شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحرصَ الناسِ على الخيرِ لأُمَّتِه، وإرشادِها لِمَا فيه النَّفعُ في دِينِهم ودُنْياهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أتى رَجُلٌ بقاتلِ وَلِيِّه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: إنَّ الرَّجلَ المُمسِكَ بالقاتلِ هو وَلِيُّ المقتولِ، ويُسمَّى صاحبَ الدَّمِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للوليِّ: "اعْفُ"، أي: تَنازَلْ واعْفُ عن القاتلِ عفْوًا، "فأبَى"، أي: امتنَعَ عن العفْوِ عنه طالبًا القصاصَ، "فقال: خُذْ أرْشَكَ"، أي: دِيةَ المقتولِ، فأبى وامتنَعَ؛ مُؤكِّدًا على طلَبِه القصاصَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اذْهَبْ فاقْتُلْه؛ فإنَّك مِثْلُه"، أي: في نَفْسِ القَتْلِ لا في الجِنايةِ؛ فإنَّ جزاءَ سيِّئةٍ سيِّئةٌ مِثْلُها.
وعرْضُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا القولَ إنَّما كان للمصلحةِ، وأنَّه كان يَنْبَغي للرَّجُلِ عليه أنْ يعْفُوَ عنه؛ طاعةً لأمْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ طاعتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا تَخْلو عن المصلحةِ الدِّينيةِ أو الدُّنيويةِ.
قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فلُحِقَ به"، أي: لَحِقَ به رجُلٌ ممَّن حضرَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخبِرُ وَلِيَّ المقتولِ بقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عقِبَ انصرافِه؛ وذلك لَمَّا وَلَّى به، كما في روايةِ مُسلمٍ مِن حديثِ وائلِ بنِ حُجْرٍ رضِيَ اللهُ عنه، "فقِيل له: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد قال: اقْتُلْه؛ فإنَّك مِثْلُه.
فخلَّى سَبيلَه"، أي: عفَا وَلِيُّ المقتولِ عن القاتلِ.
قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فرُؤِيَ يجُرُّ نِسْعتَه ذاهبًا إلى أهْلِه، قال: كأنَّه قد كان أَوثَقَهُ" وكان القاتلُ مَربوطًا وموثَّقًا بقطعةِ الجلْدِ التي تُجعَلُ زِمامًا للبعيرِ، فانصرَفَ القاتلُ وهو يجُرُّ وِثاقَه الَّذي كان مَربوطًا به.
قال المصنِّفُ: "قال أبو عُميرٍ"، وهو عيسى بنُ محمَّدِ بنِ النَّحَّاسِ، مِن رُواةِ الحديثِ،"في حديثِه"، أي: في روايتِه، "قال: ابنُ شَوْذبٍ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ القاسمِ: فليس لأحدٍ بعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصَحْبِه وسلَّمَ أنْ يقولَ: اقْتُلْه؛ فإنَّك مِثْلُه"، وذلك كما تقدَّمَ أنَّ صاحبَ القصاصِ طالبُ حقٍّ، فلا يَسْتوي مع القاتلِ الَّذي عليه الإثمُ؛ فمِثْلُ هذا الحُكْمِ لا يكونُ إلَّا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: السَّعيُ في الإصلاحِ بين النَّاسِ، وطلبِ العفْوِ منهم.
وفيه: بَيانُ تواصي الصَّحابةِ بالخيرِ فيما بيْنهم؛ طلَبًا لنَجاةِ بعضِهم مِن العقابِ الدُّنيويِّ والأُخرويِّ( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم