شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
التفاضُلُ بيْن النَّاسِ يكونُ بقَدْرِ ما يَقومون به مِن أعمالٍ صالحةٍ، وتَرْكِ ما نُهُوا عنه، ويَظهرُ التفاضُلُ في زَمنِ الفِتَنِ أكثرَ؛ حيثُ يكونُ المتمسِّكُ بدِينِه والمعتزِلُ للفِتَنِ أفضَلَ مِن غيرِه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ شهابُ بنُ مُدْلِجٍ العَنْبَريُّ -أحَدُ التابعينَ-: "أتَيْتُ ابنَ عباسٍ أنا وصاحبٌ لي، فلَقِينا"، أي: قَابَلْنا "أبا هُرَيرةَ عندَ بابِ ابنِ عبَّاسٍ، فقال: مَن أنتما؟" وهذا سُؤالٌ للتعارُفِ ولإكرامِ الغريبِ، "فأخْبَرْناه، فقال: انطَلِقا إلى ناسٍ على تَمْرٍ وماءٍ"، أي: هذا طعامُهم "إنَّما يَسيلُ كُلُّ وادٍ بِقَدَرِه"، والمعنى: أنَّ كُلَّ إنسانٍ يَجُودُ بما يَملِكُه إكرامًا لضَيْفِه، وهذه دَعوةٌ لَطيفةٌ مِن أبي هُرَيرةَ لِيُضَيِّفَهما عندَه، "قال: قُلنا: كَثُرَ خَيرُك" وهذا مِن حُسْنِ الأدَبِ؛ أنْ دَعَوَا له بكَثرَةِ الخيرِ ووَفْرَتِه، "اسْتَأذِنْ لنا على ابنِ عبَّاسٍ، قال: فاستأْذَنَ لنا، فسمِعْنَا ابنَ عباسٍ يُحَدِّثُ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ، فقال: خطَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم يومَ تَبُوكَ" وهي غَزوةٌ كانت ضِدَّ الرُّومِ في السَّنةِ التاسعةِ مِن الهجرةِ، وهي آخِرُ غزوةٍ غزاها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَبُوكُ في أقصى شَمالِ الجزيرةِ العربيَّةِ في مُنتصَفِ الطريقِ إلى دِمَشقَ، "فقال: ما في الناسِ"، أي: في زَمَنِ الفِتَنِ، كما جاء في الرِّواياتِ، "مِثْلُ رجُلٍ آخِذٍ بعِنانِ فَرسِه"، أي: مُنطَلقٍ بِفَرسِه آخِذٍ بلِجامِه، "فيُجاهِدُ في سبيلِ اللهِ" بقِتالِ أعدائِهِ؛ لِنَشْرِ دِينِه، "ويَجْتنِبُ شُرورَ الناسِ"، أي: مُنشغِلٍ بالجِهادِ عمَّا وقَعُوا فيه مِن فِتنةٍ، "ومِثْلُ رَجُلٍ بادٍ في غَنَمِه"، أي: وآخَرَ مُعتزِلٍ للناسِ، ومعَه غَنمُه، تَكْفِيه حاجتُه، ولا تَشْغَلُه عمَّا هو فيه، "يَقْرِي ضَيفَه"، أي: يُكرِمُ مَن نزَلَ به مِن الضُّيُوفِ، "ويُؤَدِّي حَقَّه" وفي رِوايةِ التِّرْمِذِيِّ: "يُؤَدِّي حقَّ اللهِ فيها"، أي: يُخرِجُ زَكاةَ غنَمِه وصَدقَتَها، ثمَّ قال شِهابُ بنُ مُدْلِجٍ العَنْبَرِيُّ التَّميميُّ: "قلتُ" بمعنى: سأَلْتُ ابنَ عباسٍ: "أَقالها؟" أي: هلْ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك؟ "قال: قالها، قال: قُلْتُ: أقالها؟ قال: قالها، قال: قُلْتُ: أقالها؟ قال: قالها" وتَكْرَارُ السُّؤالِ للتأكُّدِ مِن ذلك، وليس للتَّشكيكِ في رِوايةِ ابنِ عبَّاسٍ، قال: "فكبَّرْتُ اللهَ، وحمِدْتُ اللهَ، وشكَرْتُ"؛ وذلك لِمَا في هذه الرِّوايةِ مِن بَيانٍ لِفَضْلِ الجِهادِ في سبيلِ اللهِ واعتزالِ الناسِ عندَ الفِتَنِ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم