تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 586 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 586

586 : تفسير الصفحة رقم 586 من القرآن الكريم

سورة التكوير

بسم الله الرحمن الرحيم سورة التكوير وهي مكية قال الإمام أحمد 227 حدثنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن بحير القاص أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع بن عمر يقول قال رسول الله من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ ( إذا الشمس كورت ) و ( إذا السماء انفطرت ) و ( إذا السماء انشقت ) وهكذا رواه الترمذي 3333 عن العباس بن عبد العظيم العنبري عن عبد الرزاق
به بسم الله الرحمن الرحيم قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس ( إذا الشمس كورت ) يعني أظلمت وقال العوفي عنه ذهبت وقال مجاهد اضمحلت وذهبت وكذا قال الضحاك وقال قتادة ذهب ضوؤها وقال سعيد بن جبير كورت غورت وقال الربيع بن خثيم كورت يعني رمي بها وقال أبو صالح كورت ألقيت وعنه أيضا نكست وقال زيد بن أسلم تقع في الأرض قال بن جرير والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه على بعض ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض فمعنى قوله تعالى ( كورت ) جمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمي بها وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن شيخ من بجيلة عن بن عباس ( إذا الشمس كورت ) قال يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحا دبورا فتضرمها نارا وكذا قال عامر الشعبي ثم قال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن بن يزيد بن أبي مريم عن أبيه أن رسول الله قال في قول الله ( إذا الشمس كورت ) قال كورت في جهنم وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده حدثنا موسى بن محمد بن حبان حدثنا درست بن زياد حدثنا يزيد الرقاشي حدثنا أنس قال قال رسول الله الشمس والقمر ثوران عقيران في النار هذا حديث ضعيف لأن يزيد الرقاشي ضعيف والذي رواه البخاري في الصحيح بدون هذه الزيادة ثم قال البخاري 3200 حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي الشمس والقمر يكوران يوم القيامة انفرد به البخاري وهذا لفظه وإنما أخرجه في كتاب بدء الخلق وكان جديرا أن يذكره ها هنا أو يكرره كما هي عادته في أمثاله وقد رواه البزار فجود إيراده فقال حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال حدثنا أبو هريرة أن رسول الله قال إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة فقال الحسن وما ذنبهما فقال أحدثك عن رسول الله وتقول أحسبه قال وما ذنبهما ثم قال لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ولم يرو عبد الله الداناج عن أبي سلمة سوى هذا الحديث وقوله تعالى ( وإذا النجوم انكدرت ) أي انتثرت كما قال تعالى ( وإذا الكواكب انتثرت ) وأصل الانكدار الانصباب قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال ست آيات قبل يوم القيامة بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش فما جوا بعضهم في بعض ( وإذا الوحوش حشرت ) قال اختلطت ( وإذا العشار عطلت ) قال أهملها أهلها ( وإذا البحار سجرت ) قال قالت الجن نحن نأتيكم بالخبر قال فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تتأجج قال فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وإلى السماء السابعة العليا قال فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم رواه بن جرير وهذا لفظه وبن أبي حاتم ببعضه وهكذا قال مجاهد والربيع بن خثيم والحسن البصري وأبو صالح وحماد بن أبي سليمان والضحاك في قوله جل وعلا ( وإذا النجوم انكدرت ) أي تناثرت وقال علي بن أبي طلحة عن بن عباس ( وإذا النجوم انكدرت ) أي تغيرت وقال يزيد بن أبي مريم عن النبي ( وإذا النجوم انكدرت ) قال انكدرت في جهنم وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى وأمه ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها رواه بن أبي حاتم بالإسناد المتقدم وقوله تعالى ( وإذا الجبال سيرت ) أي زالت عن أماكنها ونسفت فتركت الأرض قاعا صفصفا وقوله ( وإذا العشار عطلت ) قال عكرمة ومجاهد عشار الإبل قال مجاهد
عطلت تركت وسيبت وقال أبي بن كعب والضحاك أهملها أهلها وقال الربيع بن خثيم لم تحلب ولم تصر تخلى منها أربابها وقال الضحاك تركت لا راعي لها والمعنى في هذا كله متقارب والمقصود أن العشار من الإبل وهي خيارها والحوامل منها التي قد وصلت في حملها إلى الشهر العاشر واحدتها عشراء ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها بعد ما كانوا أرغب شيء فيها بما دهمهم من الأمر العظيم المفظع الهائل وهو أمر يوم القيامة وانعقاد أسبابها ووقوع مقدماتها وقيل بل يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها كذلك لاسبيل لهم إليها وقد قيل في العشار إنها السحاب تعطل عن المسير بين السماء والأرض لخراب الدنيا وقيل أنها الأرض التي تعشر وقيل أنها الديار التي كانت تسكن تعطلت لذهاب أهلها حكى هذه الأقوال كلها الإمام أبو عبد الله القرطبي في كتابه التذكرة 1245 ورجح أنها الإبل وعزاه إلى أكثر الناس قلت لا يعرف عن السلف والأئمة سواه والله أعلم وقوله تعالى ( وإذا الوحوش حشرت ) أي جمعت كما قال تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) قال بن عباس يحشر كل شيء حتى الذباب رواه بن أبي حاتم وكذا قال الربيع بن خثيم والسدي وغير واحد وكذا قال قتادة في تفسير هذه الآية إن هذه الخلائق موافية فيقضي الله فيها ما يشاء وقال عكرمة حشرها موتها وقال بن جرير حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثنا عباد بن العوام حدثنا حصين عن عكرمة عن بن عباس في قوله ( وإذا الوحوش حشرت ) قال حشر البهائم موتها وحشر كل شيء الموت غير الجن والإنس فإنهما يوقفان يوم القيامة حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن أبي يعلى عن الربيع بن خثيم ( وإذا الوحوش حشرت ) قال أتى عليها أمر الله قال سفيان قال أبي فذكرته لعكرمة فقال قال بن عباس حشرها موتها وقد تقدم عن أبي بن كعب أنه قال ( وإذا الوحوش حشرت ) اختلطت قال بن جرير والأولى قول من قال حشرت جمعت قال الله تعالى ( والطير محشورة ) أي مجموعة وقوله تعالى ( وإذا البحار سجرت ) قال بن جرير حدثنا يعقوب حدثنا بن علية عن داود عن سعيد بن المسيب قال قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود أين جهنم قال البحر فقال ما أراه إلا صادقا ( والبحر المسجور ) ( وإذا البحار سجرت ) وقال بن عباس وغير واحد يرسل الله عليها الرياح الدبور فتسعرها وتصير نارا تأجج وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله تعالى ( والبحر المسجور ) وقال بن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أبو طاهر حدثني عبد الجبار بن سليمان أبو سليمان النفاط شيخ صالح يشبه مالك بن أنس عن معاوية بن سعيد قال إن هذا البحر بركة يعني بحر الروم وسط الأرض والأنهار كلها تصب فيه والبحر الكبير يصب فيه وأسفله آبار مطبقة بالنحاس فإذا كان يوم القيامة أسجر وهذا أثر غريب عجيب وفي سنن أبي داود 2489 لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا الحديث وقد تقدم الكلام عليه في سورة فاطر وقال مجاهد والحسن بن مسلم ( سجرت ) أوقدت وقال الحسن يبست وقال الضحاك وقتادة غاض ماؤها فذهب فلم يبق فيها قطرة وقال الضحاك أيضا سجرت فجرت وقال السدي فتحت وصيرت وقال الربيع بن خثيم سجرت فاضت وقوله تعالى ( وإذا النفوس زوجت ) أي جمع كل شكل إلى نظيره كقوله تعالى ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن الصباح البزار حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن النعمان بن بشير أنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإذا النفوس زوجت قال الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله وذلك بأن الله عز وجل يقول ( وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون ) قال هم الضرباء ثم رواه بن أبي حاتم من طرق أخر عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقرأ ( وإذا النفوس زوجت ) فقال تزوجها أن تؤلف كل شيعة إلى شيعتهم وفي رواية هما الرجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنة أو النار وفي رواية عن النعمان قال سئل عمر عن قوله تعالى ( وإذا النفوس زوجت ) قال يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار فذلك تزويج الأنفس وفي رواية عن النعمان
أن عمر قال للناس ما تقولون في تفسير هذه الآية ( وإذا النفوس زوجت ) فسكتوا قال ولكن أعلمه هو الرجل يزوج نظيره من أهل الجنة والرجل يزوج نظيره من أهل النار ثم قرأ ( أحشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) وقال العوفي عن بن عباس في قوله تعالى ( وإذا النفوس زوجت ) قال ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة وقال بن أبي نجيح عن مجاهد ( وإذا النفوس زوجت ) قال الأمثال من الناس جمع بينهم وكذا قال الربيع بن خثيم والحسن وقتادة واختاره بن جرير وهو الصحيح قول آخر في قوله تعالى ( وإذا النفوس زوجت ) قال بن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن سرار عن جعفر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال يسيل واد من أصل العرش من ماء فيما بين الصيحتين ومقدار ما بينهما أربعون عاما فينبت منه كل خلق بلي من الإنسان أو طير أو دابة ولو مر عليهم مار قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم على وجه الأرض قد نبتوا ثم ترسل الأرواح فتزوج الأجساد فذلك قول الله تعالى ( وإذا النفوس زوجت ) وكذا قال أبو العالية وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري أيضا في قوله تعالى ( وإذا النفوس زوجت ) أي زوجت بالأبدان وقيل زوج المؤمنون بالحور العين وزوج الكافرون بالشياطين حكاه القرطبي في التذكرة وقوله تعالى ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) هكذا قراءة الجمهور سئلت والموءودة هي التي كان أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية البنات فيوم القيامة تسئل الموءودة على أي ذنب قتلت ليكون ذلك تهديدا لقاتلها فإنه إذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذا وقال علي بن أبي طلحة عن بن عباس ( وإذا الموءودة سئلت ) أي سألت وكذا قال أبو الضحى سألت أي طالبت بدمها وعن السدي وقتادة مثله وقد وردت أحاديث تتعلق بالموءودة فقال الإمام احمد 6434 حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود وهو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة قالت حضرت رسول الله في ناس وهو يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم ولا يضر أولادهم ذلك شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله ذلك الوأد الخفي وهو الموءودة سئلت ورواه مسلم 1442 من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ وهو عبد الله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب ورواه أيضا بن ماجة 2011 عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب ورواه مسلم أيضا 1442 وأبو داود 3882 والترمذي 2077 والنسائي 6106 من حديث مالك بن أنس ثلاثتهم عن أبي الأسود به وقال الإمام أحمد 3478 حدثنا بن ابي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال انطلقت أنا وأخي إلى رسول الله فقلنا يا رسول الله إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم وتقري الضيف وتفعل هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئا قال لا قلنا فإنها كانت وأدت أختا لنا في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئا قال الوائدة والموءودة في النار إلا أن يدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها ورواه النسائي من حديث داود بن أبي هند به وقال بن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة وأبي الأحوص عن بن مسعود قال قال رسول الله الوائدة والموءودة في النار وقال أحمد أيضا 558 حدثنا إسحاق الأزرق أخبرنا عوف حدثتني خنساء بنت معاوية الصريمية عن عمها قال قلت يا رسول الله من في الجنة قال النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والموءودة في الجنة وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة قال سمعت الحسن يقول قيل يا رسول الله من في الجنة قال الموءودة في الجنة هذا حديث مرسل من مراسيل الحسن ومنهم من قبله وقال بن أبي حاتم حدثني أبو عبد الله الظهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال قال بن عباس أطفال المشركين في الجنة فمن زعم أنهم في النار فقد كذب يقول الله تعالى ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) قال بن عباس هي المدفونة وقال عبد الرزاق أخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى ( وإذا
الموءودة سئلت ) قال جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وأدت بنات لي في الجاهلية قال أعتق عن كل واحدة منهن رقبة قال يا رسول الله إني صاحب إبل قال فانحر عن كل واحدة منهن بدنة قال الحافظ أبو بكر البزار خولف فيه عبد الرزاق ولم يكتبه إلا عن الحسين بن مهدي عنه وقد رواه بن أبي حاتم فقال أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي قال حدثنا عبد الرزاق فذكره بإسناده مثله إلا أنه قال وأدت ثمان بنات لي في الجاهلية وقال في آخره فأهد إن شئت عن كل واحدة بدنة ثم قال حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين قال قدم قيس بن عاصم على رسول الله فقال يا رسول الله إني وأدت اثنتي عشرة ابنة لي في الجاهلية أو ثلاث عشرة قال أعتق عددهن نسما قال فأعتق عددهن نسما فلما كان في العام المقبل جاء بمائة ناقة فقال يا رسول الله هذه صدقة قومي على أثر ما صنعت بالمسلمين قال علي بن أبي طالب فكنا نريحها ونسميها القيسية وقوله تعالى ( وإذا الصحف نشرت ) قال الضحاك أعطي كل إنسان صحيفته بيمينه أو بشماله وقال قتادة يا بن آدم تملي فيها ثم تطوى ثم تنشر عليك يوم القيامة فلينظر رجل ماذا يملي في صحيفته وقوله تعالى ( وإذا السماء كشطت ) قال مجاهد اجتذبت وقال السدي كشفت وقال الضحاك تنكشط فتذهب وقوله تعالى ( وإذا الجحيم سعرت ) قال السدي أحميت وقال قتادة أوقدت قال وإنما يسعرها غضب الله وخطايا بني آدم وقوله تعالى ( وإذا الجنة أزلفت ) قال الضحاك وأبو مالك وقتادة والربيع بن خثيم أي قربت إلى أهلها وقوله تعالى ( علمت نفس ما أحضرت ) هذا هو الجواب أي إذا وقعت هذه الأمور حينئذ تعلم كل نفس ما عملت وأحضر ذلك لها كما قال تعالى ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) وقال تعالى ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبدة حدثنا بن المبارك حدثنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن أبيه قال لما نزلت ( إذا الشمس كورت ) قال عمر لما بلغ ( علمت نفس ما أحضرت ) قال لهذا أجرى الحديث
الآيات ( 81 15 29 )
روى مسلم في صحيحه 456 والنسائي 2157 في تفسيره عند هذه الآية من حديث مسعر بن كدام عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال صليت خلف النبي الصبح فسمعته يقرأ ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) ورواه النسائي عن بندار عن غندر عن شعبة عن الحجاج بن عاصم عن أبي الأسود عن عمرو بن حريث به نحوه قال بن أبي حاتم وبن جرير من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل وقال بن جرير حدثنا بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت خالد بن عرعرة سمعت عليا وسئل عن لا أقسم بالخنس الجوار الكنس فقال هي النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن خالد عن علي قال هي النجوم وهذا إسناد جيد صحيح إلى خالد بن عرعرة وهو السهمي الكوفي قال أبو حاتم الرازي 3343 روى عن علي وروى عنه سماك والقاسم بن عوف الشيباني ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فالله أعلم وروى يونس عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنها النجوم رواه بن أبي حاتم وكذا روي عن بن عباس ومجاهد والحسن وقتادة
والسدي وغيرهم أنها النجوم وقال بن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن بكر بن عبد الله في قوله تعالى ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال هي النجوم الدراري التي تجري تستقبل المشرق وقال بعض الأئمة إنما قيل للنجوم الخنس أي في حال طلوعها ثم هي جوار في فلكها وفي حال غيبوبتها يقال لها كنس من قول العرب أوى الظبي إلى كناسة إذا تغيب فيه وقال الأعمش عن إبراهيم قال قال عبد الله ( فلا أقسم بالخنس ) قال بقر الوحش وكذا قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عبد الله ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) ماهي يا عمرو قلت البقر قال وأنا أرى ذلك وكذا روى يونس عن أبي إسحاق عن أبيه وقال أبو داود الطيالسي عن عمرو عن أبيه عن سعيد بن جبير عن بن عباس الجوار الكنس قال البقر تكنس إلى الظل وكذا قال سعيد بن جبير وقال العوفي عن بن عباس هي الظباء وكذا قال سعيد أيضا ومجاهد والضحاك وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد هي الظباء والبقر وقال بن جرير حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الآية ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) فقال إبراهيم لمجاهد قل فيها بما سمعت قال فقال مجاهد كنا نسمع فيها شيئا وناس يقولون إنها النجوم قال فقال إبراهيم قل فيها بما سمعت قال فقال مجاهد كنا نسمع أنها بقر الوحش حين تكنس في حجرتها قال فقال إبراهيم إنهم يكذبون على علي هذا كما رووا عن علي أنه ضمن الأسفل الأعلى والأعلى الأسفل وتوقف بن جرير في المراد بقوله ( الخنس الجوار الكنس ) هل هو النجوم أو الظباء وبقر الوحش قال ويحتمل أن يكون الجميع مرادا وقوله تعالى ( والليل إذا عسعس ) فيه قولان أحدهما إقباله بظلامه قال مجاهد أظلم وقال سعيد بن جبير إذا نشأ وقال الحسن البصري إذا غشي الناس وكذا قال عطية العوفي وقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن بن عباس ( إذا عسعس ) إذا أدبر وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وكذا قال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن ( إذا عسعس ) أي إذا ذهب فتولى وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البحتري سمع أبا عبد الرحمن السلمي قال خرج علينا علي رضي الله عنه حين ثوب المثوب بصلاة الصبح فقال أين السائلون عن الوتر ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) هذا حين أدبر حسن وقد اختار بن جرير ان المراد بقوله ( إذا عسعس ) إذا أدبر قال لقوله ( والصبح إذا تنفس ) أي أضاء واستشهد بقول الشاعر أيضا
حتى إذا الصبح له تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
أي أدبر وعندي أن المراد بقوله ( إذا عسعس ) إذا أقبل وإن كان يصح استعماله في الإدبار أيضا لكن الإقبال ها هنا أنسب كأنه أقسم بالليل وظلامه إذا أقبل وبالفجر وضيائه إذا أشرق كما قال تعالى ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) وقال تعالى ( والضحى والليل إذا سجى ) وقال تعالى ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا ) وغير ذلك من الآيات وقال كثير من علماء الأصول إن لفظة عسعس تستعمل في الإقبال والإدبار على وجه الاشتراك فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما والله اعلم قال بن جرير وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يزعم أن عسعس دنا من أوله وأظلم وقال الفراء كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتا
عسعس حتى لو يشا أدنى كان له من ضوئه مقبس
يريد لو يشاء إذ دنا أدغم الذال في الدال قال الفراء وكانوا يزعمون ان هذا البيت مصنوع وقوله تعالى ( والصبح إذا تنفس ) قال الضحاك إذا طلع وقال قتادة إذا أضاء وأقبل وقال سعيد بن جبير إذا نشأ وهوالمروي عن علي رضي الله عنه وقال بن جرير يعني ضوء النهار إذا أقبل وتبين وقوله تعالى ( إنه لقول رسول كريم ) يعني إن هذا القرآن لتبليغ رسول كريم أي ملك شريف حسن الخلق بهي المنظر وهو جبريل عليه الصلاة والسلام قاله بن عباس والشعبي وميمون بن مهران والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك وغيرهم ( ذي قوة ) كقوله تعالى ( علمه شديد القوى ذو مرة ) أي شديد الخلق شديد البطش والفعل ( عند ذي العرش مكين ) أي له مكانة عند الله عز وجل ومنزلة رفيعة قال أبو صالح في قوله تعالى ( عند ذي العرش مكين ) قال جبريل يدخل في سبعين حجابا من نور بغير إذن ( مطاع ثم ) أي له وجاهة وهو مسموع القول مطاع في الملإ الأعلى قال قتادة ( مطاع ثم ) أي في السماوات يعني ليس هو من أفناد الملائكة بل هو من السادة والأشراف معتنى به أنتخب لهذه الرسالة العظيمة
وقوله تعالى ( أمين ) صفة لجبريل بالأمانة وهذا عظيم جدا أن الرب عز وجل يزكي عبده ورسوله الملكي جبريل كما زكى عبده ورسوله البشري محمدا بقوله تعالى ( وما صاحبكم بمجنون ) قال الشعبي وميمون بن مهران وأبو صالح ومن تقدم ذكرهم المراد بقوله ( وما صاحبكم بمجنون ) يعني محمدا وقوله تعالى ( ولقد رآه بالأفق المبين ) يعني ولقد رأى محمد جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح ( بالأفق المبين ) أي البين وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء وهي المذكورة في قوله ( علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ) كما تقدم تفسير ذلك وتقريره والدليل عليه أن المراد بذلك جبريل عليه السلام والظاهر والله أعلم أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤية وهي الأولى وأما الثانية وهي المذكورة في قوله تعالى ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ) فتلك إنما ذكرت في سورة النجم وقد نزلت بعد سورة الإسراء وقوله تعالى ( وما هو على الغيب بظنين ) أي وما محمد على ما أنزله الله إليه بظنين أي بمتهم ومنهم من قرأ ذلك بالضاد أي ببخيل بل يبذله لكل أحد قال سفيان بن عيينة ظنين وضنين سواء أي ماهو بكاذب وما هو بفاجر والظنين المتهم والضنين البخيل وقال قتادة كان القرآن غيبا فأنزله الله على محمد فما ضن به على الناس بل نشره وبلغه وبذله لكل من أراده وكذا قال عكرمة وبن زيد وغير واحد واختار بن جرير قراءة الضاد قلت وكلاهما متواتر ومعناه صحيح كما تقدم وقوله تعالى ( وما هو بقول شيطان رجيم ) أي وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم أي لا يقدر على حمله ولا يريده ولا ينبغي له كما قال تعالى ( وماتنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ) وقوله تعالى ( فأين تذهبون ) أي فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه حقا من عند الله عز وجل كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين وأمرهم فتلوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة الكذاب الذي هو في غاية الهذيان والركاكة فقال ويحكم أين تذهب عقولكم والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل أي من إله وقال قتادة ( فأين تذهبون ) أي عن كتاب الله وعن طاعته وقوله تعالى ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) أي هذا القرآن ذكر لجميع الناس يتذكرون به ويتعظون ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) أي من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن فإنه منجاة له وهداية ولا هداية فيما سواه ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) أي ليست المشيئة موكولة إليكم فمن شاء اهتدى ومن شاء ضل بل ذلك كله تابع لمشيئة الله تعالى رب العالمين قال سفيان الثوري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى لما نزلت هذه الآية ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) قال أبو جهل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فأنزل الله تعالى ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) 82