تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 121 من سورةآل عمران - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
[ سورة آل عمران: 121]

معنى و تفسير الآية 121 من سورة آل عمران : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد


هذه الآيات نزلت في وقعة "أُحد" وقصتها مشهورة في السير والتواريخ، ولعل الحكمة في ذكرها في هذا الموضع، وأدخل في أثنائها وقعة "بدر" لما أن الله تعالى قد وعد المؤمنين أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم، ورد كيد الأعداء عنهم، وكان هذا حكما عاما ووعدا صادقا لا يتخلف مع الإتيان بشرطه، فذكر نموذجا من هذا في هاتين القصتين، وأن الله نصر المؤمنين في "بدر" لما صبروا واتقوا، وأدال عليهم العدو لما صدر من بعضهم من الإخلال بالتقوى ما صدر، ومن حكمة الجمع بين القصتين أن الله يحب من عباده إذا أصابهم ما يكرهون أن يتذكروا ما يحبون، فيخف عنهم البلاء ويشكروا الله على نعمه العظيمة التي إذا قوبلت بما ينالهم من المكروه الذي هو في الحقيقة خير لهم، كان المكروه بالنسبة إلى المحبوب نزرا يسيرا، وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة في قوله أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها وحاصل قضية "أحد" وإجمالها أن المشركين لما رجع فلهم من "بدر" إلى مكة، وذلك في سنة اثنتين من الهجرة، استعدوا بكل ما يقدرون عليه من العدد بالأموال والرجال والعدد، حتى اجتمع عندهم من ذلك ما جزموا بحصول غرضهم وشفاء غيظهم، ثم وجهوا من مكة للمدينة في ثلاثة آلاف مقاتل، حتى نزلوا قرب المدينة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم هو وأصحابه بعد المراجعة والمشاورة حتى استقر رأيهم على الخروج، وخرج في ألف، فلما ساروا قليلا رجع عبد الله بن أبي المنافق بثلث الجيش ممن هو على مثل طريقته، وهمت طائفتان من المؤمنين أن يرجعوا وهم بنو سلمة وبنو حارثة فثبتهم الله، فلما وصلوا إلى أحد رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضعهم وأسندوا ظهورهم إلى أحد، ورتب النبي صلى الله عليه وسلم خمسين رجلا من أصحابه في خلة في جبل "أحد" وأمرهم أن يلزموا مكانهم ولا يبرحوا منه ليأمنوا أن يأتيهم أحد من ظهورهم، فلما التقى المسلمون والمشركون انهزم المشركون هزيمة قبيحة وخلفوا معسكرهم خلف ظهورهم، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فلما رآهم الرماة الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجبل، قال بعضهم لبعض: الغنيمة الغنيمة، ما يقعدنا هاهنا والمشركون قد انهزموا، ووعظهم أميرهم عبد الله بن جبير عن المعصية فلم يلتفتوا إليه، فلما أخلوا موضعهم فلم يبق فيه إلا نفر يسير، منهم أميرهم عبد الله بن جبير، جاءت خيل المشركين من ذلك الموضع واستدبرت المسلمين وقاتلت ساقتهم، فجال المسلمون جولة ابتلاهم الله بها وكفر بها عنهم، وأذاقهم فيها عقوبة المخالفة، فحصل ما حصل من قتل من قتل منهم، ثم إنهم انحازوا إلى رأس جبل "أحد" وكف الله عنهم أيدي المشركين وانكفأوا إلى بلادهم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة قال الله تعالى وإذ غدوت من أهلك والغدو هاهنا مطلق الخروج، ليس المراد به الخروج في أول النهار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يخرجوا إلا بعدما صلوا الجمعة تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال أي: تنزلهم وترتبهم كل في مقعده اللائق به، وفيها أعظم مدح للنبي صلى الله عليه وسلم حيث هو الذي يباشر تدبيرهم وإقامتهم في مقاعد القتال، وما ذاك إلا لكمال علمه ورأيه، وسداد نظره وعلو همته، حيث يباشر هذه الأمور بنفسه وشجاعته الكاملة صلوات الله وسلامه عليه والله سميع لجميع المسموعات، ومنه أنه يسمع ما يقول المؤمنون والمنافقون كل يتكلم بحسب ما في قلبه عليم بنيات العبيد، فيجازيهم عليها أتم الجزاء، وأيضا فالله سميع عليم بكم، يكلؤكم، ويتولى تدبير أموركم، ويؤيدكم بنصره كما قال تعالى لموسى وهارون إنني معكما أسمع وأرى

تفسير البغوي : مضمون الآية 121 من سورة آل عمران


قوله تعالى : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) قال الحسن : هو يوم بدر ، وقال مقاتل : يوم الأحزاب ، وقال سائر المفسرين : هو يوم أحد لأن ما بعده إلى قريب من آخر السورة في حرب أحد .
قال مجاهد والكلبي والواقدي : غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزل عائشة رضي الله عنها فمشى على رجليه إلى أحد فجعل يصف أصحابه للقتال كما يقوم القدح .
قال محمد بن إسحاق والسدي عن رجالهما : إن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزولهم استشار أصحابه ودعا عبد الله بن أبي بن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره ، فقال عبد الله بن أبي وأكثر الأنصار : يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم ، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه ، فكيف وأنت فينا ، فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين .
فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأي .
وقال بعض أصحابه : يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكلب ، لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني رأيت في منامي بقرا تذبح ، فأولتها خيرا ، ورأيت في ذباب سيفي ثلما فأولتها هزيمة ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة ، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة " وكان يعجبه أن يدخلوا عليه بالمدينة فيقاتلوا في الأزقة ، فقال رجال من المسلمين ممن فاتهم يوم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد : اخرج بنا إلى أعدائنا .
فلم يزالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من حبهم للقاء القوم ، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته ، فلما رأوه قد لبس السلاح ندموا ، وقالوا : بئس ما صنعنا ، نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه ، فقاموا واعتذروا إليه وقالوا : اصنع ما رأيت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل " .
وكان قد أقام المشركون بأحد يوم الأربعاء والخميس فراح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، بعدما صلى بأصحابه الجمعة وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إليهم ، فأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة ، فكان من حرب أحد ما كان ، فذلك قوله تعالى : ( وإذ غدوت من أهلك ) أي : واذكر إذا غدوت من أهلك ( تبوئ المؤمنين ) أي : تنزل المؤمنين ( مقاعد للقتال ) أي : مواطن ، ومواضع للقتال ، يقال : بوأت القوم إذا وطنتهم وتبوءوا هم إذا تواطنوا قال الله تعالى : " ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق " ( يونس - 93 ) وقال " أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا " ( يونس - 87 ) وقيل تتخذ معسكرا ، ( والله سميع عليم ) .

التفسير الوسيط : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد


ففي هذه الآيات الكريمة التي بدأت السورة بها حديثها عن غزوة أحد، تذكير للمؤمنين بما وقع فيها حتى يعتبروا ويعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا.
وقوله-تبارك وتعالى-: غَدَوْتَ من الغدو وهو الخروج في أول النهار، يقال: غدا يغدو من باب سما يسمو.
ومِنْ في قوله: مِنْ أَهْلِكَ للابتداء.
والمراد بأهله، زوجه عائشة- رضى الله عنها- فقد كان خروجه لغزوة أحد من بيتها.
والكلام على حذف مضاف يدل عليه فعل غَدَوْتَ والتقدير: من بيت أهلك.
وقوله: تُبَوِّئُ أصله من التبوء وهو اتخاذ المنزل.
يقال: بوأته، وبوأت له منزلا، أى:أنزلته فيه.
والمراد به هنا تنظيم المؤمنين وتسويتهم وتهيئتهم للقتال، حتى يكونوا صفا واحدا كأنهم بنيان مرصوص.
والعامل في إِذْ فعل مضمر تقديره، واذكر.
والمعنى: واذكر لهم يا محمد ليعتبروا ويتعظوا وقت خروجك مبكرا من حجرة زوجتك عائشة إلى غزوة أحد.
وقوله: تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ أى تنزلهم وتسوى لهم بالتنظيم والترتيب مواطن.
وأماكن للقتال، بحيث يكونون في أحسن حال، وأكمل استعداد لملاقاة أعدائهم.
قال الجمل: «ويستعمل الفعل غَدَوْتَ بمعنى صار عند بعضهم، فيكون ناقصا يرفع الاسم وينصب الخير.. وهذا المعنى ممكن هنا، فالمعنى عليه، وإذ غدوت أى صرت تبوئ المؤمنين أى تنزلهم في منازل للقتال، وهذا أظهر من الآخر، لأن المذكور في القصة أنه سار من عند أهله بعد صلاة الجمعة وبات في شعب أحد، وأصبح ينزل أصحابه في منازل القتال ويدبر لهم أمر الحرب» .
فالجملة الكريمة تشير إلى ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم مع أصحابه قبل أن تبدأ المعركة، فقد اهتم بتنظيم صفوفهم، وبرسم الخطة الحكيمة التي تكفل لهم النصر، وأمر الجيش كله ألا يتحرك للقتال إلا عند ما يأذن له بذلك، ولقد حدث أن بعض المسلمين من الأنصار استشرف للقتال وتمناه عند ما رأى قريشا قد سرحت خيولها وإبلها في زروع المسلمين، وقال للنبي صلّى الله عليه وسلّم «أترعى زروع بنى قيلة- يعنى الأنصار- ولما تضارب» ؟؟ إلا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهاهم عن القتال إلا بعد إذنه.
وجملة تُبَوِّئُ حال من فاعل «غدوت» .
والفعل تُبَوِّئُ يحتاج لمفعولين:أولهما: قوله: الْمُؤْمِنِينَ.
وثانيهما: قوله: مَقاعِدَ وقوله: لِلْقِتالِ متعلق بقوله: تُبَوِّئُ.
والمراد بقوله: مَقاعِدَ لِلْقِتالِ أى مراكز وأماكن ومواقف للقتال بحيث يعرف كل مؤمن مكانه وموقفه فينقض منه على خصمه إلا أن القرآن الكريم عبر عن هذه الأماكن والمراكز والمواقف بالمقاعد.
للإشارة إلى وجوب الثبات فيها كل يثبت القاعد في مكانه، وأن عليهم ألا يبرحوا أماكنهم إلا بإذن قائدهم صلّى الله عليه وسلّم.
وقد ختم- سبحانه - الآية بقوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لبيان أنه مطلع على كل شيء، وعلى ما كان يجرى بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين أصحابه من مشاورات ومناقشات.
فهو- سبحانه - سَمِيعٌ لما نطقت به ألسنتهم عَلِيمٌ بما تخفيه صدورهم، وسيجازى المؤمنين الصادقين بما يستحقون من ثواب، وسيجازى غيرهم من ضعاف الإيمان والمنافقين بما يستحقون من عقاب.
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة غرس الرهبة في قلوب المؤمنين، حتى لا يعودوا إلى مثل ما حدث من بعضهم في غزوة أحد.
حيث خالفوا وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

تفسير ابن كثير : شرح الآية 121 من سورة آل عمران


ثم شرع تعالى في ذكر قصة أحد ، وما كان فيها من الاختبار لعباده المؤمنين ، والتمييز بين المؤمنين والمنافقين ، وبيان صبر الصابرين ، فقال تعالى :( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ( 121 ) )المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد . وعن الحسن البصري : المراد بذلك يوم الأحزاب . رواه ابن جرير ، وهو غريب لا يعول عليه .وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة . قال [ قتادة ] لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال . وقال عكرمة : يوم السبت للنصف من شوال ، فالله أعلم .وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر ، وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان ، فلما رجع قفلهم إلى مكة قال أبناء من قتل ، ورؤساء من بقي لأبي سفيان : ارصد هذه الأموال لقتال محمد ، فأنفقوها في ذلك ، وجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في قريب من ثلاثة آلاف ، حتى نزلوا قريبا من أحد تلقاء المدينة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فلما فرغ منها صلى على رجل من بني النجار ، يقال له : مالك بن عمرو ، واستشار الناس : أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة ؟ فأشار عبد الله بن أبي بالمقام بالمدينة ، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين . وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدرا بالخروج إليهم ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته وخرج عليهم ، وقد ندم بعضهم وقالوا : لعلنا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن شئت أن نمكث ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يحكم الله له " .فسار ، عليه السلام في ألف من أصحابه ، فلما كان بالشوط رجع عبد الله بن أبي في ثلث الجيش مغضبا ، لكونه لم يرجع إلى قوله ، وقال هو وأصحابه : لو نعلم اليوم قتالا لاتبعناكم ، ولكنا لا نراكم تقاتلون اليوم .واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي . وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال : " لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال " .وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه ، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف ، والرماة يومئذ خمسون رجلا فقال لهم : " انضحوا الخيل عنا ، ولا نؤتين من قبلكم . والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا ، وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم " .وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ، وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار . وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغلمان يومئذ وأرجأ آخرين ، حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين .وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد : وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، ودفعوا إلى بني عبد الدار اللواء . ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في مواضعه عند هذه الآيات ، إن شاء الله تعالى .ولهذا قال تعالى : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) أي : تنزلهم منازلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم ( والله سميع عليم ) أي : سميع لما تقولون ، عليم بضمائركم .وقد أورد ابن جرير هاهنا سؤالا حاصله : كيف يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم سار إلى أحد يوم الجمعة بعد الصلاة ، وقد قال الله [ تعالى ] ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) ؟ ثم كان جوابه عنه : أن غدوه ليبوئهم مقاعد ، إنما كان يوم السبت أول النهار .

تفسير الطبري : معنى الآية 121 من سورة آل عمران


القول في تأويل قوله : إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: " إن تمسسكم حسنة تسؤهم "، إن تنالوا، أيها المؤمنون، سرورًا بظهوركم على عدوكم، وتتابع الناس في الدخول في دينكم، وتصديق نبيكم ومعاونتكم على أعدائكم = يسؤهم.
(55) وإن تنلكم مساءة بإخفاق سرية لكم، أو بإصابة عدوٍّ لكم منكم، أو اختلاف يكون بين جماعتكم = يفرحوا بها.
كما:-7705- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها "، فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فُرقة واختلافًا، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين، سرَّهم ذلك وأعجبوا به وابتهجوا به.
فهم كلما خرج منهم قَرْنٌ أكذبَ الله أحدوثته، وأوطأ محلَّته، وأبطل حجته، وأظهر عورته، فذاك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقى إلى يوم القيامة.
7706- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله: " إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها "، قال: هم المنافقون، إذا رأوا من أهل الإسلام جماعة وظهورًا على عدوهم، غاظهم ذلك غيظًا شديدًا وساءهم.
وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافًا، أو أصيب طرفٌ من أطراف المسلمين، سرَّهم ذلك وأعجبوا به.
قال الله عز وجل: " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا إن الله بما يعملون محيط".
7707- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: " إن تمسسكم حسنة تسؤهم "، قال: إذا رأوا من المؤمنين جماعة وألفة ساءهم ذلك، وإذا رأوا منهم فرقة واختلافًا فرحوا.
* * *وأما قوله: " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا "، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه: وإن تصبروا، أيها المؤمنون، على طاعة الله واتباع أمره فيما أمركم به، واجتناب ما نهاكم عنه: من اتخاذ بطانة لأنفسكم من هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم من دون المؤمنين، وغير ذلك من سائر ما نهاكم =" وتتقوا " ربكم، فتخافوا التقدم بين يديه فيما ألزمكم وأوجبَ عليكم من حقه وحق رسوله =" لا يضركم كيدهم شيئًا "، أي: كيد هؤلاء الذين وصف صفتهم.
* * *ويعني ب " كيدهم "، غوائلهم التي يبتغونها للمسلمين، ومكرهم بهم ليصدّوهم عن الهدى وسبيل الحق.
* * *قال أبو جعفر: واختلف القرأة في قراءة قوله: " لا يضركم ".
فقرأ ذلك جماعة من أهل الحجاز وبعضُ البصريين: ( لا يَضُرُّكُمْ ) مخففة بكسر " الضاد "، من قول القائل: " ضارني فلان فهو يضيرني ضيرًا ".
وقد حكي سماعًا من العرب: " ما ينفعني ولا يضورني"، فلو كانت قرئت على هذه اللغة لقيل: ( لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا )، ولكني لا أعلم أحدًا قرأ به .
(56)* * *وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة: ( لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ) بضم " الضاد " وتشديد " الراء "، من قول القائل: " ضرّني فلان فهو يضرني ضرًا ".
* * *وأما الرفع في قوله: " لا يضركم "، فمن وجْهين.
أحدهما: على إتباع " الراء " في حركتها = إذْ كان الأصل فيها الجزم، ولم يمكن جزمها لتشديدها = أقربَ حركات الحروف التي قبلها.
وذلك حركة " الضاد " وهي الضمة، فألحقت بها حركة الراء لقربها منها، كما قالوا: " مُدُّ يا هذا ".
والوجه الآخر من وجهي الرفع في ذلك: أن تكون مرفوعة على صحة، وتكون " لا " بمعنى " ليس "، وتكون " الفاء " التي هي جواب الجزاء، متروكة لعلم السامع بموضعها.
وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وإن تصبروا وتتقوا، فليس يضرُّكم كيدهم شيئًا - ثم تركت " الفاء " من قوله: " لا يضركم كيدهم "، ووجهت " لا " إلى معنى " ليس "، كما قال الشاعر: (57)فَإنْ كَانَ لا يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِيإلَى قَطَرِيٍّ، لا إخَالُكَ رَاضِيَا (58)ولو كانت " الراء " محركة إلى النصب والخفض، كان جائزًا، كما قيل: " مُدَّ يا هذا، ومُدِّ".
(59)* * *وقوله: " إنّ الله بما يعملون محيطٌ"، يقول جل ثناؤه: إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصدّ عن سبيله، والعداوة لأهل دينه، وغير ذلك من معاصي الله =" محيط" بجميعه، حافظ له، لا يعزب عنه شيء منه، حتى يوفيهم جزاءهم على ذلك كله، ويذيقهم عقوبته عليه.
(60)----------------------الهوامش :(55) انظر تفسير"المس" فيما سلف 5: 118.
(56) انظر معاني القرآن للفراء 1: 232.
(57) هو سوار بن المضرب السعدي التميمي.
(58) نوادر أبي زيد: 45 ، الكامل 1: 300 ، حماسة ابن الشجري: 54 ، 55 ، معاني القرآن للفراء 1: 232 ، من أبيات ضرب بها وجه الحجاج بن يوسف الثقفي ، لما كتب على بني تميم البعث إلى قتال الخوارج ، فهرب سوار وقال:أَقَاتِلِىَ الحَجَّاجُ أَنْ لَمْ أَزُرْ لَهُدَرَابَ، وَأَتْرُكْ عِنْدَ هِنْدٍ فُؤَادِيَا?فَإن كُنْتَ لا يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِيإلَى قَطَرِيٍّ، لا إِخالُكَ رَاضِيَا!!إذَا جَاوَزَتْ دَرْبَ المُجِيزِينَ نَاقَتيفَبِأسْتِ أبي الحَجَّاجِ لَمَّا ثَنَانِيَاأَيَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعِي وطَاعَتِي،وَدُونِي تَمِيمٌ، والفَلاةُ وَرَائِيَا!!وقوله: "دراب" يعني: دراب جرد ، وهي بلدة في بلاد فارس ، وكان المهلب يومئذ يقاتل بها الخوارج ورأسهم قطرى بن الفجاءة.
ثم يقول له في البيت الثاني: إن كان لا يرضبيك إلا ردي إلى قتال قطري ، فلا أظنك تبلغ رضاك ، فإنك غير مدركي ، ولن تنالني يدك.
يسخر بسطوة الحجاج.
وقوله: "درب المجيزين" هم المقيمون على أبواب المدن والثغور.
يمنعون الخارج والداخل ، إلا من كان بيده جواز معطى من أميره.
يقول: إذا جاوزت الدرب فيا بعد يديك عن أن تنالني وتثنيني عن وجهتي! والشاهد عند الطبري هو في قوله: "لا إخالك راضيًا" ، أي: فلست إخالك راضيًا.
(59) الذي سلف هو مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 232.
(60) انظر تفسير"الإحاطة" فيما سلف 2: 284 / 5 : 396.

وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم

سورة : آل عمران - الأية : ( 121 )  - الجزء : ( 4 )  -  الصفحة: ( 65 ) - عدد الأيات : ( 200 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا
  2. تفسير: وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد
  3. تفسير: وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا
  4. تفسير: لمثل هذا فليعمل العاملون
  5. تفسير: تعرف في وجوههم نضرة النعيم
  6. تفسير: إن هذا لرزقنا ما له من نفاد
  7. تفسير: ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين
  8. تفسير: فهل ترى لهم من باقية
  9. تفسير: إنا أنـزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين
  10. تفسير: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما

تحميل سورة آل عمران mp3 :

سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران

سورة آل عمران بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة آل عمران بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة آل عمران بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة آل عمران بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة آل عمران بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة آل عمران بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة آل عمران بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة آل عمران بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة آل عمران بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة آل عمران بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

الله ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب