شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
خَلْوَةُ المرْءِ بنفْسِه وانفِرادُه عنِ الناسِ بصِفةٍ دائمةٍ يَجْعَلانِه عُرْضَةً للأخطارِ، وقد حَثَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الاجتماعِ والـمُؤانسةِ بيْن الناسِ، والتعاونِ على الطاعاتِ، وبيَّنَ أنَّ الشياطينَ ومَرَدةَ الجِنِّ تَتْبَعُ الإنسانَ، وربَّما يُؤْذونَه.
وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ رجُلًا خرَجَ"، وفي رِوايةٍ لِأَحمدَ: "أنَّه خرَجَ مِن خَيبَرَ"، أي: سافَرَ مُنفرِدًا، قال: "فتَبِعَه رَجُلانِ"، أي: سارَا خَلْفَه قاصدَيْنِ إيَّاهُ، "ورجُلٌ يَتلُوهما"، أي: يَمْشي خَلْفَهما، "يقولُ: ارْجِعَا، قال: فرجَعَا"، أي: رجَعَ الرَّجُلانِ عن تتَبُّعِ الرَّجُلِ الأوَّلِ، "قال: فقال له"، أي: قال للرَّجُلِ المسافرِ: "إنَّ هذينِ شيطانانِ" قِيل: المعنى إنِّهما مِن شياطينِ الإنسِ، وسَببُ إطلاقِه عليهما ذلك أنَّهما فعَلَا فِعْلَ الشيطانِ؛ لأنَّه يَعمَلُ دائمًا على إيذاءِ بَنِي آدَمَ، والظاهرُ أنَّهما كانا مِن قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وسَفَّاكِي الدِّماءِ، وكانا يُرِيدانِ الفَتْكَ بالرَّجُلِ؛ لأنَّه وَحِيدٌ لا يَقْدِرُ على مُقاومتِهما، فعرَفَهم هذا الرَّجُلُ واحْتَال في إرجاعِهم عنه، وكان هذا الرَّجُلُ مِن عِبادِ اللهِ الصالحينَ المخْلصينَ.
وقِيل: هما شيطانانِ على الحَقيقةِ، وإنَّما عرَفَ هذا الرَّجُلُ أنَّهما شيطانانِ؛ لأنَّه كان مِن مُؤْمِني الجِنِّ، "وإنِّي لـمْ أزَلْ بهما حتَّى ردَدْتُهما"، أي: أبعَدْتُهما عَنك، "فإذا أتَيْتَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم فأقْرِئْه السلامَ" بمعنى: أبْلِغْه مِنِّي السلامَ، "وأعْلِمْه أنَّا في جَمْعِ صَدقاتِنا"، أي: أنَّهم يَقومون بما كَلَّفهم به الشَّرعُ الإسلاميُّ؛ مِن جَمْعِ الزكاةِ مِن أغنيائِهم بـمِثْلِ ما هو عندَ مُسلِمي الإنسِ، "ولوْ كانت تَصْلُحُ له لَأرْسَلْنا بها إليه"، معناه: أنَّه لو كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حاجةٍ إليها لَبعَثْنا بها إليه، أو يكونُ عدَمُ صلاحيتِها؛ لِكَونِها لـمْ تُكْمَلْ؛ فلا تَستحِقُّ الإرسالَ إلَّا بعدَ التَّمامِ، أو لا تَصْلُحُ له كهديَّةٍ؛ لأنَّه علِمَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يأكُلُ مِن الصَّدقاتِ.
وقِيل: أي: أنَّها إذا كانت ممَّا يَصلُحُ الانتفاعُ به في عالَـمِ الإنسِ حَقَّ عليهم إرسالُـها إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيَقومَ بأمْرِ اللهِ فيها، ويَصرِفَها في مَصارِفِها، "قال: فنَهَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ عندَ ذلك عَنِ الـخَلْوَةِ"، أي: نَهَى عن السَّفَرِ مُنفرِدًا؛ لِمَا في حديثِ أبي داودَ مِنْ رِوايةِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: "الراكبُ شَيطانٌ، والراكبانِ شيطانانِ، والثلاثةُ رَكْبٌ"؛ وذلك لِمَا في السفَرِ مُنفردًا مِن مَعنى الوَحْشَةِ؛ وهذا مِن فِعْلِ الشَّيطانِ؛ فأشْبَهه المسافرُ وحْدَه، ولأنَّ الشيطانَ يَطمَعُ فيه، كما يَطمَعُ فيه اللُّصوصُ، ويَطمَعُ فيه السَّبُعُ، وكذلك الاثنانِ، فإذا كانوا ثلاثةً زالتِ الوَحشةُ، وَوقَعَ الأُنسُ، وانقطَعَ طَمَعُ كُلِّ طامعٍ فيهم.
والمنفرِدُ وحْدَه في السَّفرِ إن مات لم يكُنْ بحَضرَتِه مَن يَقومُ بأمْرِه؛ مِن تَجْهيزِه، وغَسْلِه، ودفنِه، وحَمْلِ تَرِكَتِه إلى أهلِه، وليس معه في سَفرِه مَن يُعِينُه على الـحُمولَةِ، فإذا كانوا ثلاثةً تعاوَنوا، وتناوَبوا المهامَّ والحِراسةَ، وصَلَّوْا جَماعةً .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم