تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 26 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 26

 {إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ لم يبيّن هنا هذا الذي يقولونه عليه بغير علم ، ولكنه فصله في مواضع أُخر فذكر أن ذلك الذي يقولونه بغير علم هو أن اللَّه حرّم البحائر والسوائب ونحوها ، وأن لهُ أولادًا ، وأن له شركاء ، سبحانه وتعالىٰ عن ذلك علوًّا كبيرًا . فصرح بأنه لم يحرم ذلك بقوله : {مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ} ، وقوله : {وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَاء عَلَى ٱللَّهِ} . وقوله : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مّن رّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَل} . وقوله : {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ} ، إلى غير ذلك من الآيات . ونزه نفسه عن الشركاء المزعومة بقوله : {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، ونحوها من الآيات ونزّه نفسه عن الأولاد المزعومة بقوله : {قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ} . ونحوها من الآيات فظهر من هذه الآيات تفصيل ، {مَ} أجمل في اسم الموصول الذي هو {مَ} ، من قوله : {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} .
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيًلا أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ * ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ }
، إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ ظاهر هذه الآية أن جميع أنواع الميتة والدم حرام ، ولكنه بيّن في موضع آخر أن ميتة البحر خارجة عن ذلك التحريم وهو قوله : {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} . إذ ليس للبحر طعام غير الصيد إلا ميتته . وما ذكره بعض العلماء من أن المراد بطعامه قديده المجفف بالملح مثلاً ، وأن المراد بصيده الطري منه . فهو خلاف الظاهر ؛ لأن القديد من صيده فهو صيد جعل قديدًا وجمهور العلماء على أن المراد بطعامه ميتته . منهم : أبو بكر الصديق ، وزيد بن ثابت ، وعبد اللَّه ابن عمر ، وأبو أيوب الأنصاري ــ رضي اللَّه عنهم أجمعين ــ وعكرمة ، وأبو سلمة بن عبد الرحمٰن ، وإبرٰهيم النخعي ، والحسن البصري وغيرهم . كما نقله عنهم ابن كثير . وأشار في موضع آخر إلى أن غير المسفوح من الدماء ليس بحرام وهو قوله : {إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحً} ، فيفهم منه أن غير المسفوح كالحمرة التي تعلو القدر من أثر تقطيع اللحم ليس بحرام ، إذ لو كان كالمسفوح لما كان في التقييد بقوله : {مَّسْفُوحً} . فـائـدة
وقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن اللَّه أحلّ له ولأمته ميتتين ودمين ، أما الميتتان : فالسمك والجراد ، وأما الدمان : فالكبد والطحال ، وسيأتي الكلام على هذا الحديث في الأنعام إن شاء اللَّه تعالىٰ .
وعنه صلى الله عليه وسلم في البحر « هو الحل ميتته » أخرجه مالك وأصحاب «السنن» والإمام أحمد ، والبيهقي والدارقطني في سننهما ، والحاكم في «المستدرك» ، وابن الجارود في «المنتقى» ، وابن أبي شيبة ، وصححه الترمذي ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والبخاري .
وظاهر عموم هذا الحديث وعموم قوله تعالىٰ : {وَطَعَامُهُ} ، يدل على إباحة ميتة البحر مطلقًا . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه أنه أكل من العنبر ، وهو حوت ألقاه البحر ميتًا وقصته مشهورة .
وحاصل تحرير فقه هذه المسألة : أن ميتة البحر على قسمين : قسم لا يعيش إلا في الماء ، وإن أُخرج منه مات كالحوت . وقسم يعيش في البر ، كالضفادع ونحوها .
أما الذي لا يعيش إلا في الماء كالحوت . فميتته حلال عند جميع العلماء وخالف أبو حنيفة رحمه الله، فيما مات منه في البحر وطفا على وجه الماء . فقال فيه : هو مكروه الأكل ، بخلاف ما قتله إنسان أو حسر عنه البحر فمات ، فإنه مباح الأكل عنده .
وأما الذي يعيش في البر ، من حيوان البحر : كالضفادع ، والسلحفاة ، والسرطان وترس الماء . فقد اختلف فيه العلماء . فذهب مالك بن أنس إلى أن ميتة البحر من ذلك كله مباحة الأكل ، وسواء مات بنفسه أو وجد طافيًا أو باصطياد ، أو أُخرج حيًّا ، أو أُلقي في النار ، أو دسّ في طين .
وقال ابن نافع ، وابن دينار : ميتة البحر مما يعيش في البر نجسة .
ونقل ابن عرفة قولاً ثالثًا بالفرق بين أن يموت في الماء ، فيكون طاهرًا ، أو في البرّ فيكون نجسًا ؛ وعزاه لعيسى عن ابن القٰسم . والضفادع البحرية عند مالك مباحة الأكل ، وإن ماتت فيه .
وفي «المدونة» : ولا بأس بأكل الضفادع وإن ماتت؛ لأنها من صيد الماء. اهـ .
أما ميته الضفادع البرية فهي حرام بلا خلاف بين العلماء ، وأظهر الأقوال منع الضفادع مطلقًا ولو ذكيت ، لقيام الدليل على ذلك ، كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالىٰ .
أما كلب الماء وخنزيره فالمشهور من مذهب مالك فيهما الكراهة .
قال خليل بن إسحٰق المالكي في «مختصره»، عاطفًا على ما يكره ، وكلب ماء وخنزيره .
وقال الباجي : أما كلب البحر وخنزيره ، فروى ابن شعبان أنه مكروه وقاله ابن حبيب .
وقال ابن القاسم في «المدونة» : لم يكن مالك يجيبنا في خنزير الماء بشىء ، ويقول : أنتم تقولون خنزير .
وقال ابن القاسم : وأنا أتقيه ولو أكله رجل لم أره حرامًا هذا هو حاصل مذهب مالك في المسألة ، وحجّته في إباحة ميتة الحيوان البحري كان يعيش في البر أو لا .
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} ، ولا طعام له غير صيده إلا ميتته ، كما قاله جمهور العلماء ، وهو الحق ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في البحر : « هو الطهور ماؤه الحل ميتته» ، وقد قدمنا ثبوت هذا الحديث وفيه التصريح من النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن ميتة البحر حلال ، وهو فصل في محل النزاع . وقد تقرر في الأصول أن المفرد إذا أضيف إلى معرفة كان من صيغ العموم . كقوله : {فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، وقوله : {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَ} .
وإليه أشار في «مراقي السعود»، بقوله عاطفًا على صيغ العموم : وما معرفًا بأل قد وجدا
أو بإضافة إلى معرف إذا تحقق الخصوص قد نفىٰ

وبه نعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم « ميتته » يعم بظاهره كل ميتة مما في البحر .
ومذهب الشافعي رحمه اللَّه في هذه المسألة هو أن ما لا يعيش إلا في البحر فميتته حلال ، بلا خلاف ، سواء كان طافيًا على الماء أم لا .
وأما الذي يعيش في البر من حيوان البحر فأصح الأقوال فيه وهو المنصوص عن الشافعي في «الأم» ، و «مختصر المزني» ، واختلاف العراقيين : أن ميتته كله حلال ؛ للأدلة التي قدمنا آنفًا ومقابله قولان :
أحدهما : منع ميتة البحري الذي يعيش في البر مطلقًا .
الثاني : التفصيل بين ما يؤكل نظيره في البر ، كالبقرة والشاة فتباح ميتة البحري منه ، وبين ما لا يؤكل نظيره في البرّ كالخنزير والكلب فتحرم ميتة البحري منه ، ولا يخفى أن حجة الأول أظهر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « الحل ميتته » وقوله تعالىٰ : {وَطَعَامُهُ} ، كما تقدم .
وأما مذهب الإمام أحمد رحمه اللَّه، فهو أن كل ما لا يعيش إلا في الماء فميتته حلال ، والطافي منه وغيره سواء ، وأما ما يعيش في البرّ من حيوان البحر فميتته عنده حرام ، فلا بدّ من ذكاته إلا ما لا دم فيه ؛ كالسرطان فإنه يباح عنده من غير ذكاة . واحتجّ لعدم إباحة ميتة ما يعيش في البرّ ؛ بأنه حيوان يعيش في البرّ له نفس سائلة فلم يبح بغير ذكاة ، كالطير .
وحمل الأدلة التي ذكرنا على خصوص ما لا يعيش إلاّ في البحر .
اهـ .
وكلب الماء عنده إذا ذكي حلال ، ولا يخفى أن تخصيص الأدلة العامة يحتاج إلى نص ، فمذهب مالك والشافعي أظهر دليلاً، واللَّه تعالىٰ أعلم .
ومذهب الإمام أبي حنيفة رحمه اللَّه أن كل ما يعيش في البرّ لا يؤكل البحري منه أصلاً ؛ لأنه مستخبث . وأما ما لا يعيش إلا في البحر وهو الحوت بأنواعه فميتته عنده حلال ، إلا إذا مات حتف أنفه في البحر وطفا على وجه الماء ، فإنه يكره أكله عنده ، فما قتله إنسان أو حسر عنه البحر فمات حلال عنده ، بخلاف الطافي على وجه الماء . وحجته فيما يعيش في البرّ منه : أنه مستخبث ، واللَّه تعالىٰ يقول : {وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـئِثَ} ، وحجّته في كراهة السمك الطافي ما رواه أبو داود في «سننه» : حدّثنا أحمد بن عبدة ، حدّثنا يحيىٰ بن سليم الطائفي ، حدّثنا إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد اللَّه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : « ما ألقي البحر أو جزر عنه فكلوه ، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه » .اهـ .
قال أبو داود : روى هذا الحديث سفيان الثوري ، وأيوب ، وحماد عن أبي الزبير أوقفوه على جابر .
وقد أسند هذا الحديث أيضًا من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب ، عن أبي الزبير ، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم .اهـ .
وأجاب الجمهور عن الاحتجاج الأول بأن ألفاظ النصوص عامة في ميتة البحر ، وأن تخصيص النص العام لا بدّ له من دليل من كتاب أو سنّة يدلّ على التخصيص ، كما تقدم .
ومطلق ادعاء أنه خبيث لا يردّ به عموم الأدلة الصريحة في عموم ميتة البحر ، وعن الاحتجاج الثاني بتضعيف حديث جابر المذكور .
قال النووي في «شرح المهذب»، ما نصه : وأما الجواب عن حديث جابر الذي احتجّ به الأولون فهو أنه حديث ضعيف باتفاق الحفاظ لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شىء ، فكيف وهو معارض بما ذكرناه من دلائل الكتاب والسنة وأقاويل الصحابة رضي اللَّه عنهم المنتشرة ؟ .
وهذا الحديث من رواية يحيىٰ بن سليم الطائفي ، عن إسمٰعيل بن أمية ، عن أبي الزبير عن جابر .
قال البيهقي : يحيىٰ بن سليم الطائفي كثير الوهم سَيِّىء الحفظ . قال : وقد رواه غيره عن إسمٰعيل بن أُمية موقوفًا على جابر . قال : وقال الترمذي : سألت البخاري عن هذا الحديث ، فقال : ليس هو بمحفوظ ، ويروى عن جابر خلافه . قال : ولا أعرف لأثر ابن أُمية عن أبي الزبير شيئًا .
قال البيهقي : وقد رواه أيضًا يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير مرفوعًا ، ويحيىٰ بن أبي أنيسة متروك لا يحتجّ به . قال : ورواه عبد العزيز بن عبيد اللَّه ، عن وهب بن كيسان عن جابر مرفوعًا ، وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به ، قال : ورواه بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا ، ولا يحتج بما ينفرد به بقية ، فكيف بما يخالف ؟ قال : وقول الجماعة من الصحابة على خلاف قول جابر مع ما رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر : « هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته » . اهـ .
وقال البيهقي في «السنن الكبرى» في باب « من كره أكل الطافي » ما نصه : أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه ، أنبأنا علي بن عمر الحافظ ، حدّثنا محمد بن إبراهيم بن فيروز ، حدّثنا محمد بن إسماعيل الحساني ، حدّثنا ابن نمير ، حدّثنا عبيد اللَّه بن عمر ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي اللَّه عنه أنه كان يقول : « ما ضرب به البحر أو جزر عنه أو صيد فيه فكل ، وما مات فيه ثم طفا فلا تأكل » . وبمعناه رواه أبو أيوب السختياني وابن جريج ، وزهير بن معاوية ، وحماد بن سلمة ، وغيرهم عن أبي الزبير عن جابر موقوفًا وعبد الرّزّاق وعبد اللَّه بن الوليد العدني ،
وأبو عاصم ، ومؤمل بن إسماعيل وغيرهم ، عن سفيان الثوري موقوفًا ، وخالفهم أبو أحمد الزبيري فرواه عن الثوري مرفوعًا وهو واهم فيه ، أخبرنا أبو الحسن بن عبدان ، أنبأ سليمان بن أحمد اللخمي ، حدّثنا عليّ بن إسحاق الأصبهاني ، حدّثنا نصر بن علي ، حدّثنا أبو أحمد الزبيري ، حدّثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إذا طفا السمك على الماء فلا تأكله ، وإذا جزر عنه البحر فكله ، وما كان على حافته فكله » . قال سليمٰن : لم يرفع هذا الحديث عن سفيان إلاّ أبو أحمد ، ثم ذكر البيهقي بعد هذا الكلام حديث أبي داود الذي قدمنا ، والكلام الذي نقلناه عن النووي.
قال مقيّده عفا اللَّه عنه فتحصل : أن حديث جابر في النهي عن أكل السمك الطافي ذهب كثير من العلماء إلى تضعيفه وعدم الاحتجاج به . وحكى النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه كما قدمنا عنه ، وحكموا بأن وقفه على جابر أثبت . وإذن فهو قول صحابي معارض بأقوال جماعة من الصحابة منهم : أبو بكر الصدّيق رضي اللَّه عنه وبالآية والحديث المتقدمين . وقد يظهر للناظر أن صناعة علم الحديث والأصول لا تقتضي الحكم بردّ حديث جابر المذكور ؛ لأن رفعه جاء من طرق متعددة وبعضها صحيح ، فرواية أبي داود له مرفوعًا التي قدمنا ، ضعفوها بأن في إسنادها يحيىٰ بن سليم الطائفي ، وأنه سَيِّىء الحفظ .
وقد رواه غيره مرفوعًا مع أن يحيىٰ بن سليم المذكور من رجال البخاري ومسلم في «صحيحيهما» ، ورواية أبي أحمد الزبيري له عن الثوري مرفوعًا عند البيهقي والدارقطني ، ضعفوها بأنه واهم فيها . قالوا : خالفه فيها وكيع وغيره ، فرووه عن الثوري موقوفًا .
ومعلوم أن أبا أحمد الزبيري المذكور وهو محمد بن عبد اللَّه بن الزبير بن عمرو بن درم الأسدي ثقة ثبت . وإن قال ابن حجر في «التقريب» : إنه قد يخطىء في حديث الثوري فهاتان الروايتان برفعه تعضدان برواية بقية بن الوليد له مرفوعًا عند البيهقي وغيره ، وبقية المذكور من رجال مسلم في «صحيحه»، وإن تكلّم فيه كثير من العلماء . ويعتضد ذلك أيضًا برواية عبد العزيز بن عبيد اللَّه له ، عن وهب بن كيسان ، عن أبي الزبير ، عن جابر مرفوعًا .
ورواية يحيىٰ بن أبي أنيسة له عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا ، وإن كان عبد العزيز بن عبيد اللَّه ويحيىٰ بن أبي أنيسة المذكوران ضعيفين ؛ لاعتضاد روايتهما برواية الثقة ، ويعتضد ذلك أيضًا برواية ابن أبي ذئب له ، عن أبي الزبير ، عن جابر مرفوعًا عند الترمذي وغيره . فالظاهر أنه لا ينبغي أن يحكم على حديث جابر المذكور بأنه غير ثابت ؛ لما رأيت من طرق الرفع التي روي بها . وبعضها صحيح كرواية أبي أحمد المذكورة والرفع زيادة ، وزيادة العدل مقبولة .
قال في «مراقي السعود» : والرفع والوصل وزيد اللفظ مقبولة عند أمام الحفظ

إلخ ... نعم لقائل أن يقول : هو معارض بما هو أقوى منه ؛ لأن عموم قوله تعالىٰ : {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم في البحر : « هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته » أقوى من حديث جابر هذا ؛ ويؤيد ذلك اعتضاده بالقياس ؛ لأنه لا فرق في القياس بين الطافي وغيره . وقد يجاب عن هذا بأنه لا يتعارض عام وخاص ، وحديث جابر في خصوص الطافي فهو مخصص لعموم أدلة الإباحة .
فالدليل على كراهة أكل السمك الطافي لا يخلو من بعض قوة ، واللَّه تعالىٰ أعلم . والمراد بالسمك الطافي هو الذي يموت في البحر فيطفو على وجه الماء وكل ما علا على وجه الماء ولم يرسب فيه تسميه العرب طافيًا .
ومن ذلك قول عبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه عنه : وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمين

ويحكى في نوادر المجانين أن مجنونًا مرّ به جماعة من بني راسب ، وجماعة من بني طفاوة يختصمون في غلام ، فقال لهم المجنون : القوا الغلام في البحر فإن رسب فيه فهو من بني راسب ، وإن طفا على وجهه فهو من بني طفاوة .
وقال البخاري في «صحيحه»، باب قول اللَّه تعالىٰ : {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَـٰعاً لَّكُمْ} . قال عمر : صيده ما اصطيد وطعامه ما رمىٰ به .
وقال أبو بكر : الطافي حلال ، وقال ابن عباس طعامه ميتته إلا ما قذرت منها ، والجري لا تأكله اليهود ونحن نأكله .
وقال شريح صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم : كل شىء في البحر مذبوحه ، وقال عطاء : أما الطير فأرى أن نذبحه .
وقال ابن جريج : قلت لعطاء : صيد الأنهار وقلات السيل أصيد بحر هو ؟ قال : نعم ، ثم تلا : {هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّا} . وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء . وقال الشعبي : لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم . ولم يرَ الحسن بالسلحفاة بأسًا .
وقال ابن عباس : كل من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي . وقال أبو الدرداء في المري ذبح الخمر النينان والشمس . انتهى من البخاري بلفظه . ومعلوم أن البخاري رحمه اللَّه لا يعلق بصيغة الجزم إلا ما كان صحيحًا ثابتًا عنده .
وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»، في الكلام على هذه المعلقات التي ذكرها البخاري ما نصه : قوله: قال عمر ، هو ابن الخطاب ، « صيده » ما اصطيد، و « طعامه » ما رمى به . وصله المصنف في (التاريخ) ، وعبد بن حميد من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : لما قدمت البحرين سألني أهلها عما قذف البحر ؟ فأمرتهم أن يأكلوه . فلما قدمت على عمر فذكر قصة . قال : فقال عمر : قال اللَّه تعالىٰ في كتابه : {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} ، فصيده : ما صيد ، وطعامه : ما قذف به . قوله : وقال أبو بكر، هو الصديق ، الطافي حلال، وصله، أبو بكر بن أبي شيبة ، والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك بن أبي بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أشهد على أبي بكر أنه قال : السمكة الطافية حلال . زاد الطحاوي: لمن أراد أكله ، وأخرجه الدارقطني ، وكذا عبد بن حميد والطبري منها . وفي بعضها أشهد على أبي بكر أنه أكل السمك الطافي على الماء ، وللدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس عن أبي بكر : أن اللَّه ذبح لكم ما في البحر فكلوه كله فإنه ذكي .
قوله : وقال ابن عباس : طعامه ميتته إلا ما قذرت منها ، وصله الطبري من طريق أبي بكر بن حفص عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالىٰ : {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} ، قال طعامه : ميتته . وأخرج عبد الرزّاق من وجه آخر عن ابن عباس ، وذكر صيد البحر لا تأكل منه طافيًا في سنده الأجلح وهو لين ، ويوهنه حديث ابن عباس الماضي قبله ، قوله : والجري لا تأكله اليهود ، ونحن نأكله . وصله عبد الرزّاق عن الثوري ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه سئل عن الجرى فقال : لا بأس به ، إنما هو شىء كرهته اليهود . وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري به . وقال في روايته: سألت ابن عباس عن الجري ، فقال : لا بأس به ؛ إنما تحرمه اليهود ونحن نأكله ، وهذا على شرط الصحيح . وأخرج عن علي وطائفة نحوه . والجرى ، بفتح الجيم ، قال ابن التين : وفي نسخة بالكسر ، وهو ضبط الصحاح ، وكسر الراء الثقيلة قال : ويقال له أيضًا : الجريت ، وهو ما لا قشر له .
وقال ابن حبيب من المٰلكية : إنما أكرهه ؛ لأنه يقال : إنه من الممسوخ . وقال الأزهري : الجريت نوع من السمك يشبه الحيات . وقيل : سمك لا قشر له . ويقال له أيضًا : المرماهي ، والسلور مثله . وقال الخطابي : هو ضرب من السمك يشبه الحيات ، وقال غيره : نوع عريض الوسط ، دقيق الطرفين . قوله : وقال شريح صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم : كل شىء في البحر مذبوح ، وقال عطاء : أما الطير فأرى أن تذبحه ، وصله المصنف في «التاريخ»، وابن منده في «المعرفة»، من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير أنهما سمعا شريحًا صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : كل شىء في البحر مذبوح . قال : فذكرت ذلك لعطاء . فقال : أما الطير فأرى أن تذبحه ، وأخرجه الدارقطني وأبو نعيم في «الصحابة»، مرفوعًا من حديث شريح ، والموقوف أصح .
وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار ، سمعت شيخًا كبيرًا يحلف باللَّه ما في البحر دابة إلا قد ذبحها اللَّه لبني ءادم ، وأخرج الدارقطني من حديث عبد اللَّه بن سرجس رفعه : « أن اللَّه قد ذبح كل ما في البحر لبني ءادم » ، وفي سنده ضعف ، والطبراني من حديث ابن عمر رفعه نحوه ، وسنده ضعيف أيضًا ، وأخرج عبد الرزاق بسندين جيدين عن عمر ، ثم عن عليّ : الحوت ذكي كله ، قوله : وقال ابن جريج : قلت لعطاء : صيد الأنهار وقلات السيل أصيد بحر هو ؟ قال : نعم ، ثم تلا : {هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّ} ، وصله عبد الرزّاق في « التفسير » ، عن ابن جريج بهذا سواء ، وأخرجه الفاكهي في كتاب «مكة» ، من رواية عبد المجيد بن أبي دواد عن ابن جريج أتم من هذا وفيه : وسألته عن حيتان بركة القشيري ، وهي بئر عظيمة في الحرم ، أتصاد ؟ قال : نعم ؛ وسألته عن ابن الماء وأشباهه أصيد بحر أم صيد برّ ؟ فقال : حيث يكون أكثر فهو صيد .
وقلات ، بكسر القاف وتخفيف اللام وآخره مثناة ، ووقع في رواية الأصيلي مثلثة . والصواب الأول : جمع قلت بفتح أوله مثل : بحر وبحار ، وهو النقرة في الصخرة ، يستنقع فيها الماء . قوله : وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء ، وقال الشعبي : لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم ، ولم يرَ الحسن بالسلحفاة بأسًا . أما قول الحسن الأول فقيل إنه ابن علي . وقيل : البصري ، ويؤيّد الأول أنه وقع في رواية وركب الحسن عليه السلام وقوله : على سرج من جلود ، أي متّخذ من جلود كلاب الماء . وأما قول الشعبي : فالضفادع جمع ضفدع ، بكسر أوله وفتح الدال وبكسرها أيضًا ، وحكي ضم أوله مع فتح الدال ؛ والضفادي بغير عين لغة فيه ، قال ابن التين : لم يبيّن الشعبي هل تذكى أم لا ؟ . ومذهب مالك أنها تؤكل بغير تذكية ، ومنهم من فصل بين ما مأواه الماء وغيره . وعن الحنفية ، ورواية عن الشافعي : لا بد من التذكية .
قال مقيّده عفا اللَّه عنه ميتة الضفادع البريّة لا ينبغي أن يختلف في نجاستها ، لقوله تعالىٰ : {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ} ، وهي ليست من حيوان البحر ؛ لأنها برية ، كما صرح عبد الحق بأن ميتتها نجسة في مذهب مٰلك . نقله عنه الحطاب والمواق وغيرهما ، في شرح قول خليل : والبحري ولو طالت حياته ببرّ ، وقال ابن حجر متصلاً بالكلام السابق ، وأما قول الحسن في السلحفاة فوصله ابن أبي شيبة من طريق ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى بأكل السلحفاة بأسًا ، ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن قال : لا بأس بأكلها ، والسلحفاة ، بضم المهملة وفتح اللام وسكون المهملة بعدها فاء ، ثم ألف ثم هاء ، ويجوز بدل الهاء همزة حكاه ابن سيده ، وهي رواية عبدوس .
وحكي أيضًا في المحكم : بسكون اللام وفتح الحاء .
وحكي أيضًا : سلحفية كالأول لكن بكسر الفاء بعدها تحتانية مفتوحة .
قوله : وقال ابن عباس : كل من صيد البحر نصراني ، أو يهودي ، أو مجوسي .
قال الكرماني : كذا في النسخ القديمة وفي بعضها « ما صاده » قبل لفظ نصراني . قلت : وهذا التعليق وصله البيهقي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس . قال : كل ما ألقى البحر وما صيد منه ، صاده يهودي أو نصراني أو مجوسي .
قال ابن التين : مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء وهو كذلك عند قوم .
وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء وسعيد بن جبير ، وبسند آخر عن علي كراهية صيد المجوسي السمك . انتهى ، من «فتح الباري» بلفظه .
وقول أبي الدرداء : في المري ذبح الخمر النينان والشمس . المشهور في لفظه أن ذبح فعل ماض ، والخمر مفعول به ، والنينان فاعل ذبح ، والشمس بالرفع معطوفًا على الفاعل الذي هو النينان ، وهي جمع نون وهو : الحوت والمري ، بضم الميم وسكون الراء بعدها تحتانية على الصحيح ، خلافًا لصاحب «الصحاح» و «النهاية» ، فقد ضبطاه بضم الميم وكسر الراء
المشدّدة نسبة إلى المر وهو الطعم المشهور ، والمري المذكور طعام كان يعمل بالشام ، يؤخذ الخمر فيجعل فيه الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير عن طعم الخمر ويصير خلاًّ ، وتغيير الحوت والملح والشمس له عن طعم الخمر إزالة الإسكار عنه ، هو مراد أبي الدرداء بذبح الحيتان والشمس له ، فاستعار الذبح لإذهاب الشدة المطربة التي بها الإسكار ، وأثر أبي الدرداء هذا ، وصله إبرٰهيم الحربي في غريب الحديث له ، من طريق أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي الدرداء ، فذكره سواء .
وكان أبو الدرداء رضي اللَّه عنه يرى إباحة تخليل الخمر ، وكثير من العلماء يرون منع تخليلها ، فإن تخللت بنفسها من غير تسبب لها في ذلك فهي حلال إجماعًا ، قال ابن حجر في الفتح : وكان أبو الدرداء وجماعة يأكلون هذا المري المعمول بالخمر . وأدخله البخاري في طهارة صيد البحر ، يريد أن السمك طاهر حلال ، وأن طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح . حتى يصير الحرام النجس بإضافتها إليه طاهرًا حلالاً ، وهذا رأي من يجوز تخليل الخمر وهو قول أبي الدرداء وجماعة .
قال مقيده عفا اللَّه عنه والظاهر منع أكل الضفادع مطلقًا ؛ لثبوت النهي عن قتلها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد قال أبو داود في سننه : حدّثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الرحمٰن بن عثمان، أن طبيبًا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتلها .
وقال النسائي في « سننه » : أخبرنا قتيبة قال : حدّثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد ، عن سعيد بن المسيّب ، عن عبد الرحمٰن بن عثمان ، أن طبيبًا ذكر ضفدعًا في دواء عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قتله .
وقال النووي في «شرح المهذب» : وأما حديث النهي عن قتل الضفدع فرواه أبو داود بإسناد حسن ، والنسائي بإسناد صحيح ، من رواية عبد الرحمٰن بن عثمان بن عبيد اللَّه التيمي الصحابي وهو ابن أخي طلحة بن عبيد اللَّه ، قال : سأل طبيب النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عن قتلها وسيأتي لتحريم أكل الضفدع زيادة بيان إن شاء اللَّه في سورة «الأنعام» في الكلام على قوله :
{قُل لا أَجِدُ فِى مَا أُوْحِىَ إِلَىَّ} .
وما ذكرنا من تحريم الضفدع مطلقًا قال به الإمام أحمد وجماعة ، وهو الصحيح من مذهب الشافعي ، ونقل العبدري عن أبي بكر الصدِّيق وعمر وعثمان وابن عباس رضي اللَّه عنهم ، أن جميع ميتات البحر كلها حلال إلا الضفدع ، قاله النووي .
ونقل عن أحمد رحمه اللَّه ما يدلّ على أن التمساح لا يؤكل ، وقال الأوزاعي لا بأس به لمن اشتهاه .
وقال ابن حامد : لا يؤكل التمساح ، ولا الكوسج ؛ لأنهما يأكلان الناس . وقد روي عن إبرٰهيم النخعي وغيره : أنه قال : كانوا يكرهون سباع البحر كما يكرهون سباع البر ، وذلك لنهي النبيّ صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع .
وقال أبو علي النجاد ما حرّم نظيره في البرّ فهو حرام في البحر ككلب الماء ، وخنزيره ، وإنسانه ، وهو قول الليث إلاّ في الكلب ، فإنه يرى إباحة كلب البرّ والبحر قاله ابن قدامة في «المغني» ، ومنع بعض العلماء أكل السلحفاة البحرية ، والعلم عند اللَّه تعالىٰ . تنبيــه
الدم أصله دمي ، يائي اللام وهو من الأسماء التي حذفت العرب لامها ولم تعوض عنها شيئًا ، وأعربتها على العين ، ولامه ترجع عند التصغير ، فتقول دمي بإدغام ياء التصغير في ياء لام الكلمة ، وترجع أيضًا في جمع التكسير ، فالهمزة في الدماء مبدلة من الياء التي هي لام الكلمة ، وربما ثبتت أيضًا في التثنية ، ومنه قول سحيم الرياحي : ولو أنّا على حجر ذبحنا جرى الدميان بالخبر اليقين

وكذلك تثبت لامه في الماضي والمضارع ، والوصف في حالة الاشتقاق منه فتقول : في الماضي دميت يده كرضي، ومنه قوله : هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل اللَّه ما لقيت

وتقول في المضارع يدمى بإبدال الياء ألفًا كما في يرضى ويسعى ويخشى ومنه قول الشاعر : ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما

وتقول في الوصف أصبح جرحه داميًا ومنه قول الراجز : نرد أولاها على أُخراها نردها دامية كلاها

والتحقيق أن لامه أصلها ياء ، وقيل أصلها واو وإنما أبدلت ياء في الماضي لتطرفها بعد الكسر كما في قوي ورضي وشجي، التي هي واويات اللام في الأصل ؛ لأنها من الرضوان والقوة والشجو .
وقال بعضهم الأصل فيه دمي ، بفتح الميم ، وقيل: بإسكانها ، واللَّه تعالىٰ أعلم .
{فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ} ، لم يبيّن هنا سبب اضطراره ، ولم يبين المراد بالباغي والعادي ، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن سبب الاضطرار المذكور المخمصة ، وهي الجوع وهو قوله : {فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى} ، وأشار إلى أن المراد بالباغي والعادي المتجانف للإثم ، وذلك في قوله : {دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} . والمتجانف : المائل ، ومنه قول الأعشى : تجانف عن حجر اليمامة ناقتي وما قصدت من أهلها لسوائكا

فيفهم من الآية أن الباغي والعادي كلاهما متجانف لإثم ، وهذا غاية ما يفهم منها .
وقال بعض العلماء : الإثم الذي تجانف إليه الباغي هو الخروج على إمام المسلمين ، وكثيرًا ما يطلق اسم البغي على مخالفة الإمام ، والإثم الذي تجانف إليه العادي هو إخافة الطريق وقطعها على المسلمين ، ويلحق بذلك كل سفر في معصية اللَّه .اهـ .
وقال بعض العلماء : إثم الباغي والعادي أكلهما المحرم مع وجود غيره ، وعليه فهو كالتأكيد لقوله : {فَمَنِ ٱضْطُرَّ}، وعلى القول الأول لا يجوز لقاطع الطريق والخارج على الإمام ، الأكل من الميتة وإن خافا الهلاك ، ما لم يتوبا ، وعلى الثاني يجوز لهما لقاطع الطريق والخارج على الإِمام ، الأكل من الميتة وإن خافا الهلاك ، ما لم يتوبا وعلى الثاني يجوز لهما أكل الميتة إن خافا الهلاك ، وإن لم يتوبا .
ونقل القرطبي عن قتادة ، والحسن ، والربيع ، وابن زيد ، وعكرمة ، أن المعنى {غَيْرَ بَاغٍ}، أي : في أكله فوق حاجته ، {وَلاَ عَادٍ}، بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة ، ويأكلها .
ونقل أيضًا عن السدي أن المعنى {غَيْرَ بَاغٍ} ، في أكلها شهوة وتلذذًا ، {وَلاَ عَادٍ} باستيفاء الأكل إلى حد الشبع .
وقال القرطبي أيضًا ، وقال مجاهد وابن جبير وغيرهما : المعنى {غَيْرَ بَاغٍ} على المسلمين ، {وَلاَ عَادٍ} عليهم ، فيدخل في الباغي والعادي قطاع الطريق ، والخارج على السلطان ، والمسافر في قطع الرحم ، والغارة على المسلمين ، وما شاكله ، وهذا صحيح . فإن أصل البغي في اللغة قصد الفساد يقال : بغت المرأة تبغى بغاء إذا فجرت .
قال اللَّه تعالىٰ : {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء} ، وربما استعمل البغي في طلب غير الفساد ، والعرب تقول : خرج الرجل في بغاء إبل له ، أي : في طلبها ، ومنه قول الشاعر : لا يمنعنك من بغا ء الخير تعقاد الرتائم
إن الأشائم كالأيا من والأيامن كالأشائم

وذكر القرطبي عن مجاهد : أن المراد بالاضطرار في هذه الآية : الإكراه على أكل المحرم ، كالرجل يأخذه العدو فيكرهونه على لحم الخنزير وغيره من معصية اللَّه تعالىٰ ، وذكر أن المراد به عند الجمهور من العلماء المخمصة التي هي الجوع كما ذكرنا .
وقد قدمنا أن آية {فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ} ، مبينة لذلك وحكم الإكراه على أكل ما ذكر يؤخذ من قوله تعالىٰ : {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ يَكْفُرْ بِٱلإيمَـٰنِ} ، بطريق الأولى ، وحديث : « إن اللَّه تجاوز لي عن أُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » .
مسائل تتعلق بالاضطرار إلى أكل الميتـة
المسألة الأولى : أجمع العلماء على أن المضطر له أن يأكل من الميتة ما يسد رمقه ، ويمسك حباته ، وأجمعوا أيضًا على أنه يحرم عليه ما زاد على الشبع ، واختلفوا في نفس الشبع هل له أن يشبع من الميتة أو ليس له مجاوزة ما يسدّ الرمق ، ويأمن معه الموت .
فذهب مالك رحمه اللَّه تعالىٰ إلى أن له أن يشبع من الميتة ويتزود منها ، قال في « موطئه » : إن أحسن ما سمع في الرجل يضطر إلى الميتة ، أنه يأكل منها حتى يشبع ، ويتزود منها ، فإن وجد عنها غنى طرحها .
قال ابن عبد البر : حجة مالك أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة ، فإذا كانت حلالاً له أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها ، فتحرم عليه وذهب ابن الماجشون وابن حبيب من المالكية إلى أنه ليس له أن يأكل منها إلا قدر ما يسدّ الرمق ويمسك الحياة وحجتهما : أن الميتة لا تباح إلا عند الضرورة ، وإذا حصل سد الرمق انتفت الضرورة في الزائد على ذلك .
وعلى قولهما درج خليل بن إسحاق المالكي في «مختصره» ، حيث قال : وللضرورة ما يسدّ غير ءادمي .
وقال ابن العربي : ومحل هذا الخلاف بين المالكية فيما إذا كانت المخمصة نادرة ، وأما إذا كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع منها .
ومذهب الشافعي على القولين المذكورين عن المٰلكية ، وحجتهما في القولين كحجة المٰلكية فيهما ، وقد بيناها . والقولان المذكوران مشهوران عند الشافعية .
واختار المزني أنه لا يجاوز سد الرمق، ورجحه القفال وكثيرون .
وقال النووي : إنه الصحيح . ورجح أبو علي الطبري في الإفصاح والروياني وغيرهما حل الشبع ، قاله النووي أيضًا .
وفي المسألة قول ثالث للشافعية وهو : أنه إن كان بعيدًا من العمران حل الشبع وإلا فلا ، وذكر إمام الحرمين والغزالي تفصيلاً في المسألة ، وهو : أنه إن كان في بادية وخاف إن ترك الشبع ألا يقطعها ويهلك ، وجب القطع بأنه يشبع ، وإن كان في بلد وتوقع طعامًا طاهرًا قبل عود الضرورة وجب القطع بالاقتصار على سدّ الرمق ، وإن كان لا يظهر حصول طعام طاهر وأمكن الحاجة إلى العود إلى أكل الميتة مرة بعد أخرى إن لم يجد الطاهر ، فهذا محل الخلاف .
قال النووي : وهذا التفصيل الذي ذكره الإمام والغزالي تفصيل حسن وهو الراجح ، وعن الإمام أحمد رحمه اللَّه في هذه المسألة روايتان أيضًا .
قال ابن قدامة في المغني : وفي الشبع روايتان .
أظهرهما : لا يباح وهو قول أبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عن مالك ، وأحد القولين للشافعي .
قال الحسن : يأكل قدر ما يقيمه ؛ لأن الآية دلت على تحريم الميتة ، واستثني ما اضطرّ إليه فإذا اندفعت الضرورة فلم يحلّ له الأكل كحالة الابتداء . ولأنه بعد سد الرمفق غير مضطر فلم يحل له الأكل للآية . يحققه : أنه بعد سدّ رمقه كهو قبل أن يضطر ، وثم لم يبح له الأكل كذا هٰهنا .
والثانية : يباح له الشبع . اختارها أبو بكر ؛ لما روى جابر بن سمرة أن رجلاً نزل الحرّة فنفقت عنده ناقة ، فقالت له امرأته : أسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله . فقال حتى أسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فسأله فقال : «هل عندك غنى يغنيك» ؟ قال : لا . قال : «فكلوها» ، ولم يفرق رواه أبو داود . ويدلّ له أيضًا حديث الفجيع العامري عنده : أن النبيّ أذن له في الميتة مع أنه يغتبق ويصطبح ، فدلّ على أخذ النفس حاجتها من القوت منها ؛ ولأن ما جاز سدّ الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح ، ويحتمل أن يفرّق بين ما إذا كانت الضرورة مستمرة وبين ما إذا كانت مرجوة الزوال ، فما كانت مستمرة كحالة الأعرابي الذي سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاز الشبع ؛ لأنه إذا اقتصر على سدّ الرمق عادت الضرورة إليه عن قرب ، ولا يتمكن من البعد عن الميتة مخافة الضرورة المستقبلة ويفضي إلى ضعف بدنه ، وربما أدى ذلك إلى تلفه ، بخلاف التي ليست مستمرة ، فإنه يرجو الغنى عنها بما يحل واللَّه أعلم . انتهى من المعنى بلفظه .
وقال إمام الحرمين : وليس معنى الشبع أن يمتلىء حتى لا يجد مساغًا ، ولكن إذا انكسرت سورة الجوع بحيث لا ينطلق عليه اسم جائع أمسك . اهـ . قاله النووي .
المسألة الثانية : حدّ الاضطرار المبيح لأكل الميتة ، وهو الخوف من الهلاك علمًا أو ظنًا .
قال الزرقاني في شرح قول مالك في «الموطأ»، فيمن يضطر إلى أكل الميتة اهـ . وحدّ الاضطرار أن يخاف على نفسه الهلاك علمًا أو ظنًا، ولا يشترط أن يصير إلى حال يشرف معها على الموت ، فإن الأكل عند ذلك لايفيد .
وقال النووي في « شرح المهذب » : الثانية في حدّ الضرورة .
قال أصحابنا : لا خلاف أن الجوع القوي لا يكفي لتناول الميتة ونحوها قالوا ولا خلاف أنه لا يجب الامتناع إلى الإشراف على الهلاك ؛ فإن الأكل حينئذ لا ينفع ، ولو انتهى إلى تلك الحال لم يحل له أكلها ؛ لأنه غير مفيد ، واتفقوا على جواز الأكل إذا خاف على نفسه لو لم يأكل من جوع أو ضعف عن المشي ، أو عن الركوب ، وينقطع عن رفقته ويضيع ونحو ذلك .
فلو خاف حدوث مرض مخوف في جنسه فهو كخوف الموت ، وإن خاف طول المرض فكذلك في أصح الوجهين ، وقيل : إنهما قولان ، ولو عيل صبره ، وأجهده الجوع فهل يحل له الميتة ونحوها أم لا يحل حتى يصل إلى أدنى الرمق ؟ فيه قولان ذكرهما البغوي وغيره ، أصحهما : الحلّ .
قال إمام الحرمين وغيره : ولا يشترط فيما يخافه تيقن وقوعه لو لم يأكل ، بل يكفي غلبة الظن . انتهى منه بلفظه .
وقال ابن قدامة في « المغني » : إذا ثبت هذا فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف التلف بها إن ترك الأكل ، قال أحمد : إذا كان يخشى على نفسه سواء كان من الجوع ، أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي ، وانقطع عن الرفقة فهلك أو يعجز عن الركوب فيهلك ، ولا يتقيد ذلك بزمن محصور .
وحدّ الاضطرار عند الحنفية هو أن يخاف الهلاك على نفسه أو على عضو من أعضائه يقينًا كان أو ظنًّا ، واللَّه تعالىٰ أَعلم .
المسألة الثالثة : هل يجب الأكل من الميتة ونحوها إن خاف الهلاك ، أو يباح من غير وجوب ؟ اختلف العلماء في ذلك ، وأظهر القولين الوجوب ؛ لقوله تعالىٰ : {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ} ، وقوله : {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيم} .
ومن هنا قال جمع من أهل الأصول : إن الرخصة قد تكون واجبة ، كأكل الميتة عند خوف الهلاك لو لم يأكل منها ، وهو الصحيح من مذهب مالك ، وهو أحد الوجهين للشافعية ، وهو أحد الوجهين عند الحنابلة أيضًا ، وهو اختيار ابن حامد ، وهذا هو مذهب أبي حنيفة رحمهم اللَّه ، وقال مسروق : من اضطر إلى أكل الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل حتى مات ، دخل النار ، إلا أن يعفو اللَّه عنه .
وقال أبو الحسن الطبري المعروف بالكيا : وليس أكل الميتة عند الضرورة رخصة بل هو عزيمة واجبة ، ولو امتنع من أكل الميتة كان عاصيًا ، نقله القرطبي وغيره .
وممن اختار عدم الوجوب ولو أدّى عدم الأكل إلى الهلاك أبو إسحٰق من الشافعية ، وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهم اللَّه وغيرهم ، واحتجّوا بأن له غرضًا صحيحًا في تركه وهو اجتناب النجاسة ، والأخذ بالعزيمة .
وقال ابن قدامة في «المغني» في وجه كل واحد من القولين ، ما نصه : وهل يجب الأكل من الميتة على المضطر فيه وجهان :
أحدهما : يجب وهو قول مسروق ، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي .
قال الأثرم : سئل أبو عبد اللَّه عن المضطرّ يجد الميتة ولم يأكل ، فذكر قول مسروق : من اضطر فلم يأكل ولم يشرب دخل النار . وهذا اختيار ابن حامد ، وذلك لقول اللَّه تعالىٰ : {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ} ، وترك الأكل مع إمكانه في هذا الحال إلقاء بيده إلى التهلكة ، وقال اللَّه تعالىٰ : {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيم} ؛ ولأنه قادر على إحياء نفسه بما أحلّه اللَّه فلزمه ، كما لو كان معه طعام حلال .
والثاني : لا يلزمه ؛ لما روى عن عبد اللَّه بن حذافة السهمي صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن طاغية الروم حبسه في بيت وجعل معه خمرًا ممزوجًا بماء ، ولحم خنزير مشوي ثلاثة أيام ، فلم يأكل ولم يشرب حتى مال رأسه من الجوع والعطش وخشوا موته ، فأخرجوه فقال : قد كان اللَّه أحلّه لي ؛ لأنّي مضطر ، ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام ؛ ولأن إباحة الأكل رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص ؛ ولأن له غرضًا في اجتناب النجاسة والأخذ بالعزيمة ،
وربما لم تطب نفسه بتناول الميتة وفارق الحلال في الأصل من هذه الوجوه .
وقد قدمنا أن أظهر القولين دليلاً وجوب تناول ما يمسك الحياة ؛ لأن الإنسان لا يجوز له إهلاك نفسه ، والعلم عند اللَّه تعالىٰ .
المسألة الرابعة : هل يقدم المضطر الميتة أو مال الغير ؟
اختلف العلماء في ذلك : فذهب مالك إلى أنه يقدم مال الغير إن لم يخف أن يجعل سارقًا ويحكم عليه بالقطع . ففي «موطئه» ، ما نصه : وسئل مٰلك عن الرجل يضطر إلى الميتة أيأكل منها وهو يجد ثمرًا لقوم أو زرعًا أو غنمًا بمكانه ذلك ؟ .
قال مٰلك : إن ظن أن أهل ذلك الثمر ، أو الزرع ، أو الغنم يصدقونه بضرورته حتى لا يعد سارقًا فتقطع يده ، رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد ما يردّ جوعه ولا يحمل منه شيئًا ، وذلك أحبّ إليّ من أن يأكل الميتة .
وإن هو خشي ألا يصدقوه ، وأن يعد سارقًا بما أصاب من ذلك ؛ فإن أكل الميتة خير له عندي ، وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة ، مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة يريد استجازة أموال الناس وزروعهم وثمارهم بذلك بدون اضطرار . قال مٰلك : وهذا أحسن ما سمعت . اهـ .
وقال ابن حبيب : إن حضر صاحب المال فحق عليه أن يأذن له في الأكل ؛ فإن منعه فجائز للذي خاف الموت أن يقاتله حتى يصل إلى أكل ما يرد نفسه .
الباجي : يريد أنه يدعوه أولاً إلى أن يبيعه بثمن في ذمته ، فإن أبى استطعمه ، فإن أبى ، أعلمه أنه يقاتله عليه .
وقال خليل بن إسحٰق المالكي في «مختصره» ، الذي قال فيه مبينًا لما به الفتوى عاطفًا على ما يقدم المضطر على الميتة وطعام غير إن لم يخف القطع ، وقاتل عليه . هذا هو حاصل المذهب المالكي في هذه المسألة .
ومذهب الشافعي فيها : هو ما ذكره النووي في «شرح المهذب» ، بقوله : المسألة الثامنة : إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير وهو غائب فثلاثة أوجه . وقيل ثلاثة أقوال : أصحها يجب أكل الميتة ، والثاني يجب أكل الطعام ، والثالث يتخيّر بينهما .
وأشار إمام الحرمين إلى أن هذا الخلاف مأخوذ من الخلاف في اجتماع حق اللَّه تعالىٰ وحقّ الآدمي ولو كان صاحب الطعام حاضرًا ، فإن بذله بلا عوض أو بثمن مثله أو بزيادة يتغابن الناس بمثلها ومعه ثمنه أو رضي بذمته لزمه القبول ، ولم يجز أكل الميتة ، فإن لم يبعه إلا بزيادة كثيرة فالمذهب والذي قطع به العراقيون والطبريون وغيرهم : أنه لا يلزمه شراؤه ولكن يستحب ، وإذا لم يلزمه الشراء فهو كما إذا لم يبذله أصلاً ، وإذا لم يبذله لم يقاتله عليه المضطر إن خاف من المقاتلة على نفسه ، أو خاف هلاك المالك في المقاتلة ، بل يعدل إلى الميتة ، وإن كان لا يخاف ؛ لضعف المالك وسهولة دفعه فهو على الخلاف المذكور فيما إذا كان غائبًا ، هذا كله تفريع على المذهب الصحيح .
وقال البغوي : يشتريه بالثمن الغالي ، ولا يأكل الميتة ثم يجىء الخلاف السابق في أنه يلزمه المسمى أو ثمن المثل ، قال وإذا لم يبذل أصلاً وقلنا طعام الغير أولى من الميتة يجوز أن يقاتله ويأخذه قهرًا ، واللَّه أعلم .
حاصل مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة أنه يقدم الميتة على طعام الغير .
قال الخرقي في «مختصره» : ومن اضطر فأصاب الميتة وخبزًا لا يعرف مالكه أكل الميتة . اهـ .
وقال ابن قدامة في «المغني» ، في شرحه لهذا الكلام ما نصه : وبهذا قال سعيد بن المسيّب ، وزيد بن أسلم .
وقال مٰلك : إن كانوا يصدقونه أنه مضطر أكل من الزرع والثمر ، وشرب اللبن ، وإن خاف أن تقطع يده أو لا يقبل منه أكل الميتة ، ولأصحاب الشافعي وجهان :
أحدهما : يأكل الطعام وهو قول عبد اللَّه بن دينار؛ لأنه قادر على الطعام الحلال فلم يجز له أكل الميتة كما لو بذله له صاحبه .
ولنا أن أكل الميتة منصوص عليه ومال الآدمي مجتهد فيه ، والعدول إلى المنصوص عليه أولى ؛ ولأن حقوق اللَّه تعالىٰ مبنيّة على المسامحة والمساهلة وحقوق الآدمي مبنيّة على الشحّ والتضييق ؛ ولأن حق الآدمي تلزمه غرامته وحقّ اللَّه لا عوض له .
المسألة الخامسة : إذا كان المضطر إلى الميتة محرمًا وأمكنه الصيد فهل يقدم الميتة أو الصيد ؟ .
اختلف العلماء في ذلك ، فذهب مالك وأبو حنيفة رحمهم اللَّه والشافعي، في أصح القولين : إلى أنه يقدم الميتة .
وعن الشافعي رحمه اللَّه تعالىٰ قول بتقديم الصيد وهو مبنيّ على القول : بأن المحرم إن ذكّى صيدًا لم يكن ميتة .
والصحيح أن ذكاة المحرم للصيد لغو ويكون ميتة ، والميتة أخف من الصيد للمحرم ؛ لأنه يشاركها في اسم الميتة ويزيد بحرمة الاصطياد ، وحرمة القتل ، وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان إن شاء اللَّه في سورة «المائدة» .
وممن قال بتقديم الصيد للمحرم على الميتة أبو يوسف ، والحسن ، والشعبي ، واحتجوا بأن الصيد يجوز للمحرم عند الضرورة ، ومع جوازه والقدرة عليه تنتفي الضرورة فلا تحلّ الميتة .
واحتجّ الجمهور بأن حلّ أكل الميتة عند الضرورة منصوص عليه ، وإباحة الصيد للضرورة مجتهد فيها ، والمنصوص عليه أولى ، فإن لم يجد المضطر إلاّ صيدًا وهو محرم فله ذبحه وأكله ، وله الشبع منه على التحقيق ، لأنه بالضرورة وعدم وجود غيره صار مذكى ذكاة شرعية ، طاهرًا حلالاً فليس بميتة ، ولذا تجب ذكاته الشرعية ، ولا يجوز قتله ، والأكل منه بغير ذكاة .
ولو وجد المضطر ميتة ولحم خنزير أو لحم إنسان ميت فالظاهر تقديم الميتة على الخنزير ولحم الآدمي .
قال الباجي : إن وجد المضطر ميتة وخنزيرًا فالأظهر عندي أن يأكل الميتة ؛ لأن الخنزير ميتة ولا يباح بوجه ، وكذلك يقدم الصيد على الخنزير والإنسان على الظاهر ، ولم يجز عند المالكية أكل الإنسان للضرورة مطلقًا وقتل الإنسان الحي المعصوم الدم لأكله عند الضرورة حرام إجماعًا ، سواء كان مسلمًا ، أو ذميًا . وإن وجد إنسان معصوم ميتًا فهل يجوز لحمه عند الضرورة ، أو لا يجوز ؟ منعه المالكية والحنابلة وأجازه الشافعية وبعض الحنفية .
واحتجّ الحنابلة لمنعه لحديث: « كسر عظم الميت ككسر عظم الحي » ، واختار أبو الخطاب منهم جواز أكله ، وقال لا حجة في الحديث هٰهنا ؛ لأن الأكل من اللحم لا من العظم ، والمراد بالحديث التشبيه في أصل الحرمة لا في مقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص ، ووجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت ، قاله في «المغني» .
ولو وجد المضطر ءادميًّا غير معصوم كالحربي والمرتد فله قتله والأكل منه عند الشافعية ، وبه قال القاضي من الحنابلة واحتجوا بأنه لا حرمة له فهو بمنزلة السباع . واللَّه تعالىٰ أعلم .
المسألة السادسة : هل يجوز للمضطر أن يدفع ضرورته بشرب الخمر ؟ فيه للعلماء أربعة أقوال :
الأول : المنع مطلقًا .
الثاني : الإباحة مطلقًا .
الثالث : الإباحة في حالة الاضطرار إلى التداوي بها دون العطش .
الرابع : عكسه .
وأصح هذه الأقوال عند الشافعية المنع مطلقًا .
قال مقيده عفا اللَّه عنه الظاهر إن التداوي بالخمر لا يجوز ؛ لما رواه مسلم في «صحيحه» ، من حديث وائل بن حجر رضي اللَّه عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله طارق بن سويد الجعفي عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها فقال : إنما أصنعها للدواء ، فقال: «إنه ليس بدواء ولكنه داء » . والظاهر إباحتها ؛ لإساغة غصة خيف بها الهلاك ؛ وعليه جلّ أهل العلم ، والفرق بين إساغة الغصة وبين شربها للجوع أو العطش أن إزالتها للغصة معلومة وأنها لا يتيقن إزالتها للجوع أو العطش .
قال الباجي : وهل لمن يجوز له أكل الميتة أن يشرب لجوعه أو عطشه الخمر ؟ قال مٰلك لا يشربها ولن تزيده إلا عطشًا .
وقال ابن القٰسم : يشرب المضطر الدم ولا يشرب الخمر ، ويأكل الميتة ولا يقرب ضوال الإبل ، وقاله ابن وهب .
وقال ابن حبيب : من غص بطعام وخاف على نفسه ، فإن له أن يجوزه بالخمر ، وقاله أبو الفرج .
أما التداوي بها فمشهور المذهب أنه لا يحل :
وإذا قلنا : إنه لا يجوز التداوي بها ويجوز استعمالها لإساغة الغصة فالفرق أن التداوي بها لا يتيقن به البرء من الجوع والعطش . اهـ . بنقل المواق في شرح قول خليل وخمر لغصة ، وما نقلنا عن مالك من أن الخمر لا تزيد إلا عطشًا نقل نحوه النووي عن الشافعي ، قال : وقد نقل الروياني أن الشافعي رحمه اللَّه نص على المنع من شربها للعطش ؛ معللاً بأنها تجيع وتعطش .
وقال القاضي أبو الطيب : سألت من يعرف ذلك فقال الأمر كما قال الشافعي : إنها تروي في الحال ثم تثير عطشًا عظيمًا .
وقال القاضي حسين في «تعليقه» : قالت الأطباء الخمر تزيد في العطش وأهل الشرب يحرصون على الماء البارد ، فجعل بما ذكرناه أنها لا تنفع في دفع العطش .
وحصل بالحديث الصحيح السابق في هذه المسألة أنها لا تنفع في الدواء فثبت تحريمها مطلقًا واللَّه تعالىٰ أعلم . اهـ من «شرح المهذب» .
وبه تعلم أن ما اختاره الغزالي وإمام الحرمين من الشافعية ، والأبهري من المالكية ، من جوازها للعطش خلاف الصواب وما ذكره إمام الحرمين والأبهري من أنها تنفع في العطش خلاف الصواب أيضًا ، والعلم عند اللَّه تعالىٰ .
ومن مر ببستان لغيره فيه ثمار وزرع ، أو بماشية فيها لبن ، فإن كان مضطرًا اضطرارًا يبيح الميتة فله الأكل بقدر ما يرد جوعه إجماعًا ، ولا يجوز له حمل شىء منه وإن كان غير مضطر ، فقد اختلف العلماء في جواز أكله منه .
فقيل : له أن يأكل في بطنه من غير أن يحمل منه شيئًا ، وقيل ليس له ذلك ، وقيل : بالفرق بين المحوط عليه فيمنع ، وبين غيره فيجوز ، وحجة من قال بالمنع مطلقًا ما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من عموم قوله : « إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا » ، وعموم قوله تعالىٰ : {لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ} ، ونحو ذلك من الأدلّة .
وحجة من قال بالإباحة مطلقًا ما أخرجه أبو داود عن الحسن عن سمرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه ، فإن أذن فليحتلب وليشرب ، وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثًا ، فإن أجاب فليستأذنه ، فإن أذن له وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل » اهـ .
وما رواه الترمذي عن يحيىٰ بن سليم عن عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من دخل حائطًا فليأكل ولا يتّخذ خبنة » ، قال : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يحيىٰ بن سليم . وما رواه الترمذي أيضًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق فقال : « من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شىء عليه » قال : فيه حديث حسن .
وما روي عن عمر رضي اللَّه عنه أنه قال : « إذا مر أحدكم بحائط فليأكل منه ، ولا يتّخذ ثبانًا » .
قال أبو عبيد : قال أبو عمرو هو يحمل الوعاء الذي يحمل فيه الشىء ، فإن حملته بين يديك فهو ثبان ، يقال قد تثبنت ثبانًا ، فإن حملته على ظهرك فهو الحال ، يقال منه قد تحولت كسائي ، إذا جعلت فيه شيئًا ثم حملته على ظهرك ،
فإن جعلته في حضنك فهو خبنة ومنه حديث عمرو بن شعيب المرفوع : « ولا يتخذ خبنة » يقال فيه خبنت أخبن خبنًا، قاله القرطبي .
وما روي عن أبي زينب التيمي ، قال : سافرت مع أنس بن مالك ، وعبد الرحمٰن بن سمرة ، وأبي بردة ، فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون بأفواههم ، نقله صاحب « المغني ») ، وحمل أهل القول الأول هذه الأحاديث والآثار على حال الضرورة ، ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عباد بن شرحبيل اليشكري الغبري رضي اللَّه عنه قال : أصابتنا عامًا مخمصة فأتيت المدينة فأتيت حائطًا من حيطانها فأخذت سنبلاً ففركته وأكلته وجعلته في كسائي ، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي ، فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : « ما أطعمته إذ كان جائعًا أو ساغبًا ، ولا علمته إذ كان جاهلاً » ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فردّ إليه ثوبه ، وأمر له بوسق من طعام ، أو نصف وسق ، فإن في هذا الحديث الدلالة على أن نفي القطع والأدب إنما هو من أجل المخمصة .
وقال القرطبي في « تفسيره » ، عقب نقله لما قدّمنا عن عمر رضي اللَّه عنه قال أبو عبيد: وإنما يوجه هذا الحديث أنه رخص فيه للجائع المضطر ، الذي لا شىء معه يشتري به ، ألا يحمل إلا ما كان في بطنه قدر قوته ثم قال : قلت : لأن الأصل المتفق عليه تحريم مال الغير إلا بطيب نفس منه .
فإن كانت هناك عادة بعمل ذلك كما كان في أول الإسلام أو كما هو الآن في بعض البلدان فذلك جائز . ويحمل ذلك على أوقات المجاعة والضرورة ، كما تقدم ، واللَّه أعلم .اهـ منه .
وحجة من قال بالفرق بين المحوط وبين غيره ، أن إحرازه بالحائط دليل على شحّ صاحبه به وعدم مسامحته فيه ، وقول ابن عباس إن كان عليها حائط فهو حرام فلا تأكل ، وإن لم يكن عليها حائط فلا بأس ، نقله صاحب «المغني» ، وغيره . وما ذكره بعض أهل العلم من الفرق بين مال المسلم فيجوز عند الضرورة وبين مال الكتابي ( الذمي ) فلا يجوز بحال غير ظاهر .
ويجب حمل حديث العرباض بن سارية عند أبي داود الوارد في المنع من دخول بيوت أهل الكتاب ، ومنع الأكل من ثمارهم إلا بإذن على عدم الضرورة الملجئة إلى أكل الميتة ، والعلم عند اللَّه تعالىٰ .