قصة موسى مع الفتاتين في القرآن الكريم

﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ ﴾ [القصص: 23]

تقديم الضعَفة والنساء، ونجدة المحتاجين والبؤساء، من شيم الرجال الكرماء، ثم يلي أولئك الضعفةَ الرجالُ القادرون.
لا تخرج النساء إلى موضع تزدحم فيه أقدامُ الرجال إلا أن يكونَ ثمَّة حاجة، وإلا فالأصل المنعُ من ذلك، حتى إن موسى عليه السلام استفسر عن وجودهما بين جمع الرجال.

سورة: القصص - آية: 23 - جزء: 20 - صفحة: 388

﴿فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ ﴾ [القصص: 24]

لم يمنع تعبُ المطاردة والرغبةُ في الاستراحة موسى عليه السلام من أن يُنقذَ امرأتين من موقف لا يرتضيه أصحابُ المروءة.
ما أحسنَ الدعاء إذا قُدِّم بين يديه عملٌ صالح يكون كالشفيع لدى الشكور سبحانه! من شِيَم الكرام أنهم لا يوجِّهون طلبهم وحاجتهم إلا إلى الله تعالى، حتى في وقت الحاجة الشديدة، فهم أفقرُ ما يكونون إليه، وهو الغنيُّ الكريم، الجواد الرحيم.

سورة: القصص - آية: 24 - جزء: 20 - صفحة: 388

﴿فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآءٖ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [القصص: 25]

فليطمئنَّ الشابُّ الشهم المخلص إلى جزاء معروفه، فقد تأتيه مكافأته إلى مكانه، كما أتت موسى إلى ظلِّه.
لم يغفل القرآن الكريم كيفية مشية المرأة الحيية، فكم فيها من دلالات على عفتها، وشخصيتها واستقامتها! أجملُ مركب تمشي عليه النساء في الشوارع والأماكن العامَّة، وأهيبُه وأكثره حفظًا لحرمتهنَّ وقدرهنَّ: مركبُ الحياء.
مَن بذل لك معروفًا وكنت على ردِّ جميله بالفعل مستطيعًا، فكافئه بما يؤلِّف القلوب ويدفع المِنن.
الإيجاز في الكلام مع النساء هو أسلوبُ الكرام، والإطناب في الحديث مع الرجال هو الجادَّة إن اقتضى ذلك المقام؛ فموسى ما نَشرَ معهما ثوبَ الكلام، ولا زاد على قوله: ﴿مَا خَطبُكُمَا﴾ ؟ هكذا يصنع المخلصون، حافظون لعورات المسلمين.

سورة: القصص - آية: 25 - جزء: 20 - صفحة: 388

﴿قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]

نِعمَ الفتاة التي تتأدَّب في حديثها مع الرجال كما تتأدَّب في الحديث عنهم، فهي تَكني وتورِّي، وتلمِّح ولا تصرِّح، فإنها لم تقل: إن موسى قويٌّ أمين! القوَّة والأمانة أهمُّ صفات العمَّال في نجاح الأعمال، وقد وصف الله بهما سادات الخلق في أعظم الأعمال والوظائف.

سورة: القصص - آية: 26 - جزء: 20 - صفحة: 388

﴿قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَۚ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [القصص: 27]

دأب عقلاءِ الرجال أن يختاروا أزواجًا أكْفاء صالحين لبناتهم، وليس في مثل هذا الطلب وإبداء الرغبة منقصة لهم، بل فيه سمو الرعاية وحسن التدبير.
لا تستكثر على العفَّة غلاء المهور وأنت قادر، فإن مهر موسى لبنت شيخ مَدْيَن كان عملَ عدَّة سنين! من صفات المستأجر الصالح ألا يَشُقَّ على الأجَراء والعمَّال والموظَّفين، بل المسامحة والتسهيل والإعانة هو الخُلق السابغ لتعامله معهم.
من أدب الصالحين مع الله تعالى أنهم لا يعِدون بما يريدون أن يكونَ منهم في المستقبل إلا علَّقوا تيسيرَ ذلك بمشيئة الله.

سورة: القصص - آية: 27 - جزء: 20 - صفحة: 388

﴿قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ ﴾ [القصص: 28]

ما أحسنَ أن تكونَ عقود العمل واضحةَ الشروط، سالمةً من العدوان، بعيدةً عن الغموض، قائمةً على صدق الوفاء من جميع الأطراف! يا مَن تُشهد اللهَ تعالى على قولك، لقد وثَّقتَ عهدك بوِثاق غليظ، فاحذر من أن تنقضَ عهد الله وميثاقه.

سورة: القصص - آية: 28 - جزء: 20 - صفحة: 388

﴿۞ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ ﴾ [القصص: 29]

قضى موسى الأجل مع طول مدَّته، ووفى بعهده على أكمل غاياته، وكافأ بالجميل مَن آواه وأحسن إليه.
المرأة تتبع زوجها، بموجب قوامته عليها، ورعايته إياها.
ما كان أحرصَ موسى على سَتر أهله وحفظهم وراحتهم إذ آواهم وذهب بنفسه ليقضيَ حاجتهم! لله تعالى قدرٌ يُمضيه فيك، ويجري بأقداره الخفية أسبابه عليك.

سورة: القصص - آية: 29 - جزء: 20 - صفحة: 389

﴿فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [القصص: 30]

عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: (كُن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو؛ فإن موسى بن عِمران عليه السلام خرج يقتبس نارًا فرجع بالنبوَّة).
كلام الله سبحانه وتعالى طاهرٌ مبارك لا تليق به سوى الأمكنةِ الطاهرة المباركة.
أسمَعَ الله موسى بأنه سبحانه هو ربُّ العالمين، الذين هم تحت سلطانه وقهره، حتى يُثبِّت قلب موسى لتلقي الرسالة، وما سيلقى من آياتها.

سورة: القصص - آية: 30 - جزء: 20 - صفحة: 389