تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 142 من سورةالنساء - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾
[ سورة النساء: 142]

معنى و تفسير الآية 142 من سورة النساء : إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا


يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه، من قبيح الصفات وشنائع السمات، وأن طريقتهم مخادعة الله تعالى، أي: بما أظهروه من الإيمان وأبطنوه من الكفران، ظنوا أنه يروج على الله ولا يعلمه ولا يبديه لعباده، والحال أن الله خادعهم، فمجرد وجود هذه الحال منهم ومشيهم عليها، خداع لأنفسهم.
وأي: خداع أعظم ممن يسعى سعيًا يعود عليه بالهوان والذل والحرمان؟" ويدل بمجرده على نقص عقل صاحبه، حيث جمع بين المعصية، ورآها حسنة، وظنها من العقل والمكر، فلله ما يصنع الجهل والخذلان بصاحبه" ومن خداعه لهم يوم القيامة ما ذكره الله في قوله: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ إلى آخر الآيات.
" وَ " من صفاتهم أنهم إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ -إن قاموا- التي هي أكبر الطاعات العملية قَامُوا كُسَالَى متثاقلين لها متبرمين من فعلها، والكسل لا يكون إلا من فقد الرغبة من قلوبهم، فلولا أن قلوبهم فارغة من الرغبة إلى الله وإلى ما عنده، عادمة للإيمان، لم يصدر منهم الكسل، يُرَاءُونَ النَّاسَ أي: هذا الذي انطوت عليه سرائرهم وهذا مصدر أعمالهم، مراءاة الناس، يقصدون رؤية الناس وتعظيمهم واحترامهم ولا يخلصون لله، فلهذا لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا لامتلاء قلوبهم من الرياء، فإن ذكر الله تعالى وملازمته لا يكون إلا من مؤمن ممتلئ قلبه بمحبة الله وعظمته.

تفسير البغوي : مضمون الآية 142 من سورة النساء


( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) أي يعاملونه معاملة المخادعين وهو خادعهم ، أي : مجازيهم على خداعهم وذلك أنهم يعطون نورا يوم القيامة كما للمؤمنين ، فيمضي المؤمنون بنورهم على الصراط ، ويطفأ نور المنافقين ، ( وإذا قاموا إلى الصلاة ) يعني : المنافقين ( قاموا كسالى ) أي : متثاقلين لا يريدون بها الله فإن رآهم أحد صلوا وإلا انصرفوا فلا يصلون ، ( يراءون الناس ) أي : يفعلون ذلك مراءاة للناس لا اتباعا لأمر الله ، ( ولا يذكرون الله إلا قليلا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن : إنما قال ذلك لأنهم يفعلونها رياء وسمعة ، ولو أرادوا بذلك القليل وجه الله تعالى لكان كثيرا ، وقال قتادة : إنما قل ذكر المنافقين لأن الله تعالى لم يقبله ، وكل ما قبل الله فهو كثير .

التفسير الوسيط : إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا


ثم تمضى السورة الكريمة بعد هذا الوعد المطمئن لقلوب المؤمنين، فى رسم صورة أخرى للمنافقين مبالغة فى الكشف عن قابئحهم وفى التحذير من شرورهم فتقول: إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً .
وقوله: يُخَادِعُونَ من الخداع وهو أن يظهر الشخص من الأفعال ما يخفى أمره، ويستر حقيقته.
قال الراغب: الخداع: إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه...
ويقال: طريق خادع وخيدع.
أى: مضل كأنه يخدع سالكه.
وفى الحديث: " بين يدى الساعة سنون خداعة " أى: محتالة لتلونها بالجدب مرة وبالخصب مرة.
وقوله: خَادِعُهُمْ اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه.
والمعنى: إن المنافقين لسوء طواياهم، وخبث نواياهم يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ أى: يفعلون ما يفعل المخادع بأن يظهروا الإِيمان ويبطنوا الكفر وَهُوَ خَادِعُهُمْ أى: وهو فاعل بهم ما يفعله الذى يغلب غيره فى الخداع، حيث تركهم فى الدنيا معصومى الدماء والأموال.
وأعد لهم فى الآخرة الدرك الأسفل من النار.
ومنهم من جعل المراد بمخادعتهم لله مخادعتهم لرسوله وللمؤمنين فيكون الكلام على حذف مضاف.
أى: إن المنافقين يخادعون رسول الله والمؤمنين وهو - سبحانه - خادعهم فهو كقوله - تعالى - إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ وعبر - سبحانه - عن خداعهم بصيغة تدل على المشاركة والمغالبة وهى قوله يُخَادِعُونَ ، للإِشعار بأنهم قد ينجحون فى خداعهم وقد لا ينجحون.
وعبر - سبحانه - عن خداعه لهم بصيغة اسم الفاعل، للدلالة على الغلب والقهر.
لأن الله - تعالى - كاشف أمرهم، ومزيل مغبة خداعهم، ومحاسبهم حسابا عسيرا على ما ارتكبوه من جنايات وسيئات.
وقوله: وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ بيان للون آخر من قبائحهم.
و كُسَالَىٰ جمع كسلان وهو الذى يعتريه الفتور فى أفعاله لكراهيته لها أو عدم اكتراثه بها.
وهى حال لازمة من ضمير قاموا أى: إن هؤلاء المنافقين إذا قاوموا إلى الصلاة، قاموا متثاقلين متباطئين لا نشاط عندهم لأدائها، ولا رغبة لهم فى القيام بها، لأنهم لا يعتقدون ثوابا فى فعلها، ولا عقابا على تركها.
وقوله يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ حال من الضمير المستكن فى كسالى.
أو جملة مستأنفة جوابا لمن يسأل: وما قصدهم من القيام للصلاة مع هذا التثاقل والتكاسل عنها؟ فكان الجواب: يراءون الناس.
أى: يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة والخداع.
قال ابن كثير: وقوله: وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ هذه صفة المنافقين فى أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها.
وهى الصلاة.
إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها، لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها، ولا خشية، ولا يعقلون معناها.
وهذه صفة ظواهرهم.
ثم ذكر - سبحانه - صفة بواطنهم الفاسدة فقال: يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ أى: إخلاص لهم ولا معاملة مع الله، بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التى لا يرون فيها غالبا كصلاة العشاء فى وقت العتمة وصلاة الصبح فى وقت الغلس كما ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا " وروى الحافظ ألو ليلى عن عبد الله قال: من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو، فتلك استهانة.
استهان بها ربه - عز وجل -.
وقوله: وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً معطوف على يُرَآءُونَ أى: أن من صفات المنافقين أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا متباطئين متقاعسين يقصدون الرياء والسمعة بصلاتهم، ولا يذكرون الله فى صلاتهم إلا ذكرا قليلا أو وقتا قليلا؛ لأنهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون، بل هم فى صلاتهم ساهمون لاهون.
روى الإِمام مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تلك صلاة المنافق - تلك صلاة المنافق.
يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان، قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا ".
قال ابن كثير: وكذا رواه مسلم والترمذى والنسائى من حديث إسماعيل بن جعفر المدنى عن العلاء بن عبد الرحمن.
وقال الترمذى: حسن صحيح.
ومنهم من فسر قوله وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً أى: ولا يصلون إلا قليلا.
لأنهم إنما يصلون رياء فإذا خلوا بأنفسهم لم يصلوا.
والأول أولى لأنه أعم وأشمل.
قال صاحب الكشاف: قوله وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً أى: ولا يصلون إلا قليلا، لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به.
وما يجاهرون به قليل أيضا، لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس فى قلوبهم لم تكلفوه.
أو لا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكرا قليلا فى الندرة، وهكذا ترى كثيرا من المتظاهرين بالإِسلام لو صحبته الأيام والليالى لم تسمع منه تهليلة ولا تسبيحة ولا تحميدة، ولكن حديث الدنيا يستغرق به أوقاته لا يفتر عنه.
فإن قلت ما معنى المراءاة وهى مفاعلة من الرؤية؟ قلت: فيها وجهان:أحدهما: أن المرائى يريهم عمله وهم يرونه استحسانه.
والثانى: أن يكون من المفاعلة بمعنى التفعيل.
فيقال: راءى الناس.
يعنى رآهم كقولك نعمه وناعمه.. روى أبو زيد: رأت المرأة المرآة الرجل: إذا أمسكها لترى وجهه...

تفسير ابن كثير : شرح الآية 142 من سورة النساء


قد تقدم في أول سورة البقرة قوله تعالى : ( يخادعون الله والذين آمنوا ) [ البقرة : 9 ] وقال هاهنا : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) ولا شك أن الله تعالى لا يخادع ، فإنه العالم بالسرائر والضمائر ، ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم ، يعتقدون أن أمرهم كما راج عند الناس وجرت عليهم أحكام الشريعة ظاهرا ، فكذلك يكون حكمهم يوم القيامة عند الله ، وأن أمرهم يروج عنده ، كما أخبر عنهم تعالى أنهم يوم القيامة يحلفون له : أنهم كانوا على الاستقامة والسداد ، ويعتقدون أن ذلك نافع لهم عنده ، فقال تعالى : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم [ ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ] ) [ المجادلة : 18 ] .وقوله : ( وهو خادعهم ) أي : هو الذي يستدرجهم في طغيانهم وضلالهم ، ويخذلهم عن الحق والوصول إليه في الدنيا وكذلك في يوم القيامة كما قال تعالى : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ألم يأن ) . [ الحديد : 13 - 15 ] وقد ورد في الحديث : " من سمع سمع الله به ، ومن راءى راءى الله به " وفي حديث آخر : " إن الله يأمر بالعبد إلى الجنة فيما يبدو للناس ، ويعدل به إلى النار " عياذا بالله من ذلك .وقوله : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى [ يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ] ) هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها ، وهي الصلاة . إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها ; لأنهم لا نية لهم فيها ، ولا إيمان لهم بها ولا خشية ، ولا يعقلون معناها كما روى ابن مردويه ، من طريق عبيد الله بن زحر ، عن خالد بن أبي عمران ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان ، ولكن يقوم إليها طلق الوجه ، عظيم الرغبة ، شديد الفرح ، فإنه يناجي الله [ تعالى ] وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه ، ثم يتلو ابن عباس هذه الآية : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) وروي من غير هذا الوجه ، عن ابن عباس ، نحوه .فقوله تعالى : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) هذه صفة ظواهرهم ، كما قال : ( ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ) [ التوبة : 54 ] ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة ، فقال : ( يراؤون الناس ) أي : لا إخلاص لهم [ ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الصلاة تقية من الناس ومصانعة لهم ] ; ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يرون غالبا فيها كصلاة العشاء وقت العتمة ، وصلاة الصبح في وقت الغلس ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم أنطلق معي برجال ، معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة ، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار " .وفي رواية : " والذي نفسي بيده ، لو علم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين ، لشهد الصلاة ، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم بالنار " .وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد - هو ابن أبي بكر المقدمي - حدثنا محمد بن دينار ، عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحسن الصلاة حيث يراه الناس ، وأساءها حيث يخلو ، فتلك استهانة ، استهان بها ربه عز وجل " .وقوله : ( ولا يذكرون الله إلا قليلا ) أي : في صلاتهم لا يخشعون [ فيها ] ولا يدرون ما يقولون ، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون ، وعما يراد بهم من الخير معرضون .وقد روى الإمام مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق : يجلس يرقب الشمس ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان ، قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا " .وكذا رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، من حديث إسماعيل بن جعفر المدني ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

تفسير الطبري : معنى الآية 142 من سورة النساء


القول في تأويل قوله : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا (142)قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى قبل على معنى " خداع المنافق ربه "، ووجه " خداع الله إياهم "، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، مع اختلاف المختلفين في ذلك.
(13)* * *فتأويل ذلك: إنّ المنافقين يخادعون الله، بإحرازهم بنفاقهم دماءهم وأموالهم، والله خادعهم بما حكَم فيهم من منع دِمائهم بما أظهروا بألسنتهم من الإيمان، مع علمه بباطن ضمائرهم واعتقادهم الكفرَ، استدراجًا منه لهم في الدنيا، حتى يلقوه في الآخرة، فيوردهم بما استبطنوا من الكفر نارَ جهنم، كما:-10721- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم "، قال: يعطيهم يوم القيامة نورًا يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدنيا، ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه، فيقومون في ظلمتهم، ويُضرب بينهم بالسُّور.
10722- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم "، قال: نزلت في عبد الله بن أبيّ، وأبي عامر بن النعمان، (14) وفي المنافقين=" يخادعون الله وهو خادعهم "، قال: مثل قوله في" البقرة ": يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ [سورة البقرة: 9].
(15) قال: وأما قوله: " وهو خادعهم "، فيقول: في النور الذي يعطَى المنافقون مع المؤمنين، فيعطون النور، فإذا بلغوا السور سُلب، وما ذكر الله من قوله (16) انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [سورة الحديد: 13].
قال قوله: " وهو خادعهم ".
10723- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحسن: أنه كان إذا قرأ: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم "، قال: يُلقَى على كل مؤمن ومنافق نورٌ يمشونَ به، حتى إذا انتهوا إلى الصراط طَفِئ نورُ المنافقين، ومضى المؤمنون بنورهم، فينادونهم: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ إلى قوله: وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ [سورة الحديد: 13 ، 14].
قال الحسن: (17) فذلك خديعة الله إياهم.
(18)* * *وأما قوله: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس "، فإنه يعني: أن المنافقين لا يعملون شيئًا من الأعمال التي فرضها الله على المؤمنين على وجه التقرُّب بها إلى الله، لأنهم غير موقنين بمعادٍ ولا ثواب ولا عقاب، وإنما يعملون ما عملوا من الأعمال الظاهرة إبقاءً على أنفسهم، (19) وحذارًا من المؤمنين عليها أن يُقتلوا أو يُسلبوا أموالهم.
فهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي من الفرائض الظاهرة، قاموا كسالى إليها، رياءً للمؤمنين ليحسبوهم منهم وليسوا منهم، لأنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم، فهم في قيامهم إليها كسالى، (20) كما:-10724- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى "، قال: والله لولا الناسُ ما صَلَّى المنافق، ولا يصلِّي إلا رياء وسُمْعة.
10725- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس " ، قال: هم المنافقون، لولا الرياء ما صلُّوا.
* * *وأما قوله: " ولا يذكرون الله إلا قليلا "، فلعل قائلا أن يقول: وهل من ذكر الله شيء قليل؟.
قيل له: إن معنى ذلك= بخلاف ما ذهبت=: ولا يذكرون الله إلا ذكر رياء، (21) ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلبَ الأموال، لا ذكر موقن مصدّق بتوحيد الله، مخلص له الربوبية.
فلذلك سماه الله " قليلا "، لأنه غير مقصود به الله، ولا مبتغًي به التقرّب إلى الله، ولا مرادٌ به ثواب الله وما عنده.
فهو، وإن كثر، من وجه نَصَب عامله وذاكره، (22) في معنى السراب الذي له ظاهرٌ بغير حقيقة ماء.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:10726- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب قال: قرأ الحسن: " ولا يذكرون الله إلا قليلا "، قال: إنما قلَّ لأنه كان لغير الله.
10727- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولا يذكرون الله إلا قليلا "، قال: إنما قلّ ذكر المنافق، لأن الله لم يقبله.
وكل ما رَدَّ الله قليل، وكل ما قبلَ الله كثير.
--------------------الهوامش :(13) انظر ما سلف 1: 272 - 277 ، ثم: 301 -306 ، تضمينًا.
(14) "أبو عامر بن النعمان" ، هكذا هو في المخطوطة والمطبوعة ، وأظنه قد أسقط الناسخ من اسمه ما أنا مثبته ، فإن المذكور مع عبد الله بن أبي بن سلول في المنافقين هو: "أبو عامر عبد عمرو بن صيفي بن النعمان ، أحد بني ضبيعة بن زيد ، وهو الذي يقال له"أبو عامر الراهب" ، وهو أبو"حنظلة الغسيل" يوم أحد.
وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح ، وكان في قومه من الأوس شريفًا مطاعًا.
فلما جاء الله بالإسلام ، أبى إلا الكفر والفراق لقومه الأوس ، فخرج مفارقًا للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله: "لا تقولوا: الراهب ، ولكن قولوا: الفاسق".
انظر سيرة ابن هشام 2 : 234 ، 235.
هذا ، ولم أجد أحدًا غيره في المنافقين أو غيرهم يقال له: "أبو عامر بن النعمان" ، فثبت عندي أن ما قلته هو الصواب.
(15) في المطبوعة: "وما يخادعون إلا أنفسهم" ، وهي إحدى قراءتين ، وأثبت قراءتنا في مصحفنا ، وهي أيضًا القراءة التي أوجب لها الصحة أبو جعفر فيما سلف 1 : 277.
(16) في المخطوطة: "وما ذكر منه انظرونا نقتبس من نوركم" ، وهو ناقص ، والذي في المطبوعة مقارب للصواب.
(17) في المطبوعة: "فتلك خديعة الله" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب.
(18) الأثر: 10723 -"سفيان بن حسين بن الحسن الواسطي" ، مضى برقم: 3471 ، 3879 ، 6462.
(19) في المطبوعة: "بقاء على أنفسهم" ، والصواب ما في المخطوطة.
(20) انظر تفسير"الرياء" فيما سلف 5 : 521 ، 522 / 8 : 356.
(21) في المطبوعة: "إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت ، وإنما معناه: ولا يذكرون الله إلا ذكرًا رياء" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فإنه صواب ، وقوله: "بخلاف ما ذهبت" اعتراض في الكلام ، وضعته بين خطين.
(22) "النصب" (بفتحتين): التعب.

إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا

سورة : النساء - الأية : ( 142 )  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 101 ) - عدد الأيات : ( 176 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: فكيف كان عذابي ونذر
  2. تفسير: وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم
  3. تفسير: وغدوا على حرد قادرين
  4. تفسير: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا
  5. تفسير: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين
  6. تفسير: فأكثروا فيها الفساد
  7. تفسير: وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن
  8. تفسير: فبأي آلاء ربكما تكذبان
  9. تفسير: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على
  10. تفسير: فويل للمصلين

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب