجل: يا أنس، أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» نعم، أنا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا .
قال بعض العلماء: وأقوال العلماء في هذه الآية راجعة إلى شيء واحد، لأن من يقول: إن الكافر إذا احتضر تمنى أن لو كان مسلما، ومن يقول: إنه إذا عاين النار تمنى أن لو كان مسلما.. كل ذلك راجع إلى أن الكفار إذا عاينوا الحقيقية ندموا على الكفر وتمنوا أنهم لو كانوا مسلمين .
وفي هذه الآية ما فيها من تثبيت المؤمنين، ومن تبشيرهم بأنهم على الحق، ومن حض للكافرين على الدخول في الإسلام قبل فوات الأوان، ومن تحذير لهم من سوء عاقبة الكفر والطغيان.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 2 من سورة الحجر


وقوله : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } إخبار عنهم أنهم سيندمون على ما كانوا فيه من الكفر ، ويتمنون لو كانوا مع المسلمين في الدار الدنيا .
ونقل السدي في تفسيره بسنده المشهور عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وغيرهما من الصحابة : أن الكفار لما عرضوا على النار ، تمنوا أن لو كانوا مسلمين .
وقيل : المراد أن كل كافر يود عند احتضاره أن لو كان مؤمنا .
وقيل : هذا إخبار عن يوم القيامة ، كما في قوله تعالى : { ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين } [ الأنعام : 27 ]
وقال سفيان الثوري : عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، عن عبد الله في قوله : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } قال : هذا في الجهنميين إذ رأوهم يخرجون من النار .
وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا مسلم ، حدثنا القاسم ، حدثنا ابن أبي فروة العبدي أن ابن عباس وأنس بن مالك كانا يتأولان هذه الآية : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } يتأولانها : يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار . قال : فيقول لهم المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا . قال : فيغضب الله لهم بفضل رحمته ، فيخرجهم ، فذلك حين يقول : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين }
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن خصيف ، عن مجاهد قالا : يقول أهل النار للموحدين : ما أغنى عنكم إيمانكم ؟ فإذا قالوا ذلك ، قال : أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة ، قال : فعند ذلك قوله : { [ ربما ] يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين }
وهكذا روي عن الضحاك ، وقتادة ، وأبي العالية ، وغيرهم . وقد ورد في ذلك أحاديث مرفوعة ، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني .
حدثنا محمد بن العباس هو الأخرم ، حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، حدثنا صالح بن إسحاق الجهبذ - دلني عليه يحيى بن معين - حدثنا معرف بن واصل ، عن يعقوب بن أبي نباتة عن عبد الرحمن الأغر ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن ناسا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم ، فيقول لهم أهل اللات والعزى : ما أغنى عنكم قولكم : لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار ، فيغضب الله لهم ، فيخرجهم ، فيلقيهم في نهر الحياة ، فيبرءون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه ، فيدخلون الجنة ، ويسمون فيها الجهنميين " فقال رجل : يا أنس ، أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال أنس : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " . نعم ، أنا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا .
ثم قال الطبراني : تفرد به الجهبذ
الحديث الثاني : وقال الطبراني أيضا : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبو الشعثاء علي بن حسن الواسطي ، حدثنا خالد بن نافع الأشعري ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا اجتمع أهل النار في النار ، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا : بلى . قالوا : فما أغنى عنكم الإسلام ! فقد صرتم معنا في النار ؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها . فسمع الله ما قالوا ، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا " . قال : ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين }
ورواه ابن أبي حاتم من حديث خالد بن نافع به ، وزاد فيه : { بسم الله الرحمن الرحيم } ، عوض الاستعاذة .
الحديث الثالث : وقال الطبراني أيضا : حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا إسحاق بن راهويه قال : قلت لأبي أسامة : أحدثكم أبو روق - واسمه عطية بن الحارث - : حدثني صالح بن أبي طريف قال : سألت أبا سعيد الخدري فقلت له : هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في هذه الآية : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } ؟ قال : نعم ، سمعته يقول : " يخرج الله ناسا من المؤمنين من النار بعدما يأخذ نقمته منهم " . وقال : " لما أدخلهم الله النار مع المشركين قال لهم المشركون : تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا ، فما بالكم معنا في النار ؟ فإذا سمع الله ذلك منهم ، أذن في الشفاعة لهم فتشفع الملائكة والنبيون ، ويشفع المؤمنون ، حتى يخرجوا بإذن الله ، فإذا رأى المشركون ذلك ، قالوا : يا ليتنا كنا مثلهم ، فتدركنا الشفاعة ، فنخرج معهم " . قال : " فذلك قول الله : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم ، فيقولون : يا رب ، أذهب عنا هذا الاسم ، فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة ، فيذهب ذلك الاسم عنهم " ، فأقر به أبو أسامة ، وقال : نعم .
الحديث الرابع وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا العباس بن الوليد النرسي حدثنا مسكين أبو فاطمة ، حدثني اليمان بن يزيد ، عن محمد بن حمير عن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه ، على قدر ذنوبهم وأعمالهم ، ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج منها ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها ، وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى ، فإذا أراد الله أن يخرجوا منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد : آمنتم بالله وكتبه ورسله ، فنحن وأنتم اليوم في النار سواء ، فيغضب الله لهم غضبا لم يغضبه لشيء فيما مضى ، فيخرجهم إلى عين في الجنة ، وهو قوله : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } .

تفسير الطبري : معنى الآية 2 من سورة الحجر


اختلفت القراء في قراءة قوله ( رُبَمَا ) فقرأت ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض الكوفيين ( رُبَمَا ) بتخفيف الباء، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة بتشديدها.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان ، ولغتان معروفتان بمعنى واحد، قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب.
واختلف أهل العربية في معنى " ما " التي مع " ربّ "، فقال بعض نحويي البصرة: أدخل مع ربّ " ما " ليتكلم بالفعل بعدها، وإن شئت جعلت " ما " بمنزلة شيء، فكأنك قلت: ربّ شيء، يود: أي ربّ ودّ يودّه الذين كفروا.
وقد أنكر ذلك من قوله بعض نحويِّي الكوفة، وقال: المصدر لا يحتاج إلى عائد، والودّ قد وقع على " لو "، ربما يودون لو كانوا: أن يكونوا ، قال: وإذا أضمر الهاء في " لو " فليس بمفعول، وهو موضع المفعول، ولا ينبغي أن يترجم المصدر بشيء، وقد ترجمه بشيء، ثم جعله ودّا، ثم أعاد عليه عائدا.
فكان الكسائي والفرّاء يقولان: لا تكاد العرب توقع " ربّ " على مستقبل، وإنما يوقعونها على الماضي من الفعل كقولهم: ربما فعلت كذا، وربما جاءني أخوك ، قالا وجاء في القرآن مع المستقبل: ربما يودّ، وإنما جاز ذلك لأن ما كان في القرآن من وعد ووعيد وما فيه، فهو حقّ كأنه عيان، فجرى الكلام فيما لم يكن بعد مجراه فيما كان، كما قيل وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وقوله وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ كأنه ماض وهو منتظر لصدقه في المعنى، وأنه لا مكذّب له، وأن القائل لا يقول إذا نَهَى أو أمر فعصاه المأمور يقول: أما والله لربّ ندامة لك تذكر قولي فيها لعلمه بأنه سيندم، والله ووعده أصدق من قول المخلوقين.
وقد يجوز أن يصحب ربما الدائم وإن كان في لفظ يفعل، يقال: ربما يموت الرجل فلا يوجد له كفن، وإن أُوليت الأسماء كان معها ضمير كان، كما قال أبو داود:رُبَّمَا الجامِلُ المُؤَبَّل فِيهِمُوعناجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ ( 1 )فتأويل الكلام: ربما يودّ الذين كفروا بالله فجحدوا وحدانيته لو كانوا في دار الدنيا مسلمين.
كما حدثنا عليّ بن سعيد بن مسروق الكندي، قال: ثنا خالد بن نافع الأشعري، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة، واجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة: ألستم مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها ، فسمع الله ما قالوا، فأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار فأخرجوا، فقال من في النار من الكفار: يا ليتنا كنا مسلمين ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو بن الهيثم أبو قَطن القُطْعيّ، ورَوح القيسيّ، وعفان بن مسلم واللفظ لأبي قَطن قالوا: ثنا القاسم بن الفضل بن عبد الله بن أبي جروة، قال: كان ابن عباس وأنس بن مالك يتأولان هذه الآية ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قالا ذلك يوم يجمع الله أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار.
وقال عفان: حين يحبس أهل الخطايا من المسلمين والمشركين ، فيقول المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، زاد أبو قطن: قد جُمِعنا وإياكم ، وقال أبو قَطن وعفان: فيغضب الله لهم بفضل رحمته ، ولم يقله روح بن عبادة ، وقالوا جميعا: فيخرجهم الله، وذلك حين يقول الله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثنا الحسن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: يدخل الجنة ويرحم حتى يقول في آخر ذلك: من كان مسلما فليدخل الجنة ، قال: فذلك قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) ذلك يوم القيامة يتمنى الذين كفروا لو كانوا موحدين.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله، في قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: هذا في الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا ابن أبي فروة العبدي أن ابن عباس وأنس بن مالك كانا يتأوّلان هذه الآية ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) يتأوّلانها يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار، قال: فيقول لهم المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا، قال: فيغضب الله لهم بفضل رحمته، فيخرجهم، فذلك حين يقول ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ )حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ما يزال الله يُدخل الجنة، ويرحم ويشفع حتى يقولَ: من كان من المسلمين فليدخل الجنة ، فذلك قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدَّستوائي، قال: ثنا حماد، قال: سألت إبراهيم عن هذه الآية ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: حدثت أن المشركين قالوا لمن دخل النار من المسلمين: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، قال: فيغضب الله لهم، فيقول للملائكة والنبيين: اشفعوا ، فيشفعون، فيخرجون من النار، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم ، قال: فعند ذلك يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن إبراهيم، أنه قال في قول الله عزّ وجلّ: ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: يقول من في النار من المشركين للمسلمين: ما أغنت عنكم " لا إله إلا الله " قال: فيغضب الله لهم، فيقول: من كان مسلما فليخرج من النار ، قال: فعند ذلك ( يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن حماد، عن إبراهيم في قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: إن أهل النار يقولون: كنا أهل شرك وكفر، فما شأن هؤلاء الموحدين ما أغنى عنهم عبادتهم إياه ، قال: فيخرج من النار من كان فيها من المسلمين.
قال: فعند ذلك ( يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن حماد، عن إبراهيم، عن خصيف، عن مجاهد، قال: يقول أهل النار للموحدين: ما أغنى عنكم إيمانكم؟ قال: فإذا قالوا ذلك، قال: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرّة ، فعند ذلك ( يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم، قال: ثنا هشام، عن حماد، قال: سألت إبراهيم عن قول الله عزّ وجلّ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: الكفار يعيرون أهل التوحيد: ما أغنى عنكم لا إله إلا الله ، فيغضب الله لهم، فيأمر النبيين والملائكة فيشفعون، فيخرج أهل التوحيد، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج، فذلك قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مجاهد، قال: هذا في الجهنميين، إذا رأوهم يخرجون من النار ( يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، قال: إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه، قال: من كان مسلما فليدخل الجنة ، فعند ذلك ( يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، وحدثني الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: يوم القيامة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن جويبر، عن الضحاك في قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: فيها وجهان اثنان، يقولون: إذا حضر الكافر الموت ودّ لو كان مسلما.
ويقول آخرون: بل يعذّب الله ناسا من أهل التوحيد في النار بذنوبهم، فيعرفهم المشركون فيقولون: ما أغنت عنكم عبادة ربكم ، وقد ألقاكم في النار ، فيغضب لهم فيخرجهم، فيقول ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) قال: نزلت في الذين يخرجون من النار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) وذلك والله يوم القيامة، ودّوا لو كانوا في الدنيا مسلمين.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) ( 2 ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ما يزال الله يدخل الجنة ويشفع حتى يقول: من كان من المسلمين فليدخل الجنة ، فذلك حين يقول ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ).
الهوامش:( 1 ) البيت لأبي داود الإيادي ( خزانة الأدب 4 : 188 ) وهو شاهد على أن رب المكفوفة بما لا تدخل إلا على الفعل عند سيبويه ، وهذا البيت شاذ عنده ، لدخول رب المكفوفة فيه على الجملة الإسمية ، فإن الجامل مبتدأ والمؤبل صفة وفيهم هو الخبر ، وتكون رب كما قال أبو حيان من حروف الابتداء ، تدخل على الجمل فعلية أو اسمية للقصد إلى تقليل النسبة المفهومة من الجملة ، فإذا قلت : ربما قام زيد فكأنك قللت النسبة المفهومة من قيام زيد ، وكذلك إذا قلت ربما زيد شاعر ، قللت نسبة شعر زيد ، وعن بعضهم أن رب المكفوفة نقلت من معنى التقليل إلى معنى التحقيق ، كما نقلت قد الداخلة على المضارع في نحو قوله تعالى " قد يعلم ما أنتم عليه " من معنى التقليل إلى معنى التحقيق .
ودخولها على الجملة الاسمية مذهب المبرد والزمخشري وابن مالك .
والجامل : الجماعة من الإبل ، لا واحد لها من لفظها ويقال إبل مؤبلة : إذا كان للقنية ، والعناجيج : الخيل الطوال الأعناق ، واحدها : عنجوج ، والمهار : جمع مهر ، وهو ولد الفرس ، والأنثى مهرة .
( 2 ) أي بمثل حديث بشر قبله ، لأن كلا الإسنادين ينتهي إلى قتادة .

ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين

سورة : الحجر - الأية : ( 2 )  - الجزء : ( 14 )  -  الصفحة: ( 262 ) - عدد الأيات : ( 99 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: فنـزل من حميم
  2. تفسير: فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون
  3. تفسير: ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا
  4. تفسير: إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين
  5. تفسير: وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا
  6. تفسير: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب
  7. تفسير: وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون
  8. تفسير: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم
  9. تفسير: ألا تطغوا في الميزان
  10. تفسير: قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا

تحميل سورة الحجر mp3 :

سورة الحجر mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الحجر

سورة الحجر بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الحجر بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الحجر بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الحجر بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الحجر بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الحجر بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الحجر بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الحجر بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الحجر بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الحجر بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب