تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 53 من سورةالأحزاب - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾
[ سورة الأحزاب: 53]

معنى و تفسير الآية 53 من سورة الأحزاب : ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي


يأمر تعالى عباده المؤمنين، بالتأدب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، في دخول بيوته فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ أي: لا تدخلوها بغير إذن للدخول فيها، لأجل الطعام.
وأيضًا لا تكونوا نَاظِرِينَ إِنَاهُ أي: منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه، أو سعة صدر بعد الفراغ منه.
والمعنى: أنكم لا تدخلوا بيوت النبي إلا بشرطين:الإذن لكم بالدخول، وأن يكون جلوسكم بمقدار الحاجة، ولهذا قال: وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ أي: قبل الطعام وبعده.
ثم بين حكمة النهي وفائدته فقال: إِنَّ ذَلِكُمْ أي: انتظاركم الزائد على الحاجة، كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ أي: يتكلف منه ويشق عليه حبسكم إياه عن شئون بيته، واشتغاله فيه فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ أن يقول لكم: اخرجوا كما هو جاري العادة، أن الناس -وخصوصًا أهل الكرم منهم- يستحيون أن يخرجوا الناس من مساكنهم، و لكن اللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ فالأمر الشرعي، ولو كان يتوهم أن في تركه أدبا وحياء، فإن الحزم كل الحزم، اتباع الأمر الشرعي، وأن يجزم أن ما خالفه، ليس من الأدب في شيء.
واللّه تعالى لا يستحي أن يأمركم، بما فيه الخير لكم، والرفق لرسوله كائنًا ما كان.
فهذا أدبهم في الدخول في بيوته، وأما أدبهم معه في خطاب زوجاته، فإنه، إما أن يحتاج إلى ذلك، أو لا يحتاج إليه، فإن لم يحتج إليه، فلا حاجة إليه، والأدب تركه، وإن احتيج إليه، كأن يسألن متاعًا، أو غيره من أواني البيت أو نحوها، فإنهن يسألن مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أي: يكون بينكم وبينهن ستر، يستر عن النظر، لعدم الحاجة إليه.
فصار النظر إليهن ممنوعًا بكل حال، وكلامهن فيه التفصيل، الذي ذكره اللّه، ثم ذكر حكمة ذلك بقوله: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه.
فلهذا، من الأمور الشرعية التي بين اللّه كثيرًا من تفاصيلها، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته، ممنوعة، وأنه مشروع، البعد عنها، بكل طريق.
ثم قال كلمة جامعة وقاعدة عامة: وَمَا كَانَ لَكُمْ يا معشر المؤمنين، أي: غير لائق ولا مستحسن منكم، بل هو أقبح شيء أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ أي: أذية قولية أو فعلية، بجميع ما يتعلق به، وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا هذا من جملة ما يؤذيه، فإنه صلى اللّه عليه وسلم، له مقام التعظيم، والرفعة والإكرام، وتزوج زوجاته [بعده] مخل بهذا المقام.
وأيضا، فإنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، والزوجية باقية بعد موته، فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده، لأحد من أمته.
إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا وقد امتثلت هذه الأمة، هذا الأمر، واجتنبت ما نهى اللّه عنه منه، وللّه الحمد والشكر.

تفسير البغوي : مضمون الآية 53 من سورة الأحزاب


قوله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) الآية .
قال أكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بنت جحش حين بنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا يحيى بن بكير ، أخبرنا الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني أنس ابن مالك أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، قال : وكانت أم هانئ تواظبني على خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فخدمته عشر سنين ، وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن عشرين سنة ، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل ، فكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش ، أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - بها عروسا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا ، وبقي رهط منهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأطالوا المكث ، فقام النبي لله فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا ، فمشى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشيت حتى جاء حجرة عائشة ، ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه ، حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يخرجوا ، فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا ، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينه الستر ، وأنزل الحجاب .
وقال أبو عثمان - واسمه الجعد - عن أنس قال : فدخل يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة ، وهو يقول : ( ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) إلى قوله : ( والله لا يستحيي من الحق ) .
وروي عن ابن عباس أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتأذى بهم فنزلت( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) يقول : إلا أن تدعوا ) ( إلى طعام ) فيؤذن لكم فتأكلونه ( غير ناظرين إناه ) غير منتظرين إدراكه ووقت نضجه ، يقال : أنى الحميم : إذا انتهى حره ، وإنى أن يفعل ذلك : إذا حان ، إنى بكسر الهمزة مقصورة ، فإذا فتحتها مددت فقلت الإناء ، وفيه لغتان إنى يأنى ، وآن يئين ، مثل : حان يحين .
( ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم ) أكلتم الطعام ) ( فانتشروا ) تفرقوا واخرجوا من منزله ( ولا مستأنسين لحديث ) ولا طالبين الأنس للحديث ، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون طويلا فنهوا عن ذلك .
( إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق ) أي : لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء .
( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) أي : من وراء ستر ، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منتقبة كانت أو غير منتقبة ( ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) من الريب .
وقد صح في سبب نزول آية الحجاب ما أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا يحيى بن بكير ، أخبرنا الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع ، وهو صعيد أفيح ، وكان عمر يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : احجب نساءك ، فلم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي عشاء ، وكانت امرأة طويلة فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة - حرصا على أن ينزل الحجاب - فأنزل الله تعالى آية الحجاب .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أخبرنا حاجب ابن أحمد الطوسي ، أخبرنا عبد الرحيم بن منيب ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد ، عن أنس قال : قال عمر : وافقني ربي في ثلاث قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل الله : " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " ، وقلت : يا رسول الله إنه يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ؟ فأنزل الله آية الحجاب ، قال : وبلغني بعض ما آذى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساؤه ، قال : فدخلت عليهن استقربهن واحدة واحدة ، قلت : والله لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن ، حتى أتيت على زينب فقالت : يا عمر ما كان في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ، قال : فخرجت فأنزل الله - عز وجل - : " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن " ( التحريم - 5 ) ، إلى آخر الآية .
قوله - عز وجل - : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء ( ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ) نزلت في رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : لئن قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنكحن عائشة .
قال مقاتل بن سليمان : هو طلحة بن عبيد الله ، فأخبره الله - عز وجل - أن ذلك محرم وقال : ( إن ذلكم كان عند الله عظيما ) أي : ذنبا عظيما .
وروى معمر عن الزهري ، أن العالية بنت ظبيان التي طلق النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجت رجلا وولدت له ، وذلك قبل تحريم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - على الناس .

التفسير الوسيط : ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي


ذكر المفسرون في سبب نزول قوله-تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ...
روايات متعددة منها، ما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال:وافقت ربي في ثلاث.
فقلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله-تبارك وتعالى-: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو حجبتهن، فأنزل الله آية الحجاب.
وقلت لأزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم لما تمالأن عليه في الغيرة عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ فنزل كذلك.
وروى البخاري عن أنس بن مالك- رضى الله عنه- قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا.
فلما رأى ذلك قام، فلما قام صلّى الله عليه وسلّم قام معه من قام، وقعد ثلاثة نفر.
فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلّم أنهم قد انطلقوا.
فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله-تبارك وتعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ...
الآية.
قال ابن كثير: وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بزينب بنت جحش: التي تولى الله-تبارك وتعالى- تزويجها بنفسه، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة، في قول قتادة والواقديّ وغيرهما .
والمراد ببيوت النبي: المساكن التي أعدها صلّى الله عليه وسلّم لسكنى أزواجه.
والاستثناء في قوله-تبارك وتعالى-: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ استثناء مفرغ من أعم الأحوال.
وقوله: غَيْرَ ناظِرِينَ.
حال من ضمير تَدْخُلُوا وإِناهُ أى: نضجه وبلوغه الحد الذي يؤكل معه.
يقال: أنى الطعام يأنى أنيا وإنى- كقلى يقلى- إذا نضج وكان معدا للأكل.
والمعنى: يا من آمنتم بالله-تبارك وتعالى- حق الإيمان، لا تدخلوا بيوت النبي صلّى الله عليه وسلّم في حال من الأحوال، إلا في حال الإذن لكم بدخولها من أجل حضور طعام تدعون إلى تناوله، وليكن حضوركم في الوقت المناسب لتناوله، لا قبل ذلك بأن تدخلوا قبل إعداده بفترة طويلة، منتظرين نضجه وتقديمه إليكم للأكل منه.
قالوا: وكان من عادة بعضهم في الجاهلية أنهم يلجون البيوت بدون استئذان، فإذا وجدوا طعاما يعد، انتظروا حتى ينضج ليأكلوا منه.
فالنهي في الآية الكريمة مخصوص بمن دخل من غير دعوة، وبمن دخل بدعوة ولكنه مكث منتظرا للطعام حتى ينضج، دون أن تكون هناك حاجة لهذا الانتظار.
أما إذا كان الدخول بدعوة أو لحضور طعام بدون انتظار مقصود لوقت نضجه، فلا يتناوله النهى.
قال الآلوسى: والآية على ما ذهب إليه جمع من المفسرين، خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام النبي صلّى الله عليه وسلّم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه، فهي مخصوصة بهم وبأمثالهم ممن يفعل مثل فعلهم في المستقبل.
فالنهي مخصوص بمن دخل بغير دعوة، وجلس منتظرا للطعام من غير حاجة فلا تفيد النهى عن الدخول بإذن لغير طعام، ولا من الجلوس واللبث بعد الطعام لمهم آخر .
وقوله- سبحانه - وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا استدراك على ما فهم من النهى عن الدخول بغير إذن، وفيه إشعار بأن الإذن متضمن معنى الدعوة.
أى: لا تدخلوا بدون إذن، فإذا أذن لكم ودعيتم إلى الطعام فادخلوا لتناوله وقوله -تبارك وتعالى- فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ بيان للون آخر من ألوان الآداب الحكيمة التي شرعها الإسلام في تناول الطعام عند الغير.
أى: إذا دعيتم لحضور طعام في بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فادخلوا، فإذا ما انتهيتم من طعامكم عنده، فتفرقوا ولا تمكثوا في البيت مستأنسين لحديث بعضكم مع بعض، أو لحديثكم مع أهل البيت.
فقوله مُسْتَأْنِسِينَ مأخوذ من الأنس بمعنى السرور والارتياح للشيء.
تقول: أنست، لحديث فلان، إذا سررت له، وفرحت به.
وأطلق- سبحانه - نفى الاستئناس للحديث، من غير بيان صاحب الحديث، للإشعار بأن المكث بعد الطعام غير مرغوب فيه على الإطلاق، مادام ليس هناك من حاجة إلى هذا المكث.
وهذا أدب عام لجميع المسلمين.
واسم الإشارة في قوله: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ يعود إلى الانتظار والاستئناس للحديث، والدخول بغير إذن.
والجملة بمثابة التعليل لما قبلها.
أى: إن ذلكم المذكور كان يؤذى النبي صلّى الله عليه وسلّم ويدخل الحزن على قلبه، لأنه يتنافى مع الأدب الإسلامى الحكيم، ولكنه صلّى الله عليه وسلّم كان يستحيى أن يصرح لكم بذلك، لسمو خلقه، وكمال أدبه، كما أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يستحيى أن يقول لكم كلاما تدركون منه أنه يريد انصرافكم.
وقوله-تبارك وتعالى-: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أى: والله-تبارك وتعالى- لا يستحيى من إظهار الحق ومن بيانه، بل من شأنه- سبحانه - أن يقول الحق، ولا يسكت عن ذلك.
وإذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد منعه حياؤه من أن يقول قولا تفهمون منه ضجره من بقائكم في بيته بعد تناول طعامكم عنده.. فإن الله-تبارك وتعالى- وهو خالقكم لا يمتنع عن بيان الحق في هذه الأمور وفي غيرها، حتى تتأدبوا بأدب دينه القويم.
ثم ذكر- سبحانه - بعض الآداب التي يجب عليهم أن يلتزموها مع نساء نبيهم صلّى الله عليه وسلّم فقال: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..أى: وإذا طلبتم- أيها المؤمنون- من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم شيئا يتمتع به سواء أكان هذا الشيء حسيا كالطعام أم معنويا كمعرفة بعض الأحكام الشرعية.. إذا سألتموهن شيئا من ذلك فليكن سؤالكم لهن من وراء حجاب ساتر بينكم وبينهن..لأن سؤالكم إياهن بهذه الطريقة، أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وأبعد عن الوقوع في الهواجس الشيطانية التي قد تتولد عن مشاهدتكم لهن، ومشاهدتهن لكم..ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بقوله: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً.
أى: وما صح وما استقام لكم- أيها المؤمنون- أن تؤذوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأى لون من ألوان الأذى، سواء أكان بدخول بيوته بغير إذنه، أم بحضوركم إليها انتظارا لنضج الطعام أم بجلوسكم بعد الأكل بدون مقتض لذلك، أم بغير ذلك مما يتأذى به صلّى الله عليه وسلم.
كما أنه لا يصح لكم بحال من الأحوال أن تنكحوا أزواجه من بعده، أى: من بعد وفاته.
إِنَّ ذلِكُمْ أى: إيذاءه ونكاح أزواجه من بعده كانَ عِنْدَ اللَّهِ-تبارك وتعالى- ذنبا عَظِيماً وإثما جسيما، لا يقادر قدره.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 53 من سورة الأحزاب


هذه آية الحجاب ، وفيها أحكام وآداب شرعية ، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال : وافقت ربي في ثلاث ، فقلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل الله : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ البقرة : 125 ] . وقلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو حجبتهن ؟ فأنزل الله آية الحجاب . وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه في الغيرة : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) [ التحريم : 5 ] ، فنزلت كذلك .وفي رواية لمسلم ذكر أسارى بدر ، وهي قضية رابعة .وقد قال البخاري : حدثنا مسدد ، عن يحيى ، عن حميد ، أن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ؟ فأنزل الله آية الحجاب .وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، التي تولى الله تعالى تزويجها بنفسه ، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة ، في قول قتادة والواقدي وغيرهما .وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى ، وخليفة بن خياط : أن ذلك كان في سنة ثلاث ، فالله أعلم .قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ، حدثنا معتمر بن سليمان ، سمعت أبي ، حدثنا أبو مجلز ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون ، فإذا هو [ كأنه ] يتهيأ للقيام فلم يقوموا . فلما رأى ذلك قام ، فلما قام [ قام ] من قام ، وقعد ثلاثة نفر . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل ، فإذا القوم جلوس ، ثم إنهم قاموا فانطلقت ، فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا . فجاء حتى دخل ، فذهبت أدخل ، فألقى [ الحجاب ] بيني وبينه ، فأنزل الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ) الآية .وقد رواه أيضا في موضع آخر ، ومسلم والنسائي ، من طرق ، عن معتمر بن سليمان ، به . ثم رواه البخاري منفردا به من حديث أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، [ بنحوه . ثم قال : حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ] قال : بني [ على ] النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم ، فأرسلت على الطعام داعيا ، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون . فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه ، فقلت : يا نبي الله ، ما أجد أحدا أدعوه . قال : " ارفعوا طعامكم " ، وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة ، فقال : " السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته " . قالت : وعليك السلام ورحمة الله ، كيف وجدت أهلك ، بارك الله لك ؟ فتقرى حجر نسائه كلهن ، يقول لهن كما يقول لعائشة ، ويقلن له كما قالت عائشة . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رهط ثلاثة [ في البيت ] يتحدثون . وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء ، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة ، فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا ؟ فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخله ، وأخرى خارجه ، أرخى الستر بيني وبينه ، وأنزلت آية الحجاب .انفرد به البخاري من بين أصحاب الكتب [ الستة ] ، سوى النسائي في اليوم والليلة ، من حديث عبد الوارث .ثم رواه عن إسحاق - هو ابن منصور - عن عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد ، عن أنس ، بنحو ذلك ، وقال : " رجلان " انفرد به من هذا الوجه . وقد تقدم في أفراد مسلم من حديث سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو المظفر ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن الجعد - أبي عثمان اليشكري - عن أنس بن مالك قال : أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه ، فصنعت أم سليم حيسا ثم وضعته في تور ، فقالت : اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرئه مني السلام ، وأخبره أن هذا منا له قليل - قال أنس : والناس يومئذ في جهد - فجئت به فقلت : يا رسول الله ، بعثت بهذا أم سليم إليك ، وهي تقرئك السلام ، وتقول : أخبره أن هذا منا له قليل ، فنظر إليه ثم قال : " ضعه " فوضعته في ناحية البيت ، ثم قال : " اذهب فادع لي فلانا وفلانا " . وسمى رجالا كثيرا ، وقال : " ومن لقيت من [ المسلمين " . فدعوت من قال لي ، ومن لقيت من ] المسلمين ، فجئت والبيت والصفة والحجرة ملأى من الناس - فقلت : يا أبا عثمان ، كم كانوا ؟ فقال : كانوا زهاء ثلاثمائة - قال أنس : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جئ به " . فجئت به إليه ، فوضع يده عليه ، ودعا وقال : " ما شاء الله " . ثم قال : " ليتحلق عشرة عشرة ، وليسموا ، وليأكل كل إنسان مما يليه " . فجعلوا يسمون ويأكلون ، حتى أكلوا كلهم . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارفعه " . قال : فجئت فأخذت التور فما أدري أهو حين وضعت أكثر أم حين أخذت ؟ قال : وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله ، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دخل بها معهم مولية وجهها إلى الحائط ، فأطالوا الحديث ، فشقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أشد الناس حياء - ولو أعلموا كان ذلك عليهم عزيزا - فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فسلم على حجره وعلى نسائه ، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ، ابتدروا الباب فخرجوا ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ، ودخل البيت وأنا في الحجرة ، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته يسيرا ، وأنزل الله عليه القرآن ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ) إلى قوله : ( بكل شيء عليما ) . قال أنس : فقرأهن علي قبل الناس ، فأنا أحدث الناس بهن عهدا .وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي جميعا ، عن قتيبة ، عن جعفر بن سليمان ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح وعلقه البخاري في كتاب النكاح فقال :وقال إبراهيم بن طهمان ، عن الجعد أبي عثمان ، عن أنس ، فذكر نحوه .ورواه مسلم أيضا عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الجعد ، به . وقد روى هذا الحديث عبد الله بن المبارك ، عن شريك ، عن بيان بن بشر ، عن أنس ، بنحوه .وروى البخاري والترمذي ، من طريقين آخرين ، عن بيان بن بشر الأحمسي الكوفي ، عن أنس ، بنحوه .ورواه ابن أبي حاتم أيضا ، من حديث أبي نضرة العبدي ، عن أنس بن مالك ، بنحوه ورواه ابن جرير من حديث عمرو بن سعيد ، ومن حديث الزهري ، عن أنس ، بنحو ذلك .وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز وهاشم بن القاسم قالا حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليزيد " اذهب فاذكرها علي " . قال : فانطلق زيد حتى أتاها ، قال : وهي تخمر عجينها ، فلما رأيتها عظمت في صدري . . . وذكر تمام الحديث ، كما قدمناه عند قوله : ( فلما قضى زيد منها وطرا ) ، وزاد في آخره بعد قوله : ووعظ القوم بما وعظوا به . قال هاشم في حديثه : ( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق ) .وقد أخرجه مسلم والنسائي ، من حديث سليمان بن المغيرة ، به .وقال ابن جرير : حدثني أحمد بن عبد الرحمن - ابن أخي ابن وهب - حدثني عمي عبد الله بن وهب ، حدثني يونس عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع - وهو صعيد أفيح - وكان عمر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : احجب نساءك . فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة طويلة ، فناداها عمر بصوته الأعلى : قد عرفناك يا سودة . حرصا أن ينزل الحجاب ، قالت : فأنزل الله الحجاب .هكذا وقع في هذه الرواية . والمشهور أن هذا كان بعد نزول الحجاب ، كما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها ، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها ، فرآها عمر بن الخطاب فقال : يا سودة ، أما والله ما تخفين علينا ، فانظري كيف تخرجين ؟ قالت : فانكفأت راجعة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، وإنه ليتعشى ، وفي يده عرق ، فدخلت فقالت : يا رسول الله ، إني خرجت لبعض حاجتي ، فقال لي عمر كذا وكذا . قالت : فأوحى الله إليه ، ثم رفع عنه وإن العرق في يده ، ما وضعه . فقال : " إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن " . لفظ البخاري .فقوله : ( لا تدخلوا بيوت النبي ) : حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن ، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام ، حتى غار الله لهذه الأمة ، فأمرهم بذلك ، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة; ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والدخول على النساء " .ثم استثنى من ذلك فقال : ( إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ) .قال مجاهد وقتادة وغيرهما : أي غير متحينين نضجه واستواءه ، أي : لا ترقبوا الطعام حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول ، فإن هذا يكرهه الله ويذمه . وهذا دليل على تحريم التطفيل ، وهو الذي تسميه العرب الضيفن ، وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا في ذم الطفيليين . وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها .ثم قال تعالى : ( ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ) . وفي صحيح مسلم عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب ، عرسا كان أو غيره " . وأصله في الصحيحين وفي الصحيح أيضا ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو دعيت إلى ذراع لأجبت ، ولو أهدي إلي كراع لقبلت ، فإذا فرغتم من الذي دعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل ، وانتشروا في الأرض " ; ولهذا قال : ( ولا مستأنسين لحديث ) أي : كما وقع لأولئك النفر الثلاثة الذين استرسل بهم الحديث ، ونسوا أنفسهم ، حتى شق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال [ الله ] تعالى : ( إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم ) .وقيل : المراد أن دخولكم منزله بغير إذنه كان يشق عليه ويتأذى به ، لكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه ، عليه السلام ، حتى أنزل الله عليه النهي عن ذلك; ولهذا قال : ( والله لا يستحيي من الحق ) أي : ولهذا نهاكم عن ذلك وزجركم عنه .ثم قال تعالى : ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) أي : وكما نهيتكم عن الدخول عليهن ، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن مسعر ، عن موسى بن أبي كثير ، عن مجاهد ، عن عائشة قالت : كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيسا في قعب ، فمر عمر فدعاه ، فأصابت إصبعه إصبعي ، فقال : حس - أو : أوه - لو أطاع فيكن ما رأتك عين . فنزل الحجاب .( ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) أي : هذا الذي أمرتكم به وشرعته لكم من الحجاب أطهر وأطيب .وقوله : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ) : قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن أبي حماد ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) قال : نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم . قال رجل لسفيان : أهي عائشة ؟ قال : قد ذكروا ذاك .وكذا قال مقاتل بن حيان ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وذكر بسنده عن السدي أن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله ، رضي الله عنه ، حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك; ولهذا أجمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزويجها من بعده ; لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين ، كما تقدم . واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته هل يحل لغيره أن يتزوجها ؟ على قولين ، مأخذهما : هل دخلت هذه في عموم قوله : ( من بعده ) أم لا ؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فما نعلم في حلها لغيره - والحالة هذه - نزاعا ، والله أعلم .وقال ابن جرير : حدثني [ محمد ] بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا داود ، عن عامر; أن نبي الله صلى الله عليه وسلم مات وقد ملك قيلة بنت الأشعث - يعني : ابن قيس - فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بعد ذلك ، فشق ذلك على أبي بكر مشقة شديدة ، فقال له عمر : يا خليفة رسول الله ، إنها ليست من نسائه ، إنها لم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يحجبها ، وقد برأها الله منه بالردة التي ارتدت مع قومها . قال : فاطمأن أبو بكر ، رضي الله عنهما وسكن .وقد عظم الله تبارك وتعالى ذلك ، وشدد فيه وتوعد عليه بقوله : ( إن ذلكم كان عند الله عظيما ) ،

تفسير الطبري : معنى الآية 53 من سورة الأحزاب


القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)يقول تعالى ذكره لأصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تدخلوا بيوت نبي الله إلا أن تدعوا إلى طعام تطعمونه (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يعني: غير منتظرين إدراكه وبلوغه، وهو مصدر من قولهم: قد أنى هذا الشيء يأني إنى وأنيا وإناء، قال الحطيئة:وآنيتُ العَشاءَ إلَى سُهَيلٍأوِ الشِّعْرَى فطال بيَ الأنَاءُ (1)وفيه لغة أخرى يقال: قد آن لك، أي: تبين لك أينا ونال لك، وأنال لك، ومنه قول رؤبة بن العجاج:هاجَتْ وَمِثْلِي نَوْلُهُ أن يَرْبَعاحمامةٌ ناختْ حَمَامًا سُجَّعًا (2)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله (إلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) قال: متحيِّنين نضجه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يقول: غير ناظرين الطعام أن يصنع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) قال: غير متحينين طعامه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
ونصب (غير) في قوله (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) على الحال من الكاف والميم في قوله (إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) لأن الكاف والميم معرفة وغير نكرة، وهي من صفة الكاف والميم.
وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: لا يجوز في (غَيْرَ) الجر على الطعام، إلا أن تقول: أنتم، ويقول: ألا ترى أنك لو قلت: أبدى لعبد الله عليَّ امرأة مبغضًا لها، لم يكن فيه إلا النصب، إلا أن تقول: مبغض لها هو، لأنك إذا أجريت صفته عليها، ولم تظهر الضمير الذي يدل على أن الصفة له لم يكن كلامًا، لو قلت هذا رجل مع امرأة مُلازِمِها، كان لحنًا حتى ترفع فتقول: ملازمُها، أو تقول: ملازِمَها هو فتجر.
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: لو جعلت (غَيْرَ) في قوله (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) خفضًا كان صوابًا، لأن قبلها الطعام وهو نكرة، فيجعل فعلهم تابعًا للطعام، لرجوع ذكر الطعام في إناه، كما تقول العرب: رأيت زيدًا مع امرأةٍ محسنًا إليها ومحسنٍ إليها؛ فمن قال محسنًا جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قال: رأيته مع التي يحسن إليها، فإذا صارت الصلة للنكرة أتبعتها وإن كانت فعلا لغير النكرة، كما قال الأعشى:فقُلتُ لهُ هذهِ هاتِهاإلينا بأدْمَاءَ مُقْتَادِها (3)فجعل المقتاد تابعًا لإعراب (بِأدْمَاء)، لأنه بمنزلة قولك: بأدماء تقتادها، فخفضه لأنه صلة لها، قال: وينشد: بأدماءِ مقتادِها، بخفض الأدماء لإضافتها إلى المقتاد، قال: ومعناه: هاتها على يدي من اقتادها.
وأنشد أيضًا:وإنِ امرَءًا أهْدَى إلَيكِ وَدُونُهَمنَ الأرضِ موْمَاةٌ وَبَيْدَاءُ فَيْهَقُلَمَحْقُوقَةٌ أن تَستجيبي لِصوتِهِوأن تعْلَمِي أنَّ المُعَانَ مُوَفَّقُ (4)وحكي عن بعض العرب سماعًا ينشد:أرأيت إذْ أَعطَيتكِ الودَّ كلَّهولم يكُ عندي إن أبيتِ إباءُأمُسلِمتي للموت أنت فميِّتٌوهل للنفوس المسلماتِ بقاءُ (5)ولم يقل: فميت أنا، وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: يدك باسطها يريدون: أنت، وهو كثير في الكلام، قال: فعلى هذا يجوز خفض (غير).
والصواب من القول في ذلك عندنا، القول بإجازة جر (غير) في (غَيْرَ نَاظِرِينَ) في الكلام، لا في القراءة لما ذكرنا من الأبيات التي حكيناها، فأما في القراءة فغير جائز في (غير) غير النصب، لإجماع الحجة من القراء على نصبها.
وقوله (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا) يقول: ولكن إذا دعاكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فادخلوا البيت الذي أذن لكم بدخوله (فإذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) يقول: فإذا أكلتم الطعام الذي دعيتم لأكله فانتشروا، يعني: فتفرقوا واخرجوا من منزله (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) فقوله (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) في موضع خفض عطفًا به على ناظرين، كما يقال في الكلام: أنت غير ساكت ولا ناطق.
وقد يحتمل أن يقال: مستأنسين في موضع نصب عطفًا على معنى ناظرين، لأن معناه إلا أن يؤذن لكم إلى طعام لا ناظرين إناه، فيكون قوله (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) نصبًا حينئذ، والعرب تفعل ذلك إذا حالت بين الأول والثاني؛ فترد أحيانًا على لفظ الأول وأحيانًا على معناه، وقد ذكر الفراء أن أبا القمقام أنشده:أجِدكَ لستَ الدهرَ رائيَ رامَةولا عاقلٍ إلا وانت جنِيبُولا مُصعِدٍ في المُصعِدينَ لمنْعِجٍولا هابطًا ما عِشْتُ هَضْبَ شطيبِ (6)فرد مصعد على أن رائي فيه باء خافضة، إذ حال بينه وبين المصعد مما حال بينهما من الكلام.
ومعنى قوله (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) : ولا متحدثين بعد فراغكم من &; 20-310 &; أكل الطعام إيناسًا من بعضكم لبعض به.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) بعد أن تأكلوا.
واختلف أهل العلم في السبب الذي نزلت هذه الآية فيه؛ فقال بعضهم: نزلت بسبب قوم طعموا عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في وليمة زينب بنت جحش، ثم جلسوا يتحدثون في منزل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وبرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى أهله حاجة فمنعه الحياء من أمرهم بالخروج من منزله .
* ذكر من قال ذلك:حدثني عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: بنى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بزينب بنت جحش، فبعثت داعيًا إلى الطعام، فدعوت، فيجيء القوم يأكلون ويخرجون، ثم يجيء القوم يأكلون ويخرجون، فقلت: يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحدًا أدعوه، قال: ارفعوا طعامكم، وإن زينب لجالسة في ناحية البيت، وكانت قد أعطيت جمالا وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت، وخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم منطلقًا نحو حجرة عائشة، فقال: " السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ " فقالوا: وعليك السلام يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ قال: فأتى حجر نسائه فقالوا مثل ما قالت عائشة، فرجع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فإذا الثلاثة يتحدثون في البيت، وكان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شديد الحياء، فخرج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم منطلقًا نحو حجرة عائشة، فلا أدري أخبرته، أو أخبر أن الرهط قد خرجوا، فرجع حتى وضع رجله في أسكفة داخل البيت، والأخرى خارجه، إذ أرخي الستر بيني وبينه، وأُنزلت آية الحجاب.
حدثني أَبو معاوية بشر بن دحية، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن أنس بن مالك، قال: سألني أُبي بن كعب عن الحجاب فقلت: أنا أعلم الناس به، نزلت في شأن زينب؛ أولم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عليها بتمر وسويق، فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ .
.
.
) إلى قوله (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) .
حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثني عمي، قال: أخبرني يونس، عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى المدينة، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل في مبتنى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بزينب بنت جحش، أصبح رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بها عروسًا، فدعا القوم فأصابوا من الطعام حتى خرجوا وبقِي منهم رهط عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأطالوا المكث، فقام رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وخرج، وخرجت معه لكي يخرجوا، فمشى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ومشيت معه، حتى جاء عتبة حجرة عائشة زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ثم ظن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه، حتى دخل على زينب، فإذا هم جلوس لم يقوموا، فرجع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا، فضرب بيني وبينه سترًا، وأُنزل الحجاب.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أَبي عدي، عن حميد، عن أنس، قال: دعوت المسلمين إلى وليمة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، صبيحة بنى بزينب بنت جحش، فأوسعهم خبزًا ولحمًا، ثم رجع كما كان يصنع، فأتى حجر نسائه فسلم عليهن، فدعون له، ورجع إلى بيته وأنا معه، فلما انتهينا إلى الباب إذا رجلان قد جرى بهما الحديث في ناحية البيت، فلما أبصرهما ولى راجعًا، فلما رأيا النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولَّى عن بيته، ولَّيا مسرعين، فلا أدري أنا أخبرته أو أخبر فرجع إلى بيته، فأرخي الستر بيني وبينه، ونزلت آية الحجاب.
حدثني ابن بشار، قال: ثنا ابن أَبي عدي، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطاب: قلت لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: لو حجبت عن أمهات المؤمنين؛ فإنه يدخل عليك البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب.
حدثني القاسم بن بشر بن معروف، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أَبي قلابة، عن أنس بن مالك، قال: أنا أعلم الناس بهذه الآية؛ آية الحجاب: لما أهديت زينب إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صنع طعامًا، ودعا القوم، فجاءوا فدخلوا وزينب مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في البيت، وجعلوا يتحدثون، وجعل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخرج ثم يدخل وهم قعود، قال: فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ .
.
.
) إلى (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) قال: فقام القوم وضرب الحجاب.
حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا أبي، عن بيان، عن أنس بن مالك، قال: بنى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بامرأة من نسائه، فأرسلني فدعوت القوم إلى الطعام، فلما أكلوا وخرجوا، قام رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم منطلقًا قبل بيت عائشة، فرأى رجلين جالسين، فانصرف راجعًا، فأنزل الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ).
حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا أَبو داود، قال: ثنا المسعودي، قال: ثنا ابن نهشل، عن أَبي وائل عن عبد الله، قال: أمر عمر نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالحجاب، فقالت زينب: يا ابن الخطاب إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا، فأنزل الله (وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) .
حدثني محمد بن مرزوق، قال: ثنا أشهل بن حاتم، قال: ثنا ابن عون، عن عمرو بن سعد، عن أنس، قال: وكنت مع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وكان &; 20-313 &; يمر على نسائه، قال: فأتى بامرأة عروس، ثم جاء وعندها قوم، فانطلق فقضى حاجته، واحتبس وعاد وقد خرجوا، قال: فدخل فأرخي بيني وبينه سترًا، قال: فحدثت أبا طلحة فقال: لئن كان كما تقول، لينزلن في هذا شيء، قال: ونزلت آية الحجاب.
وقال آخرون: كان ذلك في بيت أم سلمة.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ) قال: كان هذا في بيت أم سلمة، قال: أكلوا، ثم أطالوا الحديث، فجعل النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يدخل ويخرج ويستحي منهم، والله لا يستحي من الحق.
قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) قال: بلغنا أنهن أمرن بالحجاب عند ذلك.
وقوله (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ) يقول: إن دخولكم بيوت النبي من غير أن يؤذن لكم وجلوسكم فيها مستأنسين للحديث بعد فراغكم من أكل الطعام الذي دعيتم له كان يؤذي النبي فيستحي منكم أن يخرجكم منها إذا قعدتم فيها للحديث بعد الفراغ من الطعام، أو يمنعكم من الدخول إذا دخلتم بغير إذن مع كراهيته لذلك منكم (وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أن يتبين لكم، وإن استحيا نبيكم فلم يبين لكم كراهية ذلك حياء منكم.
( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) يقول: وإذا سألتم أزواج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعًا(فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) يقول تعالى ذكره: سؤالكم إياهن المتاع إذا سألتموهن ذلك من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن من عوارض العين فيها التي تعرض في صدور الرجال من أمر النساء، وفي صدور النساء من أمر الرجال، وأحرى من أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل.
وقد قيل: إن سبب أمر الله النساء بالحجاب، إنما كان من أجل أن رجلا كان يأكل مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعائشة معهما، فأصابت يدها يد الرجل، فكره ذلك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
* ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن ليث، عن مجاهد، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، فكره ذلك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ؛ فنزلت آية الحجاب.
وقيل: نزلت من أجل مسألة عمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
* ذكر من قال ذلك:حدثنا أَبو كريب ويعقوب، قالا ثنا هشيم، قال: ثنا حميد الطويل، عن أنس، قال: قال عمر بن الخطاب: قلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن؟ قال: فنزلت آية الحجاب.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا حميد، عن أنس، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بنحوه.
حدثني أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثني عمرو بن عبد الله بن وهب، قال: ثني يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: إن أزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع؛ وهو صعيد أفيح، وكان عمر يقول: يا رسول الله احجب نساءك، فلم يكن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة، زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة؛ حرصًا أن ينزل الحجاب، قال: فأنزل الله الحجاب.
حدثنا ابن وكيع ، قال: ثنا ابن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: خرجت سودة لحاجتها بعد ما ضرب علينا الحجاب، وكأنت امرأة تفرع النساء طولا فأبصرها عمر، فناداها: يا سودة إنك والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين أو كيف تصنعين؟ فانكفأت فرجعت إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وإنه ليتعشى، فأخبرته بما كان وما قال لها، وإن في يده لعرقًا (7) فأوحي إليه ثم رفع عنه، وإن العرق لفي يده، فقال: " لَقَدْ أذنَ لَكُنَّ أنْ تَخْرجنَ لحَاجَتكُن ".
حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا همام، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن أَبي وائل، عن ابن مسعود، قال: أمر عمر نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالحجاب فقالت زينب: يا ابن الخطاب، إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا؟ فأنزل الله (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) .
حدثني أبو أيوب النهراني سليمان بن عبد الحميد، قال: ثنا يزيد بن عبد ربه، قال: ثني ابن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن أزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح، وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة؛ حرصًا على أن ينزل الحجاب، قالت عائشة: فأنزل الله الحجاب، قال الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا .
.
.
) الآية.
وقوله (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله، وما يصلح ذلك لكم (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا) يقول: وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا لأنهن أمهاتكم، ولا يحل للرجل أن يتزوج أمه.
وذكر أن ذلك نزل في رجل كان يدخل قبل الحجاب، قال: لئن مات محمد لأتزوجن امرأة من نسائه سماها، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا) .
* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ) قال: ربما بلغ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن الرجل يقول: لو أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم توفي تزوجت فلانة من بعده، قال: فكان ذلك يؤذي النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ؛ فنزل القرآن (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ .
.
.
) الآية .
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مات، وقد ملك قيلة بنت الأشعث، فتزوجها عكرِمة بن أبي جهل بعد ذلك، فشق على أَبي بكر مشقة شديدة، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه إنها لم يخيرها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولم يحجبها، وقد برأها منه بالردة التي أرتدت مع قومها، فاطمأن أَبو بكر وسكن.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود عن عامر، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم توفي وقد ملك بنت الأشعث بن قيس ولم يجامعها، ذكر نحوه.
وقوله (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا) يقول: إن أذاكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ونكاحكم أزواجه من بعده عند الله عظيم من الإثم.
-------------------الهوامش:(1) البيت للحطيئة (اللسان: أني).
وآنيت الشيء: أخرته، والاسم منه الأناء على فعال بالفتح.
يريد أنه آخر عشاءه إلى طلوع سهيل أو طلوع الشعري، فطال انتظاره.
قال: ورواه أبو سعيد (الأصمعي): وأنيت، بتشديد النون.
ويقال: أنيت الطعام في النار: إذا أطلعت مكثه.
وأنى الشيء يأني أنيا وإني وأني: حان وأدرك.
وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة ص 1197) (إلى طعام غير ناظرين إناه) : أي إدراكه وبلوغه.
ويقال: أنى لك يأني أنيا: أي بلغ وأدرك.
تمخط المنون له بيومأني ولكل حاملة تمام.
(2) البيتان: من مشطور الرجز، لرؤبة الراجز المشهور (ديوانه - طبعة ليبسج - سنة 1903 ص 87).
وفي (اللسان: نول): أما نول فتقول: نولك أن تفعل كذا: أي ينبغي لك فعل كذا.
وفي الصحاح: أي حقك أن تفعل كذا.
وأصله من التناول، كأنه يقول: تناولك كذا وكذا.
قال العجاج: (هاجت .
.
.
إلخ): أي حقه أن يكف.
وقيل: الرجز لرؤبة.
وأصل النول مصدر ناله بالخير ينوله نوالا، ونولا، ونيلا.
ويقال: أناله بخير إنالة.
(3) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة ص 69) ورواية البيت فيه:فَقُلنَا لَهُ هَذِهِ هاتِهابأَدْماءَ فِي حَبْلِ مُقْتادِهاوهي غير رواية المؤلف التي استشهد بها.
وليس في رواية الديوان شاهد للمؤلف.
والشاعر يمدح بالقصيدة سلامة ذافانش من أقيال اليمن.
وفي مقدمة القصيدة أبيات في الغزل والخمر، ومنها هذا البيت.
وقوله "هذه": إشارة إلى الخمر التي جاء بها الساقي يؤامر الشاعر في شربها ويساومه في ثمنها وقد رضي الشاعر بأن يشتري الخمر التي وصف، على أن يكون ثمنها ناقته الأدماء التي يقودها خادمه بحبلها، والأدمة في الإبل: البياض مع سواد المقلتين (اللسان).
هذا تفسير البيت على رواية الديوان.
فأما على رواية المؤلف، فإنه جعل إعراب (مقتادها) بالجر إتباعا لأدماء، لأنها نكرة، وإن كان الاقتياد لخادمه المفهوم من المقام، فهي صفة جارية على غير صاحبها، ولم يصرح بضمير النعت إذا كان لغير المنعوت فلا بد أن يقال: مقتادها أنت أي صاحب الخمر.
أو يقول: مقتادها هو: أي يقتادها الخادم.
فأما إذا كان المنعوت معرفة كما في قوله تعالى: (إلا أن يؤذون لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) فيجوز في (غير) النصب على الحال من الضمير في لكم، ويجوز الجر عند الكوفيين بالإتباع على النعت، وإن لم يبرز معه الضمير.
وقد أوضح المؤلف المقام توضيحا كاملا، لا يحتاج معه إلى مزيد من القول.
(4) البيتان للأعشى.
وقد سبق الاستشهاد بهما في كلام المؤلف على مثل ما استشهد بهما عليه هنا (انظر 17 : 197).
والشاهد في قوله: (لمحقوقة)، فإنه خبر عن قوله: (وإن امرءًا).
والخبر، هنا: غير المخبر عنه، لأن المبتدأ هنا مذكر، والخبر مؤنث.
وقد اختلف النحاة في مثل هذا فقال البصريون كان يجب أن يقول: (لمحقوقة أنت) بإبراز الضمير، لأن تركه يحدث لبسا في الكلام ولا يعلم المراد بالمحقوقة أي شخص هو؟ وأما الكوفيون فقد جوزوا في هذه الحالة وأمثالها في الخبر والنعت اللذين لا يطابقان صاحبهما، أن يبرز الضمير، وألا يبرز، على خلاف ما قاله البصريون، واستشهدوا ببيتي الأعشى على مجيء الخبر غير مطابق لما هو له، بدون إبراز الضمير.
وحمل البصريون ذلك في البيت على الاتساع والحذف.
(وانظر المسألة مفصلة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف، بين البصريين والكوفيين، لأبي البركات عبد الرحمن بن الأنباري، طبع القاهرة ص 45 - 48 المسألة رقم 8).
(5) هذان البيتان لم أجدهما في معاني القرآن للفراء، ولا في مجاز القرآن لأبي عبيدة.
والشاهد فيهما أن قوله فميت معطوف على قوله: (أمسلمتي)، والمعطوف هنا غير المعطوف عليه في المعنى، فكان مقتضى ذلك أن يقول: فميت أنا، بإبراز الضمير على مذهب البصريين، ولكنه لم يبرز الضمير وهو موافق لمذهب الكوفيين الذين يقولون بجواز إبراز الضمير وعدم إبرازه، وهذا كثير في كلام العرب.
(6) البيتان من شواهد الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة 258) وروايته أصح من رواية المؤلف.
ورامة، وعاقل ومنعج (في رواية المؤلف) ، ومنبج (في رواية الفراء): أسماء مواضع في جزيرة العرب، إلا منبج ففي الشام، قرب حلب، والبيتان مما أنشده أبو القمقام الفراء.
والشاهد في قوله: (ولا مصعد) بالجر فإنه معطوف على (رائي) والمعطوف عليه منصوب، والمعطوف مجرور على توهم زيادة الباء في خبر ليس وهو المعطوف عليه الأول.
كأنه قال: لست براء ولا مصعد.
وقد ساق الفراء البيتين في توجيه إعراب قوله تعالى: (ولا مستأنسين) فإنه رده عطفا على (ناظرين إناه) بالجر، أو بالنصب إتباعا لغير.
قال: ولو جعلت المستأنسين في موضع نصب: تتوهم أن تتبعه بغير، لما أن حلت بينهما بكلام.
كذلك.
وكذلك كل معنى احتمل وجهين، ثم فرقت بينهما بكلام جاز أن يكون الآخر معربا بخلاف الأول.
من ذلك قولك: ما أنت بمحسن إلى من أساء إليه ولا مجملا.
(7) العرق بفتح فسكون: العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم.
يقال: عرقت العظم، واعترقته وتعرقته: إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك (النهاية لابن الأثير).

ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما

سورة : الأحزاب - الأية : ( 53 )  - الجزء : ( 22 )  -  الصفحة: ( 425 ) - عدد الأيات : ( 73 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين
  2. تفسير: يقول ياليتني قدمت لحياتي
  3. تفسير: نار حامية
  4. تفسير: والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج
  5. تفسير: أن كان ذا مال وبنين
  6. تفسير: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
  7. تفسير: إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين
  8. تفسير: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات
  9. تفسير: وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين
  10. تفسير: قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن

تحميل سورة الأحزاب mp3 :

سورة الأحزاب mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأحزاب

سورة الأحزاب بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأحزاب بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأحزاب بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأحزاب بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأحزاب بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأحزاب بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأحزاب بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأحزاب بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأحزاب بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأحزاب بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب