تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 496 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 496


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {حمۤ * وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ * رَبِّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ * لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلاٌّوَّلِينَ * بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ يَلْعَبُونَ * فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ * أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَىَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّىۤ ءَاتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * وَإِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ * وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فَٱعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ *وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَـٰكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا قَوْماً ءَاخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلاٌّرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ * وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ * مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَـٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ * وَءَاتَيْنَـٰهُم مِّنَ ٱلاٌّيَـٰتِ مَا فِيهِ بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ * إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلاٍّوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ * فَأْتُواْ بِأابَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ * أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَـٰهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ * مَا خَلَقْنَـٰهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَـٰتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلاٌّثِيمِ * كَٱلْمُهْلِ يَغْلِى فِى ٱلْبُطُونِ * كَغَلْىِ ٱلْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ}
قوله تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ}. أبهم تعالى هذه الليلة المباركة هنا، ولكنه بين أنها هي ليلة القدر في قوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ} وبين كونها (مباركة) المذكورة هنا في قوله تعالى {لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} إلى آخر السورة.
فقوله {فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ} أي كثيرة البركات والخيرات.
ولا شك أن ليلة هي خير من ألف شهر، إلى آخر الصفات التي وصفت بها، في سورة القدر كثيرة البركات، والخيرات جداً.
وقد بين تعالى أن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر، التي أنزل فيها القرآن من شهر رمضان، في قوله تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىۤ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ}.
فدعوى أنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة وغيره، لا شك في أنها دعوى باطلة لمخالفتها لنص القرآن الصريح.
ولا شك كل ما خالف الحق فهو باطل.
والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنهم من شعبان المخالفة لصريح القرآن لا أساس لها، ولا يصح سند شيء منها، كما جزم به ابن العربي وغير واحد من المحققين.
فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح، بلا مستند كتاب ولا سنة صحيحة. قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَ}. معنى قوله: يفرق، أي يفصل ويبين، ويكتب في الليلة المباركة، التي هي ليلة القدر، كل أمر حكيم، أي ذي حكمة بالغة لأن كل ما يفعله الله، مشتمل على أنواع الحكم الباهرة:
وقال بعضهم: حكيم، أي محكم، ولا تغيير فيه، ولا تبديل.
وكلا الأمرين حق لأن ما سبق في علم الله، لا يتغير ولا يتبدل، ولأن جميع أفعاله في غاية الحكمة.
وهي في الاصطلاح وضع الأمور في مواضعها وإيقاعها في مواقعها.
وإيضاح معنى الآية أن الله تبارك وتعالى في كل ليلة قدر من السنة يبين للملائكة ويكتب لهم، بالتفصيل والإيضاح جميع ما يقع في تلك السنة، إلى ليلة القدر من السنة الجديدة.
فتبين في ذلك الآجال والأرزاق والفقر والغنى، والخصب والجدب والصحة والمرض، والحروب والزلازل، وجميع ما يقع في تلك السنة كائناً ما كان.
قال الزمخشري في الكشاف: ومعنى يفرق: يفصل ويكتب كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم، وجميع أمورهم فيها، إلى الأخرى القابلة إلى أن قال: فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل، والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت ا هـ محل الغرض منه بلفظه.
ومرادنا بيان معنى الآية، لا التزام صحة دفع النسخ المذكورة للملائكة المذكورين، لأنا لم نعلم له مستنداً.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، يدل أيضاً على أن الليلة المباركة هي ليلة القدر فهو بيان قرآني آخر.
وإيضاح ذلك أن معنى قوله {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ} أي في ليلة التقدير لجميع أمور السنة، من رزق وموت، وحياة وولادة ومرض، وصحة وخصب وجدب، وغير ذلك من جميع أمور السنة.
قال بعضهم: حتى إن الرجل لينكح ويتصرف في أموره ويولد له، وقد خرج اسمه في الموتى في تلك السنة.
وعلى هذا التفسير الصحيح لليلة القدر، فالتقدير المذكور هو بعينه المراد بقوله {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.
وقد قدمنا في سورة الأنبياء في الكلام على قوله تعالى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} أن قدر بفتح الدال مخففاً يقدر ويقدر بالكسر والضم كيضرب وينصر قدراً بمعنى قدر تقديراً، وأن ثعلباً أنشد لذلك قول الشاعر:
فليست عشيات الحمى برواجع لنا أبداً ما أروق السلم النضر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر

وبينا هناك، أن ذلك هو معنى ليلة القدر، لأن الله يقدر فيها وقائع السنة.
وبينا أن ذلك هو معنى قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وأوضحنا هناك أن القدر بفتح الدال والقدر بسكونها هما ما يقدره الله من قضائه: ومنه قول هدبة بن الخشرم: ألا يا لقومي للنوائب والقدر وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري

واعلم أن قول من قال: إنما سميت ليلة القدر لعظمها وشرفها على غيرها من الليالي من قولهم: فلان ذو قدر أي ذو شرف ومكانة رفيعة لا ينافي القول الأول لاتصافها بالأمرين معاً، وصحة وصفها بكل منهما كما أوضحنا مثله مراراً.
واختلف العلماء في إعراب قوله {أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَا}، قال بعضهم: هو مصدر منكر في موضع الحال، أي أنزلناه في حال كوننا آمرين به.
وممن قال بهذا الأخفش.
وقال بعضهم: هو ما ناب عن المطلق من قوله (أنزلناه) وجعل (أمراً) بمعنى: إنزالاً.
وممن قال به المبرد.
وقال بعضهم هو ما ناب عن المطلق من يفرق، فجعل (أمراً) بمعنى فرقاً أو فرق بمعنى أمراً.
وممن قال بهذا الفراء والزجاج.
وقال بعضهم هو حال من (أمر) أي (يفرق فيها بين كل أمر حكيم).
في حال كونه أمراً من عندنا، وهذا الوجه جيد ظاهر، وإنما ساغ إتيان الحال من النكرة وهي متأخرة عنها لأن النكرة التي هي (أمر) وصفت بقوله (حكيم) كما لا يخفى.
وقال بعضهم (أمراً) مفعول به لقوله (منذرين) وقيل غير ذلك.
واختار الزمخشري: أنه منصوب بالاختصاص، فقال: جعل كل أمر جزلاً فخماً بأن وصفه بالحكيم ثم زاده جزالة وأكسبه فخامة، بأن قال: أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا، كائناً من لدنا، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا وهذا الوجه أيضاً ممكن، والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الكهف، في الكلام على قوله تعالى {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا}. وفي سورة فاطر في الكلام على قوله تعالى {مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا}. قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ}. هذا الذي ادعوه على النبي صلى الله عليه وسلم افتراء، من أنه معلم، يعنون أن هذا القرآن علمه إياه بشر، وأنه صلى الله عليه وسلم مجنون، قد بينا الآيات الموضحة لإبطاله.
أما دعواهم أنه معلم فقد قدمنا الآيات الدالة على تلك الدعوى في سورة النحل، في الكلام على قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} وفي سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ} إلى قوله {فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا}.
وبينا الآيات الموضحة لافترائهم وتعنتهم في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {لِّسَانُ ٱلَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ}.
وفي الفرقان في الكلام على قوله تعالى: {فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلاٌّوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَ}.
وأما دعواهم أنه مجنون، فقد قدمنا الآيات الموضحة لها. ولإبطالها في سورة قد أفلح المؤمنون في الكلام على قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ}. قوله تعالى: {وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَىَّ عِبَادَ ٱللَّهِ}. الرسول الكريم هو موسى، والآيات الدالة على أن موسى هو الذي أرسل لفرعون وقومه كثيرة ومعروفة.
وقوله: {أَدُّوۤاْ إِلَىَّ} أي سلموا إلى عباد الله يعني بني إسرائيل، وأرسلوهم معي.
فقوله {عِبَادَ ٱللَّهِ} مفعول به لقوله: {أَدُّواۤ}. وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن موسى طلب فرعون أن يسلم له بني إسرائيل ويرسلهم معه جاء موضحاً في آيات أخر، مصرح فيها بأن عباد الله هم بنو إسرائيل، كقوله تعالى في طه: {فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ} وقوله تعالى في الشعراء {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ}.
والتحقيق أنَّ أنْ في قوله {أَنْ أَدُّواۤ} هي المفسرة، لأن مجيء الرسول يتضمن معنى القول لا المخففة من الثقيلة، وأن قوله: {عِبَادَ ٱللَّهِ} مفعول به كما ذكرنا وكما أوضحته آية طه وآية الشعراء لا منادى مضاف. قوله تعالى: {وَإِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ}. قد قدمنا الكلام عليه في سورة المؤمن في الكلام على قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ}. قوله تعالى: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا قَوْماً ءَاخَرِينَ}. لم يبين هنا من هؤلاء القوم الذين أورثهم ما ذكره هنا، ولكنه بين في سورة الشعراء أنهم بنو إسرائيل وذلك في قوله تعالى: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ} كما تقدم في الترجمة، وفي الأعراف. قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ}. ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه نجى بني إسرائيل من العذاب المهين الذي كان يعذبهم به فرعون وقومه، جاء موضحاً في آيات أخر، مصرح فيها بأنواع العذاب المذكور، كقوله تعالى في سورة البقرة {وَإِذْ نَجَّيْنَـٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِى ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} إلى قوله {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}. وقوله في الأعراف {وَإِذْ أَنْجَيْنَـٰكُمْ مِّنْ ءَالِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ}. وقوله تعالى في المؤمن {فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ}. وقوله تعالى في إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ}.
وقوله في الشعراء: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَٰءِيلَ}.
فتعبيده إياهم من أنواع عذابه لهم، إلى غير ذلك من الآيات.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة، من أن فرعون كان عالياً من المسرفين، أوضحه أيضاً في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في يونس: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلاٌّرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ} وقوله تعالى في أول القصص {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلاٌّرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ} إلى غير ذلك من الآيات.