شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
الالتِجاءُ إلى اللهِ في كلِّ الأحوالِ أمرٌ مِن صَميمِ الإيمانِ؛ فاللهُ سُبحانَه هو القادِرُ على كلِّ شيءٍ، ويُجيرُ ويَحْمي مِن كُلِّ سُوءٍ، وقَدْ جَمَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحَديثِ التَّعوُّذَ من أُصولِ الخِصالِ المُثَبِّطَةِ عنِ العَمَلِ، فقال: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ"، أي: أَحْتَمي بِكَ وأَسْتَجيرُ "مِنَ العَجْزِ" وهو عَدَمُ القُدْرَةِ على العَمَلِ "والْكَسَلِ" وهو تَباطُؤُ النَّفْسِ وتَثاقُلُها عن العَمَلِ وعَدَمُ إِقْبالِها عليه، والاسْتِعاذَةُ من هذه الأُمورِ؛ لِمَا فيها مِنَ التَّقصيرِ عنْ أَداءِ الواجِباتِ، والقيامِ بِحُقوقِ اللهِ سُبْحانهُ وتَعالى، وإزالَةِ المُنْكَرِ؛ ولأنَّه بِشَجاعَةِ النَّفْسِ وقُوَّتِها المعتدِلَةِ؛ تَتِمُّ العِباداتُ، ويَقومُ بنَصْرِ المَظْلُومِ، وبالسَّلامَةِ مِنَ البُخْلِ؛ يَقومُ بِحُقوقِ المالِ، ويَنْبَعِثُ للإنْفاقِ والجُودِ، ولِمَكارمِ الأَخْلاقِ، وَيَمْتَنِعُ مِنَ الطَّمَعِ فيما لَيسَ لَه، واستِعاذَتُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن هذه الأشياءِ؛ لِتَكْمُلَ صِفاتُهُ في كُلِّ أحوالِهِ وشَرْعِهِ أيضًا لتَعليمِ أُمَّتِهِ.
"والبُخْلِ" وهو التَّقْتيرُ وعَدَمُ إِنْفَاقِ المالِ، والجُبْنُ والبُخْلُ هُما أَخَوانِ أيضًا؛ لأنَّ بهما يُحبَسُ الخَيْرُ عنِ العَبْدِ والنَّفْعُ لنَفْسِهِ وَلِبَنِي جِنْسِهِ؛ لأنه إما أن يكونَ مَنْعُ نَفْعِهِ بيَدِهِ وهو الجُبْنُ أو بمالِهِ وهو البُخْلُ؛ ولهذا قَرَنَ في الأحاديثِ بين هاتَينِ الصِّفَتيْنِ.
"والهَرَمِ" وهُوَ كِبَرُ السِّنِّ الَّذي يُؤَدِّي إلى تَساقُطِ القُوَى، وإنَّما استَعاذَ مِنهُ لِكونِه مِنَ الأدْواءِ الَّتي لا دَواءَ لَها، "والقَسْوَةِ" وهي قَسوَةُ القَلْبِ؛ فقد ذَمَّ اللهُ أهْلَها في الآياتِ، وهي غِلْظَتُه وصَلابَتُه، "والغَفْلَةِ" وهي غَيْبَةُ الشَّيءِ المُهِمِّ عن البالِ وعَدَمُ تَذكُّرِهِ والسَّهْوُ عنه، "والذِّلَّةِ" وهو الهَوَانُ على الناسِ ونَظَرُهُمْ إليه بعَيْنِ الاحْتِقارِ، "والمَسْكَنَةِ" وهي قِلَّةُ المالِ والحالِ السَّيِّئَةِ.
ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وأَعوذُ بِكَ من الفَقْرِ" وهو قِلَّةُ المالِ وضِيقُ الحَالِ أو هو فَقْرُ النَّفْسِ "والكُفْرِ والشِّرْكِ"، أي: اتِّخاذُ شَريكٍ مع اللهِ، وقَرَنَ بين الكُفْرِ والفَقْرِ كما وَرَدَ أنَّه: كادَ الفَقْرُ يكونُ كُفْرًا، "والنِّفاقِ" وهو فِعلُ المُنافِقينَ وهو إِظْهارُ خِلافُ ما يُبطِنُ، وأعظمُه النفاقُ الأكبرُ الذي هو إظهارُ الإيمانِ وإبْطانُ الكُفْرِ، "والسُّمْعَةِ" هو إظْهارُ العَمَلِ؛ ليُسْمَعَ به ويَعْرِفَهُ الناسُ دُونَ ابتغاءِ وَجْهِ اللهِ، "والرِّياءِ" هو كالتَّفْسيرِ للسُّمْعَةِ وكثيرًا ما يُقرَنُ بينهما، أي: ليَسْمَعَ العَمَلَ مَن غابَ عنه، ويَراهُ مَن شاهَدَهُ.
"وأَعوذُ بِكَ من الصَّمَمِ" وهو انْسِدادُ الأُذُنِ وثِقَلُ السَّمْعِ، "والبُكْمِ" وهو الخَرَسُ وعَدَمُ القُدْرةِ على الكَلامِ، "والجُنونِ" وهو: فِقْدانُ العَقْلِ وعدمُ التَّمْييزِ؛ فلا يَفقَهُ ولا يَفهَمُ ولا يُدرِكُ التَّكاليفَ، "والبَرَصِ" وهُو: بَياضٌ يَظهَرُ على الجِلْدِ كبُقَعٍ ثمَّ يَنتشِرُ في باقي الجِلْدِ حتَّى يَعُمَّهُ؛ بسبَبِ انحِباسِ الدَّمِ عن الجِلْدِ، مع ما فيه مِن إِضْعافِ الجِلْدِ، واستِقْذارِ النَّاسِ له، فيَكونُ سببًا للتَّعبِ النَّفسيِّ للمريضِ، "والجُذامِ" وهو: تآكُلُ أطْرافِ الأعْضاءِ شيئًا فشيئًا، وربَّما يُفقِدُ صاحِبَهُ الشُّعورَ بها، وهو مَرَضٌ يُصيبُ بالعَدْوَى؛ ولهذا أَمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالفِرارِ مِنه كما يَفِرُّ الرَّجُلُ مِن الأَسَدِ، "وسَيِّئِ الأسْقامِ"، أي: الأَمْراضِ الخَبيثَةِ السَّيِّئةِ الأثَرِ على المَريضِ وعلى مَنْ حولَه، واسْتِعاذَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من هذه الأَسْقامِ؛ لأنَّها عاهاتٌ تُفْسِدُ الخِلْقَةَ وتُبْقِي الشَّيْنَ، وبعْضُها يُؤَثِّرُ في العَقْلِ وليستْ كسائِرِ الأَمْراضِ التي لا تَجْري مَجْرَى العاهاتِ، وإنَّما هي كفَّاراتٌ وليستْ بعقوباتٍ، ولم يَقُلْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن سائِرِ الأسْقامِ؛ لأنَّ بعْضَها قد يُثابُ عليه بالصَّبْرِ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم