تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 106 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 106

 {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلاٍّنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ }
، فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ صرّح في هذه الآية الكريمة بأن الأختين يرثان الثلثين ، والمراد بهما الأختان لغير أم ، بأن تكونا شقيقتين أو لأب بإجماع العلماء ، ولم يبيّن هنا ميراث الثلاث من الأخوات فصاعدًا ، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن الأخوات لا يزدن على الثلثين ، ولو بلغ عددهن ما بلغ ، وهو قوله تعالىٰ في البنات : {فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} ، ومعلوم أن البنات أمسّ رحمًا ، وأقوى سببًا في الميراث من الأخوات ، فإذا كن لا يزدن على الثلثين ولو كثرن فكذلك الأخوات من باب أولى ، وأكثر علماء الأصول على أن فحوى الخطاب ، أَعني : مفهوم الموافقة ، الذي المسكوت فيه أولى بالحكم من المنطوق ، من قبيل دلالة اللفظ ، لا من قبيل القياس ، خلافًا للشافعي وقوم ، وكذلك المساوىء على التحقيق ، فقوله تعالىٰ : {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ} ، يفهم منه من باب أولى حرمة ضربهما ، وقوله : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}، يفهم منه من باب أولى أن من عمل مثقال جبل يراه من خير وشر ، وقوله : {بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ مّنكُمْ} ، يفهم منه من باب أولى قبول شهادة الثلاثة والأربعة مثلاً من العدول ، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن التضحية بالعوراء ، يفهم منه من باب أولى النهي عن التضحية بالعمياء ، وكذلك في المساوىء ، فتحريم أكل مال اليتيم يفهم منه بالمساواة منع إحراقه وإغراقه ، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد ، يفهم منه كذلك أيضًا النهي عن البول في إناء وصبه فيه ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « من أعتق شركًا له في عبد » الحديث . يفهم منه كذلك أن الأمة كذلك ، ولا نزاع في هذا عند جماهير العلماء ، وإنما خالف فيه بعض الظاهرية .
ومعلوم أن خلافهم في مثل هذا ، لا أثر له ، وبذلك تعلم أنه تعالىٰ لما صرّح بأن البنات وإن كثرن ليس لهن غير الثلثين ، علم أن الأخوات كذلك من باب أولى ، والعلم عند اللَّه تعالىٰ .

{يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلاٌّنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}
. {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلاٌّنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ} لم يبين هنا ما هذا الذي يتلى عليهم المستثنى من حلية بهيمة الأنعام. ولكنه بينه بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ}، إلى قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ} ، فالمذكورات في هذه الآية الكريمة كالموقوذة والمتردية، وإن كانت من الأنعام. فإنها تحرم بهذه العوارض.
والتحقيق أن الأنعام هي الأزواج الثمانية، كما قدمنا في سورة آل عمران، وقد استدل ابن عمر، وابن عباس، وغير واحد من العلماء بهذه الآية على إباحة أكل الجنين إذا ذكيتْ أمه ووجد في بطنها ميتاً.
وجاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلمۤ «أن ذكاة أمه ذكاة له» كما أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه من حديث أبي سعيد.
وقال الترمذي: إنه حسن، ورواه أبو داود عن جابر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.