تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 73 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
[ سورة البقرة: 73]

معنى و تفسير الآية 73 من سورة البقرة : فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى


فلما ذبحوها, قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضها,- أي: بعضو منها, إما معين, أو أي عضو منها, فليس في تعيينه فائدة, فضربوه ببعضها فأحياه الله, وأخرج ما كانوا يكتمون, فأخبر بقاتله، وكان في إحيائه وهم يشاهدون ما يدل على إحياء الله الموتى، لعلكم تعقلون فتنزجرون عن ما يضركم.

تفسير البغوي : مضمون الآية 73 من سورة البقرة


فقلنا اضربوه يعني القتيل.
ببعضها أي ببعض البقرة، واختلفوا في ذلك البعض، قال ابن عباس رضي الله عنه وأكثر المفسرين: "ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف وهو المقتل".
وقال مجاهد وسعيد بن جبير: "بعجب الذنب لأنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى، ويركب عليه الخلق".
وقال الضحاك: "بلسانها"، وقال الحسين بن الفضل: "هذا أدل بها لأنه آلة الكلام".
وقال الكلبي وعكرمة: "بفخذها الأيمن"، وقيل: بعضو منها لا بعينه، ففعلوا ذلك فقام القتيل حياً بإذن الله تعالى وأوداجه، أي عروق العنق، تشخب دماً وقال قتلني فلان، ثم سقط ومات مكانه فحرم قاتله الميراث، وفي الخبر: ( ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة ) وفيه إضمار تقديره: فضرب فحيي.
كذلك يحيي الله الموتى كما أحيا عاميل.
ويريكم آياته لعلكم تعقلون قيل تمنعون أنفسكم من المعاصي.
أما حكم هذه المسألة في الإسلام: إذا وجد قتيل في موضع ولا يعرف قاتله فإن كان ثَمَّ ( لوث ) على إنسان - واللوث: أن يغلب على القلب صدق المدعي، بأن اجتمع جماعة في بيت أو صحراء فتفرقوا عن قتيل يغلب على القلب أن القاتل فيهم، أو وجد قتيل في محلة أو قرية كلهم أعداء للقتيل لا يخالطهم غيرهم، فيغلب على القلب أنهم قتلوه - فادعى الولي على بعضهم، يحلف المدعي خمسين يميناً على من يدعي عليه، وإن كان الأولياء جماعة توزع الأيمان عليهم، ثم بعدما حلفوا أخذوا الدية من عاقلة المدعى عليه إن ادعوا قتل خطأ، وإن ادعوا قتل عمد فمن ماله، ولا قود على قول الأكثرين وذهب بعضهم إلى وجوب القود،وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال مالك وأحمد، وإن لم يكن على المدعى عليه لوث فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ثم هل يحلف يميناً واحدة أم خمسين يميناً؟ فيه قولان: (أحدهما) يميناً واحدة كما في سائر الدعاوي، (والثاني) يحلف خمسين يميناً تغليظاً لأمر الدم، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: لا حكم للوث [ولا يزيد بيمين المدعي] وقال: إذا وجد قتيل في محلة يختار الإمام خمسين رجلاً من صلحاء أهلها فيحلفهم أنهم ما قتلوه ولا عرفوا له قاتلاً، ثم يأخذ الدية من سكانها.
والدليل على أن البداية بيمين المدعي عند وجود اللوث: ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يحيى بن سعيد عن بشير ابن يسار عن سهل بن أبي حثمة: "أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر لحاجتهما فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له قتل عبد الله بن سهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم فقالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتبرئكم يهود بخمسين يميناً فقالوا يارسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فعزم النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده".
[وفي لفظ آخر فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده].
قال بشير بن يسار: قال سهل: "لقد ركضتني فريضة تلك الفرائض في مربد لنا"، وفي رواية: "لقد ركضتني ناقة حمراء من تلك الفرائض في مربد لنا" أخرجه مسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب.
وجه الدليل من الخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان المدعين لتقوي جانبهم باللوث، وهو أن عبد الله بن سهل وجد قتيلاً في خيبر، وكانت العداوة ظاهرة بين الأنصار وأهل خيبر، وكان يغلب على القلب أنهم قتلوه، واليمين أبداً تكون حجة لمن يقوى جانبه وعند عدم اللوث يقوى جانب المدعى عليه من حيث أن الأصل براءة ذمته وكان القول قوله مع يمينه.

التفسير الوسيط : فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى


وقوله تعالى : { فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا } إرشاد لهم إلى الوسيلة التي عن طريقها سيهتدون إلى القاتل الحقيقي ، والضمير في قوله { اضربوه } يعود على النفس ، وتذكيره مراعى فيه معناها هو الشخص أو القتيل .
وضرب القتيل ببعضها - أيا كان ذلك البعض - دليل على كمال قدرة الله تعالى .
وفيه تيسير عليهم .
واسم الإِشارة في قوله تعالى : { كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى } مشار به إلى محذوف دل عليه سياق الكلام .
والتقدير : فقلنا لقوم موسى الذين تنازعوا في شأن القتيل اضربوه ببعض البقرة ليحيا ، فضربوه فأحياه الله ، وأخبر القتيل عن قاتله ، وكمثل إحيائه يحيي الله الموتى في الآخرة للثواب والعقاب .
وبذلك تكون الآية ظاهرة في أن الذي ضرب ببعض البقرة قد صار حياً بعد موته .
قال الإِمام ابن جرير - رحمه الله - : فإن قيل : وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها؟ قيل : ليحيا فينبئ نبي الله والذين ادارءوا فيه عن قاتله .
فإن قال : وأين الخبر عن أن الله - تعالى - أمرهم بذلك؟ قيل : ترك ذلك اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه ، والمعنى : فقلنا اضربوه ببعضها ليحيا فضربوه فحيى ، يدل على ذلك قوله تعالى : { كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } .
والمقصود بالآيات في قوله تعالى : { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } الدلائل الدالة على أن الله على كل شيء قدير والتي منها ما شاهدوه بأعينهم من ترتب الحياة على ضرب القتيل بعضو ميت ، وأخباره عن قاتله ، واهتدائهم بسبب ذلك إلى القاتل الحقيقي .
وذلك لكي تستعملوا عقولكم في الخير .
وتوقنوا بأن من قدر على إحياء نفس ، واحدة فهو قادر على إحياء الأنفس جميعاً لأنه - سبحانه - لا يصعب عليه شيء .
هذا ولصاحب النار - رحمه الله - رأى في تفسير الآية الكريمة ، فهو يرى أن المراد بالإِحياء في قوله تعالى : { كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى } حفظ الدماء وأستبقاؤها وليس المراد به عنده الإِحياء الحقيقي بعد الموت .
فقد قال في تفسيره : وأما قوله تعالى : { فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى } فهو بيان لإخراج ما يكتمون ، ويروون في هذا الضرب روايات كثيرة .
قيل : إن المراد اضربوا المقتول بلسانها وقيل بفخذها وقيل بذنبها ، وقالوا : أنهم ضربوه فعادت إليه الحياة ، وقال قتلني أخي أو ابن فلان ، إلخ ما قالوه ، والآية ليست أيضاً نصاً في مجملة فكيف بتفصيله؟ والظاهر مما قدمنا أن ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل إذا وجد القتيل قرب بلد ولم يعرف قاتله ليعرف الجاني من غيره فمن غسل يده وفعل ما رسم لذلك في الشريعة بريء من الدم ومن لم يفعل ثبتت عليه الجناية .
ومعنى إحياء الموتى على هذا حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تسفك بسبب الخلاف في قتل تلك النفس ، أي يحييها بمثل هذه الأحكام ، وهذا الإِحياء على حد قوله تعالى { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } وقوله تعالى { وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ } فالإِحياء هنا معناه الاستبقاء كما هو المعنى في الآيتين ...والذي نراه أن المراد بالإِحياء في قوله تعالى : { كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى } الإِحياء الحقيقي للميت بعد موته ، وأن تفسيره بحفظ الدماء واستبقائها ضعيف لما يأتي :أولا : مخالفته لما ورد عن السلف في تفسير الآية الكريمة فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " لما ضرب المقتول ببعضها - يعني ببعض البقرة - جلس حياً ، فقيل له من قتلك؟ قال : بنو أخي قتلوني ثم قبض .
ثانياً : ما ذهب إليه صاحب المنار لا يدل عليه القرآن الكريم لا إجمالاً ولا تفصيلا ، ولا تصريحاً ولا تلميحاً ، لأن قوله تعالى { كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى } ظاهر كل الظهور ، في أن المراد بالأحياء رد الحياة إليهم بعد ذهابها عنهم ، إذ الموتى هم الذين ماتوا بالفعل ، وإحياؤهم رد أرواحهم بعد موتهم وليس هناك نص صحيح يعتمد عليه في مخالفة هذا الظاهر ، ولا توجد أيضاً قرينة مانعة من إرادة هذا المعنى المتبادر من الآية بأدنى تأمل وما دام الأمر كذلك فلا يجوز تأويله بما يخالف ما يدل عليه اللفظ دلالة واضحة ، ومن التعسف الظاهر أن يراد من الموتى الأحياء من الناس ، وبإحياء الموتى تشريع العقوبات صوناً لدماء الأحياء منهم والله تعالى حينما أراد أن يدل على هذا المعنى قال { وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ يا أولي الألباب لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فهذه الآية الكريمة تدل على أن القصاص من الجنة يحفظ على الناس حياتهم بدون التواء أو تعمية .
ثالثاً : تفسير الإِحياء برد الحياة إلى الموتى ، كما قال المفسرون ، يودي إلى غرس الإِيمان بصحة البعث في القلوب ، لأن المعنى عليه ، كهذا الإِحياء العجيب - وهو إحياء القتيل بضربة ببعض البقرة ليخبر عن قاتله - يحيي الله الموتى بأن يبعثهم من قبورهم يوم القيامة ، ليحاسبهم على أعمالهم ، فيكون إثباتاً للبعث عن طريق المشاهدة حتى لا ينكره منكر .
رابعاً : قوله تعالى بعد ذلك : { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } قرينة قوية على أن المراد بالإِحياء ، رد الحياة إلى الموتى بعد موتهم لأن المراد ب { آيَاتِهِ } في هذا الموضع ، - كما قال المفسرون - الدلائل الدالة على عظم قدرته - تعالى - وذلك إنما يكون في خلق الأمور العجيبة الخارقة للعادة والتي ليست في طاقة البشر ، كإحياء الموتى وبعثهم من قبورهم للحساب والجزاء .

تفسير ابن كثير : شرح الآية 73 من سورة البقرة


( فقلنا اضربوه ببعضها ) هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلة به .وخرق العادة به كائن ، وقد كان معينا في نفس الأمر ، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا ، ولكن أبهمه ، ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه فنحن نبهمه كما أبهمه الله .ولهذا قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له ، وكانت بقرة تعجبه ، قال : فجعلوا يعطونه بها فيأبى ، حتى أعطوه ملء مسكها دنانير ، فذبحوها ، فضربوه يعني القتيل بعضو منها ، فقام تشخب أوداجه دما [ فسألوه ] فقالوا له : من قتلك ؟ قال : قتلني فلان .وكذا قال الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنه ضرب ببعضها .وفي رواية عن ابن عباس : إنهم ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف .وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، قال : قال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : ضربوا القتيل ببعض لحمها . وقال معمر : قال قتادة : فضربوه بلحم فخذها فعاش ، فقال : قتلني فلان .وقال أبو أسامة ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) [ قال ] فضرببفخذها فقام ، فقال : قتلني فلان .قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، وقتادة ، نحو ذلك .وقال السدي : فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش ، فسألوه ، فقال : قتلني ابن أخي .وقال أبو العالية : أمرهم موسى ، عليه السلام ، أن يأخذوا عظما من عظامها ، فيضربوا به القتيل ، ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : فضربوه ببعض آرابها [ وقيل : بلسانها ، وقيل : بعجب ذنبها ] .وقوله : ( كذلك يحيي الله الموتى ) أي : فضربوه فحيي . ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل : جعل تبارك وتعالى ذلك الصنع حجة لهم على المعاد ، وفاصلا ما كان بينهم من الخصومة والفساد ، والله تعالى قد ذكر في هذه السورة ما خلقه في إحياء الموتى ، في خمسة مواضع : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) [ البقرة : 56 ] . وهذه القصة ، وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، وقصة إبراهيم والطيور الأربعة .ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميما ، كما قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، أخبرني يعلى بن عطاء ، قال : سمعت وكيع بن عدس ، يحدث عن أبي رزين العقيلي ، قال : قلت : يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ؟ قال : " أما مررت بواد ممحل ، ثم مررت به خضرا ؟ " قال : بلى . قال : " كذلك النشور " . أو قال : " كذلك يحيي الله الموتى " . وشاهد هذا قوله تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ) [ يس : 35 ] .مسألة : استدل لمذهب مالك في كون قول الجريح : فلان قتلني لوثا بهذه القصة ; لأن القتيل لما حيي سئل عمن قتله فقال : قتلني فلان ، فكان ذلك مقبولا منه ; لأنه لا يخبر حينئذ إلا بالحق ، ولا يتهم والحالة هذه ، ورجحوا ذلك بحديث أنس : أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها ، فرضخ رأسها بين حجرين فقيل : من فعل بك هذا ؟ أفلان ؟ أفلان ؟ حتى ذكر اليهودي ، فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي ، فلم يزل به حتى اعترف ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد رأسه بين حجرين وعند مالك : إذا كان لوثا حلف أولياء القتيل قسامة ، وخالف الجمهور في ذلك ولم يجعلوا قول القتيل فيذلك لوثا .

تفسير الطبري : معنى الآية 73 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله تعالى : فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَاقال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: فقلنا لقوم موسى الذين ادارءوا في القتيل (46) - الذي قد تقدم وصفنا أمره - : اضربوا القتيل.
و " الهاء " التي في قوله: (اضربوه) من ذكر القتيل؛(ببعضها) أي: ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها.
* * *ثم اختلف العلماء في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، وأي عضو كان ذلك منها.
فقال بعضهم: ضرب بفخذ البقرة القتيل.
* ذكر من قال ذلك:1305 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: ضرب بفخذ البقرة فقام حيا, فقال: قتلني فلان.
ثم عاد في ميتته.
ص[ 2-230 ]1306 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: ضرب بفخذ البقرة, ثم ذكر مثله.
1307 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح, عن النضر بن عربي, عن عكرمة: (فقلنا اضربوه ببعضها)، قال: بفخذها، فلما ضرب بها عاش، وقال: قتلني فلان.
ثم عاد إلى حاله.
(47)1308 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن خالد بن يزيد, عن مجاهد قال: ضرب بفخذها الرجل، فقام حيا فقال: قتلني فلان.
ثم عاد في ميتته.
1309 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال أيوب ، عن ابن سيرين, عن عبيدة: ضربوا المقتول ببعض لحمها -وقال معمر، عن قتادة - : ضربوه بلحم الفخذ فعاش, فقال: قتلني فلان.
1310 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها، فأحياه الله فأنبأ بقاتله الذي قتله، وتكلم ثم مات.
* * *وقال آخرون: الذي ضرب به منها، هو البضعة التي بين الكتفين.
(48)* ذكر من قال ذلك:1311 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (فقلنا اضربوه ببعضها)، فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش, فسألوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن أخي.
ص[ 2-231 ]وقال آخرون: الذي أمروا أن يضربوه به منها، عظم من عظامها.
* ذكر من قال ذلك:1312 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية قال: أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل.
ففعلوا, فرجع إليه روحه, فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتا كما كان.
فأخذ قاتله، وهو الذي أتى موسى فشكا إليه، فقتله الله على أسوأ عمله.
* * *وقال آخرون بما:-1313 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ضربوا الميت ببعض آرابها فإذا هو قاعد - (49) قالوا: من قتلك؟ قال: ابن أخي.
قال: وكان قتله وطرحه على ذلك السبط, أراد أن يأخذ ديته.
* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل قوله عندنا: (فقلنا اضربوه ببعضها)، أن يقال: أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب.
ولا دلالة في الآية، ولا [في] خبر تقوم به حجة، (50) على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به.
وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ, وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف، وغير ذلك من أبعاضها.
ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل, ولا ينفع العلم به، مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها فأحياه الله.
* * *قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها؟ قيل: ليحيا فينبئ نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم والذين ادارءوا فيه - من قاتله.
ص[ 2-232 ]فإن قال قائل: وأين الخبر عن أن الله جل ثناؤه أمرهم بذلك لذلك؟ قيل: ترك ذلك اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه - نحو الذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى.
ومعنى الكلام: فقلنا: اضربوه ببعضها ليحيا, فضربوه فحيي - كما قال جل ثناؤه: أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [ الشعراء: 63]، والمعنى: فضرب فانفلق - دل على ذلك قوله: (51) كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .
* * *القول في تأويل قوله تعالى : كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىقال أبو جعفر: وقوله: (كذلك يحيي الله الموتى)، مخاطبة من الله عباده المؤمنين, واحتجاج منه على المشركين المكذبين بالبعث, وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا.
فقال لهم تعالى ذكره: أيها المكذبون بالبعث بعد الممات, اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته, فإني كما أحييته في الدنيا، فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم, فأبعثهم يوم البعث.
وإنما احتج جل ذكره بذلك على مشركي العرب، (52) وهم قوم أميون لا كتاب لهم, لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم، وفيهم نزلت هذه الآيات, فأخبرهم جل ذكره بذلك، ليتعرفوا علم من قِبَلَهم.
* * *ص[ 2-233 ]القول في تأويل قوله تعالى : وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)قال أبو جعفر: يعني جل ذكره: ويريكم الله أيها الكافرون المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من عند الله - من آياته = وآياته: أعلامه وحججه الدالة على نبوته = (53) لتعقلوا وتفهموا أنه محق صادق، فتؤمنوا به وتتبعوه.
-----------------الهوامش :(46) في المطبوعة : " .
.
بقوله فقلنا لقوم موسى" ، والصواب زيادة لفظ الآية ، كما فعلت .
(47) الخبر : 1307 - النضر بن عربي الباهلي : ثقة من أتباع التابعين ، وثقه ابن معين وغيره ، مات سنة 168 ، مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 4 / 2 /89 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 475 .
(48) البضعة : القطعة من اللحم ، قولهم : بضع اللحم : قطعه .
(49) آراب جمع إرب (بكسر فسكون) : وهو العضو ، يقال : قطعه إربا إربا ، أي عضوا عضوا .
(50) الزيادة بين القوسين ، أولى من حذفها .
(51) في المطبوعة : "يدل على ذلك قوله .
.
" ، وليست بشيء .
(52) في المطبوعة : "فإنما احتج .
.
" ، والفاء ليست بشيء هنا .
(53) انظر ما سلف 1 : 552 ، وهذا الجزء 2 : 139 .

فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون

سورة : البقرة - الأية : ( 73 )  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 11 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: في جنات وعيون
  2. تفسير: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
  3. تفسير: وقال الذي آمن ياقوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد
  4. تفسير: ليس لهم طعام إلا من ضريع
  5. تفسير: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين
  6. تفسير: وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور
  7. تفسير: فلم يزدهم دعائي إلا فرارا
  8. تفسير: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
  9. تفسير: ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من
  10. تفسير: قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب