تفسير الطبري تفسير الصفحة 496 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 496
497
495
 سورة الدخان مكيّة
وآياتها تسع وخمسون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-6
القول في تأويل قوله تعالى: {حمَ * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مّبَارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مّنْ عِنْدِنَآ إِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مّن رّبّكَ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }.
قد تقدم بياننا في معنى قوله: حم. والكِتابِ المُبِينِ. وقوله: إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ أقسم جلّ ثناؤه بهذا الكتاب, أنه أنزله في ليلة مباركة.
واختلف أهل التأويل في تلك الليلة, أيّ ليلة من ليالي السنة هي؟ فقال بعضهم: هي ليلة القدر. ذكر من قال ذلك:
23990ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُباركَةٍ: ليلة القدر, ونزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان, ونزلت التوراة لستّ ليال مضت من رمضان, ونزل الزّبور لستّ عشرة مضت من رمضان, ونزل الإنجيل لثمان عشرة مضت من رمضان, ونزل الفُرقان لأربع وعشرين مضت من رمضان.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ قال: هي ليلة القدر.
23991ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله عزّ وجل: إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنّا كُنّا مُنْذِرِيْنَ قال: تلك الليلة ليلة القدر, أنزل الله هذا القرآن من أمّ الكتاب في ليلة القدر, ثم أنزله على الأنبياء في الليالي والأيام, وفي غير ليلة القدر.
وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان.
والصواب من القول في ذلك قول من قال: عنى بها ليلة القدر, لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى: إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ خَلْقنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحلّ بمن كفر منهم, فلم ينب إلى توحيدنا, وإفراد الألوهة لنا.
وقوله: فِيها يُفْرَق كُلّ أمْرٍ حَكِيم اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يُفرق فيها كلّ أمر حكيم, نحو اختلافهم في الليلة المباركة, وذلك أن الهاء التي في قوله: فِيها عائدة على الليلة المباركة, فقال بعضهم: هي ليلة القدر, يُقْضَى فيها أمر السنة كلها من يموت, ومن يولد, ومن يعزّ, ومن يذل, وسائر أمور السنة. ذكر من قال ذلك:
23992ـ حدثنا مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا ربيعة بن كلثوم, قال: كنت عند الحسن, فقال له رجل: يا أبا سعيد, ليلة القدر في كلّ رمضان؟ قال: إي والله, إنها لفي كلّ رمضان, وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم, فيها يقضي الله كلّ أجل وأمل ورزق إلى مثلها.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم, قال: قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر, أفي كل رمضان هي؟ قال: نعم والله الذي لا إله إلاّ هو, إنها لفي كل رمضان, وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم, يقضي الله كلّ أجل وخلق ورزق إلى مثلها.
23993ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال عبد الحميد بن سالم, عن عمر مولى غفرة, قال: يقال: ينسخ لملك الموت من يموت ليلة القدر إلى مثلها, وذلك لأن الله عزّ وجلّ يقول: إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ وقال فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: فتجد الرجل ينكح النساء, ويغرس الغرس واسمه في الأموات.
23994ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن سلمة, عن أبي مالك, في قوله: فِيها يُفْرَق كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قالَ: أمر السنة إلى السنة ما كان من خلق أو رزق أو أجل أو مصيبة, أو نحو هذا.
23995ـ قال: ثنا سفيان, عن حبيب, عن هلال بن يساف, قال: كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان.
23996ـ حدثنا الفضل بن الصباح, قال: حدثنا محمد بن فضيل, عن حصين, عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن في قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: يدبر أمر السنة في ليلة القدر.
23997ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: في ليلة القدر كلّ أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت, يقدر فيها المعايش والمصائب كلها.
23998ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ليلة القدر فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ كُنّا نُحدّثُ أنه يُفْرق فيها أمر السنة إلى السنة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: هي ليلة القدر فيها يُقضى ما يكون من السنة إلى السنة.
23999ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, قال: سألت مجاهدا, فقلت: أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللهمّ إن كان اسمي في السعداء, فأثبته فيهم, وإن كان في الأشقياء فامحه منهم, واجعله بالسعداء, فقال: حسن, ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك, فسألته عن هذا الدعاء, قال: إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ, فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة, ثم يقدّم ما يشاء, ويؤخر ما يشاء فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يغير. وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان. ذكر من قال ذلك:
24000ـ حدثنا الفضل بن الصباح, والحسن بن عرفة, قالا: حدثنا الحسن بن إسماعيل البجلي, عن محمد بن سوقة, عن عكرمة في قول الله تبارك وتعالى: فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: في ليلة النصف من شعبان, يبرم فيه أمر السنة, وتنسخ الأحياء من الأموات, ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد, ولا ينقص منهم أحد.
24001ـ حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا الليث, عن عقيل بن خالد, عن ابن شهاب, عن عثمان بن محمد بن المُغيرة بن الأخنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُقْطَعُ الاَجالُ مِنْ شَعْبانُ إلى شَعْبانَ حتى إن الرّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهُ وَقَدْ خَرَجَ اسمُهُ فِي المَوْتَى».
24002ـ حدثني محمد بن معمر, قال: حدثنا أبو هشام, قال حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا عثمان بن حكيم, قال: حدثنا سعيد بن جُبير, قال: قال ابن عباس: إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات, قال: ثم قرأ هذه الاَية إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ, فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيم قال: ثم قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر لما قد تقدّم من بياننا عن أن المعنِيّ بقوله: إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ليلة القدر, والهاء في قوله: فِيها من ذكر الليلة المباركة. وعنى بقوله: فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ في هذه الليلة المباركة يُقْضَى ويُفْصَل كلّ أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى, ووضع حكيم موضع محكم, كما قال: آلم, تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الحَكِيمِ يعني: المحكم.
وقوله: أمْرا مِنْ عِنْدِنا إنّا كُنّا مُرْسِلِينَ يقول تعالى ذكره: في هذه الليلة المباركة يُفْرق كلّ أمر حكيم, أمرا من عندنا.
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: أمْرا فقال بعض نحويي الكوفة: نصب على إنا أنزلناه أمرا ورحمة على الحال. وقال بعض نحويي البصرة: نصب على معنى يفرق كل أمر فرقا وأمرا. قال: وكذلك قوله: رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ قال: ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها, فجعل الرحمة للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقوله: إنّا كُنّا مُرْسِلِينَ يقول تعالى ذكره: إنا كنا مرسلي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادنا رحمة من ربك يا محمد إنّهُ هُوَ السّمِيعُ العَلِيمُ يقول: إن الله تبارك وتعالى هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون فيما أنزلنا من كتابنا, وأرسلنا من رسلنا إليهم, وغير ذلك من منطقهم ومنطق غيرهم, العليم بما تنطوي عليه ضمائرهم, وغير ذلك من أمورهم وأمور غيرهم.
الآية : 7-9
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مّوقِنِينَ * لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبّكُمْ وَرَبّ آبَآئِكُمُ الأوّلِينَ * بَلْ هُمْ فِي شَكّ يَلْعَبُونَ }.
اختلفتِ القرّاء في قراءة قوله: رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة «رَبّ السّمَوَاتِ» بالرفع على إتباع إعراب الربّ إعراب السميع العليم. وقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض المكيين رَبّ السّمَوَاتِ خفضا ردّا على الرب في قوله جلّ جلاله: رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
ويعني بقوله: رَبّ السّمَوَات والأرْضِ وَما بَيْنَهُما يقول تعالى ذكره الذي أنزل هذا الكتاب يا محمد عليك, وأرسلك إلى هؤلاء المشركين رحمة من ربك, مالك السموات السبع والأرض وما بينهما من الأشياء كلها.
وقوله: إنْ كُنْتُمْ مُوقِنِين يقول: إن كنتم توقنون بحقيقة ما أخبرتكم من أن ربكم ربّ السموات والأرض, فإن الذي أخبرتكم أن الله هو الذي هذه الصفات صفاته, وأن هذا القرآن تنزيله, ومحمدا صلى الله عليه وسلم رسوله حق يقين, فأيقنوا به كما أيقنتم بما توقنون من حقائق الأشياء غيره.
وقوله: لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول: لا معبود لكم أيها الناس غير ربّ السموات والأرض وما بينهما, فلا تعبدوا غيره, فإنه لا تصلح العبادة لغيره, ولا تنبغي لشيء سواه, يحي ويميت, يقول: هو الذي يحي ما يشاء, ويميت ما يشاء مما كان حيا.
وقوله: رَبّكُمْ وَرَبّ آبائِكُمُ الأوّلِين يقول: هو مالككم ومالك من مضى قبلكم من آبائكم الأوّلين, يقول: فهذا الذي هذه صفته, هو الربّ فاعبدوه دون آلهتكم التي لا تقدر على ضرّ ولا نفع.
وقوله: بَلْ هُمْ فِي شَكّ يَلْعَبُون يقول تعالى ذكره ما هم بموقنين بحقيقة ما يقال لهم ويخبرون من هذه الأخبار, يعني بذلك مشركي قريش, ولكنهم في شكّ منه, فهم يلهون بشكهم في الذي يخبرون به من ذلك.
الآية : 10-12
القول في تأويل قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّمَآءُ بِدُخَانٍ مّبِينٍ * يَغْشَى النّاسَ هَـَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رّبّنَا اكْشِفْ عَنّا الْعَذَابَ إِنّا مْؤْمِنُونَ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: فارْتَقِبْ فانتظر يا محمد بهؤلاء المشركين من قومك الذين هم في شكّ يلعبون, وإنما هو افتعل, من رقبته: إذا انتظرته وحرسته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24003ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فارْتَقِبْ: أي فانتظر.
وقوله: يَوْمَ تَأْتِي السمّاءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ اختلف أهل التأويل في هذا الذي أمر الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرتقبه, وأخبره أن السماء تأتي فيه بدخان مبين: أي يوم هو, ومتى هو؟ وفي معنى الدخان الذي ذُكر في هذا الموضع, فقال بعضهم: ذلك حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش ربه تبارك وتعالى أن يأخذهم بسنين كسني يوسف, فأخذوا بالمجاعة, قالوا: وعنى بالدخان ما كان يصيبهم حينئذٍ في أبصارهم من شدة الجوع من الظلمة كهيئة الدخان. ذكر من قال ذلك:
24004ـ حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي, قال: حدثنا يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق, قال: دخلنا المسجد, فإذا رجل يقص على أصحابه. ويقول: يَوْمَ تأْتِي السّماءُ بِدُخان مُبِينٍ تدرون ما ذلك الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة, فيأخذ أسماع المنافقين وأبصارهم, ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام؟ قال: فأتينا ابن مسعود, فذكرنا ذلك له وكان مضطجعا, ففزع, فقعد فقال: إن الله عزّ وجلّ قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قُلْ ما أسألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ وَما أنا مِنَ المُتَكَلّفِينَ إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم, سأحدثكم عن ذلك, إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام, واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يَوسف, فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة, وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان, قال الله تبارك وتعالى: يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى الناسَ هَذَا عَذَابٌ ألِيمٌ فَقالُوا: رَبّنا اكْشِفْ عَنا العَذَابَ إنّا مُؤْمِنُونَ قال الله جلّ ثناؤه: إنّا كاشِفُوا العَذَابِ قَلِيلاً إنّكُمْ عائِدُونَ يَوْم نَبْطِش البَطْشَةَ الكُبْرَى إنّا مُنْتَقِمُونَ قال: فعادوا يوم بدر فانتقم الله منهم.
حدثني عبد الله بن محمد الزهريّ, قال: حدثنا مالك بن سُعَير, قال: حدثنا الأعمش, عن مسلم, عن مسروق قال: كان في المسجد رجل يذكر الناس, فذكر نحو حديث عيسى, عن يحيى بن عيسى, إلا أنه قال: فانتقم يوم بدر, فهي البطشة الكبرى.
24005ـ حدثنا ابن حميد, وعمرو بن عبد الحميد, قالا: حدثنا جرير, عن منصور, عن أبي الضحى مسلم بن صبيح, عن مسروق, قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا وهو مضطجع بيننا, فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن: إن قاصا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار, ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام, فقام عبد الله وجلس وهو غضبان, فقال: يا أيها الناس اتقوا الله, فمن علم شيئا فليقل بما يعلم, ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم. وقال عمرو: فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم, وما على أحدكم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم, فإن الله عزّ وجلّ يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ ما أسألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْر وَما أنا مِنَ المُتَكَلّفِينَ إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا, قال: «اللهمّ سبعا كسبع يوسف», فأخذتهم سنة حصّت كل شيء, حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف, ينظر أحدهم إلى السماء فيرى دخانا من الجوع, فأتاه أبو سفيان بن حرب فقال: يا محمد إنك جئت تأمر بالطاعة وبصلة الرحم, وإن قومك قد هلكوا, فادع الله لهم, قال الله عزّ وجلّ: فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ... إلى قوله: إنّكُمْ عائِدُونَ قال: فكُشف عنهم يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إنّا مُنْتَقِمُونَ فالبطشة يوم بدر, وقد مضت آية الروم وآية الدخان, والبطشة واللزام.
24006ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان, واللزام, والبطشة, والقمر, والروم.
24007ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن عاصم, قال: شهدت جنازة فيها زيد بن عليّ فأنشأ يحدّث يومئذٍ, فقال: إن الدخان يجيء قبل يوم القيامة, فيأخذ بأنف المؤمن الزكام, ويأخذ بمسامع الكافر, قال: قلت رحمك الله, إن صاحبنا عبد الله قد قال غير هذا, قال: إن الدخان قد مضى وقرأ هذه الاَية فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِين يَغْشَى النّاسَ هَذَا عَذَابٌ ألِيمٌ قال: أصاب الناس جهد حتى جعل الرجل يرى ما بينه وبين السماء دخانا, فذلك قوله: فارْتَقِبْ وكذا قرأ عبد الله إلى قوله: مُؤْمِنُونَ قالَ: إنّا كاشِفُوا العَذابِ قَلِيلاً قلت لزيد فعادوا, فأعاد الله عليهم بدرا, فذلك قوله: وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنا فذلك يوم بدر, قال: فقبل والله, قال عاصم: فقال رجل يردّ عليه, فقال زيد رحمة الله عليه: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إنّكُمْ سَيَجِيئُكُمْ رُوَاةٌ, فَمَا وَافَقَ القُرآنَ فَخُذُوا بِهِ, وَما كانَ غيرَ ذلكَ فَدَعُوهُ».
24008ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن ابن مسعود أنه قال: البطشة الكبرى يوم بدر, وقد مضى الدخان.
24009ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن عوف, قال: سمعت أبا العالية يقول: إن الدخان قد مضى.
24010ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن عمرو, عن مغيرة, عن إبراهيم, قال: مضى الدخان لسنين أصابتهم.
24011ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا أيوب, عن محمد, قال: نُبئت أن ابن مسعود كان يقول: قد مضى الدخان, كان سنين كسني يوسف.
24012ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِين قال: الجدب وإمساك المطر عن كفار قريش, إلى قوله: إنّا مُؤْمِنُونَ.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ قال: كان ابن مسعود يقول: قد مضى الدخان, وكان سنين كسني يوسف يَغْشَى النّاسَ هَذَا عَذَابٌ أليمٌ.
24013ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِين: قد مضى شأن الدخان.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى قال: يوم بدر.
وقال آخرون: الدخان آية من آيات الله, مرسلة على عباده قبل مجيء الساعة, فيدخل في أسماع أهل الكفر به, ويعتري أهل الإيمان به كهيئة الزكام, قالوا: ولم يأت بعد, وهو آتٍ. ذكر من قال ذلك:
24014ـ حدثني واصل بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن فضيل, عن الوليد بن جميع, عن عبد الملك بن المُغيرة, عن عبد الرحمن بن البيلمان, عن ابن عمر, قال: يخرج الدخان, فيأخذ المؤمن كهيئة الزكمة, ويدخل في مسامع الكافر والمنافق, حتى يكون كالرأس الحنيذ.
24015ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن ابن جريج, عن عبد الله بن أبي مليكة, قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم, فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت, قلت: لمَ؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب, فخشيت أن يكون الدخان قد طرق, فما نمت حتى أصبحت.
24016ـ حدثنا محمد بن بزيع, قال: حدثنا بشر بن المفضل, عن عوف, قال: قال الحسن: إن الدخان قد بقي من الاَيات, فإذا جاء الدخان نفخ الكافر حتى يخرج من كلّ سمع من مسامعه, ويأخذ المؤمن كزكمة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عثمان, يعني ابن الهيثم, قال: حدثنا عوف, عن الحسن بنحوه.
24017ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن, عن أبي سعيد, قال: يهيج الدخان بالناس. فأما المؤمن فيأخذه منه كهيئة الزكمة. وأما الكافر فيهيجه حتى يخرج من كلّ مسمع منه قال: وكان بعض أهل العلم يقول: فما مَثل الأرض يومئذٍ إلا كمَثل بيت أوقد فيه ليس فيه خصاصة.
24018ـ حدثني عصام بن روّاد بن الجراح, قال: ثني أبي, قال: حدثنا سفيان بن سعيد الثوري, قال: حدثنا منصور بن المعتمر, عن ربْعِيّ بن حِرَاش, قال: سمعت حُذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوّلْ الاَياتِ الدّجالُ, وَنُزُولُ عِيسَى بْن مَرْيَمَ, وَنارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدْنِ أَبَيْنَ تَسُوقُ النّاسَ إلى المَحْشَرِ تَقِيلُ مَعَهُمْ إذَا قالُوا, والدّخان», قال حُذيفة: يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الاَية يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِين يَغْشَى النّاسَ هَذَا عَذَابٌ ألِيمٌ «يَمْلاَ ما بَينَ المَشْرقِ والمَغْرِبِ يَمْكُثُ أرْبَعِينَ يَوْما وَلَيْلَةً أمّا المُؤْمِنُ فَيُصِيبَهُ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزّكامِ. وأمّا الكافِرُ فَيَكُونُ بِمْنزِلَةِ السّكْرانِ يَخْرُجُ مِنْ مَنْخِرَيْهِ وأُذُنَيْهِ ودُبُرِهِ».
24019ـ حدثني محمد بن عوف, قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش, قال: ثني أبي, قال: ثني ضمضم بن زرعة, عن شريح بن عبيد, عن أبي مالك الأشعريّ, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ رَبّكُمْ أنْذَرَكُمْ ثَلاثا: الدّخان يَأْخُذ المُؤْمِنَ كالزّكْمَةِ, وَيأْخُذُ الكافِرَ فَيَنْتَفِخُ حتى يَخْرُجَ مِنْ كُلّ مَسْمَعٍ مِنْهُ, والثّانِيَة الدّابّةُ, والثّالِثَة الدّجّالُ».
وأولى القولين بالصواب في ذلك ما رُوي عن ابن مسعود من أن الدخان الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرتقبه, هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم, على ما وصفه ابن مسعود من ذلك إن لم يكن خبر حُذيفة الذي ذكرناه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحا, وإن كان صحيحا, فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما أنزل الله عليه, وليس لأحد مع قوله الذي يصح عنه قول, وإنما لم أشهد له بالصحة, لأن محمد بن خلف العسقلانيّ حدثني أنه سأل روّادا عن هذا الحديث, هل سمعه من سفيان؟ فقال له: لا, فقلت له: فقرأته عليه, فقال: لا, فقلت له: فقرىء عليه وأنت حاضر فأقرّ به, فقال: لا, فقلت: فمن أين جئت به؟ قال: جاءني به قوم فعرضوه عليّ وقالوا لي: اسمعه منا فقرأوه عليّ, ثم ذهبوا, فحدّثوا به عني, أو كما قال فلما ذكرت من ذلك لم أشهد له بالصحة, وإنما قلت: القول الذي قاله عبد الله بن مسعود هو أولى بتأويل الاَية, لأن الله جلّ ثناؤه توعّد بالدخان مشركي قريش وأن قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ في سياق خطاب الله كفار قريش وتقريعه إياهم بشركهم بقوله: لا إلَهَ إلاّ هُوَ يُحْي ويُمِيتُ ربّكُمْ وَرَبّ آبائِكُمُ الأوّلِينَ, بَلْ هُمْ فِي شَكّ يَلْعَبُونَ, ثم أتبع ذلك قوله لنبيه عليه الصلاة والسلام: فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِين أمرا منه له بالصبر إلى أن يأتيهم بأسه وتهديدا للمشركين فهو بأن يكون إذ كان وعيدا لهم قد أحله بهم أشبه من أن يكون آخره عنهم لغيرهم, وبعد, فإنه غير منكر أن يكون أحلّ بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما توعدهم, ويكون مُحِلاً فيما يستأنف بعد بآخرين دخانا على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا كذلك, لأن الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تظاهرت بأن ذلك كائن, فإنه قد كان ما رَوَى عنه عبد الله بن مسعود, فكلا الخبرين اللذين رُويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح.
وإن كان تأويل الاَية في هذا الموضع ما قلنا, فإذ كان الذي قلنا في ذلك أولى التأويلين, فبين أن معناه: فانتظر يا محمد لمشركي قومك يوم تأتيهم السماء من البلاء الذي يحل بهم على كفرهم بمثل الدخان المبين لمن تأمله أنه دخان. يغشَى الناسَ: يقول: يغشى أبصارهم من الجهد الذي يصيبهم هَذَا عَذَابٌ ألِيمٌ يعني أنهم يقولون مما نالهم من ذلك الكرب والجهد: هذا عذاب أليم. وهو الموجع, وترك من الكلام «يقولون» استغناءً بمعرفة السامعين معناه من ذكرها.
وقوله: رَبّنا اكْشِفْ عَنّا العَذَابَ يعني أن الكافرين الذين يصيبهم ذلك الجهد يضرعون إلى ربهم بمسألتهم إياه كشف ذلك الجهد عنهم, ويقولون: إنك إن كشفته آمنا بك وعبدناك من دون كلّ معبود سواك, كما أخبر عنهم جلّ ثناؤه رَبّنا اكْشِفْ عَنّا العَذَابَ إنّا مُؤْمِنُونَ.
الآية : 13-15
القول في تأويل قوله تعالى: {أَنّىَ لَهُمُ الذّكْرَىَ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مّبِينٌ * ثُمّ تَوَلّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلّمٌ مّجْنُونٌ * إِنّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنّكُمْ عَآئِدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: من أيّ وجه لهؤلاء المشركين التذكر من بعد نزول البلاء بهم, وقد تولوا عن رسولنا حين جاءهم مدبرين عنه, لا يتذكرون بما يُتلى عليهم من كتابنا, ولا يتعظون بما يعظهم به من حججنا, ويقولون: إنما هو مجنون عُلّم هذا الكلام. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: أنّى لَهُمُ الذّكْرَى قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24020ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: أنّى لَهُمُ الذّكْرَى يقول: كيف لهم.
24021ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد أنّى لَهُمُ الذّكْرَى بعد وقوع هذا البلاء.
وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله: ثُمّ تَوَلّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلّمُ مَجْنُونٌ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24022ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ثُمّ تَوَلّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلّمُ مَجْنُونٌ قال: تولوا عن محمد عليه الصلاة والسلام, وقالوا: معلم مجنون.
وقوله: إنّا كاشِفُوا العَذَابِ قَلِيلاً إنّكُمْ عائِدُونَ يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين أخبر عنهم أنهم يستغيثون به من الدخان النازل والعذاب الحالّ بهم من الجهد, وأخبر عنهم أنهم يعاهدونه أنه إن كشف العذاب عنهم آمنوا إنا كاشفوا العذاب: يعني الضرّ النازل بهم بالخصب الذي نحدثه لهم قَلِيلاً إنّكُمْ عائِدُونَ يقول: إنكم أيها المشركون إذا كَشَفْتُ عنكم ما بكم من ضرّ لم تفوا بما تعدون وتعاهدون عليه ربكم من الإيمان, ولكنكم تعودون في ضلالتكم وغيكم, وما كنتم قبل أن يكشف عنكم.
وكان قتادة يقول: معناه: إنكم عائدون في عذاب الله.
24023ـ حدثنا بذلك ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر عنه. وأما الذين قالوا: عنى بقوله: يَوْمَ تَأْتِي السّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ الدخان نفسه, فإنهم قالوا في هذا الموضع: عنى بالعذاب الذي قال إنّا كاشِفُوا العَذَابِ: الدخان. ذكر من قال ذلك:
24024ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّا كاشِفُوا العَذَابِ قَلِيلاً يعني الدخان.
24025ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّا كاشِفُوا العَذَبِ قَلِيلاً قال: قد فعل, كشف الدخان حين كان.
قوله: إنّكُمْ عائِدونَ قال: كُشِف عنهم فعادوا.
24026ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إنّكُمْ عائِدُونَ إلى عذاب الله.
الآية : 16-18
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىَ إِنّا مُنتَقِمُونَ * وَلَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدّوَاْ إِلَيّ عِبَادَ اللّهِ إِنّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ }.
يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المشركون إن كشفت عنكم العذاب النازل بكم, والضرّ الحالّ بكم, ثم عدتم في كفركم, ونقضتم عهدكم الذي عاهدتم ربكم, انتقمت منكم يوم أبطش بكم بطشتي الكبرى في عاجل الدنيا, فأهلككم, وكشف الله عنهم, فعادوا, فبطش بهم جلّ ثناؤه بطشته الكبرى في الدنيا, فأهلكهم قتلاً بالسيف. وقد اختلف أهل التأويل في البطشة الكبرى, فقال بعضهم: هي بطشة الله بمشركي قريش يوم بدر. ذكر من قال ذلك:
24027ـ حدثنا ابن المثنى, قال: ثني ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن ابن مسعود, أنه قال: البطشة الكبرى: يوم بدر.
24028ـ حدثني عبد الله بن محمد الزهري, قال: حدثنا مالك بن سعير, قال: حدثنا الأعمش, عن مسلم, عن مسروق قال: قال يوم بدر, البطشة الكبرى.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا أيوب, عن محمد, قال: نبئت أن ابن مسعود كان يقول: يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى يوم بدر.
24029ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن ليث, عن مجاهد يَوْم نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى قال: يوم بدر.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى قال: يوم بدر.
24030ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, قال: سمعت أبا العالية في هذه الاَية يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى قال: يوم بدر.
24031ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إنّا مُنْتَقِمُونَ قال: يعني يوم بدر.
24032ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عثام بن عليّ, عن الأعمش, عن إبراهيم, قال: قلت: ما البطشة الكبرى فقال: يوم القيامة, فقلت: إن عبد الله كان يقول: يوم بدر قال: فبلغني أنه سُئل بعد ذلك فقال: يوم بدر.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب قالا: حدثنا ابن إدريس, عن الأعمش, عن إبراهيم, بنحوه.
24033ـ حدثنا بشر, حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي الخليل, عن مجاهد, عن أبيّ بن كعب, قال: يوم بدر.
24034ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى: يوم بدر.
24035ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الكُبْرَى قال: هذا يوم بدر. وقال آخرون: بل هي بطشة الله بأعدائه يوم القيامة. ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا خالد الحذّاء, عن عكرمة, قال: قال ابن عباس: قال ابن مسعود: البطشة الكبرى: يوم بدر, وأنا أقول: هي يوم القيامة.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن دريس, قال: حدثنا الأعمش, عن إبراهيم, قال: مرّ بي عكرمة, فسألته عن البطشة الكبرى فقال: يوم القيامة قال: قلت: إن عبد الله بن مسعود كان يقول: يوم بدر, وأخبرني من سأله بعد ذلك فقال: يوم بدر.
24036ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى قال قتادة عن الحسن: إنه يوم القيامة.
وقد بيّنا الصواب في ذلك فيما مضى, والعلة التي من أجلها اخترنا ما أخترنا من القول فيه.
وقوله: وَلَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ يعني تعالى ذكره: ولقد اختبرنا وابتلينا يا محمد قبل مشركي قومك مثال هؤلاء قوم فرعون من القبط. وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ يقول: وجاءهم رسول من عندنا أرسلناه إليهم, وهو موسى بن عمران صلوات الله عليه. كما:
24037ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ يعني موسى.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: رَسُولٌ كَرِيمٌ قال: موسى عليه السلام, ووصفه جل ثناؤه بالكرم, لأنه كان كريما عليه, رفيعا عنده مكانة, وقد يجوز أن يكون وصفه بذلك, لأنه كان في قومه شريفا وسيطا.
وقوله: أن أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ يقول تعالى ذكره: وجاء قوم فرعون رسول من الله كريم عليه بأن ادفعوا إليّ, ومعنى «أدوا»: ادفعو إليّ فأرسلوا معي واتبعونِ, وهو نحو قوله: أنْ أرْسِلْ مَعِيَ بَنِي أسْرَائِيلَ فإن في قوله: أنْ أدّوا إليّ نصب, وعباد الله نصب بقوله: أدّوا وقد تأوله قوم: أن أدّوا إليّ يا عباد الله, فعلى هذا التأويل عباد الله نصب على النداء. وبنحو الذي قلنا في تأويل أنْ أدّوا إليّ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24038ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَلَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ. أن أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ إنّي لَكُمْ رَسُولٌ أمِينٌ قال: يقول: اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحقّ.
24039ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ قال: أرسلوا معي بني إسرائيل.
24040ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ قال: بني إسرائيل.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ يعني به بني إسرائيل, قال لفرعون: علام تحبس هؤلاء القوم, قوما أحرارا اتخذتهم عبيدا, خلّ سبيلهم.
24041ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ قال: يقول: أرسل عباد الله معي, يعني بني إسرائيل, وقرأ فَأرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرَائِيلَ وَلا تَعذّبهم قال: ذلك قوله: أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ قال: ردّهم إلينا.
وقوله: إنّي لَكُمْ رَسُولٌ أمِينٌ يقول: إني لكم أيها القوم رسول من الله أرسلني إليكم لا يدرككم بأسه على كفركم به, أمين: يقول: أمين على وحيه ورسالته التي أوعدنيها إليكم