تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد ..
﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾
[ سورة البقرة: 230]
معنى و تفسير الآية 230 من سورة البقرة : فإن طلقها فلا تحل له من بعد .
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
تفسير السعدي : فإن طلقها فلا تحل له من بعد
يقول تعالى: { فَإِنْ طَلَّقَهَا }- أي: الطلقة الثالثة { فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }- أي: نكاحا صحيحا ويطؤها, لأن النكاح الشرعي لا يكون إلا صحيحا, ويدخل فيه العقد والوطء, وهذا بالاتفاق.
ويشترط أن يكون نكاح الثاني, نكاح رغبة، فإن قصد به تحليلها للأول, فليس بنكاح, ولا يفيد التحليل، ولا يفيد وطء السيد, لأنه ليس بزوج، فإذا تزوجها الثاني راغبا ووطئها, ثم فارقها وانقضت عدتها { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا }- أي: على الزوج الأول والزوجة { أَنْ يَتَرَاجَعَا }- أي: يجددا عقدا جديدا بينهما, لإضافته التراجع إليهما, فدل على اعتبار التراضي.
ولكن يشترط في التراجع أن يظنا { أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } بأن يقوم كل منهما, بحق صاحبه، وذلك إذا ندما على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق, وعزما أن يبدلاها بعشرة حسنة, فهنا لا جناح عليهما في التراجع.
ومفهوم الآية الكريمة, أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله, بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية, والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحا, لأن جميع الأمور, إن لم يقم فيها أمر الله, ويسلك بها طاعته, لم يحل الإقدام عليها.
وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للإنسان, إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور, خصوصا الولايات, الصغار, والكبار, نظر في نفسه ، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك, ووثق بها, أقدم, وإلا أحجم.
ولما بين تعالى هذه الأحكام العظيمة قال: { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ }- أي: شرائعه التي حددها وبينها ووضحها.
{ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } لأنهم هم المنتفعون بها, النافعون لغيرهم.
وفي هذا من فضيلة أهل العلم, ما لا يخفى, لأن الله تعالى جعل تبيينه لحدوده, خاصا بهم, وأنهم المقصودون بذلك، وفيه أن الله تعالى يحب من عباده, معرفة حدود ما أنزل على رسوله والتفقه بها.
تفسير البغوي : مضمون الآية 230 من سورة البقرة
قوله تعالى : ( فإن طلقها ) يعني الطلقة الثالثة ( فلا تحل له من بعد ) أي من بعد الطلقة الثالثة ( حتى تنكح زوجا غيره ) أي : غير المطلق فيجامعها والنكاح يتناول الوطء والعقد جميعا نزلت في تميمة وقيل في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرظي كانت تحت ابن عمها رفاعة بن وهب بن عتيك القرظي فطلقها ثلاثا .أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه سمعها تقول : جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة " قالت نعم قال : " لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته " .وروي أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي قد مسني فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم كذبت بقولك الأول فلن نصدقك في الآخر . فلبثت حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فأتت أبا بكر رضي الله عنه فقالت : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجع إلى زوجي الأول فإن زوجي الآخر قد مسني وطلقني فقال لها أبو بكر : قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتيته وقال لك ما قال فلا ترجعي إليه فلما قبض أبو بكر رضي الله عنه أتت عمر رضي الله عنه وقالت له مثل ذلك فقال لها عمر رضي الله عنه : لئن رجعت إليه لأرجمنك . قوله تعالى : ( فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) يعني فإن طلقها الزوج الثاني بعدما جامعها ( فلا جناح عليهما ) يعني على المرأة وعلى الزوج الأول ( أن يتراجعا ) يعني بنكاح جديد ( إن ظنا ) أي علما وقيل رجوا لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله عز وجل ( أن يقيما حدود الله ) أي يكون بينهما الصلاح وحسن الصحبة وقال مجاهد : معناه إن علما أن نكاحهما على غير الدلسة وأراد بالدلسة التحليل وهو مذهب سفيان الثوري والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق قالوا : إذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا آخر ليحللها للزوج الأول : فإن النكاح فاسد وذهب جماعة إلى أنه إن لم يشرط في النكاح مع الثاني أنه يفارقها فالنكاح صحيح ويحصل به التحليل ولها صداق مثلها غير أنه يكره إذا كان في عزمها ذلك .أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أنا الحسن بن الفرج أخبرنا عمرو بن خالد الحراني ، عن عبيد الله بن عبد الكريم هو الجزري عن أبي واصل عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " لعن المحلل والمحلل له " وقال نافع : أتى رجل ابن عمر فقال له : إن رجلا طلق امرأته ثلاثا فانطلق أخ له من غير مؤامرة فتزوجها ليحلها للأول فقال : لا إلا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لعن الله المحلل والمحلل له " ( وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) يعني يعلمون ما أمرهم الله تعالى به .
التفسير الوسيط : فإن طلقها فلا تحل له من بعد
ثم بين- سبحانه - أحكام الطلاق المكمل للثلاث، بعد بيانه لأحكام الطلاق الرجعى وأحكام الخلع فقال-تبارك وتعالى-: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.أى: فإن طلق الرجل زوجته طلقة ثالثة بعد الطلقتين اللتين أباح الله له مراجعتها بعد كل منهما في أثناء العدة، فإنه في هذه الحالة تكون زوجته محرمة عليه، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا شرعيا صحيحا، بأن يدخل بها، ويباشرها مباشرة شرعية كما يباشر الأزواج زوجاتهم.فالمراد بالنكاح في قوله تعالى حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ الزواج بشخص آخر يدخل بها دخولا صحيحا. ويؤيد هذا المعنى ويؤكده ما جاء في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري وغيره عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقى. وإنى نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي، وإن ما معه مثل الهدبة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك».وواضح من ذوق العسيلة أن يدخل بها ويجامعها. وعلى هذا انعقد إجماع الفقهاء. ولم يلتفتوا إلى ما نسبه بعضهم إلى سعيد بن المسيب من أنه أجاز للمرأة أن تعود إلى زوجها الأول بعد عقد زواجها على الثاني دون أن يدخل بها. وحملوا هذا المنسوب إلى سعيد بن المسيب على أنه من شواذ الفتيا التي لا وزن لها لمخالفتها لنص حديث صحيح لعله لم يبلغه.ثم قال-تبارك وتعالى-: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ أى: فإن طلق الزوج الثاني تلك المرأة التي سبق طلاقها من الزوج الأول، فلا إثم عليها وعلى زوجها الأول في أن يرجع كل منهما إلى صاحبه بعقد جديد بعد انقضاء العدة ما داما يغلب على ظنهما أنهما سيقيمان حدود الله، ويؤدى كل واحد منهما ما يجب عليه نحو صاحبه بأمانة وإخلاص.وقوله: أَنْ يَتَراجَعا في موضع جر بإضمار حرف الجر أى في أن يتراجعا وقوله أَنْ يُقِيما في موضع نصب على أنه سد مسد مفعولي ظن.قال صاحب الكشاف: ولم يقل: إن علما أنهما يقيمان حدود الله لأن اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله. ومن فسر الظن ها هنا بالعلم فقدوهم ولأن الإنسان لا يعلم ما في الغد وإنما يظن ظنا» .ثم ختم- سبحانه - هذه الآية بقوله: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.أى: وتلك الأحكام المذكورة عن الطلاق وعن غيره مما كلف الله به عباده يبينها ويوضحها بتلك الطرق الحكيمة لقوم يعلمون الحق، ويعملون بمقتضى علمهم.وبهذا نرى أن الآية الكريمة قد بينت أنه لا يحل للمرأة التي طلقت من زوجها أن تعود إليه بعد الطلقة الثالثة إلا بعد أن تتزوج آخر زواجا صحيحا يدخل بها فيه ويجامعها ثم يطلقها وتنقضي عدتها منه.ومن حكم هذا التشريع الحكيم ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق زوجاتهم، وزجرهم عن التساهل في إيقاع الطلاق، فإن الرجل الشريف الطبع، العزيز النفس إذا علم أن زوجته لن تحل له بعد الطلقة الثالثة إلا إذا افترشها شخص آخر توقف عن إيقاع الطلاق، وتباعد عن التسرع والاندفاع وحاول أن يصلح ما بينه وبين أهله بالمعالجة الحكيمة التي تتميز بسعة الصدر وضبط النفس.هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير سبعة أحاديث في النهى عن نكاح المحلل- وهو أن يعقد رجل على امرأة قد طلقت ثلاثا من زوجها بقصد إحلالها لهذا الزوج لا بقصد الزواج الدائم ثم يدخل بها دخولا صوريا وليس شرعيا- ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المحلل والمحلل له، وآكل الربا وموكله» .وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ألا أخبركم بالتيس المستعار» ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له» .وعن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن نكاح المحلل فقال: لا إلا نكاح رغبة- لا نكاح دلسة أى لا نكاح غش وتدليس- ولا استهزاء بكتاب الله- ثم يذوق عسيلتها..» .وجاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه- أى من غير مشورة ورغبة منه- ليحلها لأخيه فهل تحل للأول؟ فقال: لا إلا نكاح رغبة.كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.ثم قال ابن كثير: والمقصود أن الزوج الثاني يكون راغبا في المرأة قاصدا لدوام عشرتها كما هو المشروع من التزويج. واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها الثاني وطأ مباحا فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض.. لم تحل للأول بهذا الوطء والمراد بالعسيلة الجماع لما رواه الإمام أحمد والنسائي عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا إن العسيلة الجماع» .وبعد أن بين- سبحانه - في الآية السابقة أن الزوج مخير بين الإمساك والتسريح في مدة العدة، عقب ذلك ببيان أن هذا التخيير من حقه حتى آخر وقت في العدة، وذلك لتذكيره بأن الإمساك أفضل من التسريح، وأن عليه ألا يلجأ إلى الطلاق إلا إذا سدت طرق الإصلاح والمعالجة، وأنه إذا اختار الطلاق فعليه أن يسلك فيه طريق الحق والعدل لا طريق الباطل والجور.
تفسير ابن كثير : شرح الآية 230 من سورة البقرة
وقوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} أي: أنه إذا طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين ، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ، أي: حتى يطأها زوج آخر في نكاح صحيح ، فلو وطئها واطئ في غير نكاح ، ولو في ملك اليمين لم تحل للأول ; لأنه ليس بزوج ، وهكذا لو تزوجت ، ولكن لم يدخل بها الزوج لم تحل للأول ، واشتهر بين كثير من الفقهاء عن سعيد بن المسيب ، رحمه الله ، أنه يقول : يحصل المقصود من تحليلها للأول بمجرد العقد على الثاني . وفي صحته عنه نظر ، على أن الشيخ أبا عمر بن عبد البر قد حكاه عنه في الاستذكار ، فالله أعلم .
وقد قال أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله : حدثنا ابن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سالم بن رزين ، عن سالم بن عبد الله عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة ، فيتزوجها زوج آخر فيطلقها ، قبل أن يدخل بها : أترجع إلى الأول ؟ قال : " لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها " .
هكذا وقع في رواية ابن جرير ، وقد رواه الإمام أحمد فقال :
حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، سمعت سالم بن رزين يحدث عن سالم بن عبد الله ، يعني : ابن عمر ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : في الرجل تكون له المرأة فيطلقها ، ثم يتزوجها رجل فيطلقها قبل أن يدخل بها ، فترجع إلى زوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حتى يذوق العسيلة " .
وهكذا رواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، وابن ماجه عن محمد بن بشار بندار كلاهما عن محمد بن جعفر غندر ، عن شعبة ، به كذلك . فهذا من رواية سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعا ، على خلاف ما يحكى عنه ، فبعيد أن يخالف ما رواه بغير مستند ، والله أعلم .
وقد روى أحمد أيضا ، والنسائي ، وابن جرير هذا الحديث من طريق سفيان الثوري ، عن علقمة بن مرثد ، عن رزين بن سليمان الأحمري ، عن ابن عمر قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر ، فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها ، قبل أن يدخل بها : هل تحل للأول ؟ قال : " لا حتى يذوق العسيلة " .
وهذا لفظ أحمد ، وفي رواية لأحمد : سليمان بن رزين .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا محمد بن دينار ، حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا فطلقها قبل أن يدخل بها : أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته " .
ورواه ابن جرير ، عن محمد بن إبراهيم الأنماطي ، عن هشام بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن دينار ، فذكره .
قلت : ومحمد بن دينار بن صندل أبو بكر الأزدي ثم الطاحي البصري ، ويقال له : ابن أبي الفرات : اختلفوا فيه ، فمنهم من ضعفه ، ومنهم من قواه وقبله وحسن له . وقال أبو داود : أنه تغير قبل موته ، فالله أعلم .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني ، حدثنا أبي ، حدثنا شيبان ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي الحارث الغفاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج زوجا غيره ، فيطلقها قبل أن يدخل بها ، فيريد الأول أن يراجعها ، قال : " لا حتى يذوق الآخر عسيلتها " .
ثم رواه من وجه آخر عن شيبان ، وهو ابن عبد الرحمن ، به . وأبو الحارث غير معروف .
حديث آخر : قال ابن جرير :
حدثنا ابن مثنى ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، حدثنا القاسم ، عن عائشة : أن رجلا طلق امرأته ثلاثا ، فتزوجت زوجا فطلقها قبل أن يمسها ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتحل للأول ؟ فقال : " لا حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأول " .
أخرجه البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، من طرق ، عن عبيد الله بن عمر العمري ، عن القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن عمته عائشة ، به .
طريق أخرى : قال ابن جرير :
حدثنا عبيد الله بن إسماعيل الهباري ، وسفيان بن وكيع ، وأبو هشام الرفاعي قالوا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ، فتزوجت رجلا غيره ، فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها : أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحل لزوجها الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته " .
وكذا رواه أبو داود عن مسدد ، والنسائي عن أبي كريب ، كلاهما عن أبي معاوية ، وهو محمد بن خازم الضرير ، به .
طريق أخرى : قال مسلم في صحيحه :
حدثنا محمد بن العلاء الهمداني ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة يتزوجها الرجل فيطلقها ، فتتزوج رجلا فيطلقها قبل أن يدخل بها : أتحل لزوجها الأول ؟ قال : " لا حتى يذوق عسيلتها " .
قال مسلم : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا ابن فضيل : وحدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو معاوية جميعا ، عن هشام بهذا الإسناد .
وقد رواه البخاري من طريق أبي معاوية محمد بن حازم ، عن هشام به . وتفرد به مسلم من الوجهين الآخرين . وهكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الله بن المبارك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مرفوعا بنحوه أو مثله . وهذا إسناد جيد . وكذا رواه ابن جرير أيضا ، من طريق علي بن زيد بن جدعان ، عن امرأة أبيه أمينة أم محمد عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله . وهذا السياق مختصر من الحديث الذي رواه البخاري : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، عن هشام ، حدثني أبي ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا عبدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها ، فتزوجت آخر فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له أنه لا يأتيها ، وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب فقال : " لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " .
تفرد به من هذين الوجهين .
طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن رفاعة طلقني البتة ، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني ، وإنما عنده مثل الهدبة ، وأخذت هدبة من جلبابها ، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب لم يؤذن له ، فقال : يا أبا بكر ، ألا تنهى هذه عما تجهر به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " .
وهكذا رواه البخاري من حديث عبد الله بن المبارك ، ومسلم من حديث عبد الرزاق ، والنسائي من حديث يزيد بن زريع ، ثلاثتهم عن معمر به . وفي حديث عبد الرزاق عند مسلم : أن رفاعة طلقها آخر ثلاث تطليقات . وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طريق سفيان بن عيينة ، والبخاري من طريق عقيل ، ومسلم من طريق يونس بن يزيد [ وعنده ثلاث تطليقات ، والنسائي من طريق أيوب بن موسى ، ورواه صالح بن أبي الأخضر ] كلهم عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، به .
وقال مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير : أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير ، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ، ففارقها ، فأراد رفاعة أن ينكحها ، وهو زوجها الأول الذي كان طلقها ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاه عن تزويجها ، وقال : " لا تحل لك حتى تذوق العسيلة " كذا رواه أصحاب الموطأ عن مالك وفيه انقطاع . وقد رواه إبراهيم بن طهمان ، وعبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن رفاعة ، عن الزبير بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، فوصله .
فصل
والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغبا في المرأة ، قاصدا لدوام عشرتها ، كما هو المشروع من التزويج ، واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها الثاني وطئا مباحا ، فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض أو نفساء أو والزوج صائم أو محرم أو معتكف ، لم تحل للأول بهذا الوطء . وكذا لو كان الزوج الثاني ذميا لم تحل للمسلم بنكاحه ; لأن أنكحة الكفار باطلة عنده . واشترط الحسن البصري فيما حكاه عنه الشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ينزل الزوج الثاني ، وكأنه تمسك بما فهمه من قوله عليه السلام : " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " ، ويلزم على هذا أن تنزل المرأة أيضا . وليس المراد بالعسيلة المني لما رواه الإمام أحمد والنسائي ، عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إن العسيلة الجماع " فأما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحلها للأول ، فهذا هو المحلل الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه ، ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند جمهور الأئمة .
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك
الحديث الأول : عن ابن مسعود . قال الإمام أحمد :
حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان ، عن أبي قيس ، عن الهذيل ، عن عبد الله قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة ، والواصلة والمستوصلة ، والمحلل والمحلل له ، وآكل الربا وموكله .
ثم رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي من غير وجه ، عن سفيان ، وهو الثوري ، عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي ، عن هزيل بن شرحبيل الأودي ، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم به . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . قال : والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة ، منهم : عمر ، وعثمان ، وابن عمر . وهو قول الفقهاء من التابعين ، ويروى ذلك عن علي ، وابن مسعود ، وابن عباس .
طريق أخرى : عن ابن مسعود . قال الإمام أحمد : حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا عبيد الله ، عن عبد الكريم ، عن أبي الواصل ، عن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله المحلل والمحلل له " .
طريق أخرى : روى الإمام أحمد ، والنسائي ، من حديث الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن الحارث الأعور ، عن عبد الله بن مسعود قال : آكل الربا وموكله ، وشاهداه وكاتبه إذا علموا به ، والواصلة ، والمستوصلة ، ولاوي الصدقة ، والمتعدي فيها ، والمرتد على عقبيه إعراضا بعد هجرته ، والمحلل والمحلل له ، ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .
الحديث الثاني : عن علي رضي الله عنه . قال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، عن جابر [ وهو ابن يزيد الجعفي ] عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله ، وشاهديه وكاتبه ، والواشمة والمستوشمة للحسن ، ومانع الصدقة ، والمحلل ، والمحلل له ، وكان ينهى عن النوح .
وكذا رواه عن غندر ، عن شعبة ، عن جابر ، وهو ابن يزيد الجعفي ، عن الشعبي عن الحارث ، عن علي ، به .
وكذا رواه من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، وحصين بن عبد الرحمن ، ومجالد بن سعيد ، وابن عون ، عن عامر الشعبي ، به .
وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه من حديث الشعبي ، به . ثم قال أحمد :
حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الربا ، وآكله ، وكاتبه ، وشاهده ، والمحلل ، والمحلل له .
الحديث الثالث : عن جابر : قال الترمذي :
حدثنا أبو سعيد الأشج ، أخبرنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد اليامي ، حدثنا مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله وعن الحارث ، عن علي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له ثم قال : وليس إسناده بالقائم ، ومجالد ضعفه غير واحد من أهل العلم ، منهم أحمد بن حنبل . قال : ورواه ابن نمير ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله ، عن علي . قال : وهذا وهم من ابن نمير ، والحديث الأول أصح .
الحديث الرابع : عن عقبة بن عامر : قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه :
حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري ، حدثنا أبي ، سمعت الليث بن سعد يقول : قال أبو مصعب مشرح هو : ابن عاهان ، قال عقبة بن عامر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له " .
تفرد به ابن ماجه . وكذا رواه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، عن عثمان بن صالح ، عن الليث ، به ، ثم قال : كانوا ينكرون على عثمان في هذا الحديث إنكارا شديدا .
قلت : عثمان هذا أحد الثقات ، روى عنه البخاري في صحيحه . ثم قد تابعه غيره ، فرواه جعفر الفريابي عن العباس المعروف بابن فريق عن أبي صالح عبد الله بن صالح ، عن الليث به ، فبرئ من عهدته والله أعلم .
الحديث الخامس : عن ابن عباس . قال ابن ماجه :
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عامر ، عن زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له .
طريق أخرى : قال الإمام الحافظ خطيب دمشق أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي : حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحلل قال : " لا إلا نكاح رغبة ، لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ، ثم يذوق عسيلتها " .
ويتقوى هذان الإسنادان بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن موسى بن أبي الفرات ، عن عمرو بن دينار ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا فيتقوى كل من هذا المرسل والذي قبله بالآخر ، والله أعلم .
الحديث السادس : عن أبي هريرة . قال الإمام أحمد :
حدثنا أبو عامر ، حدثنا عبد الله ، هو ابن جعفر ، عن عثمان بن محمد المقبري ، عن أبي هريرة قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له .
وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، والجوزجاني ، والبيهقي ، من طريق عبد الله بن جعفر القرشي . وقد وثقه أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين وغيرهم . وأخرج له مسلم في صحيحه ، عن عثمان بن محمد الأخنسي وثقه ابن معين عن سعيد المقبري ، وهو متفق عليه .
الحديث السابع : عن ابن عمر . قال الحاكم في مستدركه :
حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف المدني ، عن عمر بن نافع ، عن أبيه أنه قال : جاء رجل إلى ابن عمر ، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا ، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ، ليحلها لأخيه : هل تحل للأول ؟ فقال : لا إلا نكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وقد رواه الثوري ، عن عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، به . وهذه الصيغة مشعرة بالرفع . وهكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة ، والجوزجاني ، وحرب الكرماني ، وأبو بكر الأثرم ، من حديث الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن قبيصة بن جابر ، عن عمر أنه قال : لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما .
وروى البيهقي من حديث ابن لهيعة ، عن بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار : أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها ، ففرق بينهما . وكذا روي عن علي ، وابن عباس ، وغير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم .
وقوله : فإن طلقها أي: الزوج الثاني بعد الدخول بها فلا جناح عليهما أن يتراجعا أي: المرأة والزوج الأول إن ظنا أن يقيما حدود الله أي: يتعاشرا بالمعروف [ وقال مجاهد : إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة ] وتلك حدود الله أي: شرائعه وأحكامه { يبينها } أي: يوضحها لقوم يعلمون
وقد اختلف الأئمة ، رحمهم الله ، فيما إذا طلق الرجل امرأته طلقة أو طلقتين ، وتركها حتى انقضت عدتها ، ثم تزوجت بآخر فدخل بها ، ثم طلقها فانقضت عدتها ، ثم تزوجها الأول : هل تعود إليه بما بقي من الثلاث ، كما هو مذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وهو قول طائفة من الصحابة ، رضي الله عنهم ؟ أو يكون الزوج الثاني قد هدم ما قبله من الطلاق ، فإذا عادت إلى الأول تعود بمجموع الثلاث ، كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله ؟ وحجتهم أن الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فلأن يهدم ما دونها بطريق الأولى والأحرى ، والله أعلم .
تفسير الطبري : معنى الآية 230 من سورة البقرة
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيرهالقول في تأويل قوله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره اختلف أهل التأويل فيما دل عليه هذا القول من الله تعالى ذكره ; فقال بعضهم : دل على أنه إن طلق الرجل امرأته التطليقة الثالثة بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما : الطلاق مرتان فإن امرأته تلك لا تحل له بعد التطليقة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره , يعني به غير المطلق . ذكر من قال ذلك : 3856 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : جعل الله الطلاق ثلاثا , فإذا طلقها واحدة فهو أحق بها ما لم تنقض العدة , وعدتها ثلاث حيض , فإن انقضت العدة قبل أن يكون راجعها فقد بانت منه , وصارت أحق بنفسها , وصار خاطبا من الخطاب , فكان الرجل إذا أراد طلاق أهله نظر حيضتها , حتى إذا طهرت طلقها تطليقة في قبل عدتها عند شاهدي عدل , فإن بدا له مراجعتها راجعها ما كانت في عدتها , وإن تركها حتى تنقضي عدتها فقد بانت منه بواحدة , وإن بدا له طلاقها بعد الواحدة وهي في عدتها نظر حيضتها , حتى إذا طهرت طلقها تطليقة أخرى في قبل عدتها , فإن بدا له مراجعتها راجعها , فكانت عنده على واحدة , وإن بدا له طلاقها طلقها الثالثة عند طهرها , فهذه الثالثة التي قال الله تعالى ذكره : فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره 3857 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره يقول : إن طلقها ثلاثا , فلا تحل حتى تنكح زوجا غيره . 3858 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك , قال : إذا طلق واحدة أو ثنتين فله الرجعة ما لم تنقض العدة , قال : والثالثة قوله : فإن طلقها يعني بالثالثة فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره . * حدثنا يحيى بن أبي طالب , قال : ثنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك , بنحوه . 3859 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : فإن طلقها بعد التطليقتين فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره , وهذه الثالثة وقال آخرون : بل دل هذا القول على ما يلزم مسرح امرأته بإحسان بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما : الطلاق مرتان قالوا : وإنما بين الله تعالى ذكره بهذا القول عن حكم قوله : أو تسريح بإحسان وأعلم أنه إن سرح الرجل امرأته بعد التطليقتين فلا تحل له المسرحة كذلك إلا بعد زوج . ذكر من قال ذلك : 3860 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غير قال : عاد إلى قوله : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . قال أبو جعفر : والذي قاله مجاهد في ذلك عندنا أولى بالصواب للذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي رويناه عنه أنه قال : أو سئل فقيل : هذا قول الله تعالى ذكره : الطلاق مرتان فأين الثالثة ؟ قال : " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " . فأخبر صلى الله عليه وسلم , أن الثالثة إنما هي قوله : أو تسريح بإحسان فإذ كان التسريح بالإحسان هو الثالثة , فمعلوم أن قوله : فإن طلقها فلا تحل لا من بعد حتى تنكح زوجا غيره من الدلالة على التطليقة الثالثة بمعزل , وأنه إنما هو بيان عن الذي يحل للمسرح بالإحسان إن سرح زوجته بعد التطليقتين , والذي يحرم عليه منها , والحال التي يجوز له نكاحها فيها , وإعلام عباده أن بعد التسريح على ما وصفت لا رجعة للرجل على امرأته . فإن قال قائل : فأي النكاحين عنى الله بقوله : فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره النكاح الذي هو جماع أم النكاح الذي هو عقد تزويج ؟ قيل : كلاهما , وذلك أن المرأة إذا نكحت رجلا نكاح تزويج لم يطأها في ذلك النكاح ناكحها ولم يجامعها حتى يطلقها لم تحل للأول , وكذلك إن وطئها واطئ بغير نكاح لم تحل للأول بإجماع الأمة جميعا . فإذ كان ذلك كذلك , فمعلوم أن تأويل قوله : فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا , ثم يجامعها فيه , ثم يطلقها . فإن قال : فإن ذكر الجماع غير موجود في كتاب الله تعالى ذكره , فما الدلالة على أن معناه ما قلت ؟ قيل : الدلالة على ذلك إجماع الأمة جميعا على أن ذلك معناه . وبعد , فإن الله تعالى ذكره قال : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فلو نكحت زوجا غيره بعقب , الطلاق قبل انقضاء عدتها , كان لا شك أنها ناكحة نكاحا بغير المعنى الذي أباح الله تعالى ذكره لها ذلك به , وإن لم يكن ذكر العدة مقرونا بقوله : فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره لدلالته على أن ذلك كذلك بقوله : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ; وكذلك قوله : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وإن لم يكن مقرونا به ذكر الجماع والمباشرة والإفضاء فقد دل على أن ذلك كذلك بوحيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانه ذلك على لسانه لعباده . ذكر الأخبار المروية بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : 3861 - حدثني عبيد الله بن إسماعيل الهباري , وسفيان بن وكيع , وأبو هشام الرفاعي , قالوا : ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن الأسود , عن عائشة , قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوجت رجلا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها , أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحل لزوجها الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته " . * حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , نحوه . 3862 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا ابن عيينة , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة , قال : سمعتها تقول : جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالت : كنت عند رفاعة فطلقني , فبت طلاقي , فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير , وإن ما معه مثل هدبة الثوب , فقال لها : " تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا , حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني الليث , قال : ثني يونس , عن ابن شهاب , عن عروة , عن عائشة , نحوه . * حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني الليث , قال : ثني عقيل , عن ابن شهاب , قال : ثنى عروة بن الزبير , أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن امرأة رفاعة القرظي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله , فذكر مثله . 3863 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته , فبت طلاقها , فتزوجها بعد عبد الرحمن بن الزبير , فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله إنها كانت عند رفاعة , فطلقها آخر ثلاث تطليقات , فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير , وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل الهدبة . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال لها : " لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا , حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " قالت : وأبو بكر جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بن العاص بباب الحجرة لم يؤذن له , فطفق خالد ينادي يا أبا بكر يقول : يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ . 3864 - حدثنا محمد بن يزيد الأودي , قال : ثنا يحيى بن سليم , عن عبيد الله , عن القاسم , عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق الأول " . * حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا معتمر بن سليمان , قال : سمعت عبيد الله , قال : سمعت القاسم يحدث عن عائشة , قال : قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق صاحبه " . * حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا يحيى , عن عبيد الله , قال : ثنا القاسم , عن عائشة , أن رجلا طلق امرأته ثلاثا , فتزوجت زوجا , فطلقها قبل أن يمسها , فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتحل للأول ؟ قال : " لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول " . 3865 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا موسى بن عيسى الليثي , عن زائدة , عن علي بن زيد , عن أم محمد , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : " إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره , فيذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه " . 3866 - حدثني العباس بن أبي طالب , قال : أخبرنا سعيد بن حفص الطلحي , قال : أخبرنا شيبان , عن يحيى , عن أبي الحارث الغفاري , عن أبي هريرة , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : " وحتى يذوق عسيلتها " . 3867 - حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني , قال : ثني أبي , قال : ثنا شيبان , قال : ثنا يحيى بن أبي كثير , عن أبي الحارث الغفاري , عن أبي هريرة , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا , فتتزوج غيره , فيطلقها قبل أن يدخل بها , فيريد الأول أن يراجعها , قال : " لا , حتى يذوق عسيلتها " . 3868 - حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي , قال : ثنا هشام بن عبد الملك , قال : ثنا محمد بن دينار , قال : حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي , عن أنس بن مالك , عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل طلق امرأته ثلاثا , فتزوجها آخر فطلقها قبل أن يدخل بها , أترجع إلى زوجها الأول ؟ قال : " لا , حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته " . 3869 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , ويعقوب بن ماهان , قالا : ثنا هشيم , قال : أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق , عن سليمان بن يسار , عن عبيد الله بن العباس : أن الغميصاء أو الرميصاء جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها , وتزعم أنه لا يصل إليها , قال : فما كان إلا يسيرا حتى جاء زوجها , فزعم أنها كاذبة , ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره " . 3870 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن علقمة بن مرثد , عن سالم بن رزين الأحمري , عن سالم بن عبد الله , عن سعيد بن المسيب , عن ابن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة , فتتزوج زوجا آخر , فيطلقها قبل أن يدخل بها , أترجع إلى الأول ؟ قال : " لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها " . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن علقمة بن مرثد , عن رزين الأحمري , عن ابن عمر , عن النبي أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا , فيتزوجها رجل , فأغلق الباب , فطلقها قبل أن يدخل بها , أترجع إلى زوجها الآخر ؟ قال : " لا حتى يذوق عسيلتها " . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن علقمة بن مرثد , عن سليمان بن رزين , عن ابن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب عن رجل طلق امرأته , فتزوجت بعده , ثم طلقها أو مات عنها , أيتزوجها الأول ؟ قال : " لا حتى تذوق عسيلته " .فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود اللهالقول في تأويل قوله تعالى : فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله يعني تعالى ذكره بقوله : فإن طلقها فإن طلق المرأة التي بانت من زوجها بآخر التطليقات الثلاث بعد ما نكحها مطلقها الثاني , زوجها الذي نكحها بعد بينونتها من الأول ; فلا جناح عليهما يقول تعالى ذكره : فلا حرج على المرأة التي طلقها هذا الثاني من بعد بينونتها من الأول , وبعد نكاحه إياها , وعلى الزوج الأول الذي كانت حرمت عليه ببينونتها منه بآخر التطليقات أن يتراجعا بنكاح جديد . كما : 3871 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله يقول : إذا تزوجت بعد الأول , فدخل الآخر بها , فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلق الآخر أو مات عنها , فقد حلت له . 3872 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا هشام , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك , قال : إذا طلق واحدة أو ثنتين , فله الرجعة ما لم تنقض العدة . قال : والثالثة قوله : فإن طلقها يعني الثالثة فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره , فيدخل بها , فإن طلقها هذا الأخير بعد ما يدخل بها , فلا جناح عليهما أن يتراجعا - يعني الأول - إن ظنا أن يقيما حدود الله . وأما قوله : إن ظنا أن يقيما حدود الله فإن معناه : إن رجوا مطمعا أن يقيما حدود الله . وإقامتهما حدود الله : العمل بها , وحدود الله : ما أمرهما به , وأوجب بكل واحد منهما على صاحبه , وألزم كل واحد منهما بسبب النكاح الذي يكون بينهما . وقد بينا معنى الحدود ومعنى إقامة ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وكان مجاهد يقول في تأويل قوله : إن ظنا أن يقيما حدود الله ما : 3873 - حدثني به محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : إن ظنا أن يقيما حدود الله إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . وقد وجه بعض أهل التأويل قوله إن ظنا إلى أنه بمعنى : إن أيقنا . وذلك ما لا وجه له , لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله تعالى ذكره . فإذ كان ذلك كذلك , فما المعنى الذي به يوقن الرجل والمرأة أنهما إذا تراجعا أقاما حدود الله ؟ ولكن معنى ذلك كما قال تعالى ذكره : إذ ظنا بمعنى طمعا بذلك ورجواه ; " وأن " التي في قوله أن يقيما في موضع نصب ب " ظنا " , و " أن " التي في أن يتراجعا جعلها بعض أهل العربية في موضع نصب بفقد الخافض , لأن معنى الكلام : فلا جناح عليهما في أن يتراجعا , فلما حذفت " في " التي كانت تخفضها نصبها , فكأنه قال : فلا جناح عليهما تراجعهما . وكان بعضهم يقول : موضعه خفض , وإن لم يكن معها خافضها , وإن كان محذوفا فمعروف موضعه .وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمونالقول في تأويل قوله تعالى : وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون يعني تعالى ذكره بقوله : وتلك حدود الله هذه الأمور التي بينها لعباده في الطلاق والرجعة والفدية والعدة والإيلاء وغير ذلك مما يبينه لهم في هذه الآيات , حدود الله معالم فصول حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته , يبينها : يفصلها , فيميز بينها , ويعرفهم أحكامها لقوم يعلمونها إذا بينها الله لهم , فيعرفون أنها من عند الله , فيصدقون بها , ويعملون بما أودعهم الله من علمه , دون الذين قد طبع الله على قلوبهم , وقضى عليهم أنهم لا يؤمنون بها , ولا يصدقون بأنها من عند الله , فهم يجهلون أنها من الله , وأنها تنزيل من حكيم حميد . ولذلك خص القوم الذي يعلمون بالبيان دون الذين يجهلون , إذ كان الذين يجهلون أنها من عنده قد آيس نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من تصديق كثير منهم بها , وإن كان بينها لهم من وجه الحجة عليهم ولزوم العمل لهم بها , وإنما أخرجها من أن تكون بيانا لهم من وجه تركهم الإقرار والتصديق به .
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: على سرر متقابلين
- تفسير: ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين
- تفسير: والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما
- تفسير: أفما نحن بميتين
- تفسير: ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق
- تفسير: قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري
- تفسير: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في
- تفسير: فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا
- تفسير: ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينـزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها
- تفسير: ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين
تحميل سورة البقرة mp3 :
سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب