تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ إبراهيم: 22] .
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
سورة : إبراهيم - الأية : ( 22 )
- الجزء : ( 13 )
-
الصفحة: ( 258 )
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
[ سورة إبراهيم: 22]
القول في تفسير قوله تعالى : وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ..
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
التفسير الميسر : وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم
وقال الشيطان -بعد أن قضى الله الأمر وحاسب خَلْقه، ودخل أهلُ الجنة الجنةَ وأهلُ النارِ النارَ-: إن الله وعدكم وعدًا حقًا بالبعث والجزاء، ووعدتكم وعدًا باطلا أنه لا بَعْثَ ولا جزاء، فأخلفتكم وعدي، وما كان لي عليكم من قوة أقهركم بها على اتباعي، ولا كانت معي حجة، ولكن دعوتكم إلى الكفر والضلال فاتبعتموني، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، فالذنب ذنبكم، ما أنا بمغيثكم ولا أنتم بمغيثيَّ من عذاب الله، إني تبرَّأت مِن جَعْلِكم لي شريكًا مع الله في طاعته في الدنيا. إن الظالمين -في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل- لهم عذاب مؤلم موجع.
المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار
وقال إبليس حين دخل أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ: إن الله وعدكم الوعد الحق، فأنجزكم ما وعدكم، ووعدتكم وعد الباطل فلم أَفِ بما وعدتكم به، وما كان لي من قوة أقهركم بها في الدنيا على الكفر والضلال، لكن دعوتكم إلى الكفر، وزينت لكم المعاصي، فسارعتم إلى اتباعي، فلا تلوموني على ما حصل لكم من الضلال، ولوموا أنفسكم، فهي أولى باللوم، ما أنا بمغيثكم بدفع العذاب عنكم، وما أنتم بمغيثيَّ بدفعه عني، إني كفرت بجعلكم إياي شريكًا لله في العبادة، إن الظالمين - بالشرك بالله في الدنيا والكفر به - لهم عذاب موجع ينتظرهم يوم القيامة.
تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 22
«وقال الشيطان» إبليس «لما قضي الأمر» وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار واجتمعوا عليه «إن الله وعدكم وعد الحق» بالبعث والجزاء فصدقكم «ووعدتكم» أنه غير كائن «فأخلفتكم وما كان لي عليكم من» زائدة «سلطان» قوة وقدرة أقهركم على متابعتي «إلا» لكن «أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولموا أنفسكم» على إجابتي «ما أنا بمصرخكم» بمغيثكم «وما أنتم بمصرخيَِّ» بفتح الياء وكسرها «إني كفرت بما أشركتمون» بإشراككم إياي مع الله «من قبل» من الدنيا قال تعالى «إن الظالمين» الكافرين «لهم عذاب أليم» مؤلم.
تفسير السعدي : وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم
أي: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ } الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم، مخاطبا لأهل النار ومتبرئا منهم { لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ } ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
{ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ } على ألسنة رسله فلم تطيعوه، فلو أطعتموه لأدركتم الفوز العظيم، { وَوَعَدْتُكُمْ } الخير { فَأَخْلَفْتُكُمْ }- أي: لم يحصل ولن يحصل لكم ما منيتكم به من الأماني الباطلة.{ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ }- أي: من حجة على تأييد قولي، { إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي }- أي: هذا نهاية ما عندي أني دعوتكم إلى مرادي وزينته لكم، فاستجبتم لي اتباعا لأهوائكم وشهواتكم، فإذا كانت الحال بهذه الصورة { فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ } فأنتم السبب وعليكم المدار في موجب العقاب، { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ }- أي: بمغيثكم من الشدة التي أنتم بها { وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } كل له قسط من العذاب.{ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ }- أي: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله ولا تجب طاعتي، { إِنَّ الظَّالِمِينَ } لأنفسهم بطاعة الشيطان { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } خالدين فيه أبدا.وهذا من لطف الله بعباده ،أن حذرهم من طاعة الشيطان وأخبر بمداخله التي يدخل منها على الإنسان ومقاصده فيه، وأنه يقصد أن يدخله النيران، وهنا بين لنا أنه إذا دخل النار وحزبه أنه يتبرأ منهم هذه البراءة، ويكفر بشركهم { ولا ينبئك مثل خبير }واعلم أن الله ذكر في هذه الآية أنه ليس له سلطان، وقال في آية أخرى { إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الحجة والدليل، فليس له حجة أصلا على ما يدعو إليه، وإنما نهاية ذلك أن يقيم لهم من الشبه والتزيينات ما به يتجرؤون على المعاصي.وأما السلطان الذي أثبته فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يُؤزّهم إلى المعاصي أزّا، وهم الذين سلطوه على أنفسهم بموالاته والالتحاق بحزبه، ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
تفسير البغوي : مضمون الآية 22 من سورة إبراهيم
قوله تعالى : ( وقال الشيطان ) يعني : إبليس ( لما قضي الأمر ) أي : فرغ منه فأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .وقال مقاتل : يوضع له منبر في النار ، فيرقاه فيجتمع عليه الكفار باللائمة فيقول لهم :( إن الله وعدكم وعد الحق ) فوفى لكم به ( ووعدتكم فأخلفتكم ) وقيل: يقول لهم : قلت لكم لا بعث ولا جنة ولا نار . ( وما كان لي عليكم من سلطان ) ولاية . وقيل: لم آتكم بحجة فيما دعوتكم إليه ( إلا أن دعوتكم ) هذا استثناء منقطع معناه : لكن ( دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) بإجابتي ومتابعتي من غير سلطان ولا برهان ( ما أنا بمصرخكم ) بمغيثكم ( وما أنتم بمصرخي ) بمغيثي .قرأ الأعمش ، وحمزة " بمصرخي " بكسر الياء ، والآخرون بالنصب لأجل التضعيف ، ومن كسر فلالتقاء الساكنين ، حركت إلى الكسر ، لأن الياء أخت الكسرة ، وأهل النحو لم يرضوه ، وقيل: إنه لغة بني يربوع . والأصل ( بمصرخيني ) فذهبت النون لأجل الإضافة ، وأدغمت ياء الجماعة في ياء الإضافة .( إني كفرت بما أشركتمون من قبل ) أي : كفرت بجعلكم إياي شريكا في عبادته وتبرأت من ذلك .( إن الظالمين ) الكافرين ( لهم عذاب أليم ) .أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن أحمد الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن رشدين بن سعد ، أخبرني عبد الرحمن بن زياد ، عن دخين الحجري ، عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة ذكر الحديث ثم قال : " يقول عيسى عليه السلام : ذلكم النبي الأمي ، فيأتوني ، فيأذن الله لي أن أقوم ، فيثور من مجلسي من أطيب ريح شمها أحد ، حتى آتي ربي عز وجل فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ، ثم يقول الكفار : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ؟ فيقولون : ما هو غير إبليس ، هو الذي أضلنا ، فيأتونه فيقولون له : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا ، فإنك أنت أضللتنا . فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد ، ثم تعظم جهنم ، ويقول عند ذلك : ( إن الله وعدكم وعد الحق ) الآية .
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
ثم حكى- سبحانه - بعد ذلك ما يقوله الشيطان لأتباعه يوم القيامة، فقال-تبارك وتعالى-:وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ، إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ... والمراد بالشيطان هنا: إبليس- لعنه الله-.قال الفخر الرازي: «وأما الشيطان فالمراد به إبليس لأن لفظ الشيطان مفرد فيتناول الواحد، وإبليس رأس الشياطين ورئيسهم، فحمل اللفظ عليه أولى. ولا سيما وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الخلق وقضى بينهم، يقول الكافر: قد وجد المسلمون من يشفع لهم فمن يشفع لنا، ما هو إلا إبليس، فهو الذي أضلنا، فيأتونه ويسألونه فعند ذلك يقول هذا القول..» .والمراد بقوله- سبحانه - لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ أى: حين تم الحساب، وعرف أهل الجنة ثوابهم، وعرف أهل النار مصيرهم، كل فريق في المكان الذي أعده الله تعالى له.والمقصود من حكاية ما يقوله الشيطان للكافرين في هذا اليوم. تحذير المؤمنين من وسوسته وإغوائه، حتى ينجوا من العذاب الذي يحل بأتباعه يوم القيامة.والمراد بالحق في قوله إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ: الصدق والوفاء بما وعدكم به على ألسنة رسله.والمراد بالإخلاف في قوله وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ الكذب والغدر وعدم الوفاء بما مناهم به، من أمانى باطلة.قال-تبارك وتعالى-: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً . وإضافة الوعد إلى الحق من إضافة الموصوف إلى الصفة أى إن الله-تبارك وتعالى- وعدكم الوعد الحق الذي لا نقض له، وهو أن الجزاء حق، والبعث حق، والجنة حق، والنار حق، ووعدتكم وعدا باطلا بأنه لا بعث ولا حساب.. فأخلفتكم ما وعدتكم به، وظهر كذبى فيما قلته لكم. ثم أضاف إلى ذلك قوله- كما حكى القرآن عنه-: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ...والسلطان: اسم مصدر بمعنى التسلط والقهر والغلبة.أى: وما كان لي فيما وعدتكم به من تسلط عليكم، أو إجبار لكم، لكني دعوتكم إلى ما دعوتكم إليه من باطل وغواية، فانقدتم لدعوتى واستجبتم لوسوستى عن طواعية واختيار.فالاستثناء في قوله «إلا أن دعوتكم» استثناء منقطع، لأن ما بعد حرف الاستثناء ليس من جنس ما قبله، وبعضهم يرى أن الاستثناء متصل.قال الجمل: «وفي هذا الاستثناء وجهان: أظهرهما: أنه استثناء منقطع، لأن دعاءه ليس من جنس السلطان وهو الحجة البينة، والثاني: أنه متصل لأن القدرة على حمل الإنسان على الشيء تارة تكون بالقهر، وتارة تكون بتقوية الداعية في قلبه بإلقاء الوساوس إليه. فهو نوع من التسلط» .وقوله فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ زيادة في تأنيبهم وفي حسراتهم على انقيادهم له.أى: فلا تلوموني بسبب وعودي إياكم. ولوموا أنفسكم، لأنكم تقبلتم هذه الوعود الكاذبة بدون تفكر أو تأمل، وأعرضتم عن الحق الواضح الذي جاءكم من عند ربكم، ومالك أمركم.ثم ينفض يده منهم، ويخلى بينهم وبين مصيرهم السيئ فيقول: ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ. أى: ما أنا بمغيثكم ومنقذكم مما أنتم فيه من عذاب، وما أنتم بمغيثي مما أنا فيه من عذاب- أيضا- فقد انقطعت بيننا الأواصر والصلات..قال القرطبي ما ملخصه: «والصارخ والمستصرخ هو الذي يطلب النصرة والمعاونة، والمصرخ هو المغيث لغيره ... قال أمية بن أبى الصلت:ولا تجزعا إنى لكم غير مصرخ ... وليس لكم عندي غناء ولا نصرويقال: صرخ فلان أى استغاث يصرخ صرخا وصراخا وصرخة..ومنه: استصرخني فلان فأصرخته، أى استغاث بي فأغثته.. .وجملة «إنى كفرت بما أشركتمون من قبل..» مستأنفة، لإظهار المزيد من التنصل والتبري من كل علاقة بينه وبينهم.و «ما» في قوله «بما أشركتمون» الظاهر أنها مصدرية..قال الآلوسى ما ملخصه: «وأراد بقوله إِنِّي كَفَرْتُ أى: إنى كفرت اليوم «بما أشركتمون من قبل» .أى: من قبل هذا اليوم، يعنى في الدنيا و «ما» مصدرية و «من قبل» متعلق بأشركتمون.والمعنى: إنى كفرت بإشراككم إياى لله-تبارك وتعالى- في الطاعة، لأنهم كانوا يطيعون الشيطان فيما يزينه لهم من عبادة غير الله-تبارك وتعالى-، ومن أفعال الشر..ومراد اللعين: أنه إن كان إشراككم لي مع الله-تبارك وتعالى-، هو الذي أطمعكم في نصرتي لكم ... فإنى متبرئ من هذا الشرك، فلم يبق بيني وبينكم علاقة ... فالكلام محمول على إنشاء التبري منهم يوم القيامة..ثم قال: وجوز غير واحد أن تكون «ما» موصولة بمعنى من، والعائد محذوف، و «من قبل» متعلق بكفرت. أى: إنى كفرت من قبل- حين أبيت السجود لآدم- بالذي أشركتمونيه. أى: جعلتموني شريكا له في الطاعة وهو الله- عز وجل - ...والكلام على هذا إقرار من اللعين بقدم كفره، وبسبق خطيئته فلا يمكنه أن يقدم لهم عونا أو نصرا ....وجملة «إن الظالمين لهم عذاب أليم» في موقع التعليل لما تقدم، والظاهر أنها ابتداء كلام من جهته-تبارك وتعالى-: لبيان سوء عاقبة الظالمين.ويجوز أن تكون من تتمة كلام إبليس- الذي حكاه القرآن عنه-، ويكون الغرض منها قطع أطماعهم في الإغاثة أو النصر، وتنبيه المؤمنين في كل زمان ومكان إلى عداوة الشيطان لهم وتحذيرهم من اتباع خطواته.قال الشيخ الشوكانى- رحمه الله- ما ملخصه: «لقد قام الشيطان للكافرين في هذا اليوم مقاما يقصم ظهورهم، ويقطع قلوبهم، فأوضح لهم أولا: أن مواعيده التي كان يعدهم بها في الدنيا باطلة معارضة لوعد الحق من الله-تبارك وتعالى- وأنه أخلفهم ما وعدهم به ...ثم أوضح لهم ثانيا: بأنهم قبلوا قوله بما لا يتفق مع العقل، لعدم الحجة التي لا بد للعاقل منها في قبول قول غيره.ثم أوضح لهم ثالثا: بأنه لم يكن منه إلا مجرد الدعوة العاطلة عن البرهان، الخالية عن أيسر شيء مما يتمسك به العقلاء.ثم نعى عليهم رابعا: ما وقعوا فيه، ودفع لومهم له، وأمرهم بأن يلوموا أنفسهم، لأنهم هم الذين قبلوا الباطل البحت الذي لا يلتبس بطلانه على من له أدنى عقل.ثم أوضح لهم خامسا: بأنه لا نصر عنده ولا إغاثة ... بل هو مثلهم في الوقوع في البلية..ثم صرح لهم سادسا: بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له، وهو إشراكه مع الله-تبارك وتعالى- فتضاعفت عليهم الحسرات، وتوالت عليهم المصائب.وإذا كانت جملة «إن الظالمين لهم عذاب أليم» من تتمة كلامه- كما ذهب إليه البعض- فهو نوع سابع من كلامه الذي خاطبهم به، فيكون قد أثبت لهم الظلم، وذكر لهم جزاءه» .
وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم: تفسير ابن كثير
يخبر تعالى عما خطب به إبليس [ لعنه الله ] أتباعه ، بعدما قضى الله بين عباده ، فأدخل المؤمنين الجنات ، وأسكن الكافرين الدركات ، فقام فيهم إبليس - لعنه الله - حينئذ خطيبا ليزيدهم حزنا إلى حزنهم وغبنا إلى غبنهم ، وحسرة إلى حسرتهم ، فقال : { إن الله وعدكم وعد الحق } أي: على ألسنة رسله ، ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلامة ، وكان وعدا حقا ، وخبرا صدقا ، وأما أنا فوعدتكم وأخلفتكم ، كما قال الله تعالى : { يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } [ النساء : 120 ] .
ثم قال : { وما كان لي عليكم من سلطان } أي: ما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه من دليل ولا حجة على صدق ما وعدتكم به ، { إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } بمجرد ذلك ، هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاءوكم به ، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه ، { فلا تلوموني } اليوم ، { ولوموا أنفسكم } فإن الذنب لكم ، لكونكم خالفتم الحجج واتبعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل ، { ما أنا بمصرخكم } أي: بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه ، { وما أنتم بمصرخي } أي: بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال ، { إني كفرت بما أشركتمون من قبل }
قال قتادة : أي بسبب ما أشركتمون من قبل .
وقال ابن جرير : يقول : إني جحدت أن أكون شريكا لله ، عز وجل .
وهذا الذي قاله هو الراجح كما قال تعالى : { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } [ الأحقاف : 5 ، 6 ] ، وقال : { كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا } [ مريم : 82 ] .
وقوله : { إن الظالمين } أي: في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل } لهم عذاب أليم }
والظاهر من سياق الآية : أن هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخولهم النار ، كما قدمنا . ولكن قد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم - وهذا لفظه - وابن جرير من رواية عبد الرحمن بن زياد : حدثني دخين الحجري ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا جمع الله الأولين والآخرين ، فقضى بينهم ، ففرغ من القضاء ، قال المؤمنون : قد قضى بيننا ربنا ، فمن يشفع لنا ؟ فيقولون : انطلقوا بنا إلى آدم - وذكر نوحا ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى - فيقول عيسى : أدلكم على النبي الأمي . فيأتوني ، فيأذن الله لي أن أقوم إليه فيثور [ من ] مجلسي من أطيب ريح شمها أحد قط ، حتى آتي ربي فيشفعني ، ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ، ثم يقول الكافرون هذا : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم ، فمن يشفع لنا ؟ ما هو إلا إبليس هو الذي أضلنا ، فيأتون إبليس فيقولون : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم ، فقم أنت فاشفع لنا ، فإنك أنت أضللتنا . فيقوم فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط ، ثم يعظم نحيبهم { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } .
وهذا سياق ابن أبي حاتم ، ورواه ابن المبارك عن رشدين بن سعد ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن دخين عن عقبة ، به مرفوعا .
وقال محمد بن كعب القرظي ، رحمه الله : لما قال أهل النار : { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } قال لهم إبليس : { إن الله وعدكم وعد الحق } الآية ، فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم ، فنودوا : { لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } [ غافر : 10 ] .
وقال عامر الشعبي : يقوم خطيبان يوم القيامة على رءوس الناس ، يقول الله لعيسى ابن مريم : { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } إلى قوله : { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } [ المائدة : 116 ، 119 ] ، قال : ويقوم إبليس - لعنه الله - فيقول : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } الآية .
تفسير القرطبي : معنى الآية 22 من سورة إبراهيم
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّقوله تعالى وقال الشيطان لما قضي الأمر قال الحسن : يقف إبليس يوم القيامة خطيبا في جهنم على منبر من نار يسمعه الخلائق جميعا . ومعنى : لما قضي الأمر أي حصل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، على ما يأتي بيانه في " مريم " عليها السلام . إن الله وعدكم وعد الحق يعني البعث والجنة والنار وثواب المطيع وعقاب العاصي فصدقكم وعده ، ووعدتكم أن لا بعث ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب فأخلفتكم . وروى ابن المبارك من حديث عقبة بن عامر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة قال : فيقول عيسى أدلكم على النبي الأمي ، فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحد حتى آتي ربي فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ثم يقول الكافرون قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا فيقولون ما هو غير إبليس هو الذي أضلنا ، فيأتونه فيقولون قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فاشفع لنا فإنك أضللتنا فيثور مجلسه من أنتن ريح شمها أحد ثم يعظم نحيبهم ويقول عند ذلك : إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم الآية . " وعد الحق " هو إضافة الشيء إلى نعته كقولهم : مسجد الجامع ; قال الفراء قال البصريون : وعدكم وعد اليوم الحق أو وعدكم وعد الوعد الحق فصدقكم ; فحذف المصدر لدلالة الحال . وما كان لي عليكم من سلطان أي من حجة وبيان ; أي ما أظهرت لكم حجة على ما وعدتكم وزينته لكم في الدنيا ، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي أي أغويتكم فتابعتموني . وقيل : لم أقهركم على ما دعوتكم إليه . إلا أن دعوتكم هو استثناء منقطع ; أي لكن دعوتكم بالوسواس فاستجبتم لي باختياركم ، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم وقيل : وما كان لي عليكم من سلطان أي على قلوبكم وموضع إيمانكم لكن دعوتكم فاستجبتم لي ; وهذا على أنه خطب العاصي المؤمن والكافر الجاحد ; وفيه نظر ; لقوله : لما قضي الأمر فإنه يدل على أنه خطب الكفار دون العاصين الموحدين ; والله أعلم . فلا تلوموني ولوموا أنفسكم إذا جئتموني من غير حجة . ما أنا بمصرخكم أي بمغيثكم . وما أنتم بمصرخي أي بمغيثي . والصارخ والمستصرخ هو الذي يطلب النصرة والمعاونة ، والمصرخ هو المغيث . قال سلامة بن جندل :كنا إذا ما أتانا صارخ فزع وكان الصراخ له قرع الظنابيبوقال أمية بن أبي الصلت :ولا تجزعوا إني لكم غير مصرخ وليس لكم عندي غناء ولا نصر. يقال : صرخ فلان أي استغاث يصرخ صرخا وصراخا وصرخة . واصطرخ بمعنى صرخ . والتصرخ تكلف الصراخ . والمصرخ المغيث ، والمستصرخ المستغيث ; تقول منه : استصرخني فأصرخته . والصريخ صوت المستصرخ . والصريخ أيضا الصارخ ، وهو المغيث والمستغيث ، وهو من الأضداد ; قاله الجوهري . وقراءة العامة بمصرخي بفتح الياء . وقرأ الأعمش وحمزة بمصرخي بكسر الياء . والأصل فيها بمصرخيين فذهبت النون للإضافة ، وأدغمت ياء الجماعة في ياء الإضافة ، فمن نصب فلأجل التضعيف ، ولأن ياء الإضافة إذا سكن ما قبلها تعين فيها الفتح مثل : هواي وعصاي ، فإن تحرك ما قبلها جاز الفتح والإسكان ، مثل : غلامي وغلامتي ، ومن كسر فلالتقاء الساكنين حركت إلى الكسر ; لأن الياء أخت الكسرة . وقال الفراء : قراءة حمزة وهم منه ، وقل من سلم منهم عن خطأ . وقال الزجاج : هذه قراءة رديئة ولا وجه لها إلا وجه ضعيف . وقال قطرب : هذه لغة بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء . القشيري : والذي يغني عن هذا أن ما يثبت بالتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز أن يقال فيه هو خطأ أو قبيح أو رديء ، بل هو في القرآن فصيح ، وفيه ما هو أفصح منه ، فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذي قرأ به حمزة أفصح .إني كفرت بما أشركتموني من قبل أي كفرت بإشراككم إياي مع الله تعالى في الطاعة ; ف " ما " بمعنى المصدر . وقال ابن جريج : إني كفرت اليوم بما كنتم تدعونه في الدنيا من الشرك بالله تعالى . قتادة : إني عصيت الله . الثوري : كفرت بطاعتكم إياي في الدنيا .إن الظالمين لهم عذاب أليم . وفي هذه الآيات رد على القدرية والمعتزلة والإمامية ومن كان على طريقهم ; انظر إلى قول المتبوعين : لو هدانا الله لهديناكم وقول إبليس : إن الله وعدكم وعد الحق كيف اعترفوا بالحق في صفات الله تعالى وهم في دركات النار ; كما قال في موضع آخر : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها إلى قول : فاعترفوا بذنبهم واعترافهم في دركات لظى بالحق ليس بنافع ، وإنما ينفع الاعتراف صاحبه في الدنيا ; قال الله - عز وجل - : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم و " عسى " من الله واجبة .
﴿ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ﴾ [ إبراهيم: 22]
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون
- تفسير: وأنه أهلك عادا الأولى
- تفسير: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا
- تفسير: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله
- تفسير: ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا
- تفسير: كذبت قوم لوط المرسلين
- تفسير: والصبح إذا أسفر
- تفسير: كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا
- تفسير: ما القارعة
- تفسير: ألم يعلم بأن الله يرى
تحميل سورة إبراهيم mp3 :
سورة إبراهيم mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة إبراهيم
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب