شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
للصَّفِّ الأوَّلِ في صَلاةِ الجَماعةِ فَضلٌ كَبيرٌ، وثَوابٌ عَظيمٌ؛ فيَنبَغي أنْ يَحرِصَ على التَّقدُّمِ إليه أهلُ الفَضلِ، وأصْحابُ العُقولِ، وذَوو الألْبابِ المُتفقِّهونَ في الدِّينِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابعيُّ قَيسُ بنُ عبَّادٍ أنَّه أتى المَدينةَ النَّبويَّةَ؛ ليَلْقى أصْحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ ليَتعلَّمَ منهم، وكان يُحِبُّ أنْ يَلْقى أُبَيَّ بنَ كَعبٍ رَضيَ اللهُ عنه أكثَرَ مِن أيِّ صَحابيٍّ آخَرَ، فلمَّا دخَل المَسجِدَ، وأُقيمَتِ الصَّلاةُ، وجاء عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه معَ أصْحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأداءِ الصَّلاةِ، واصطَفَّ النَّاسُ؛ وقَف قَيسٌ في الصَّفِّ الأوَّلِ، ولكنْ جاء رجُلٌ لا يَعرِفُه، فنَظَر في وُجوهِ القَومِ الواقِفينَ في الصَّفِّ الأوَّلِ، فعرَفَهم ولم يَعرِفْ قَيسًا، فأبعَدَه عن مَكانِه في الصَّفِّ الأوَّلِ، وأرجَعَه للصَّفِّ الخَلْفيِّ، ووقَف هو مَكانَه دونَ إبْداءِ سَببٍ، وهذا الفِعلُ أزعَجَ قَيسًا وشغَلَه في صَلاتِه، فلم يَخشَعْ فيها؛ لكَثرةِ تَفكُّرِه فيما حدَث معه، ورَدِّه للصَّفِّ الخَلْفيِّ، فلمَّا انتَهَتِ الصَّلاةُ جاءه الرَّجلُ وقال: «يا بُنيَّ، لا يَسؤْكَ اللهُ»، أي: لا يَحزُنْكَ، ولا يُشعِرْكَ بالسُّوءِ، وفي مُسنَدِأحمدَ والسُّننِالكبرى للنَّسائيِّ«لايَسُوءُك»بالرَّفْعِ،وعليهفـ"لا" نافيةٌ،وهودُعاءٌ لهبأنْيُؤمِّنَهاللهُتعالَىمنالسُّوءِ، وهذا اعتِذارٌ منه عمَّا فعَلَه، وتَطْييبٌ لخاطِرِه، ثمَّ بيَّنَ له السَّببَ؛ فأخْبَرَه أنَّه لم يَفعَلْ ذلك عن جَهلٍ، ولكنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ أوْصَى أصْحابَه رَضيَ اللهُ عنهم وأمَرَهم أنْ يَقِفوا في الصَّفِّ الَّذي خَلْفَه، وهو الصَّفُّ الأوَّلُ؛ لأنَّهم أعلَمُ النَّاسِ وأقْرَؤُهم لكِتابِ اللهِ، وأخبَرَه أنَّه لَمَّا نَظَر في وُجوهِ القَومِ، عرَفَ أنَّهم مِن أهلِ الصَّفِّ الأوَّلِ ما عَدا قَيسًا؛ ولذلك أرجَعَه تَنْفيذًا لأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ حدَّث أُبَيٌّ فاستَمَعَ له النَّاسُ مُصْغِينَ، واتَّجَهَت وُجوهُهم إليه، فقال أُبَيُّ بنُ كَعبٍ: «هَلَك أهلُ العُقْدةِ وربِّ الكَعبةِ»، وهم أصْحابُ الوِلاياتِ، والأُمَراءُ على الأمْصارِ، ويَقصِدُ بهمُ الَّذين لم يَقوموا بحَملِ الأمانةِ كما يَنبَغي، يقولُ ذلكَ ثَلاثَ مرَّاتٍ معَ القَسَمِ على كَلامِه لتَوْكيدِه، ثمَّ أخبَرَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ بعْدَ ذلك أنَّه لا يَحزَنُ على أهلِ العُقَدِ وأصْحابِ الوِلاياتِ؛ لأنَّهم أهلُ الظُّلمِ والجَوْرِ، ولكِنَّه يَحزَنُ على مَنِ اتَّبَعَهم على ضَلالتِهم.
ثمَّ اتَّضَحَ لقَيسٍ أنَّ المُتكلِّمَ هو أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي الحَديثِ: التَّحذيرُ منِ اتِّباعِ أهلِ الضَّلالةِ.
وفيه: وَفاءُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم وعَمَلُهم بوَصايا النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم