سمعت هدة لم أسمع مثلها فأتاني جبريل فسألت عنها فقال هذا

خلَقَ اللهُ سُبحانَه النَّارَ وجعَلَها للعاصِين، وقد خلَقَها الله على صِفةٍ عَظيمةٍ مِنَ السَّعةِ والعمقِ، وقدْ حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن النَّارِ، وبيَّنَ كثيرًا مِن أوصافِها وأحوالِها، وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجَليلُ أَبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أنَّه وغيرَه كانوا يومًا عندَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: "فرأَيْناهُ كَئيبًا"، أي: رَأيْنَا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَبْدو عليه الحُزنُ، "فقال بَعضُنا: يا رَسولَ اللهِ، بأبي أنتَ وأُمِّي"، أي: فِداكَ أبي وأُمِّي، وفي رِوايةِ ابنِ أبي شَيبةِ: "بأبي وأُمِّي، ما لي أراكَ هكذا؟" فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "سمِعْتُ هَدَّةً لم أسمَعْ مِثْلَها"، والهَدَّةُ: هيَ السَّقطةُ مِن عُلوٍّ إلى أسفلَ بصَوتٍ مُزعِجٍ كصَوتِ الهَدمِ، "فأَتاني جِبريلُ، فسألْتُ عنها، فقال: هذا صَخرٌ قُذِفَ به في النَّارِ منذُ سَبعينَ خَريفًا، واليومَ استقَرَّ قَرارَهُ"، أي: سقَطَ حتَّى انتَهى إلى قَعرِ جَهنَّمَ اليومَ، فقال أبو سعيدٍ: "لا والَّذي ذهَبَ بنفْسِ نَبِيِّنا"، أي: يُقسِمُ باللهِ الَّذي قبَضَ رُوحَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "ما رأيناهُ ضاحِكًا بعدَ ذلك اليومِ"، أي: خَوفًا ووَجَلًا، "حتَّى وارَيْناهُ التُّرابَ"، أي: حتَّى مات.
وفي الحَديثِ: عِظَمُ خَلْقِ النَّارِ وعُمْقُ قَعرِها، أعاذَنا اللهُ تعالى منها.
وفيه: مراعاةُ المسلمِ حالَ أخيه في همِّه، وتَفريجُه عنه بما يَستطيعُ .