﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
[ البقرة: 282]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 3 )  -  الصفحة: ( 48 )

O you who believe! When you contract a debt for a fixed period, write it down. Let a scribe write it down in justice between you. Let not the scribe refuse to write as Allah has taught him, so let him write. Let him (the debtor) who incurs the liability dictate, and he must fear Allah, his Lord, and diminish not anything of what he owes. But if the debtor is of poor understanding, or weak, or is unable himself to dictate, then let his guardian dictate in justice. And get two witnesses out of your own men. And if there are not two men (available), then a man and two women, such as you agree for witnesses, so that if one of them (two women) errs, the other can remind her. And the witnesses should not refuse when they are called on (for evidence). You should not become weary to write it (your contract), whether it be small or big, for its fixed term, that is more just with Allah; more solid as evidence, and more convenient to prevent doubts among yourselves, save when it is a present trade which you carry out on the spot among yourselves, then there is no sin on you if you do not write it down. But take witnesses whenever you make a commercial contract. Let neither scribe nor witness suffer any harm, but if you do (such harm), it would be wickedness in you. So be afraid of Allah; and Allah teaches you. And Allah is the All-Knower of each and everything.


و ليملل : وليمل و ليقرّ
لا يبخس منه : لا ينقص من الحقّ الذي عليه
أن يملّ هو : أن يملي و يقرّ بنفسه
لا يأب : لا يمتنع
لا تسأموا : لا تملّوا لا تضجروا
أقسط : أعدل
أقوم للشهادة : أثبت لها و أعون على آدائها
أدنى : أقرب
فسوق : خروج عن الطاعة إلى المعصية

يا من آمنتم بالله واتبعتم رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم إذا تعاملتم بدَيْن إلى وقت معلوم فاكتبوه؛ حفظًا للمال ودفعًا للنزاع. ولْيقُم بالكتابة رجل أمين ضابط، ولا يمتنع مَن علَّمه الله الكتابة عن ذلك، ولْيقم المدين بإملاء ما عليه من الدَّيْن، وليراقب ربه، ولا ينقص من دينه شيئا. فإن كان المدين محجورًا عليه لتبذيره وإسرافه، أو كان صغيرًا أو مجنونًا، أو لا يستطيع النطق لخرس به أو عدم قدرة كاملة على الكلام، فليتولَّ الإملاء عن المدين القائم بأمره، واطلبوا شهادة رجلين مسلمَيْن بالِغَيْن عاقلَيْن من أهل العدالة. فإن لم يوجد رجلان، فاطلبوا شهادة رجل وامرأتين ترضون شهادتهم، حتى إذا نَسِيَتْ إحداهما ذكَّرتها الأخرى، وعلى الشهداء أن يجيبوا مَن دعاهم إلى الشهادة، وعليهم أداؤها إذا ما دعوا إليها، ولا تَمَلُّوا من كتابة الدَّين قليلا أو كثيرًا إلى وقته المعلوم. ذلكم أعدل في شرع الله وهديه، وأعظم عونًا على إقامة الشهادة وأدائها، وأقرب إلى نفي الشك في جنس الدَّين وقدره وأجله. لكن إن كانت المسألة مسألة بيع وشراء، بأخذ سلعة ودفع ثمنها في الحال، فلا حاجة إلى الكتابة، ويستحب الإشهاد على ذلك منعًا للنزاع والشقاق، ومن الواجب على الشاهد والكاتب أداء الشهادة على وجهها والكتابة كما أمر الله. ولا يجوز لصاحب الحق ومَن عليه الحق الإضرار بالكُتَّاب والشهود، وكذلك لا يجوز للكُتَّاب والشهود أن يضارُّوا بمن احتاج إلى كتابتهم أو شهادتهم، وإن تفعلوا ما نهيتم عنه فإنه خروج عن طاعة الله، وعاقبة ذلك حالَّة بكم. وخافوا الله في جميع ما أمركم به، ونهاكم عنه، ويعلمكم الله جميع ما يصلح دنياكم وأخراكم. والله بكل شيء عليم، فلا يخفى عليه شيء من أموركم، وسيجازيكم على ذلك.

ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم - تفسير السعدي

هذه آية الدين، وهي أطول آيات القرآن، وقد اشتملت على أحكام عظيمة جليلة المنفعة والمقدار، أحدها: أنه تجوز جميع أنواع المداينات من سلم وغيره، لأن الله أخبر عن المداينة التي عليها المؤمنون إخبار مقرر لها ذاكرا أحكامها، وذلك يدل على الجواز، الثاني والثالث أنه لا بد للسلم من أجل وأنه لا بد أن يكون معينا معلوما فلا يصح حالا ولا إلى أجل مجهول، الرابع: الأمر بكتابة جميع عقود المداينات إما وجوبا وإما استحبابا لشدة الحاجة إلى كتابتها، لأنها بدون الكتابة يدخلها من الغلط والنسيان والمنازعة والمشاجرة شر عظيم، الخامس: أمر الكاتب أن يكتب، السادس: أن يكون عدلا في نفسه لأجل اعتبار كتابته، لأن الفاسق لا يعتبر قوله ولا كتابته، السابع أنه يجب عليه العدل بينهما، فلا يميل لأحدهما لقرابة أو صداقة أو غير ذلك، الثامن: أن يكون الكاتب عارفا بكتابة الوثائق وما يلزم فيها كل واحد منهما، وما يحصل به التوثق، لأنه لا سبيل إلى العدل إلا بذلك، وهذا مأخوذ من قوله: { وليكتب بينكم كاتب بالعدل } التاسع: أنه إذا وجدت وثيقة بخط المعروف بالعدالة المذكورة يعمل بها، ولو كان هو والشهود قد ماتوا، العاشر: قوله: { ولا يأب كاتب أن يكتب }- أي: لا يمتنع من منَّ الله عليه بتعليمه الكتابة أن يكتب بين المتداينين، فكما أحسن الله إليه بتعليمه، فليحسن إلى عباد الله المحتاجين إلى كتابته، ولا يمتنع من الكتابة لهم، الحادي عشر: أمر الكاتب أن لا يكتب إلا ما أملاه من عليه الحق، الثاني عشر: أن الذي يملي من المتعاقدين من عليه الدين، الثالث عشر: أمره أن يبين جميع الحق الذي عليه ولا يبخس منه شيئا، الرابع عشر: أن إقرار الإنسان على نفسه مقبول، لأن الله أمر من عليه الحق أن يمل على الكاتب، فإذا كتب إقراره بذلك ثبت موجبه ومضمونه، وهو ما أقر به على نفسه، ولو ادعى بعد ذلك غلطا أو سهوا، الخامس عشر: أن من عليه حقا من الحقوق التي البينة على مقدارها وصفتها من كثرة وقلة وتعجيل وتأجيل، أن قوله هو المقبول دون قول من له الحق، لأنه تعالى لم ينهه عن بخس الحق الذي عليه، إلا أن قوله مقبول على ما يقوله من مقدار الحق وصفته، السادس عشر: أنه يحرم على من عليه حق من الحقوق أن يبخس وينقص شيئا من مقداره، أو طيبه وحسنه، أو أجله أو غير ذلك من توابعه ولواحقه، السابع عشر: أن من لا يقدر على إملاء الحق لصغره أو سفهه أو خرسه، أو نحو ذلك، فإنه ينوب وليه منابه في الإملاء والإقرار، الثامن عشر: أنه يلزم الولي من العدل ما يلزم من عليه الحق من العدل، وعدم البخس لقوله { بالعدل } التاسع عشر: أنه يشترط عدالة الولي، لأن الإملاء بالعدل المذكور لا يكون من فاسق، العشرون: ثبوت الولاية في الأموال، الحادي والعشرون: أن الحق يكون على الصغير والسفيه والمجنون والضعيف، لا على وليهم، الثاني والعشرون: أن إقرار الصغير والسفيه والمجنون والمعتوه ونحوهم وتصرفهم غير صحيح، لأن الله جعل الإملاء لوليهم، ولم يجعل لهم منه شيئا لطفا بهم ورحمة، خوفا من تلاف أموالهم، الثالث والعشرون: صحة تصرف الولي في مال من ذكر، الرابع والعشرون: فيه مشروعية كون الإنسان يتعلم الأمور التي يتوثق بها المتداينون كل واحد من صاحبه، لأن المقصود من ذلك التوثق والعدل، وما لا يتم المشروع إلا به فهو مشروع، الخامس والعشرون: أن تعلم الكتابة مشروع، بل هو فرض كفاية، لأن الله أمر بكتابة الديون وغيرها، ولا يحصل ذلك إلا بالتعلم، السادس والعشرون: أنه مأمور بالإشهاد على العقود، وذلك على وجه الندب، لأن المقصود من ذلك الإرشاد إلى ما يحفظ الحقوق، فهو عائد لمصلحة المكلفين، نعم إن كان المتصرف ولي يتيم أو وقف ونحو ذلك مما يجب حفظه تعين أن يكون الإشهاد الذي به يحفظ الحق واجبا، السابع والعشرون: أن نصاب الشهادة في الأموال ونحوها رجلان أو رجل وامرأتان، ودلت السنة أيضا أنه يقبل الشاهد مع يمين المدعي، الثامن والعشرون: أن شهادة الصبيان غير مقبولة لمفهوم لفظ الرجل، التاسع والعشرون: أن شهادة النساء منفردات في الأموال ونحوها لا تقبل، لأن الله لم يقبلهن إلا مع الرجل، وقد يقال إن الله أقام المرأتين مقام رجل للحكمة التي ذكرها وهي موجودة سواء كن مع رجل أو منفردات والله أعلم.
الثلاثون: أن شهادة العبد البالغ مقبولة كشهادة الحر لعموم قوله: { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } والعبد البالغ من رجالنا، الحادي والثلاثون: أن شهادة الكفار ذكورا كانوا أو نساء غير مقبولة، لأنهم ليسوا منا، ولأن مبنى الشهادة على العدالة وهو غير عدل، الثاني والثلاثون: فيه فضيلة الرجل على المرأة، وأن الواحد في مقابلة المرأتين لقوة حفظه ونقص حفظها، الثالث والثلاثون: أن من نسي شهادته ثم ذكرها فذكر فشهادته مقبولة لقوله: { فتذكر إحداهما الأخرى } الرابع والثلاثون: يؤخذ من المعنى أن الشاهد إذا خاف نسيان شهادته في الحقوق الواجبة وجب عليه كتابتها، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والخامس والثلاثون: أنه يجب على الشاهد إذا دعي للشهادة وهو غير معذور، لا يجوز له أن يأبى لقوله: { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } السادس والثلاثون: أن من لم يتصف بصفة الشهداء المقبولة شهادتهم، لم يجب عليه الإجابة لعدم الفائدة بها ولأنه ليس من الشهداء، السابع والثلاثون: النهي عن السآمة والضجر من كتابة الديون كلها من صغير وكبير وصفة الأجل وجميع ما احتوى عليه العقد من الشروط والقيود، الثامن والثلاثون: بيان الحكمة في مشروعية الكتابة والإشهاد في العقود، وأنه { أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا } فإنها متضمنة للعدل الذي به قوام العباد والبلاد، والشهادة المقترنة بالكتابة تكون أقوم وأكمل وأبعد من الشك والريب والتنازع والتشاجر، التاسع والثلاثون: يؤخذ من ذلك أن من اشتبه وشك في شهادته لم يجز له الإقدام عليها بل لا بد من اليقين، الأربعون: قوله: { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها } فيه الرخصة في ترك الكتابة إذا كانت التجارة حاضرا بحاضر، لعدم شدة الحاجة إلى الكتابة، الحادي والأربعون: أنه وإن رخص في ترك الكتابة في التجارة الحاضرة، فإنه يشرع الإشهاد لقوله: { وأشهدوا إذا تبايعتم } الثاني والأربعون: النهي عن مضارة الكاتب بأن يدعى وقت اشتغال وحصول مشقة عليه، الثالث والأربعون: النهي عن مضارة الشهيد أيضا بأن يدعى إلى تحمل الشهادة أو أدائها في مرض أو شغل يشق عليه، أو غير ذلك هذا على جعل قوله: { ولا يضار كاتب ولا شهيد } مبنيا للمجهول، وأما على جعلها مبنيا للفاعل ففيه نهي الشاهد والكاتب أن يضارا صاحب الحق بالامتناع أو طلب أجرة شاقة ونحو ذلك، وهذان هما الرابع والأربعون والخامس والأربعون والسادس والأربعون أن ارتكاب هذه المحرمات من خصال الفسق لقوله: { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم } السابع والأربعون أن الأوصاف كالفسق والإيمان والنفاق والعداوة والولاية ونحو ذلك تتجزأ في الإنسان، فتكون فيه مادة فسق وغيرها، وكذلك مادة إيمان وكفر لقوله: { فإنه فسوق بكم } ولم يقل فأنتم فاسقون أو فُسّاق.
الثامن والأربعون: - وحقه أن يتقدم على ما هنا لتقدم موضعه- اشتراط العدالة في الشاهد لقوله: { ممن ترضون من الشهداء } التاسع والأربعون: أن العدالة يشترط فيها العرف في كل مكان وزمان، فكل من كان مرضيا معتبرا عند الناس قبلت شهادته، الخمسون: يؤخذ منها عدم قبول شهادة المجهول حتى يزكى، فهذه الأحكام مما يستنبط من هذه الآية الكريمة على حسب الحال الحاضرة والفهم القاصر، ولله في كلامه حكم وأسرار يخص بها من يشاء من عباده.

تفسير الآية 282 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى : الآية رقم 282 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 282

ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم - مكتوبة

الآية 282 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡيَكۡتُب بَّيۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ أَن يَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَيۡـٔٗاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِيهًا أَوۡ ضَعِيفًا أَوۡ لَا يَسۡتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلۡيُمۡلِلۡ وَلِيُّهُۥ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰۚ وَلَا يَأۡبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوٓاْ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِيرًا أَوۡ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَرۡتَابُوٓاْ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةٗ تُدِيرُونَهَا بَيۡنَكُمۡ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَاۗ وَأَشۡهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعۡتُمۡۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٞ وَلَا شَهِيدٞۚ وَإِن تَفۡعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ  ﴾ [ البقرة: 282]


﴿ ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ﴾ [ البقرة: 282]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 282 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 282 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم

من كمال الشريعة العنايةُ بالمعاملات الماليَّة، والحثُّ على الاحتياط فيها؛ لكونها سببًا لمصالح العباد، في المعاش والمعاد.
راعت شريعة الله مصلحةَ العباد في أهليَّة القائمين بالوظائف الشرعيَّة، فأوجبَت فيهم العلمَ والعدل؛ ليكونوا مؤتمَنين على القيام بما أمرَهم الله به.
مَن منحَه الله تعالى مهارةً أو منَّ عليه بنعمة، فلا يبخَل بها على مستحقِّها، وليُحسن إلى الناس بتعليمهم إيَّاها كما أحسن الله إليه.
282ب- ﴿فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ لا ينبغي للكاتب الموثِّق للدَّين أن يغترَّ بائتمان الناس له فيظلمَهم؛ إنه إن راجَ ظلمُه على صاحب المال، فلن يروجَ على الربِّ المتعال.
أين قوانينُ الأرض جميعًا من شريعة الإسلام في حفظ حقوق الضَّعَفة، وإحاطتهم بسِياج من الأمان والعدل يحولُ دون استغلال ضعفهم وانتهاك حقوقهم؟! 282ت- ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ في الكتابة والإشهاد، ضمانٌ لحقوق العباد، فإن ما تطول عليه الآجال، قد يتعرَّض للجَحْد أو النسيان والإهمال.
حفظت شريعةُ الإسلام الحقوق، وأقامت العدلَ بين الخلق؛ فجعلت الشهادةَ في الأموال إمَّا برجُلين أو رجُلٍ وامرأتين، وأمضَت السنَّة الشاهدَ مع اليمين، وشرطَت العدولَ المرتضى دينُهم وصلاحُهم.
تفضيل الرجُل على المرأة في الشهادة على الأموال شريعةٌ في كتاب الله، مَبناها على الاحتياطِ للحقوق، لا امتهانِ المرأة وانتقاصِها كما يزعم الجاهلون.
تلبية الدعوة للشهادة واجبٌ لا تطوُّع، وفرضٌ لا تفضُّل، فلا ينبغي التأخُّر عنها أو التقاعُس في أدائها.
282ث- ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾

وبعد أن أمر- سبحانه - المؤمنين أن يسارعوا في التصدق على المحتاجين، وأن يجتنبوا الربا والمرابين، وبين لهم أن أموالهم تزكو وتنمو بالإنفاق في وجوه الخير، وتمحق وتذهب بتعاطى الربا، بعد أن وضح كل ذلك ساق لهم آية جامعة، متى اتبعوا توجيهاتها استطاعوا أن يحفظوا أموالهم بأفضل طريق، وأشرف وسيلة، وأن يصونوها عن الهلاك والضياع عند ما يعطى أحدهم أخاه شيئا من المال على سبيل الدين أو القرض الحسن المنزه عن الربا.
استمع إلى القرآن وهو يتكلم عن أحكام الدين وعن أحكام بعض المعاملات التجارية الحاضرة فيقول:قال ابن كثير: قوله-تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ هذا إرشاد منه-تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها، وقد نبه على ذلك في آخر الآية حيث قال: ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا وروى البخاري عن ابن عباس أنه قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله وأذن فيه ثم قرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ.
الآية.
وثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال: قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم».
ومعنى تَدايَنْتُمْ: تعاملتم بالدين وداين بعضكم بعضا.
وحقيقة الدين- كما يقول القرطبي- «عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضرا، والدين ما كان غائبا»والجار والمجرور وهو بِالْعَدْلِ متعلق بمحذوف صفة لكاتب أى: وليكن المتصدي للكتابة من شأنه أن يكتب بالسوية من غير ميل إلى أحد الجانبين.
أو متعلق بالفعل يكتب.
أى:وليكتب بالحق.
ثم نهى الله-تبارك وتعالى- من كان قادرا على الكتابة عن الامتناع عنها متى دعى إليها فقال:وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ.
أى: ولا يمتنع كاتب من أن يكتب للمتداينين ديونهما بالطريقة التي علمه الله إياها أن يتحرى العدل والحق في كتابته، وأن يلتزم فيها ما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية.
فالكاف في قوله-تبارك وتعالى-: كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ نعت لمصدر محذوف والتقدير: فليكتب كتابة مثل ما علمه الله-تبارك وتعالى- بمعنى أن يلتزم الحق والعدل فيها.
ويجوز أن تكون الكاف للتعليل فيكون المعنى: لا يمتنع عن الكتابة لأنه كما علمه الله إياها ويسرها له ونفعه بها، فعليه أن ينفع غيره بها، فهو كقوله-تبارك وتعالى-: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وفي الحديث الشريف «إن من الصدقة أن تعين صانعا أو تصنع لأخرق» وفي حديث آخر: «من كتم علما يعلمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» .
وقوله: فَلْيَكْتُبْ تفريع على قوله «ولا يأب كاتب» أى: فليكتب الكتابة التي علمه الله إياها فهو توكيد للأمر المستفاد من قوله: وَلا يَأْبَ كاتِبٌ.
ويجوز أن يكون توكيدا للأمر الصريح في قوله: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ.
قال القرطبي: واختلف الناس في وجوب الكتابة على الكاتب والشهادة على الشاهد.
فقال الطبري: واجب على الكاتب إذا أمر أن يكتب.
وقال الحسن: ذلك واجب عليه في الموضع الذي لا يقدر فيه على كاتب غيره فيضر صاحب الدين إن امتنع، فإن كان كذلك فهو فريضة، وإن قدر على كاتب غيره فهو في سعة إذا قام بها غيره» .
وإلى هنا تكون الآية الكريمة قد قررت مبدأ الكتابة في الدين، وبينت كيفية الكتابة، وأشارت إلى إجادة الكاتب لها، ونهته عن الامتناع عنها إذا دعى إليها.
ثم انتقلت الآية بعد ذلك إلى بيان من يتولى الإملاء فقال-تبارك وتعالى-: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ، وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً.
والإملال معناه الإملاء.
فهما لغتان معناهما واحد.
وقد جاء القرآن باللغتين قال-تبارك وتعالى-: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
أى: وعلى المدين الذي عليه الدين وقد التزم بأدائه أن يمل على الكاتب هذا الدين، وذلك ليكون إملاؤه إقرارا به وبالحقوق التي عليه الوفاء بها.
وعليه كذلك أن يراقب الله-تبارك وتعالى- في إملائه فلا ينقص من الدين الذي عليه شيئا، لأن هذا الإنقاص ظلم حرمه الله-تبارك وتعالى-.
وقد أمر الله-تبارك وتعالى- بأن يكون الذي يملى على الكاتب هو المدين لأنه هو المكلف بأداء مضمون الكتابة، ولأنه بإملائه يكون قد أقر على نفسه بما عليه، ولأنه لو أفلس الدائن فربما يزيد في الدين، أو يملى شيئا ليس محل اتفاق بينه وبين المدين، ولأن المدين في الغالب في موقف ضعيف فأعطاه الله-تبارك وتعالى- حق الإملاء على الكاتب حتى لا يغبن من الدائن.
فأنت ترى أن الله-تبارك وتعالى- قد مكن المدين من الإملاء على الكاتب حتى تكون الكتابة تحت سمعه وبصره وباختياره، ولكنه في الوقت نفسه أوجب عليه أمرين: تقوى الله وعدم الانقاص من الدين الذي عليه، وإن ذلك لتشريع عادل حكيم لا ظلم فيه لا للدائن ولا للمدين.
ثم بين- سبحانه - الحكم فيما إذا كان الذي عليه الدين لا يحسن الإملاء فقال-تبارك وتعالى-:فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وهو المدين سَفِيهاً أى جاهلا بالإملاء أو ناقص العقل، أو متلافا مبذرا لا يحسن تدبير أمره» .
أَوْ ضَعِيفاً بأن يكون صبيا أو شيخا تقدمت به الشيخوخة.
أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ بأن يكون عييا أو أخرس أو لا خبرة له بإملاء أمثال هذه المكاتبات.
فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ أى فعلى ولى أمره أو من يهمه شأنه ولا يرضى له أن يضيع حقه أن يتولى الإملاء متحريا الحق والعدل فيما يكلف به.
وبعد هذا البيان الحكيم عن الكتابة وأحكامها في شأن الديون، انتقل القرآن إلى الحديث عن الإشهاد فقال-تبارك وتعالى-: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ أى: اطلبوا شاهدين عدلين من الرجال ليشهدوا على ما يجرى بينكم من معاملات مؤجلة، لأن هذا الإشهاد يعطى الديون والكتابة توثيقا وتثبيتا.
والسين والتاء في قوله: «واستشهدوا» للطلب.
قال الآلوسى: «وفي اختيار صيغة المبالغة في شَهِيدَيْنِ للإيماء إلى من تكررت منه الشهادة، فهو عالم بها مقتدر على أدائها وكأن فيه رمزا إلى العدالة، لأنه لا يتكرر ذلك من الشخص عند الحكام إلا وهو مقبول عندهم ولعله لم يقل رجلين لذلك.
والأمر للندب أو للوجوب على الخلاف على ذلك» .
وقوله: مِنْ رِجالِكُمْ متعلق بقوله: وَاسْتَشْهِدُوا ومن لابتداء الغاية ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف صفة لشهيدين ومن للتبعيض، أى من رجالكم المسلمين الأحرار فإن الكلام في معاملتهم.
ثم بين- سبحانه - الحكم إذا لم يتيسر شاهدان من الرجال فقال: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ.
وقوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ متعلق بمحذوف على أنه صفة لرجل وامرأتان.
أى فإن لم يتيسر رجلان للشهادة فليشهد رجل وامرأتان كائنون مرضيون عندكم بعدالتهم.
وهذا الوصف وإن كان في جميع الشهود إلا أنه ذكر هنا للتشديد في اعتباره، لأن اتصاف النساء به قد لا يتوفر كثيرا.
وقوله: مِنَ الشُّهَداءِ متعلق بمحذوف حال من الضمير المفعول المقدر في تَرْضَوْنَ العائد إلى الموصول: أى فليشهد رجل وامرأتان ممن ترضونهم حال كونهم من بعض الشهداء لعلمكم بعدالتهم، وثقتكم بهم.
وقوله-تبارك وتعالى-: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أدق في الدلالة على صدق الشهادة من العدالة، لأن الإنسان العدل قد يكون مرضيا في دينه وخلقه ولكنه قد يتأثر بالمشاهد المؤثرة فتخونه ذاكرته في وقت الحاجة إليها، أو قد يكون ممن يمنعه منصبه وجاهه ومقامه في الناس من الكذب إلا أنه قد يرتكب بعض المعاصي، فجاء- سبحانه - بهذه الجملة الحكيمة لكي يقول للناس.
اختاروا الشهداء من الذين يرتضى قولهم، ويقيمون الشهادة على وجهها الحق بدون التأثر بأى نوع من أنواع المؤثرات.
هذا، وشهادة النساء مع الرجال تجوز عند الحنفية في الأموال والطلاق والنكاح والرجعة وكل شيء إلا الحدود والقصاص.
وعند المالكية تجوز في الأموال وتوابعها خاصة، ولا تقبل في أحكام الأبدان مثل الحدود والقصاص والنكاح والطلاق والرجعة.
ثم بين- سبحانه - العلة في أن المرأتين تقومان مقام الرجل في الشهادة فقال: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى.
قال القرطبي: معنى تضل تنسى، والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء، ويبقى المرء حيران بين ذلك ضالا».
والمعنى: جعلنا المرأتين بدل رجل واحد في الشهادة، خشية أن تنسى إحداهما فتذكر كل واحدة منهما الأخرى.
إذ المرأة لقوة عاطفتها، وشدة انفعالها بالحوادث، قد تتوهم ما لم تر، فكان من الحكمة أن يكون مع المرأة أخرى في الشهادة بحيث يتذكران الحق فيما بينهما.
والعلة في الحقيقة هي التذكير، ولكن الضلال لما كان سببا في التذكير، نزل منزلة العلة.
وذلك كأن تقول: أعددت السلاح خشية أن يجيء العدو فأدفعه، فإن العلة هي الدفاع عن النفس، ولكن لما كان مجيء العدو سببا فيه نزل منزلته.
وكما أمر الله-تبارك وتعالى- الكتاب في أول الآية بعدم الامتناع عن الكتابة أمر الشهود أيضا بعدم الامتناع عن الشهادة فقال-تبارك وتعالى-: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا أى: ولا يمتنع الشهود عن أداء الشهادة وتحملها متى دعوا إليها، لأن الامتناع عن تحمل الشهادة وأدائها قد يؤدى إلى ضياع الحقوق.
والله-تبارك وتعالى- قد شرع الشهادة لإحقاق الحق، ونشر العدل بين الناس، فعلى من اشتهروا بالعدالة ووثق الناس بهم أن يؤدوا الشهادة كما أمرهم الله-تبارك وتعالى-.
ثم أمر- سبحانه - بكتابة الدين سواء أكبر الدين أم صغر فقال: وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ.
السأم: الضجر والملل.
يقال: سئمت الشيء أسأمه سأما وسآمة أى مللته وضجرته.
والمعنى: وعليكم أيها المؤمنون أن لا تملوا من كتابة الدين إلى الوقت المحدد له سواء أكان هذا الدين كبيرا أم صغيرا، لأن الكتابة في الحالتين أدعى إلى حفظ الحقوق وصيانتها، وإلى عدم نشوب التنازع أو التخاصم بينكم، ولأن الدين قد يكون صغيرا في نظر الغنى المليء، إلا أنه كبير في نظر الفقير المعسر، ولأن التهاون في شأن الدين الصغير قد يؤدى إلى التهاون في شأن الدين الكبير، لذا وجب عليكم أن تنقادوا لشرع الله وأن تكتبوا ما بينكم من ديون.
والضمير في قوله: أَنْ تَكْتُبُوهُ يعود إلى الدين أو إلى الحق، وقوله: صَغِيراً أَوْ كَبِيراً حالان من الضمير.
أى لا تسأموا أن تكتبوه على كل حال قليلا أو كثيرا، وقدم الصغير على الكبير اهتماما به وانتقالا من الأدنى إلى الأعلى.
ثم بين- سبحانه - ثلاث فوائد تعود عليهم إذا ما امتثلوا ما أمرهم الله-تبارك وتعالى- به، فقال: ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ.
واسم الإشارة ذلِكُمْ يعود إلى كل ما سبق ذكره في الآية من الكتابة والإشهاد ومن عدم الامتناع عنهما، ومن تحرى الحق والعدل.
وأَقْسَطُ بمعنى أعدل.
يقال: أقسط فلان في الحكم يقسط إقساطا إذا عدل فهو مقسط.
قال-تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
ويقال: هو قاسط إذا جار وظلم.
قال-تبارك وتعالى-: أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً.
أى: ذلكم الذي شرعناه لكم في أمر الديون من الكتابة والإشهاد وغيرهما أعدل في علم الله-تبارك وتعالى-، وكل ما كان كذلك فهو الأعدل والأفضل والأحكم في ذاته، لأنه- سبحانه - هو الأعلم بما فيه مصلحتكم فاستجيبوا له، وتلك هي الفائدة الأولى.
أما الفائدة الثانية فهي قوله- سبحانه -: وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ ومعنى أَقْوَمُ أبلغ في الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج.
أى: أثبت لها وأعون على إقامتها وأدائها.
وأما الفائدة الثالثة فهي قوله: وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا أى: أقرب إلى زوال الشك والريبة.
أى أن الأوامر والنواهي السابقة إذا نفذت على وجهها كان تنفيذها أعدل في علم الله-تبارك وتعالى- وأعون على إقامة الشهادة إذ بها يتم الاعتماد على الحفظ، وأقرب إلى عدم الشك في جنس الدين وقدره وأجله، وإذا توفرت هذه الفوائد الثلاث في المعاملات ساد الوفاق والتعاون بين الناس، أما إذا فقدت فإن الثقة تزول من بينهم، ويحل محلها النزاع والشقاق.
ثم أباح- سبحانه - في التجارة الحاضرة عدم الكتابة فقال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها.
والتجارة الحاضرة التي تدور بين التجار: هي التي يجرى فيها التقابض في المجلس أو التي يتأخر فيها الأداء زمنا يسيرا.
وسميت حاضرة، لأن المبيع والثمن كلاهما حاضر.
والمعنى: أن الله-تبارك وتعالى- يأمركم بكتابة الديون وبالإشهاد عليها إلا أنه- سبحانه - رحمة بكم أباح لكم عدم الكتابة في التجارة الحاضرة التي تكثرون إدارتها والتعامل فيها، لأنه لو كلفكم بذلك لشق الأمر عليكم، وهو- سبحانه - ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.
ولأن أمثال هذه التجارات التي يحصل فيها التقابض ويكثر تكرارها، لا يتوقع فيها التنازع أو النسيان.
والاستثناء هنا منقطع لأنه ليس هناك دين حتى يكتب، وليست التجارة الحاضرة من جنس التعامل بالديون فكأنه قيل: إذا تداينتم فتكاتبوا وأشهدوا لكن التجارة الحاضرة التي يجرى فيها التقابض لا جناح عليكم في عدم كتابتها.
وقيل: الاستثناء متصل والجملة المستثناة في موضع نصب لأنه استثناء من الجنس، لأنه أمر بالكتابة في كل معاملة واستثنى منها التجارة الحاضرة والتقدير: آمركم بالكتابة والإشهاد في كل معاملة إلا في حال حضور التجارة فلا بأس من ترك الكتابة.
وتِجارَةً قرأها الجمهور بالرفععلى أنها اسم تكون، والخبر جملة تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ.
أو على أنها فاعل تكون إذا اعتبرناها تامة.
وقرأها عاصم بالنصب على أنها خبر تكون واسمها ضمير مستتر فيها يعود على التجارة.
أى.
إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة.
وقوله-تبارك وتعالى-: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ أمر منه- سبحانه - بالإشهاد عند البيع، وهذا الأمر للإرشاد والتعليم عند جمهور العلماء.
ويرى الظاهرية أنه للوجوب.
قال صاحب الكشاف: هذا أمر بالإشهاد على التبايع مطلقا ناجزا أو كالئا- أى مؤجلا- لأنه أحوط وأبعد مما عسى يقع من الاختلاف.
ويجوز أن يراد: وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع.
يعنى التجارة الحاضرة على أن الإشهاد كاف فيه دون الكتابة، وعن الضحاك: هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل».
ثم نهى- سبحانه - عن المضارة فقال: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ.
والمضارة: إدخال الضرر.
والفعل يُضَارَّ يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل، وأن أصله «لا يضارر- بكسر الراء- ويحتمل أن يكون مبنيا للمفعول.
وأن أصله لا يضارر بفتح الراء الأولى.
والمعنى على الأول: نهى الكاتب والشاهد عن أن ينزلا ضررا بأحد المتعاقدين، بأن يبخس الكاتب أحدهما، أو يشهد بغير الحق.
والمعنى على الثاني: وهو الظاهر- نهى الدائن والمدين عن أن ينزل أحدهما ضررا بالكاتب أو الشاهد لحملهما على كتابة غير الحق أو قول غير الحق، فإنهما أمينان، والإضرار بهما قد يحملهما على الخيانة وفي ذلك ضياع للأمانة وذهاب للثقة.
ولذا قال-تبارك وتعالى- بعد ذلك وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ.
أى: وإن تفعلوا ما نهيتم عنه أو تخالفوا ما أمرتم به، فإنكم بذلك تكونون قد خرجتم عن طاعة الله، وتلبستم بمعصيته، وصرتم أهلا لعقوبته، فعليكم أن تقفوا عند حدود الله حتى تتحقق لكم السعادة في دينكم ودنياكم.
ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بالأمر بخشيته.
وبتذكيرهم بنعمه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
أى: واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فهو- سبحانه - الذي يعلمكم ما يصلح لكم أمر دنياكم وما يصلح لكم أمر دينكم متى اتقيتموه واستجبتم له، وهو- سبحانه - بكل شيء عليم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وبعد: فهذه هي آية الدين التي هي أطول آية في القرآن، تقرؤها فتراها قد اشتملت على أدق التشريعات، وأحكم التوجيهات، وأنجع الإرشادات التي تهدى إلى حفظ الحقوق وضبطها وتوثيقها بمختلف الوسائل.
تقرؤها فترى الدقة العجيبة في الصياغة بأن وضع كل لفظ في مكانه المناسب، وترى الطلاوة في التعبير، والعذوبة في الألفاظ بحيث لا تطغى دقة الصياغة على جمال العرض.
وترى الوفاء الكامل، لكل الجوانب التشريعية والاحتراس التام من كل المؤثرات التي قد تؤثر على سلامة التعاقد، والإرشاد الجامع إلى كل ما يضمن وصول الحق والعدل إلى جميع الأطراف بدون محاباة أو غبن.
وترى قبل ذلك وبعد ذلك كيف يسوق القرآن تشريعاته بطريقة تغرس في النفوس الخوف من الله-تبارك وتعالى- والمراقبة له، والاستجابة لأوامره، لا كطريقة البشر في قوانينهم التي صاغوها في قوالب صماء من الألفاظ لا تشعر معها بتأثير في النفس، ولا باهتزاز في القلب.
ولو لم يكن في شريعة الله سوى هذا التأثير الذي تشعر به النفوس النقية الصافية عند تدبرها لكفاها ذلك دليلا على سموها وفضلها وعلى أنها من صنع الله-تبارك وتعالى- ولو أن المسلمين أخذوا بها وبتوجيهاتها في سائر شئونهم لظفروا بالسعادتين: الدينية والدنيوية.
ثم بين- سبحانه - ما يحب على المسلمين فعله إذا لم يتمكنوا من كتابة ديونهم بأن كانوا مسافرين وليس معهم كاتب فقال-تبارك وتعالى-:
يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليمفيه اثنتان وخمسون مسألة :الأولى : قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين قال سعيد بن المسيب : بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين .
وقال ابن عباس : هذه الآية نزلت في السلم خاصة .
معناه أن سلم أهل المدينة كان سبب الآية ، ثم هي تتناول جميع المداينات إجماعا .
وقال ابن خويزمنداد : إنها تضمنت ثلاثين حكما .
وقد استدل بها بعض علمائنا على جواز التأجيل في القروض ، على ما قال مالك ، إذ لم يفصل بين القرض وسائر العقود في المداينات .
وخالف في ذلك الشافعية وقالوا : الآية ليس فيها جواز التأجيل في سائر الديون ، وإنما فيها الأمر بالإشهاد إذا كان دينا مؤجلا ، ثم يعلم بدلالة أخرى جواز التأجيل في الدين وامتناعه .
الثانية : قوله تعالى : ( بدين ) تأكيد مثل قوله ولا طائر يطير بجناحيه .
فسجد الملائكة كلهم أجمعون .
وحقيقة الدين عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة ، فإن العين عند العرب ما كان حاضرا ، والدين ما كان غائبا ، قال الشاعر :وعدتنا بدرهمينا طلاء وشواء معجلا غير دينوقال آخر :لترم بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتينإذا ما أوقدوا حطبا ونارا فذاك الموت نقدا غير دينوقد بين الله تعالى هذا المعنى بقوله الحق ( إلى أجل مسمى ) .
الثالثة : قوله تعالى : ( إلى أجل مسمى ) قال ابن المنذر : دل قول الله ( إلى أجل مسمى ) على أن السلم إلى الأجل المجهول غير جائز ، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معنى كتاب الله تعالى .
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يستلفون في الثمار السنتين والثلاث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم رواه ابن عباس .
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .
وقال ابن عمر : كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة .
وحبل الحبلة : أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نتجت .
فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم الجائز أن يسلم الرجل إلى صاحبه في طعام معلوم موصوف ، من طعام أرض عامة لا يخطئ مثلها .
بكيل معلوم ، إلى أجل معلوم بدنانير أو دراهم معلومة ، يدفع ثمن ما أسلم فيه قبل أن يفترقا من مقامهما الذي تبايعا فيه ، وسميا المكان الذي يقبض فيه الطعام .
فإذا فعلا ذلك وكان جائز الأمر كان سلما صحيحا لا أعلم أحدا من أهل العلم يبطله .
قلت : وقال علماؤنا : إن السلم إلى الحصاد والجذاذ والنيروز والمهرجان جائز ، إذ ذاك يختص بوقت وزمن معلوم .
الرابعة : حد علماؤنا رحمة الله عليهم السلم فقالوا : هو بيع معلوم في الذمة محصور بالصفة بعين حاضرة أو ما هو في حكمها إلى أجل معلوم .
فتقييده بمعلوم في الذمة يفيد التحرز من المجهول ، ومن السلم في الأعيان المعينة ، مثل الذي كانوا يستلفون في المدينة حين قدم عليهم النبي عليه السلام فإنهم كانوا يستلفون في ثمار نخيل بأعيانها ، فنهاهم عن ذلك لما فيه من الغرر ، إذ قد تخلف تلك الأشجار فلا تثمر شيئا .
وقولهم ( محصور بالصفة ) تحرز عن المعلوم على الجملة دون التفصيل ، كما لو أسلم في تمر أو ثياب أو حيتان ولم يبين نوعها ولا صفتها المعينة .
وقولهم ( بعين حاضرة ) تحرز من الدين بالدين .
وقولهم ( أو ما هو في حكمها ) تحرز من اليومين والثلاثة التي يجوز تأخير رأس مال السلم إليه ، فإنه يجوز تأخيره عندنا ذلك القدر ، بشرط وبغير شرط لقرب ذلك ، ولا يجوز اشتراطه عليها .
ولم يجز الشافعي ولا الكوفي تأخير رأس مال السلم عن العقد والافتراق ، ورأوا أنه كالصرف .
ودليلنا أن البابين مختلفان بأخص أوصافهما ، فإن الصرف بابه ضيق كثرت فيه الشروط بخلاف السلم فإن شوائب المعاملات عليه أكثر .
والله أعلم .
وقولهم " إلى أجل معلوم " تحرز من السلم الحال فإنه لا يجوز على المشهور وسيأتي .
ووصف الأجل بالمعلوم تحرز من الأجل المجهول الذي كانوا في الجاهلية يسلمون إليه .
الخامسة : السلم والسلف عبارتان عن معنى واحد وقد جاءا في الحديث ، غير أن الاسم الخاص بهذا الباب ( السلم ) لأن السلف يقال على القرض .
والسلم بيع من البيوع الجائزة بالاتفاق ، مستثنى من نهيه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك .
وأرخص في السلم ؛ لأن السلم لما كان بيع معلوم في الذمة كان بيع غائب تدعو إليه ضرورة كل واحد من المتبايعين ، فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري الثمرة ، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبانها لينفقه عليها ، فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية ، وقد سماه الفقهاء بيع المحاويج ، فإن جاز حالا بطلت هذه الحكمة وارتفعت هذه المصلحة ، ولم يكن لاستثنائه من بيع ما ليس عندك فائدة .
والله أعلم .
السادسة : في شروط السلم المتفق عليها والمختلف فيها وهي تسعة : ستة في المسلم فيه ، وثلاثة في رأس مال السلم .
أما الستة التي في المسلم فيه فأن يكون في الذمة ، وأن يكون موصوفا ، وأن يكون مقدرا ، وأن يكون مؤجلا ، وأن يكون الأجل معلوما ، وأن يكون موجودا عند محل الأجل .
وأما الثلاثة التي في رأس مال السلم فأن يكون معلوم الجنس ، مقدرا ، نقدا .
وهذه الشروط الثلاثة التي في رأس المال متفق عليها إلا النقد حسب ما تقدم .
قال ابن العربي : وأما الشرط الأول وهو أن يكون في الذمة فلا إشكال في أن المقصود منه كونه في الذمة ؛ لأنه مداينة ، ولولا ذلك لم يشرع دينا ولا قصد الناس إليه ربحا ورفقا .
وعلى ذلك القول اتفق الناس .
بيد أن مالكا قال : لا يجوز السلم في المعين إلا بشرطين : أحدهما أن يكون قرية مأمونة ، والثاني أن يشرع في أخذه كاللبن من الشاة والرطب من النخلة ، ولم يقل ذلك أحد سواه .
وهاتان المسألتان صحيحتان في الدليل ؛ لأن التعيين امتنع في السلم مخافة المزابنة والغرر ، لئلا يتعذر عند المحل .
وإذا كان الموضع مأمونا لا يتعذر وجود ما فيه في الغالب جاز ذلك ، إذ لا يتيقن ضمان العواقب على القطع في مسائل الفقه ، ولابد من احتمال الغرر اليسير ، وذلك كثير في مسائل الفروع ، تعدادها في كتب المسائل .
وأما السلم في اللبن والرطب مع الشروع في أخذه فهي مسألة مدنية اجتمع عليها أهل المدينة ، وهي مبنية على قاعدة المصلحة ؛ لأن المرء يحتاج إلى أخذ اللبن والرطب مياومة ويشق أن يأخذ كل يوم ابتداء ؛ لأن النقد قد لا يحضره ولأن السعر قد يختلف عليه ، وصاحب النخل واللبن محتاج إلى النقد ؛ لأن الذي عنده عروض لا يتصرف له .
فلما اشتركا في الحاجة رخص لهما في هذه المعاملة قياسا على العرايا وغيرها من أصول الحاجات والمصالح .
وأما الشرط الثاني وهو أن يكون موصوفا فمتفق عليه ، وكذلك الشرط الثالث .
والتقدير يكون من ثلاثة أوجه : الكيل ، والوزن ، والعدد ، وذلك ينبني على العرف ، وهو إما عرف الناس وإما عرف الشرع .
وأما الشرط الرابع وهو أن يكون مؤجلا فاختلف فيه ، فقال الشافعي : يجوز السلم الحال ، ومنعه الأكثر من العلماء .
قال ابن العربي : واضطربت المالكية في تقدير الأجل حتى ردوه إلى يوم ، حتى قال بعض علمائنا : السلم الحال جائز .
والصحيح أنه لا بد من الأجل فيه ؛ لأن المبيع على ضربين : معجل وهو العين ، ومؤجل .
فإن كان حالا ولم يكن عند المسلم إليه فهو من باب : بيع ما ليس عندك ، فلا بد من الأجل حتى يخلص كل عقد على صفته وعلى شروطه ، وتتنزل الأحكام الشرعية منازلها .
وتحديده عند علمائنا مدة تختلف الأسواق في مثلها .
وقول الله تعالى ( إلى أجل مسمى ) وقوله عليه السلام : ( إلى أجل معلوم ) يغني عن قول كل قائل .
قلت : الذي أجازه علماؤنا من السلم الحال ما تختلف فيه البلدان من الأسعار ، فيجوز السلم فيما كان بينه وبينه يوم أو يومان أو ثلاثة .
فأما في البلد الواحد فلا ؛ لأن سعره واحد ، والله أعلم .
وأما الشرط الخامس وهو أن يكون الأجل معلوما فلا خلاف ، فيه بين الأمة ، لوصف الله تعالى ونبيه الأجل بذلك .
وانفردمالك دون الفقهاء بالأمصار بجواز البيع إلى الجذاذ والحصاد ؛ لأنه رآه معلوما .
وقد مضى القول في هذا عند قوله تعالى يسألونك عن الأهلة .
وأما الشرط السادس وهو أن يكون موجودا عند المحل فلا خلاف فيه بين الأمة أيضا ، فإن انقطع المبيع عند محل الأجل بأمر من الله تعالى انفسخ العقد عند كافة العلماء .
السابعة : ليس من شرط السلم أن يكون المسلم إليه مالكا للمسلم فيه خلافا لبعض السلف ، لما رواه البخاري عن محمد بن المجالد قال : بعثني عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبي أوفى فقالا : سله هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسلفون في الحنطة ؟ فقال عبد الله : كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم .
قلت : إلى من كان أصله عنده ؟ قال : ما كنا نسألهم عن ذلك .
ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزى فسألته فقال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسلفون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم نسألهم ألهم حرث أم لا ؟ وشرط أبو حنيفة وجود المسلم فيه من حين العقد إلى حين الأجل ، مخافة أن يطلب المسلم فيه فلا يوجد فيكون ذلك غررا ، وخالفه سائر الفقهاء وقالوا : المراعى وجوده عند الأجل .
وشرط الكوفيون والثوري أن يذكر موضع القبض فيما له حمل ومئونة وقالوا : السلم فاسد إذا لم يذكر موضع القبض .
وقال الأوزاعي : هو مكروه .
وعندنا لو سكتوا عنه لم يفسد العقد ، ويتعين موضع القبض ، وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث ، لحديث ابن عباس فإنه ليس فيه ذكر المكان الذي يقبض فيه السلم ، ولو كان من شروطه لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الكيل والوزن والأجل ، ومثله حديث ابن أبي أوفى .
الثامنة : روى أبو داود عن سعد - يعني الطائي - عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره .
قال أبو محمد عبد الحق بن عطية : هو العوفي ولا يحتج أحد بحديثه ، وإن كان الأجلة قد رووا عنه .
قال مالك : الأمر عندنا فيمن أسلف في طعام بسعر معلوم إلى أجل مسمى فحل الأجل فلم يجد المبتاع عند البائع وفاء مما ابتاعه منه فأقاله ، أنه لا ينبغي له أن يأخذ منه إلا ورقه أو ذهبه أو الثمن الذي دفع إليه بعينه ، وأنه لا يشتري منه بذلك الثمن شيئا حتى يقبضه منه ، وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي دفع إليه أو صرفه في سلعة غير الطعام الذي ابتاع منه فهو بيع الطعام قبل أن يستوفى .
قال مالك : وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يستوفى .
التاسعة : قوله تعالى : فاكتبوه يعني الدين والأجل .
ويقال : أمر بالكتابة ولكن المراد الكتابة والإشهاد ؛ لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة .
ويقال : أمرنا بالكتابة لكيلا ننسى .
وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه إلى آخر الآية : إن أول من جحد آدم عليه السلام إن الله أراه ذريته فرأى رجلا أزهر ساطعا نوره فقال يا رب من هذا قال : هذا ابنك داود ، قال : يا رب فما عمره ؟ قال : ستون سنة ، قال : يا رب زده في عمره! فقال : لا إلا أن تزيده من عمرك ، قال : وما عمري ؟ قال : ألف سنة ، قال آدم فقد وهبت له أربعين سنة ، قال : فكتب الله عليه كتابا وأشهد عليه ملائكته فلما حضرته الوفاة جاءته الملائكة ، قال : إنه بقي من عمري أربعون سنة ، قالوا : إنك قد وهبتها لابنك داود ، قال : ما وهبت لأحد شيئا ، فأخرج الله تعالى الكتاب وشهد عليه ملائكته - في رواية : وأتم لداود مائة سنة ولآدم عمره ألف سنة .
خرجه الترمذي أيضا .
وفي قوله فاكتبوه إشارة ظاهرة إلى أنه يكتبه بجميع صفته المبينة له ، المعربة عنه ، للاختلاف المتوهم بين المتعاملين ، المعرفة للحاكم ما يحكم به عند ارتفاعهما إليه .
والله أعلم .
العاشرة : ذهب بعض الناس إلى أن كتب الديون واجب على أربابها ، فرض بهذه الآية ، بيعا كان أو قرضا ، لئلا يقع فيه نسيان أو جحود ، وهو اختيار الطبري .
وقال ابن جريج : من ادان فليكتب ، ومن باع فليشهد .
وقال الشعبي : كانوا يرون أن قوله : ( فإن أمن ) ناسخ لأمره بالكتب .
وحكى نحوه ابن جريج ، وقاله ابن زيد ، وروي عن أبي سعيد الخدري .
وذهب الربيع إلى أن ذلك واجب بهذه الألفاظ ، ثم خففه الله تعالى بقوله : فإن أمن بعضكم بعضا .
وقال الجمهور : الأمر بالكتب ندب إلى حفظ الأموال وإزالة الريب ، وإذا كان الغريم تقيا فما يضره الكتاب ، وإن كان غير ذلك فالكتاب ثقاف في دينه وحاجة صاحب الحق .
قال بعضهم : إن أشهدت فحزم ، وإن ائتمنت ففي حل وسعة .
ابن عطية : وهذا هو القول الصحيح .
ولا يترتب نسخ في هذا ؛ لأن الله تعالى ندب إلى الكتاب فيما للمرء أن يهبه ويتركه بإجماع ، فندبه إنما هو على جهة الحيطة للناس .
الحادية عشرة : قوله تعالى : وليكتب بينكم كاتب بالعدل قال عطاء وغيره : واجب على الكاتب أن يكتب ، وقاله الشعبي ، وذلك إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب .
السدي : واجب مع الفراغ .
وحذفت اللام من الأول وأثبتت في الثاني ؛ لأن الثاني غائب والأول للمخاطب .
وقد ثبتت في المخاطب ، ومنه قوله تعالى : ( فلتفرحوا ) بالتاء .
وتحذف في الغائب ، ومنه :محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من شيء تبالاالثانية عشرة : قوله تعالى : ( بالعدل ) أي بالحق والمعدلة ، أي لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله ولا أقل .
وإنما قال ( بينكم ) ولم يقل أحدكم ؛ لأنه لما كان الذي له الدين يتهم في الكتابة الذي عليه الدين وكذلك بالعكس شرع الله سبحانه كاتبا غيرهما يكتب بالعدل لا يكون في قلبه ولا قلمه موادة لأحدهما على الآخر .
وقيل : إن الناس لما كانوا يتعاملون ، حتى لا يشذ أحدهم عن المعاملة ، وكان منهم من يكتب ومن لا يكتب ، أمر الله سبحانه أن يكتب بينهم كاتب بالعدل .
الثالثة عشرة : الباء في قوله تعالى ( بالعدل ) متعلقة بقوله : ( وليكتب ) وليست متعلقة ب ( كاتب ) لأنه كان يلزم ألا يكتب وثيقة إلا العدل في نفسه ، وقد يكتبها الصبي والعبد والمتحوط إذا أقاموا فقهها .
أما المنتصبون لكتبها فلا يجوز للولاة أن يتركوهم إلا عدولا مرضيين .
قال مالك رحمه الله تعالى : لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون ، لقوله تعالى : وليكتب بينكم كاتب بالعدل .
قلت : فالباء على هذا متعلقة ب ( كاتب ) أي ليكتب بينكم كاتب عدل ، ف ( بالعدل ) في موضع الصفة .
الرابعة عشرة : قوله تعالى : ولا يأب كاتب أن يكتب نهى الله الكاتب عن الإباء واختلف الناس في وجوب الكتابة على الكاتب والشهادة على الشاهد ، فقال الطبري والربيع : واجب على الكاتب إذا أمر أن يكتب .
وقال الحسن : ذلك واجب عليه في الموضع الذي لا يقدر على كاتب غيره ، فيضر صاحب الدين إن امتنع ، فإن كان كذلك فهو فريضة ، وإن قدر على كاتب غيره فهو في سعة إذا قام به غيره .
السدي : واجب عليه في حال فراغه ، وقد تقدم .
وحكى المهدوي عن الربيع والضحاك أن قوله ( ولا يأب ) منسوخ بقوله ولا يضار كاتب ولا شهيد .
قلت : هذا يتمشى على قول من رأى أو ظن أنه قد كان وجب في الأول على كل من اختاره المتبايعان أن يكتب ، وكان لا يجوز له أن يمتنع حتى نسخه قوله تعالى : ولا يضار كاتب ولا شهيد وهذا بعيد ، فإنه لم يثبت وجوب ذلك على كل من أراده المتبايعان كائنا من كان .
ولو كانت الكتابة واجبة ما صح الاستئجار بها ؛ لأن الإجارة على فعل الفروض باطلة ، ولم يختلف العلماء في جواز أخذ الأجرة على كتب الوثيقة .
ابن العربي : والصحيح أنه أمر إرشاد فلا يكتب حتى يأخذ حقه .
وأبى يأبي شاذ ، ولم يجئ إلا قلى يقلى وأبى يأبى وغسى يغسى وجبى الخراج يجبى ، وقد تقدم .
الخامسة عشرة : : قوله تعالى : كما علمه الله فليكتب الكاف في ( كما ) متعلقة بقوله ( أن يكتب ) المعنى كتبا كما علمه الله .
ويحتمل أن تكون متعلقة بما في قوله : ( ولا يأب ) من المعنى ، أي كما أنعم الله عليه بعلم الكتابة فلا يأب هو وليفضل كما أفضل الله عليه .
ويحتمل أن يكون الكلام على هذا المعنى تاما عند قوله ( أن يكتب ) ثم يكون كما علمه الله ابتداء كلام ، وتكون الكاف متعلقة بقوله ( فليكتب ) .
السادسة عشرة : قوله تعالى : وليملل الذي عليه الحق وهو المديون المطلوب يقر على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه .
والإملاء والإملال لغتان ، أمل وأملى ، فأمل لغة أهل الحجاز وبني أسد ، وتميم تقول : أمليت .
وجاء القرآن باللغتين ، قال عز وجل : فهي تملى عليه بكرة وأصيلا .
والأصل أمللت ، أبدل من اللام ياء لأنه أخف .
فأمر الله تعالى الذي عليه الحق بالإملاء ؛ لأن الشهادة إنما تكون بسبب إقراره .
وأمره تعالى بالتقوى فيما يمل ، ونهى عن أن يبخس شيئا من الحق .
والبخس النقص .
ومن هذا المعنى قوله تعالى : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن .
السابعة عشرة : قوله تعالى : فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا قال بعض الناس : أي صغيرا .
وهو خطأ فإن السفيه قد يكون كبيرا على ما يأتي بيانه .
( أو ضعيفا ) أي كبيرا لا عقل له .
أو لا يستطيع أن يمل جعل الله الذي عليه الحق أربعة أصناف : مستقل بنفسه يمل ، وثلاثة أصناف لا يملون وتقع نوازلهم في كل زمن ، وكون الحق يترتب لهم في جهات سوى المعاملات كالمواريث إذا قسمت وغير ذلك ، وهم السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يمل .
فالسفيه المهلهل الرأي في المال الذي لا يحسن الأخذ لنفسه ولا الإعطاء منها ، مشبه بالثوب السفيه وهو الخفيف النسج .
والبذيء اللسان يسمى سفيها ؛ لأنه لا تكاد تتفق البذاءة إلا في جهال الناس وأصحاب العقول الخفيفة .
والعرب تطلق السفه على ضعف العقل تارة وعلى ضعف البدن أخرى ، قال الشاعر :نخاف أن تسفه أحلامنا ويجهل الدهر مع الحالموقال ذو الرمة :مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسمأي استضعفها واستلانها فحركها .
وقد قالوا : الضعف بضم الضاد في البدن وبفتحها في الرأي ، وقيل : هما لغتان .
والأول أصح ، لما روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يبتاع وفي عقله ضعف فأتى أهله نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا نبي الله ، احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقله ضعف .
فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع ، فقال : يا رسول الله ، إني لا أصبر عن البيع ساعة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت غير تارك البيع فقل ها وها ولا خلابة وأخرجه أبو عيسى محمد بن عيسى السلمي الترمذي من حديث أنس وقال : هو صحيح ، وقال : إن رجلا كان في عقله ضعف ، وذكر الحديث .
وذكره البخاري في التاريخ وقال فيه : إذا بايعت فقل لا خلابة وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال .
وهذا الرجل هو حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري والد يحيى وواسع ابني حبان : وقيل : وهو منقذ جد يحيى وواسع شيخي مالك ووالده حبان ، أتى عليه مائة وثلاثون سنة ، وكان شج في بعض مغازيه مع النبي صلى الله عليه وسلم مأمومة خبل منها عقله ولسانه : وروى الدارقطني قال : كان حبان بن منقذ رجلا ضعيفا ضرير البصر وكان قد سفع في رأسه مأمومة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له الخيار فيما يشتري ثلاثة أيام ، وكان قد ثقل لسانه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بع وقل لا خلابة ) فكنت ، أسمعه يقول : لا خذابة لا خذابة .
أخرجه من حديث ابن عمرو .
الخلابة : الخديعة ، ومنه قولهم : ( إذا لم تغلب فاخلب ) .
الثامنة عشرة : اختلف العلماء فيمن يخدع في البيوع لقلة خبرته وضعف عقله فهل يحجر عليه أو لا فقال بالحجر عليه أحمد وإسحاق .
وقال آخرون : لا يحجر عليه .
والقولان في المذهب ، والصحيح الأول ، لهذه الآية ، ولقوله في الحديث : ( يا نبي الله احجر على فلان ) .
وإنما ترك الحجر عليه لقوله : ( يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع ) .
فأباح له البيع وجعله خاصا به ؛ لأن من يخدع في البيوع ينبغي أن يحجر عليه لا سيما إذا كان ذلك لخبل عقله .
ومما يدل على الخصوصية ما رواه محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن يحيى بن حبان قال : هو جدي منقذ بن عمرو وكان رجلا قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه ونازعته عقله ، وكان لا يدع التجارة ولا يزال يغبن ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : إذا بعت فقل لا خلابة ثم أنت في كل سلعة تبتاعها بالخيار ثلاث ليال فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها .
وقد كان عمر عمرا طويلا ، عاش ثلاثين ومائة سنة ، وكان في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه حين فشا الناس وكثروا ، يبتاع البيع في السوق ويرجع به إلى أهله وقد غبن غبنا قبيحا ، فيلومونه ويقولون له تبتاع ؟ فيقول : أنا بالخيار ، إن رضيت أخذت وإن سخطت رددت ، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثا .
فيرد السلعة على صاحبها من الغد وبعد الغد ، فيقول : والله لا أقبلها ، قد أخذت سلعتي وأعطيتني دراهم ، قال فيقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعلني بالخيار ثلاثا .
فكان يمر الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول للتاجر : ويحك! إنه قد صدق ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان جعله بالخيار ثلاثا .
أخرجه الدارقطني .
وذكره أبو عمر في الاستيعاب وقال : ذكره البخاري في التاريخ عن عياش بن الوليد عن عبد الأعلى عن ابن إسحاق .
التاسعة عشرة : قوله تعالى : ( أو ضعيفا ) الضعيف هو المدخول العقل الناقص الفطرة العاجز عن الإملاء ، إما لعيه أو لخرسه أو جهله بأداء الكلام ، وهذا أيضا قد يكون وليه أبا أو وصيا .
والذي لا يستطيع أن يمل هو الصغير ، ووليه وصيه أو أبوه والغائب عن موضوع الإشهاد ، إما لمرض أو لغير ذلك من العذر .
ووليه وكيله .
وأما الأخرس فيسوغ أن يكون من الضعفاء ، والأولى أنه ممن لا يستطيع .
فهذه أصناف تتميز ، وسيأتي في " النساء " بيانها والكلام عليها إن شاء الله تعالى .
الموفية عشرين : قوله تعالى : فليملل وليه بالعدل ذهب الطبري إلى أن الضمير في ( وليه ) عائد على الحق وأسند في ذلك عن الربيع ، وعن ابن عباس .
وقيل : هو عائد على الذي عليه الحق وهو الصحيح .
وما روي عن ابن عباس لا يصح .
وكيف تشهد البينة على شيء وتدخل مالا في ذمة السفيه بإملاء الذي له الدين! هذا شيء ليس في الشريعة .
إلا أن يريد قائله : إن الذي لا يستطيع أن يمل لمرض أو كبر سن لثقل لسانه عن الإملاء أو لخرس ، وإذا كان كذلك فليس على المريض ومن ثقل لسانه عن الإملاء لخرس ولي عند أحد العلماء ، مثل ما ثبت على الصبي والسفيه عند من يحجر عليه .
فإذا كان كذلك فليمل صاحب الحق بالعدل ويسمع الذي عجز ، فإذا كمل الإملاء أقر به .
وهذا معنى لم تعن الآية إليه : ولا يصح هذا إلا فيمن لا يستطيع أن يمل لمرض ومن ذكر معه .
الحادية والعشرون : لما قال الله تعالى : وليملل الذي عليه الحق دل ذلك على أنه مؤتمن فيما يورده ويصدره ، فيقتضي ذلك قبول قول الراهن مع يمينه إذا اختلف هو والمرتهن في مقدار الدين والرهن قائم ، فيقول الراهن : رهنت بخمسين والمرتهن يدعي مائة ، فالقول قول الراهن والرهن قائم ، وهو مذهب أكثر الفقهاء : سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ، واختاره ابن المنذر قال : لأن المرتهن مدع للفضل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه .
وقال مالك : القول قول المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن ولا يصدق على أكثر من ذلك .
فكأنه يرى أن الرهن ويمينه شاهد ، للمرتهن ، وقوله تعالى : وليملل الذي عليه الحق رد عليه .
فإن الذي عليه الحق هو الراهن .
وستأتي هذه المسألة .
وإن قال قائل : إن الله تعالى جعل الرهن بدلا عن الشهادة والكتاب ، والشهادة دالة على صدق المشهود له فيما بينه وبين قيمة الرهن ، فإذا بلغ قيمته فلا وثيقة في الزيادة .
قيل له : الرهن لا يدل على أن قيمته تجب أن تكون مقدار الدين ، فإنه ربما رهن الشيء بالقليل والكثير .
نعم لا ينقص الرهن غالبا عن مقدار الدين ، فأما أن يطابقه فلا ، وهذا القائل يقول : يصدق المرتهن مع اليمين في مقدار الدين إلى أن يساوي قيمة الرهن .
وليس العرف على ذلك فربما نقص الدين عن الرهن وهو الغالب ، فلا حاصل لقولهم هذا .
الثانية والعشرون : وإذا ثبت أن المراد الولي ففيه دليل على أن إقراره جائز على يتيمه ؛ لأنه إذا أملاه فقد نفذ قوله عليه فيما أملاه .
الثالثة والعشرون : وتصرف السفيه المحجور عليه دون إذن وليه فاسد إجماعا مفسوخ أبدا لا يوجب حكما ولا يؤثر شيئا .
فإن تصرف سفيه ولا حجر عليه ففيه خلاف يأتي بيانه في ( النساء ) إن شاء الله تعالى .
الرابعة والعشرون : قوله تعالى : واستشهدوا شهيدين من رجالكم الاستشهاد طلب الشهادة .
واختلف الناس هل هي فرض أو ندب ، والصحيح أنه ندب على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
الخامسة والعشرون : قوله تعالى : ( شهيدين ) رتب الله سبحانه الشهادة بحكمته في الحقوق المالية والبدنية والحدود وجعل في كل فن شهيدين إلا في الزنا ، على ما يأتي بيانه في سورة ( النساء ) .
وشهيد بناء مبالغة ، وفي ذلك دلالة على من قد شهد وتكرر ذلك منه ، فكأنه إشارة إلى العدالة .
والله أعلم .
السادسة والعشرون : قوله تعالى : من رجالكم نص في رفض الكفار والصبيان والنساء ، وأما العبيد فاللفظ يتناولهم .
وقال مجاهد : المراد الأحرار ، واختاره القاضي أبو إسحاق وأطنب فيه .
وقد اختلف العلماء في شهادة العبيد ، فقال شريح وعثمان البتي وأحمد وإسحاق ، وأبو ثور : شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا ، وغلبوا لفظ الآية .
وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجمهور العلماء : لا تجوز شهادة العبد ، وغلبوا نقص الرق ، وأجازها الشعبي والنخعي في الشيء اليسير .
والصحيح قول الجمهور ؛ لأن الله تعالى قال : يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين وساق الخطاب إلى قوله من رجالكم فظاهر الخطاب يتناول الذين يتداينون ، والعبيد لا يملكون ذلك دون إذن السادة .
فإن قالوا : إن خصوص أول الآية لا يمنع التعلق بعموم آخرها .
قيل لهم : هذا يخصه قوله تعالى : ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا على ما يأتي بيانه .
وقوله من رجالكم دليل على أن الأعمى من أهل الشهادة لكن إذا علم يقينا ، مثل ما روي عن ابن عباس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال : ترى هذه الشمس فاشهد على مثلها أو دع .
وهذا يدل على اشتراط معاينة الشاهد لما يشهد به ، لا من يشهد بالاستدلال الذي يجوز أن يخطئ .
نعم يجوز له وطء امرأته إذا عرف صوتها ؛ لأن الإقدام على الوطء جائز بغلبة الظن ، فلو زفت إليه امرأة وقيل : هذه امرأتك وهو لا يعرفها جاز له وطؤها ، ويحل له قبول هدية جاءته بقول الرسول .
ولو أخبره مخبر عن زيد بإقرار أو بيع أو قذف أو غصب لما جاز له إقامة الشهادة على المخبر عنه ؛ لأن سبيل الشهادة اليقين ، وفي غيرها يجوز استعمال غالب الظن ، ولذلك قال الشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف : إذا علمه قبل العمى جازت الشهادة بعد العمى ، ويكون العمى الحائل بينه وبين المشهود عليه كالغيبة والموت في المشهود عليه .
فهذا مذهب هؤلاء .
والذي يمنع أداء الأعمى فيما تحمل بصيرا لا وجه له ، وتصح شهادته بالنسب الذي يثبت بالخبر المستفيض ، كما يخبر عما تواتر حكمه من الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومن العلماء من قبل شهادة الأعمى فيما طريقه الصوت ؛ لأنه رأى الاستدلال بذلك يترقى إلى حد اليقين ، ورأى أن اشتباه الأصوات كاشتباه الصور والألوان .
وهذا ضعيف يلزم منه جواز الاعتماد على الصوت للبصير .
قلت : مذهب مالك في شهادة الأعمى على الصوت جائزة في الطلاق وغيره إذا عرف الصوت .
قال ابن قاسم : قلت لمالك : فالرجل يسمع جاره من وراء الحائط ولا يراه ، ، يسمعه يطلق امرأته فيشهد عليه وقد عرف الصوت ؟ قال : قال مالك : شهادته جائزة .
وقال ذلك علي بن أبي طالب والقاسم بن محمد وشريح الكندي والشعبي وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد وربيعة وإبراهيم النخعي ومالك والليث .
السابعة والعشرون : قوله تعالى : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان المعنى إن لم يأت الطالب برجلين فليأت برجل وامرأتين ، هذا قول الجمهور .
( فرجل ) رفع بالابتداء ، ( وامرأتان ) عطف عليه والخبر محذوف .
أي فرجل وامرأتان يقومان مقامهما .
ويجوز النصب في غير القرآن ، أي فاستشهدوا رجلا وامرأتين .
وحكى سيبويه : إن خنجرا فخنجرا .
وقال قوم : بل المعنى فإن لم يكن رجلان ، أي لم يوجدا فلا يجوز استشهاد المرأتين إلا مع عدم الرجال .
قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، فلفظ الآية لا يعطيه ، بل الظاهر منه قول الجمهور ، أي إن لم يكن المستشهد رجلين ، أي إن أغفل ذلك صاحب الحق أو قصده لعذر ما فليستشهد رجلا وامرأتين .
فجعل تعالى شهادة المرأتين مع الرجل جائزة مع وجود الرجلين في هذه الآية ، ولم يذكرها في غيرها ، فأجيزت في الأموال خاصة في قول الجمهور ، بشرط أن يكون معهما رجل .
وإنما كان ذلك في الأموال دون غيرها ؛ لأن الأموال كثر الله أسباب توثيقها لكثرة جهات تحصيلها وعموم البلوى بها وتكررها ، فجعل فيها التوثق تارة بالكتبة وتارة بالإشهاد وتارة بالرهن وتارة بالضمان ، وأدخل في جميع ذلك شهادة النساء مع الرجال .
ولا يتوهم عاقل أن قوله تعالى : إذا تداينتم بدين يشتمل على دين المهر مع البضع ، وعلى الصلح على دم العمد ، فإن تلك الشهادة ليست شهادة على الدين ، بل هي شهادة على النكاح .
وأجاز العلماء شهادتهن منفردات فيما لا يطلع عليه غيرهن للضرورة .
وعلى مثل ذلك أجيزت شهادة الصبيان في الجراح فيما بينهم للضرورة .
وقد اختلف العلماء في شهادة الصبيان في الجراح ، وهي :الثامنة والعشرون : فأجازها مالك ما لم يختلفوا ولم يفترقوا .
ولا يجوز أقل من شهادة اثنين منهم على صغير لكبير ولكبير على صغير .
وممن كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح عبد الله بن الزبير .
وقال مالك : وهو الأمر عندنا المجتمع عليه .
ولم يجز الشافعي ، وأبو حنيفة وأصحابه شهادتهم ، لقوله تعالى : من رجالكم وقوله : ممن ترضون وقوله : ذوي عدل منكم وهذه الصفات ليست في الصبي .
التاسعة والعشرون : لما جعل الله سبحانه شهادة امرأتين بدل شهادة رجل وجب أن يكون حكمهما حكمه ، فكما له أن يحلف مع الشاهد عندنا ، وعند الشافعي كذلك ، يجب أن يحلف مع شهادة امرأتين بمطلق هذه العوضية .
وخالف في هذا أبو حنيفة وأصحابه فلم يروا اليمين مع الشاهد وقالوا : إن الله سبحانه قسم الشهادة وعددها ، ولم يذكر الشاهد واليمين ، فلا يجوز القضاء به لأنه يكون قسما زائدا على ما قسمه الله ، وهذه زيادة على النص ، وذلك نسخ .
وممن قال بهذا القول الثوري والأوزاعي وعطاء والحكم بن عتيبة وطائفة .
قال بعضهم : الحكم باليمين مع الشاهد منسوخ بالقرآن .
وزعم عطاء أن أول من قضى به عبد الملك بن مروان ، وقال : الحكم : القضاء باليمين والشاهد بدعة ، وأول من حكم به معاوية .
وهذا كله غلط وظن لا يغني من الحق شيئا ، وليس من نفى وجهل كمن أثبت وعلم وليس في قول الله تعالى : واستشهدوا شهيدين من رجالكم الآية ، ما يرد به قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين مع الشاهد ولا أنه لا يتوصل إلى الحقوق ولا تستحق إلا بما ذكر فيها لا غير ، فإن ذلك يبطل بنكول المطلوب ويمين الطالب ، فإن ذلك يستحق به المال إجماعا وليس في كتاب الله تعالى ، وهذا قاطع في الرد عليهم .
قال مالك : فمن الحجة على من قال ذلك القول أن يقال له : أرأيت لو أن رجلا ادعى على رجل مالا أليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه ؟ فإن حلف بطل ذلك الحق عنه ، وإن نكل عن اليمين حلف صاحب الحق ، أن حقه لحق ، وثبت حقه على صاحبه .
فهذا مما لا اختلاف فيه عند أحد من الناس ولا ببلد من البلدان ، فبأي شيء أخذ هذا وفي أي كتاب الله وجده ؟ فمن أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد .
قال علماؤنا : ثم العجب مع شهرة الأحاديث وصحتها بدعوا من عمل بها حتى نقضوا حكمه واستقصروا رأيه ، مع أنه قد عمل بذلك الخلفاء الأربعة وأبي بن كعب ومعاوية وشريح وعمر بن عبد العزيز - وكتب به إلى عماله - ، وإياس بن معاوية وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو الزناد وربيعة ، ولذلك قال مالك : وإنه ليكفي من ذلك ما مضى من عمل السنة ، أترى هؤلاء تنقض أحكامهم ، ويحكم ببدعتهم! هذا إغفال شديد ، ونظر غير سديد .
روى الأئمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى باليمين مع الشاهد .
قال عمرو بن دينار : في الأموال خاصة ، رواه سيف بن سليمان عن قيس بن سعد بن دينار عن ابن عباس .
قال أبو عمر : هذا أصح إسناد لهذا الحديث ، وهو حديث لا مطعن لأحد في إسناده ، ولا خلاف بين أهل المعرفة بالحديث في أن رجاله ثقات .
قال يحيى القطان : سيف بن سليمان ثبت ، ما رأيت أحفظ منه .
وقال النسائي : هذا إسناد جيد ، سيف ثقة ، وقيس ثقة .
وقد خرج مسلم حديث ابن عباس هذا .
قال أبو بكر البزار : سيف بن سليمان وقيس بن سعد ثقتان ، ومن بعدهما يستغنى عن ذكرهما لشهرتهما في الثقة والعدالة .
ولم يأت عن أحد من الصحابة أنه أنكر اليمين مع الشاهد ، بل جاء عنهم القول به ، وعليه جمهور أهل العلم بالمدينة .
واختلف فيه عن عروة بن الزبير وابن شهاب ، فقال معمر : سألت الزهري عن اليمين مع الشاهد فقال : هذا شيء أحدثه الناس ، لا بد من شاهدين .
وقد روي عنه أنه أول ما ولي القضاء حكم بشاهد ويمين ، وبه قال مالك وأصحابه والشافعي وأتباعه وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود بن علي وجماعة أهل الأثر ، وهو الذي لا يجوز عندي خلافه ، لتواتر الآثار به عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمل أهل المدينة قرنا بعد قرن .
وقال مالك : يقضى باليمين مع الشاهد في كل البلدان ، ولم يحتج في موطئه لمسألة غيرها .
ولم يختلف عنه في القضاء باليمين مع الشاهد ولا عن أحد من أصحابه بالمدينة ومصر وغيرهما ، ولا يعرف المالكيون في كل بلد غير ذلك من مذهبهم إلا عندنا بالأندلس ، فإن يحيى بن يحيى زعم أنه لم ير الليث يفتي به ولا يذهب إليه .
وخالف يحيى مالكا في ذلك مع مخالفته السنة والعمل بدار الهجرة .
ثم اليمين مع الشاهد زيادة حكم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كنهيه عن نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قول الله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم .
وكنهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية ، وكل ذي ناب من السباع مع قوله : قل لا أجد .
وكالمسح على الخفين ، والقرآن إنما ورد بغسل الرجلين أو مسحهما ، ومثل هذا كثير .
ولو جاز أن يقال : إن القرآن نسخ حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد ، لجاز أن يقال : إن القرآن في قوله عز وجل : وأحل الله البيع وحرم الربا وفي قوله : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ناسخ لنهيه عن المزابنة وبيع الغرر وبيع ما لم يخلق ، إلى سائر ما نهى عنه في البيوع ، وهذا لا يسوغ لأحد ؛ لأن السنة مبينة للكتاب .
فإن قيل : إن ما ورد من الحديث قضية في عين فلا عموم .
قلنا : بل ذلك عبارة عن تقعيد هذه القاعدة ، فكأنه قال : أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم باليمين مع الشاهد .
ومما يشهد لهذا التأويل ما رواه أبو داود في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين في الحقوق ، ومن جهة القياس والنظر أنا وجدنا اليمين أقوى من المرأتين ؛ لأنهما لا مدخل لهما في اللعان واليمين تدخل في اللعان .
وإذا صحت السنة فالقول بها يجب ، ولا تحتاج السنة إلى ما يتابعها ؛ لأن من خالفها محجوج بها .
وبالله التوفيق .
الموفية ثلاثين : إذا تقرر وثبت الحكم باليمين مع الشاهد ، فقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب : ذلك في الأموال وما يتعلق بها دون حقوق الأبدان ، للإجماع على ذلك من كل قائل باليمين مع الشاهد .
قال : لأن حقوق الأموال أخفض من حقوق الأبدان ، بدليل قبول شهادة النساء فيها .
وقد اختلف قول مالك في جراح العمد ، هل يجب القود فيها بالشاهد واليمين ؟ فيه روايتان : إحداهما أنه يجب به التخيير بين القود والدية .
والأخرى أنه لا يجب به شيء ؛ لأنه من حقوق الأبدان .
قال : وهو الصحيح .
قال مالك في الموطأ : وإنما يكون ذلك في الأموال خاصة ، وقاله عمرو بن دينار .
وقال المازري : يقبل في المال المحض من غير خلاف ، ولا يقبل في النكاح والطلاق المحضين من غير خلاف .
وإن كان مضمون الشهادة ما ليس بمال ، ولكنه يؤدي إلى المال ، كالشهادة بالوصية والنكاح بعد الموت ، حتى لا يطلب من ثبوتها إلا المال إلى غير ذلك ، ففي قبوله اختلاف ، فمن راعى المال قبله كما يقبله في المال ، ومن راعى الحال لم يقبله .
وقال المهدوي : شهادة النساء في الحدود غير جائزة في قول عامة الفقهاء ، وكذلك في النكاح والطلاق في قول أكثر العلماء ، وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما ، وإنما يشهدن في الأموال .
وكل ما لا يشهدن فيه فلا يشهدن على شهادة غيرهن فيه ، كان معهن رجل أو لم يكن ، ولا ينقلن شهادة إلا مع رجل نقلن عن رجل وامرأة .
ويقضى باثنتين منهن في كل ما لا يحضره غيرهن كالولادة والاستهلال ونحو ذلك .
هذا كله مذهب مالك ، وفي بعضه اختلاف .
الحادية والثلاثون : قوله تعالى : ممن ترضون من الشهداء في موضع رفع على الصفة لرجل وامرأتين .
قال ابن بكير وغيره : هذه مخاطبة للحكام .
ابن عطية : وهذا غير نبيل ، وإنما الخطاب لجميع الناس ، لكن المتلبس بهذه القضية إنما هم الحكام ، وهذا كثير في كتاب الله يعم الخطاب فيما يتلبس به البعض .
الثانية والثلاثون : لما قال الله تعالى : ممن ترضون من الشهداء دل على أن في الشهود من لا يرضى ، فيجيء من ذلك أن الناس ليسوا محمولين على العدالة حتى تثبت لهم ، وذلك معنى زائد على الإسلام ، وهذا قول الجمهور .
وقال أبو حنيفة : كل مسلم ظاهر الإسلام مع السلامة من فسق ظاهر فهو عدل وإن كان مجهول الحال .
وقال شريح وعثمان البتي وأبو ثور : هم عدول المسلمين وإن كانوا عبيدا .
قلت فعمموا الحكم ، ويلزم منه قبول شهادة البدوي على القروي إذا كان عدلا مرضيا وبه قال الشافعي ومن وافقه ، وهو من رجالنا وأهل ديننا .
وكونه بدويا ككونه من بلد آخر والعمومات في القرآن الدالة على قبول شهادة العدول تسوي بين البدوي والقروي ، قال الله تعالى : ممن ترضون من الشهداء وقال تعالى : وأشهدوا ذوي عدل منكم ف ( منكم ) خطاب للمسلمين .
وهذا يقتضي قطعا أن يكون معنى العدالة زائدا على الإسلام ضرورة ؛ لأن الصفة زائدة ، على الموصوف ، وكذلك ممن ترضون مثله ، خلاف ما قال أبو حنيفة ، ثم لا يعلم كونه مرضيا حتى يختبر حاله ، فيلزمه ألا يكتفي بظاهر الإسلام .
وذهب أحمد بن حنبل ومالك في رواية ابن وهب عنه إلى رد شهادة البدوي على القروي لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية .
والصحيح جواز شهادته إذا كان عدلا مرضيا ، على ما يأتي في " النساء " و " براءة " إن شاء الله تعالى .
وليس في حديث أبي هريرة فرق بين القروي في الحضر أو السفر ، ومتى كان في السفر فلا خلاف في قبوله .
قال علماؤنا : العدالة هي الاعتدال في الأحوال الدينية ، وذلك يتم بأن يكون مجتنبا للكبائر محافظا على مروءته وعلى ترك الصغائر ، ظاهر الأمانة غير مغفل .
وقيل : صفاء السريرة واستقامة السيرة في ظن المعدل ، والمعنى متقارب .
الثالثة والثلاثون : لما كانت الشهادة ولاية عظيمة ومرتبة منيفة ، وهي قبول قول الغير على الغير ، شرط تعالى فيها الرضا والعدالة .
فمن حكم الشاهد .
أن تكون له شمائل ينفرد بها وفضائل يتحلى بها حتى تكون له مزية على غيره ، توجب له تلك المزية رتبة الاختصاص بقبول قوله ، ويحكم بشغل ذمه المطلوب بشهادته .
وهذا أدل دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات عند علمائنا على ما خفي من المعاني والأحكام .
وسيأتي لهذا في سورة " يوسف " زيادة بيان إن شاء الله تعالى .
وفيه ما يدل على تفويض الأمر إلى اجتهاد الحكام ، فربما تفرس في الشاهد غفلة أو ريبة فيرد شهادته لذلك .
الرابعة والثلاثون : قال أبو حنيفة : يكتفى بظاهر الإسلام في الأموال دون الحدود .
وهذه مناقصة تسقط كلامه وتفسد عليه مرامه ؛ لأننا نقول : حق من الحقوق .
فلا يكتفى في الشهادة عليه بظاهر الدين كالحدود ، قاله ابن العربي .
الخامسة والثلاثون : وإذ قد شرط الله تعالى الرضا والعدالة في المداينة كما بينا فاشتراطها في النكاح أولى ، خلافا لأبي حنيفة حيث قال : إن النكاح ينعقد .
بشهادة فاسقين .
فنفى الاحتياط المأمور به في الأموال عن النكاح ، وهو أولى لما يتعلق به من الحل والحرمة والحد والنسب .
قلت : قول أبي حنيفة في هذا الباب ضعيف جدا ، لشرط الله تعالى الرضا والعدالة ، وليس يعلم كونه مرضيا بمجرد الإسلام ، وإنما يعلم بالنظر في أحواله حسب ما تقدم .
ولا يغتر بظاهر قوله : أنا مسلم .
فربما انطوى على ما يوجب رد شهادته ، مثل قوله تعالى : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه إلى قوله : والله لا يحب الفساد ، وقال : وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم الآية .
السادسة والثلاثون : أن تضل إحداهما قال أبو عبيد : معنى ( تضل ) تنسى .
والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء ، ويبقى المرء حيران بين ذلك ضالا .
ومن نسي الشهادة جملة فليس يقال : ضل فيها .
وقرأ حمزة " إن " بكسر الهمزة على معنى الجزاء ، والفاء في قوله : ( فتذكر ) جوابه ، وموضع الشرط وجوابه رفع على الصفة للمرأتين والرجل ، وارتفع " تذكر " على الاستئناف ، كما ارتفع قوله : ومن عاد فينتقم الله منه هذا قول سيبويه .
ومن فتح " أن " فهي مفعول له والعامل فيها محذوف .
وانتصب " فتذكر " على قراءة الجماعة عطفا على الفعل المنصوب ب " أن " .
قال النحاس : ويجوز " تضل " بفتح التاء والضاد ، ويجوز ( تضل ) بكسر التاء وفتح الضاد .
فمن قال : " تضل " جاء به على لغة من قال : ضللت تضل .
وعلى هذا تقول تضل فتكسر التاء لتدل على أن الماضي فعلت .
وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر " أن تضل " بضم التاء وفتح الضاد بمعنى تنسى ، وهكذا حكى عنهما أبو عمرو الداني .
وحكى النقاش عن الجحدري ضم التاء وكسر الضاد بمعنى أن تضل الشهادة .
تقول : أضللت الفرس والبعير إذا تلفا لك وذهبا فلم تجدهما .
السابعة والثلاثون : قوله تعالى : ( فتذكر ) خفف الذال والكاف ابن كثير وأبو عمرو ، وعليه فيكون المعنى أن تردها ذكرا في الشهادة ؛ لأن شهادة المرأة نصف شهادة ، فإذا شهدتا صار مجموعهما كشهادة ذكر ، قاله سفيان بن عيينة وأبو عمرو بن العلاء .
وفيه بعد ؛ إذ لا يحصل في مقابلة الضلال الذي معناه النسيان إلا الذكر ، وهو معنى قراءة الجماعة " فتذكر " بالتشديد ، أي تنبهها إذا غفلت ونسيت .
قلت : وإليها ترجع قراءة أبي عمرو ، أي إن تنس إحداهما فتذكرها الأخرى ، يقال : تذكرت الشيء وأذكرته وذكرته بمعنى ، قاله في الصحاح .
الثامنة والثلاثون : قوله تعالى : ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا قال الحسن : جمعت هذه الآية أمرين ، وهما ألا تأبى إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة ، ولا إذا دعيت إلى أدائها ، وقاله ابن عباس .
وقال قتادة والربيع وابن عباس : أي لتحملها وإثباتها في الكتاب .
وقال مجاهد : معنى الآية إذا دعيت إلى أداء شهادة وقد حصلت عندك .
وأسند النقاش إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الآية بهذا ، قال مجاهد : فأما إذا دعيت لتشهد أولا فإن شئت فاذهب وإن شئت فلا ، وقاله أبو مجلز وعطاء وإبراهيم وابن جبير والسدي وابن زيد وغيرهم .
وعليه فلا يجب على الشهود الحضور عند المتعاقدين ، وإنما على المتداينين أن يحضرا عند الشهود ، فإذا حضراهم وسألاهم إثبات شهادتهم في الكتاب فهذه الحالة التي يجوز أن تراد بقوله تعالى : ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا لإثبات الشهادة فإذا ثبتت شهادتهم ثم دعوا لإقامتها عند الحاكم فهذا الدعاء هو بحضورهما عند الحاكم ، على ما يأتي .
وقال ابن عطية : والآية كما قال الحسن جمعت أمرين على جهة الندب ، فالمسلمون مندوبون إلى معونة إخوانهم ، فإذا كانت الفسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطيل الحق فالمدعو مندوب ، وله أن يتخلف لأدنى عذر ، وإن تخلف لغير عذر فلا إثم عليه ولا ثواب له .
وإذا كانت الضرورة وخيف تعطل الحق أدنى خوف قوي الندب وقرب من الوجوب ، وإذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة فواجب عليه القيام بها ، لا سيما إن كانت محصلة وكان الدعاء إلى أدائها ، فإن هذا الظرف آكد ؛ لأنها قلادة في العنق وأمانة تقتضي الأداء .
قلت : وقد يستخرج من هذه الآية دليل على أن جائزا للإمام أن يقيم للناس شهودا ويجعل لهم من بيت المال ك


شرح المفردات و معاني الكلمات : آمنوا , تداينتم , بدين , أجل , مسمى , فاكتبوه , وليكتب , كاتب , بالعدل , يأب , يكتب , علمه , الله , فليكتب , وليملل , الحق , وليتق , الله , ربه , يبخس , سفيها , ضعيفا , يستطيع , يمل , فليملل , وليه , واستشهدوا , شهيدين , رجالكم , يكونا , رجلين , فرجل , وامرأتان , ترضون , الشهداء , تضل , فتذكر , الأخرى , يأب , دعوا , تسأموا , تكتبوه , صغيرا , كبيرا , أجله , أقسط , أقوم , للشهادة , أدنى , ترتابوا , تكون , تجارة , حاضرة , تديرونها , فليس , جناح , تكتبوها , أشهدوا , تبايعتم , يضار , شهيد , تفعلوا , فسوق , واتقوا , يعلمكم , شيء , عليم , وليكتب+بينكم+كاتب+بالعدل , ولا+يأب+كاتب+أن+يكتب+كما+علمه+الله , فليكتب+وليملل+الذي+عليه+الحق+وليتق+الله+ربه , ولا+يبخس+منه+شيئا , فليملل+وليه+بالعدل , واستشهدوا+شهيدين+من+رجالكم , فإن+لم+يكونا+رجلين+فرجل+وامرأتان+ممن+ترضون+من+الشهداء , أن+تضل+إحداهما+فتذكر+إحداهما+الأخرى , ولا+يأب+الشهداء+إذا+ما+دعوا , ولا+تسأموا+أن+تكتبوه+صغيرا+أو+كبيرا+إلى+أجله , ذلكم+أقسط+عند+الله+وأقوم+للشهادة+وأدنى+ألا+ترتابوا , إلا+أن+تكون+تجارة+حاضرة+تديرونها+بينكم , وأشهدوا+إذا+تبايعتم , لا+يضار+كاتب+ولا+شهيد , وإن+تفعلوا+فإنه+فسوق+بكم , واتقوا+الله+ويعلمكم+الله ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون
  2. قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء
  3. إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن
  4. وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله
  5. إنا أنـزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما
  6. قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون
  7. ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم
  8. فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
  9. ولو أننا نـزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا
  10. قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Friday, April 26, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب