في بدايةِ الدَّعوةِ الإسلاميَّةِ تَحمَّلَ الصَّحابةُ الكِرامُ رَضِي
اللهُ عَنهم الكثيرَ مِن المشاقِّ، وبعضُهم لاقَى أشَدَّ ممَّا لاقاه غيرُه، وصبَر أكثرَ، وقد عرَف الصَّحابةُ الفَضْلَ لِمَن أُوذِيَ في
اللهِ تعالى.
وفي هذا الخبَرِ يَحكي التَّابعيُّ أبو لَيْلَى الكِنْدِيُّ: أنَّ خَبَّابَ بنَ الأَرَتِّ رَضِي
اللهُ عَنه جاء إلَى عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي
اللهُ عَنه، فقالَ عُمرُ لِخَبَّابٍ رَضِي
اللهُ عَنهما: "ادْنُ"، أيِ: اقتَرِب إلى مَجْلسي؛ "فمَا أحَدٌ أحَقَّ بهذا المَجلِسِ مِنك"،
أي: لِمَا لك مِن السَّابقيَّة، والبلاءِ والإبلاءِ في الإسلامِ، "إلَّا عَمَّارٌ"، وقد كان عُمرُ رَضِي
اللهُ عَنه يُقدِّمُ في مَجلِسِه أُولي الفَضلِ مِن الصَّحابةِ رَضِي
اللهُ عَنهم ومَن سبَقَتْ لهم السَّوابِقُ في الإسلامِ مِن التَّكاليفِ الشَّاقَّةِ، وكان عمَّارٌ أيضًا ممَّن عُذِّب في
اللهِ تعالى عذابًا شديدًا، ولِذا قدَّمَه في الرُّتبةِ على خَبَّابٍ.
قال أبو لَيْلى: "فجَعَل خَبَّابٌ يُرِيه"،
أي: يُظهِرُ له حتَّى يَراه تَصديقًا لِعُمرَ رَضِي
اللهُ عَنه، "آثارًا بِظَهْرِه مِمَّا عَذَّبه المُشرِكونَ"؛ حتَّى يَرجِعَ عن دِينِه؛ فكَأنَّ خَبَّابًا رَضِي
اللهُ عَنه لَمَّا قال عمرُ: "إلَّا عَمَّارٌ" عرَّض عليه بأنَّه لو كان سبَبُ التَّقدُّمِ في مَجلِسِك التَّعذيبَ في
اللهِ تعالى، فأَنا كذلك عُذِّبتُ في
اللهِ كما ترَى.
وهذا مِن فقْهِ الصَّحابةِ وفِقْهِ عُمرَ رضِي
اللهُ عَنهم في تَقديمِ أُولي الفضلِ مِن أهلِ العِلمِ والشَّرفِ في المجالِسِ وغيرِها؛ تَكريمًا لهم، وهو مِن هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم؛ فإنَّه كان يَليه أكابِرُ المهاجِرين والأنصارِ، كما قال في صحيح مُسلِمٍ، أنَّ النبيَّ صلَّى
الله عليه وسلَّمَ قال: "لِيَلِني مِنكُم أُولو الأحلامِ والنُّهَى"،
أي: أصحابُ العقولِ الرَّاجِحةِ؛ فإنَّ العقلَ إذا رجَح كان سببًا للحِلْم والأناةِ والتثبُّتِ في الأُمورِ.
وفي الحديثِ: بيانُ فَضلٍ ومَنقَبةٍ لِخبَّابٍ وعمَّارٍ رَضِي
اللهُ عَنهما.
وفيه: مشروعيَّةُ مَدْحِ الرَّجلِ في وجْهِه إنْ كان لا يُخافُ على دِينِه.
وفيه: مشروعيَّةُ إظهارِ بعضِ الأعمالِ الصَّالحةِ؛ تَحدُّثًا بالنِّعمِ الإلهيَّةِ؛ عَملًا بقولِه تعالى:
{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [
الضحى: 11 ].
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم