تفسير الطبري تفسير الصفحة 36 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 36
037
035
 الآية : 225
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِالّلغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَـَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: لا يُؤَاخُذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمْ وفـي معنى اللغو. فقال بعضهم فـي معناه: لا يؤاخذكم الله بـما سبقتكم به ألسنتكم من الأيـمان علـى عجلة وسرعة, فـيوجب علـيكم به كفـارة إذا لـم تقصدوا الـحلف والـيـمين, وذلك كقول القائل: فعل هذا والله, أو أفعله والله, أو لا أفعله والله, علـى سبوق الـمتكلـم بذلك لسانه بـما وصل به كلامه من الـيـمين. ذكر من قال ذلك:
3754ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد, قال: حدثنا عتاب بن بشير, عن خصيف, عن عكرمة عن ابن عبـاس: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هي بلـى والله, ولا والله.
3755ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن الزهري, عن القاسم, عن عائشة فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قالت: لا والله, وبلـى والله.
3756ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن أبـي نـجيح, عن عطاء, عن عائشة نـحوه.
3757ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, قال: سألت عائشة عن لغو الـيـمين, قالت: هو لا والله, وبلـى والله, ما يتراجع به الناس.
3758ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة فـي قول الله لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قالت: لا والله, وبلـى والله.
3759ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قالت: لا والله, وبلـى الله, يصل بها كلامه.
3760ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلـم, عن عبد الـملك, عن عطاء قال: دخـلت مع عبـيد بن عمير علـى عائشة فقال لها: يا أمّ الـمؤمنـين قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قالت: هو لا والله, وبلـى والله, لـيس مـما عقدتـم الأيـمان.
3761ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا ابن أبـي لـيـلـى, عن عطاء, قال: أتـيت عائشة مع عبـيد بن عمير, فسألها عبـيد عن قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ فقالت عائشة: هو قول الرجل: لا والله, وبلـى والله, ما لـم يعقد علـيه قلبه.
3762ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية قال: أخبرنا ابن جريج, عن عطاء, قال: انطلقت مع عبـيد بن عمير إلـى عائشة وهي مـجاورة فـي ثبـير, فسألها عبـيد عن لغو الـيـمين, فقالت: لا والله, وبلـى والله.
3763ـ حدثنا مـحمد بن موسى الـحرسي, قال: حدثنا حسان بن إبراهيـم الكرمانـي, قال: حدثنا إبراهيـم الصائغ, عن عطاء فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هُوَ قَوْلُ الرّجُلِ فِـي بَـيْتِهِ كَلاّ وَاللّهِ وَبَلـى وَاللّهِ».
3764ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قالت: هم القوم يتدارءون فـي الأمر, فـيقول هذا: لا والله, وبلـى والله, وكلا والله, يتدارءون فـي الأمر لا تعقد علـيه قلوبهم.
3765ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبـي فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: قول الرجل: لا والله, وبلـى والله, يصل به كلامه لـيس فـيه كفـارة.
3766ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا الـمغيرة, عن الشعبـي, قال: هو الرجل يقول: لا والله, وبلـى والله, يصل حديثه.
3767ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا ابن عون, قال: سألت عامرا عن قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو لا والله, وبلـى والله.
3768ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي جميعا, عن ابن عون, عن الشعبـي مثله.
3769ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أيوب, قال: قال أبو قلابة فـي «لا والله وبلـى والله»: أرجو أن يكون لغة.
وقال يعقوب فـي حديثه: أرجو أن يكون لغوا. وقال ابن وكيع فـي حديثه: أرجو أن يكون لغة, ولـم يشك.
3770ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع وهناد, قالوا: حدثنا وكيع, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح, قال: لا والله, وبلـى والله.
3771ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن مالك, عن عطاء, قال: سمعت عائشة تقول فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قالت: لا والله, وبلـى والله.
3772ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن مالك بن مغول, عن عطاء, مثله.
3773ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو معاوية, عن عاصم الأحول, عن عكرمة فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو قول الناس: لا والله وبلـى والله.
3774ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية, عن عاصم, عن الشعبـي وعكرمة قالا: لا والله, وبلـى والله.
3775ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة عن عمرو, عن عطاء, قال: دخـلت مع عبـيد بن عمير علـى عائشة, فسألها, فقالت: لا والله, وبلـى والله.
3776ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص, عن ابن أبـي لـيـلـى وأشعث, عن عطاء, عن عائشة: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قالت: لا والله, وبلـى والله.
3777ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي وجرير, عن هشام, عن أبـيه, عن عائشة قالت: لا والله, وبلـى والله.
3778ـ حدثنا ابن وكيع وهناد, قالا: حدثنا يعلـى, عن عبد الـملك, عن عطاء, قال: قالت عائشة فـي قول الله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قالت: هو قولك: لا والله, وبلـى والله, لـيس لها عقد الأيـمان.
3779ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن مغيرة, عن الشعبـيّ قال: اللغو: قول الرجل: لا والله, وبلـى والله, يصل به كلامه ما لـم يشكّ شيئا يعقد علـيه قلبه.
3780ـ حدثنـي يونس, أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عمرو أن سعيد بن أبـي هلال حدثه أنه سمع عطاء بن أبـي ربـاح يقول: سمعت عائشة تقول: لغو الـيـمين قول الرجل: لا والله, وبلـى والله فـيـما لـم يعقد علـيه قلبه.
3781ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال عمرو: وحدثنـي عبد الله بن عبد الرحمن بن أبـي حسين النوفلـي, عن عطاء, عن عائشة, بذلك.
3782ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن الـحكم, عن مـجاهد فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: الرجلان يتبـايعان, فـيقول أحدهما: والله لا أبـيعك بكذا وكذا, ويقول الاَخر: والله لا أشتريه بكذا وكذا فهذا اللغو لا يؤاخذ به.
وقال آخرون: بل اللغو فـي الـيـمين: الـيـمين التـي يحلف بها الـحالف وهو يرى أنه كما يحلف علـيه ثم يتبـين غير ذلك وأنه بخلاف الذي حلف علـيه. ذكر من قال ذلك:
3783ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنـي ابن نافع, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن قـيس, عن أبـي هريرة أنه كان يقول: لغو الـيـمين: حلف الإنسان علـى الشيء يظن أنه الذي حلف علـيه, فإذا هو غير ذلك.
3784ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ واللغو: أن يحلف الرجل علـى الشيء يراه حقا ولـيس بحق.
3785ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح: قال: ثنـي معاوية, عن علـي, عن ابن عبـاس: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ هذا فـي الرجل يحلف علـى أمر إضرار أن يفعله فلا يفعله, فـيرى الذي هو خير منه, فأمره الله أن يكفر عن يـمينه ويأتـي الذي هو خير. ومن اللغو أيضا: أن يحلف الرجل علـى أمر لا يألو فـيه الصدق وقد أخطأ فـي يـمينه, فهذا الذي علـيه الكفـارة ولا إثم علـيه.
3786ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا هشام, عن قتادة, عن سلـيـمان بن يسار فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: خطأ غير عمد.
3787ـ حدثنا ابن بشار قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن عوف, عن الـحسن فـي هذه الآية: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو أن تـحلف علـى الشيء وأنت يخيـل إلـيك أنه كما حلفت ولـيس كذلك فلا يؤاخذه الله ولا كفـارة, ولكن الـمؤاخذة والكفـارة فـيـما حلف علـيه علـى علـم.
3788ـ حدثنا هناد وابن وكيع, قالا: حدثنا وكيع, عن الفضل بن دلهم, عن الـحسن, قال: هو الرجل يحلف علـى الـيـمين لا يرى إلا أنه كما حلف.
3789ـ حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو معاوية, عن عاصم, عن الـحسن: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الرجل يحلف علـى الـيـمين يرى أنها كذلك, ولـيست كذلك.
3790ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبدة, عن سعيد, عن قتادة, عن الـحسن فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الرجل يحلف علـى الشي, وهو يرى أنه كذلك, فلا يكون كما قال فلا كفـارة علـيه.
3791ـ حدثنا هناد وأبو كريب وابن وكيع, قالوا: حدثنا وكيع, عن سفـيان, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الرجل يحلف علـى الـيـمين لا يرى إلا أنها كما حلف علـيه, ولـيست كذلك.
3792ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح فـي قول الله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: من حلف بـالله ولا يعلـم إلا أنه صادق فـيـما حلف.
3793ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ حلف الرجل علـى الشيء وهو لا يعلـم إلا أنه علـى ما حلف علـيه فلا يكون كما حلف, كقوله: إن هذا البـيت لفلان ولـيس له, وإن هذا الثوب لفلان ولـيس له.
3794ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الرجل يحلف علـى الشيء يرى أنه فـيه صادق.
3795ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الرجل يحلف علـى الأمر يرى أنه كما حلف علـيه فلا يكون كذلك, قال: فلا يؤاخذ بذلك. قال: وكان يحبّ أن يكفر.
3796ـ حدثنا موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي, قال: حدثنا الـجعفـي, عن زائدة, عن منصور, قال: قال إبراهيـم: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: أن يحلف علـى الشيء وهو يرى أنه صادق وهو كاذب, فذلك اللغو لا يؤاخذ به.
3797ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن إبراهيـم نـحوه, إلا أنه قال: إن حلفت علـى الشيء وأنت ترى أنك صادق ولـيس كذلك.
3798ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو إدريس, قال: أخبرنا حصين, عن أبـي مالك أنه قال: اللغو: الرجل يحلف علـى الأيـمان, وهو يرى أنه كما حلف.
3799ـ حدثنـي إسحاق بن حبـيب بن الشهيد, قال: حدثنا عتاب بن بشير, عن خصيف, عن زياد, قال: هو الذي يحلف علـى الـيـمين يرى أنه فـيها صادق.
3800ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الـحضرمي, قال: حدثنا بكير بن أبـي السميط, عن قتادة فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الـخطأ غير العمد, الرجل يحلف علـى الشيء يرى أنه كذلك ولـيس كذلك.
3801ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن منصور ويونس, عن الـحسن قال: اللغو: الرجل يحلف علـى الشيء يرى أنه كذلك فلـيس علـيه فـيه كفـارة.
3802ـ حدثنا هناد وابن وكيع قال هناد: حدثنا وكيع وقال ابن وكيع: حدثنـي أبـي, عن عمران بن حدير قال: سمعت زرارة بن أوفـى قال: هو الرجل يحلف علـى الـيـمين لا يرى إلا أنها كما حلف.
3803ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا عمر بن بشير, قال: سئل عامر عن هذه الآية: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: اللغو: أن يحلف الرجل لا يألو عن الـحقّ فـيكون غير ذلك, فذلك اللغو الذي لا يؤاخذ به.
3804ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ فـاللغو: الـيـمين الـخطأ غير العمد, أن تـحلف علـى الشيء وأنت ترى أنه كما حلفت علـيه ثم لا يكون كذلك, فهذا لا كفـارة علـيه, ولا مأثم فـيه.
3805ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ أما اللغو: فـالرجل يحلف علـى الـيـمين, وهو يرى أنها كذلك فلا تكون كذلك, فلـيس علـيه كفـارة.
3806ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: اللغو: الـيـمين الـخطأ فـي غير عمد أن يحلف علـى الشيء وهو يرى أنه كما حلف علـيه, وهذا ما لـيس علـيه فـيه كفـارة.
3807ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن حصين, عن أبـي مالك, قال: أما الـيـمين التـي لا يؤاخذ بها صاحبها فـالرجل يحلف علـى الـيـمين وهو يرى أنه فـيها صادق, فذلك اللغو.
3808ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين عن أبـي مالك مثله, إلا أنه قال: الرجل يحلف علـى الأمر, يرى أنه كما حلف علـيه فلا يكون كذلك, فلـيس علـيه فـيه كفـارة, وهو اللغو.
3809ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي معاوية بن صالـح, عن يحيى بن سعيد, وعن ابن أبـي طلـحة كذا قال ابن أبـي جعفر قالا: من قال: والله لقد فعلت كذا وكذا وهو يظن أن قد فعله, ثم تبـين أنه لـم يفعله, فهذا لغو الـيـمين, ولـيس علـيه فـيه كفـارة.
3810ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن رجل, عن الـحسن فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الـخطأ غير العمد, كقول الرجل: والله إن هذا لكذا وكذا وهو يرى أنه صادق ولا يكون كذلك. قال معمر: وقاله قتادة أيضا.
3811ـ حدثنـي ابن البرقـي, قال: حدثنا عمرو, قال: سئل سعيد عن اللغو فـي الـيـمين, قال سعيد وقال مكحول: الـخطأ غير العمد, ولكن الكفـارة فـيـما عقدت قلوبكم.
3812ـ حدثنـي ابن البرقـي, قال: حدثنا عمرو, عن سعيد بن عبد العزيز, عن مكحول أنه قال: اللغو الذي لا يؤاخذ الله به: أن يحلف الرجل علـى الشيء الذي يظن أنه فـيه صادق, فإذا هو فـيه غير ذلك, فلـيس علـيه فـيه كفـارة, وقد عفـا الله عنه.
3813ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: إذا حلف علـى الـيـمين وهو يرى أنه فـيه صادق وهو كاذب, فلا يؤاخذ به, وإذا حلف علـى الـيـمين وهو يعلـم أنه كاذب, فذاك الذي يؤاخذ به.
وقال آخرون: بل اللغو من الأيـمان التـي يحلف بها صاحبها فـي حال الغضب علـى غير عقد قلب ولا عزم, ولكن وُصْلَةً للكلام. ذكر من قال ذلك:
3814ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل, عن خالد, عن عطاء, عن وسيـم, عن طاوس, عن ابن عبـاس, قال: لغو الـيـمين: أن تـحلف وأنت غضبـان.
3815ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو حمزة, عن عطاء, عن طاوس, قال: كل يـمين حلف علـيها رجل وهو غضبـان فلا كفـارة علـيه فـيها, قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ وعلة من قال هذه الـمقالة ما:
3816ـ حدثنـي به أحمد بن منصور الـمروزي, قال: حدثنا عمر بن يونس الـيـمامي, قال: حدثنا سلـيـمان بن أبـي سلـيـمان الزهري, عن يحيى بن أبـي كثـير, عن طاوس, عن ابن عبـاس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يـمِينَ فِـي غَضَبٍ».
وقال آخرون, بل اللغو فـي الـيـمين: الـحلف علـى فعل ما نهى الله عنه, وترك ما أمر الله بفعله. ذكر من قال ذلك:
3817ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن داود بن أبـي هند, عن سعيد بن جبـير, قال: هو الذي يحلف علـى الـمعصية, فلا يفـي ويكفر يـمينه قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ.
3818ـ حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا داود, عن سعيد بن جبـير, قال: لغو الـيـمين أن يحلف الرجل علـى الـمعصية لله لا يؤاخذه الله بإيفـائها.
3819ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن داود, عن سعيد بن جبـير بنـحوه, وزاد فـيه: قال: وعلـيه كفـارة.
3820ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: ثنـي عبد الأعلـى ويزيد بن هارون, عن داود, عن سعيد بنـحوه.
3821ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن سعيد بن جبـير: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه الله أن يكفر عن يـمينه ويأتـي الذي هو خير.
3822ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير فـي هذه الآية: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه الله بتركها.
3823ـ حدثنا الـحسن بن الصبـاح البزار, قال: حدثنا إسحاق, عن عيسى ابن بنت داود بن أبـي هند, قال: حدثنا خالد بن إلـياس, عن أمّ أبـيه: أنها حلفت أن لا تكلـم ابنة ابنها ابنة أبـي الـجهم, فأتت سعيد بن الـمسيب وأبـا بكر وعروة بن الزبـير, فقالوا: لا يـمين فـي معصية, ولا كفـارة علـيها.
3824ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها. قلت: فكيف يصنع؟ قال: يكفر عن يـمينه ويترك الـمعصية.
3825ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا هشيـم, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو الرجل يحلف علـى الـحرام, فلا يؤاخذه الله بتركه.
3826ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا داود, عن سعيد بن جبـير, قال فـي لغو الـيـمين, قال: هي الـيـمين فـي الـمعصية, قال: أو لا تقرأ فتفهم؟ قال الله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمْ الأيـمَانَ قال: فلا يؤاخذه بـالإيفـاء, ولكن يؤاخذه بـالتـمام علـيها, قال: وقال لاَ تَـجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيـمَانِكُمْ... إلـى قوله: وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِـيـمٌ.
3827ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن هشيـم, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه الله بتركها ويُكَفّر.
3828ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا شعبة, عن عاصم, عن الشعبـي, عن مسروق فـي الرجل يحلف علـى الـمعصية, فقال: أيكفر خطوات الشيطان؟ لـيس علـيه كفـارة.
3829ـ حدثنـي ابن الـمثنى, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا شعبة, عن عاصم, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, مثل ذلك.
3830ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن داود, عن الشعبـي فـي الرجل يحلف علـى الـمعصية قال: كفـارتها أن يتوب منها.
3831ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن الشعبـي أنه كان يقول: يترك الـمعصية ولا يكفر, ولو أمرته بـالكفـارة لأمرته أن يتـمّ علـى قوله.
3832ـ حدثنا يحيى بن داود الواسطي, قال: حدثنا أبو أسامة, عن مـجالد, عن عامر, عن مسروق قال: كل يـمين لا يحلّ لك أن تفـي بها فلـيس فـيها كفـارة.
وعلة من قال هذا القول من الأثر ما:
3833ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو أسامة, عن الولـيد بن كثـير, قال: ثنـي عبد الرحمن بن الـحرث, عن عمرو بن شعيب, عن أبـيه, عن عبد الله بن عمرو, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَذَرَ فِـيـما لا يَـمْلِكُ فَلا نَذْرَ لَهُ, وَمَنْ حَلَفَ علـى مَعْصِيَةٍ اللّهِ فَلاَ يَـمِينَ لَهُ, وَمَنْ حَلَفَ علـى قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلاَ يَـمِينَ لَهُ».
3834ـ حدثنـي علـيّ بن سعيد الكندي, قال: حدثنا علـيّ بن مسهر, عن حارثة بن مـحمد, عن عمرة, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ علـى يَـمِينِ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أوْ مَعْصِيَةٍ لِلّهِ فَبِرّهُ أنْ يَحْنَثَ بِهَا وَيَرْجِعَ عَنْ يَـمِينِهِ».
وقال آخرون: اللغو من الأيـمان: كل يـمين وصل الرجل بها كلامه علـى غير قصد منه إيجابَها علـى نفسه. ذكر من قال ذلك:
3835ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا هشام, قال: حدثنا حماد, عن إبراهيـم, قال: لغو الـيـمين: أن يصل الرجل كلامه بـالـحلف, والله لـيأكلنّ, والله لـيشربنّ, ونـحو هذا لا يتعمد به الـيـمين ولا يريد به حلفـا, لـيس علـيه كفـارة.
3836ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن علـية, عن هشام الدستوائي, عن حماد, عن إبراهيـم: لغو الـيـمين: ما يصل به كلامه: والله لتأكلنّ, والله لتشربن.
3837ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن الـحكم, عن مـجاهد: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هما الرجلان يتساومان بـالشيء, فـيقول أحدهما: والله لا أشتريه منك بكذا, ويقول الاَخر: والله لا أبـيعك بكذا وكذا.
3838ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب, أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قالت: أيـمان اللغو ما كان فـي الهزل والـمراء والـخصومة والـحديث الذي لا يعتـمد علـيه القلب.
وعلة من قال هذا القول من الأثر ما:
3839ـ حدثنا به مـحمد بن موسى الـحرسي, قال: حدثنا عبـيد الله بن ميـمون الـمرادي, قال: حدثنا عوف الأعرابـي, عن الـحسن بن أبـي الـحسن, قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون يعنـي يرمون ومع النبـيّ صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه, فرمى رجل من القوم, فقال: أصبت والله وأخطأت فقال الذي مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله, قال: «كَلاّ أيـمَانُ الرّماةِ لَغْوٌ لا كَفّـارَةَ فِـيها وَلا عُقُوبَةَ».
وقال آخرون: اللغو من الأيـمان: ما كان من يـمين بـمعنى الدعاء من الـحالف علـى نفسه إن لـم يفعل كذا وكذا, أو بـمعنى الشرك والكفر. ذكر من قال ذلك:
3840ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم الـمصري, قال: حدثنا إسماعيـل بن مرزوق, عن يحيى بن أيوب, عن مـحمد بن عجلان, عن زيد بن أسلـم فـي قول الله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: هو كقول الرجل: أعمى الله بصري إن لـم أفعل كذا وكذا, أخرجنـي الله من مالـي إن لـم آتك غدا. فهو هذا, ولا يترك الله له مالاً ولا ولدا. يقول: لو يؤاخذكم الله بهذا لـم يترك لكم شيئا.
3841ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا إسماعيـل, قال: ثنـي يحيى بن أيوب, عن عمرو بن الـحارث, عن زيد بن أسلـم, بـمثله.
3842ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا إسماعيـل بن مرزوق, قال: ثنـي يحيى بن أيوب أن زيد بن أسلـم كان يقول فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ مثل قول الرجل: هو كافر وهو مشرك. قال: لا يؤاخذه حتـى يكون ذلك من قلبه.
3843ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: اللغو فـي هذا: الـحلف بـالله ما كان بـالألسن فجعله لغوا, وهو أن يقول: هو كافر بـالله, وهو إذن يشرك بـالله, وهو يدعو مع الله إلها. فهذا اللغو الذي قال الله فـي سورة البقرة.
وقال آخرون: اللغو فـي الأيـمان: ما كانت فـيه كفـارة. ذكر من قال ذلك:
3844ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ فهذا فـي الرجل يحلف علـى أمر إضرار أن يفعله فلا يفعله, فـيرى الذي هو خير منه, فأمره الله أن يكفر يـمينه ويأتـي الذي هو خير.
3845ـ حدثنـي يحيى بن جعفر, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ قال: الـيـمين الـمكفرة.
وقال آخرون: اللغو من الأيـمان: هو ما حنث فـيه الـحالف ناسيا. ذكر من قال ذلك:
3846ـ حدثنـي الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا هشيـم, قال: أخبرنـي مغيرة, عن إبراهيـم, قال: هو الرجل يحلف علـى الشيء ثم ينساه يعنـي فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْو فِـي أيـمَانِكُمُ.
قال أبو جعفر: واللغو من الكلام فـي كلام العرب كل كلام كان مذموما وفعلاً لا معنى له مهجورا, يقال منه: لغا فلان فـي كلامه يـلغو لغوا: إذا قال قبـيحا من الكلام, ومنه قول الله تعالـى ذكره: وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وقوله: وَإذَا مَرّوا بـاللّغْوِ مَرّوا كِرَاما ومسموع من العرب لغيت بـاسم فلان, بـمعنى أولعت بذكره بـالقبـيح. فمن قال لغيت, قال ألْغَى لَغا, وهي لغة لبعض العرب, ومنه قول الراجز:
وَرُبّ أسْرابِ حجيجٍ كُظّمِعَنِ اللّغا ورفَثِ التّكلـمِ
فإذا كان اللغو ما وصفت, وكان الـحالف بـالله ما فعلت كذا وقد فعل ولقد فعلت كذا وما فعل, واصلاً بذلك كلامه علـى سبـيـل سبوق لسانه من غير تعمد إثم فـي يـمينه, ولكن لعادة قد جرت له عند عجلة الكلام, والقائل: والله إن هذا لفلان وهو يراه كما قال, أو والله ما هذا فلان وهو يراه لـيس به, والقائل: لـيفعلنّ كذا والله, أو لا يفعل كذا والله, علـى سبـيـل ما وصفنا من عجلة الكلام, وسبوق اللسان للعادة, علـى غير تعمد حلف علـى بـاطل, والقائل هو مشرك أو هو يهودي أو نصرانـي إن لـم يفعل كذا, أو إن فعل كذا من غير عزم علـى كفر, أو يهودية أو نصرانـية جميعهم قائلون هُجْرا من القول, وذميـما من الـمنطق, وحالفون من الأيـمان بألسنتهم ما لـم تتعمد فـيه الإثم قلوبهم. كان معلوما أنهم لغاة فـي أيـمانهم لا تلزمهم كفـارة فـي العاجل, ولا عقوبة فـي الاَجل لإخبـار الله تعالـى ذكره أنه غير مؤاخذ عبـاده بـما لغوا من أيـمانهم, وأن الذي هو مؤاخذهم به ما تعمدت فـيه الإثم قلوبهم. وإذ كان ذلك كذلك, وكان صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ حَلَفَ علـى يـمينٍ فرأى غيرَها خيرا مِنْها فَلْـيأتِ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْـيُكَفّرْ عَنْ يَـمِينِهِ» فأوجب الكفـارة بإتـيان الـحالف ما حلف أن لا يأتـيه مع وجوب إتـيان الذي هو خير من الذي حلف علـيه أن لا يأتـيه, وكانت الغرامة فـي الـمال أو إلزام الـجزاء من الـمـجزيّ أبدال الـجازين, لا شك عقوبة كبعض العقوبـات التـي جعلها الله تعالـى ذكره نكالاً لـخـلقه فـيـما تعدّوا من حدوده, وإن كان يجمع جميعها أنها تـمـحيص وكفـارات لـمن عوقب بها فـيـما عوقبوا علـيه كان بـينا أن من ألزم الكفـارة فـي عاجل دنـياه فـيـما حلف به من الأيـمان فحنث فـيه, وإن كانت كفـارة لذنبه فقد واخذه الله بها بإلزامه إياه الكفـارة منها, وإن كان ما عجل من عقوبته إياه علـى ذلك مسقطا عنه عقوبته فـي آجله. وإذ كان تعالـى ذكره قد واخذه بها, فغير جائز لقائل أن يقول: وقد واخذه بها هي من اللغو الذي لا يؤاخذ به قائله, فإذ كان ذلك غير جائز, فبـين فساد القول الذي روي عن سعيد بن جبـير أنه قال: اللغو: الـحلف علـى الـمعصية, لأن ذلك لو كان كذلك لـم يكن علـى الـحالف, علـى معصية الله كفـارة بحنثه فـي يـمينه, وفـي إيجاب سعيد علـيه الكفـارة دلـيـل واضح علـى أن صاحبها بها مؤاخذ لـما وصفنا: من أن من لزمه الكفـارة فـي يـمينه فلـيس مـمن لـم يؤاخذ بها.
فإذا كان اللغو هو ما وصفنا مـما أخبرنا الله تعالـى ذكره أنه غير مؤاخذنا به, وكل يـمين لزمت صاحبها بحنثه فـيها الكفـارة فـي العاجل, أو أوعد الله تعالـى ذكره صاحبها العقوبة علـيها فـي الاَجل, وإن كان وضع عنه كفـارتها فـي العاجل, فهي مـما كسبته قلوب الـحالفـين, وتعمدت فـيه الإثم نفوس الـمقسمين, وما عدا ذلك فهو اللغو وقد بـينا وجوهه.
فتأويـل الكلام إذًا: لا تـجعلوا الله أيها الـمؤمنون عرضة لأيـمانكم, وحجة لأنفسكم فـي أقسامكم فـي أن لا تبرّوا, ولا تتقوا, ولا تصلـحوا بـين الناس, فإن الله لا يؤاخذكم بـما لغته ألسنتكم من أيـمانكم, فنطقت به من قبـيح الأيـمان وذميـمها, علـى غير تعمدكم الإثم وقصدكم بعزائم صدوركم إلـى إيجاب عقد الأيـمان التـي حلفتـم بها, ولكنه إِنـما يؤاخذكم بـما تعمدتـم فـيه عقد الـيـمين وإيجابها علـى أنفسكم, وعزمتـم علـى الإتـمام علـى ما حلفتـم علـيه بقصد منكم وإرادة, فـيـلزمكم حينئذ إما كفـارة فـي العاجل, وإما عقوبة فـي الاَجل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ.
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي أوعد الله تعالـى ذكره بقوله: وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ عبـاده أنه مؤاخذهم به بعد إجماع جميعهم علـى أن معنى قوله: بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ما تعمدت. فقال بعضهم: الـمعنى الذي أوعد الله عبـاده مؤاخذتهم به هو حلف الـحالف منهم علـى كذب وبـاطل. ذكر من قال ذلك:
3847ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم, قال: إذا حلف الرجل علـى الـيـمين وهو يرى أنه صادق وهو كاذب, فلا يؤاخذ بها, وإذا حلف وهو يعلـم أنه كاذب, فذاك الذي يؤاخذ به.
3848ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي, قال: حدثنا حسين الـجعفـي عن زائدة, عن منصور, قال: قال إبراهيـم: وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ قال: أن يحلف علـى الشيء وهو يعلـم أنه كاذب, فذاك الذي يؤاخذ به.
3849ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن إبراهيـم: وَلَكِنْ يُؤاخُذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ أن تـحلف وأنت كاذب.
3حدثنـي الـمثنى, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمْ الأيـمَانَ وذلك الـيـمين الصبر الكاذبة, يحلف بها الرجل علـى ظلـم أو قطيعة. فتلك لا كفـارة لها إلا أن يترك ذلك الظلـم, أو يردّ ذلك الـمال إلـى أهله, وهو قوله تعالـى ذكره: إنّ الّذِين يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وأيـمَانِهِمْ ثَمنَا قَلِـيلاً إلـى قوله: وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ.
3850ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ما عقدت علـيه.
3851ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
3852ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عبد الـملك, عن عطاء قال: لا تؤاخذ حتـى تقصد الأمر ثم تـحلف علـيه بـالله الذي لا إله إلا هو فتعقد علـيه يـمينك.
والواجب علـى هذا التأويـل أن يكون قوله تعالـى ذكره: وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلوبُكُمْ فـي الاَخرة بـما شاء من العقوبـات, وأن تكون الكفـارة إنـما تلزم الـحالف فـي الأيـمان التـي هي لغو. وكذلك روي عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس أنه كان لا يرى الكفـارة إلا فـي الأيـمان التـي تكون لغوا. فأما ما كسبته القلوب, وعقدت فـيه علـى الإثم, فلـم يكن يوجب فـيه الكفـارة. وقد ذكرنا الرواية عنهم بذلك فـيـما مضى قبل.
وإذ كان ذلك تأويـل الآية عندهم, فـالواجب علـى مذهبهم أن يكون معنى الآية فـي سورة الـمائدة: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ فكفـارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهلـيكم أو كسوتهم, أو تـحرير رقبة, فمن لـم يجد فصيام ثلاثة أيام, ذلك كفـارة أيـمانكم إذا حلفتـم, ولكن يؤاخذكم بـما عقدتـم, واحفظوا أيـمانكم.
وبنـحو ما ذكرناه عن ابن عبـاس من القول فـي ذلك كان سعيد بن جبـير والضحاك بن مزاحم وجماعة أخر غيرهم يقولون, وقد ذكرنا الرواية عنهم بذلك آنفـا.
وقال آخرون: الـمعنى الذي أوعد الله تعالـى عبـاده الـمؤاخذة به بهذه الآية هو حلف الـحالف علـى بـاطل يعلـمه بـاطلاً, وبذلك أوجب الله عندهم الكفـارة دون اللغو الذي يحلف به الـحالف وهو مخطىء فـي حلفه يحسب أن الذي حلف علـيه كما حلف ولـيس ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك:
3853ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ يقول: بـما تعمدت قلوبكم, وما تعمدت فـيه الـمأثم, فهذا علـيك فـيه الكفـارة.
3854ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله سواء.
وكأن قائلـي هذه الـمقالة وجهوا تأويـل مؤاخذة الله عبده علـى ما كسبه قلبه من الأيـمان الفـاجرة, إلـى أنها مؤاخذة منه له بإلزامه الكفـارة فـيه. وقال بنـحو قول قتادة جماعة أخر فـي إيجاب الكفـارة علـى الـحالف الـيـمين الفـاجرة, منهم عطاء والـحكم.
3855ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب, قالا: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء والـحكم أنهما كانا يقولان فـيـمن حلف كاذبـا متعمدا: يكَفّر.
وقال آخرون: بل ذلك معنـيان: أحدهما مؤاخذ به العبد فـي حال الدنـيا بإلزام الله إياه الكفـارة منه, والاَخر منهما مؤاخذ به فـي الاَخرة, إلا أن يعفو. ذكر من قال ذلك:
3حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلَكِنْ يُؤَاخُذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ أما ما كسبت قلوبكم: فما عقدت قلوبكم, فـالرجل يحلف علـى الـيـمين يعلـم أنها كاذبة إرادة أن يقضي أمره. والأيـمان ثلاثة: اللغو, والعمد, والغموس, والرجل يحلف علـى الـيـمين وهو يريد أن يفعل ثم يرى خيرا من ذلك, فهذه الـيـمين التـي قال الله تعالـى ذكره: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمْ الأيـمَانَ فهذه لها كفـارة.
وكأن قائل هذه الـمقالة وجه تأويـل قوله: وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ إلـى غير ما وجه إلـيه تأويـل قوله: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأيـمَانَ وجعل قوله: بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبِكُمْ الغموس من الأيـمان التـي يحلف بها الـحالف علـى علـم منه بأنه فـي حلفه بها مبطل, وقوله: بِـمَا عَقّدْتُـمْ الأيـمَانَ الـيـمين التـي يستأنف فـيها الـحنث أو البرّ, وهو فـي حال حلفه بها عازم علـى أن يبرّ فـيها.
وقال آخرون: بل ذلك هو اعتقاد الشرك بـالله والكفر. ذكر من قال ذلك:
3حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا إسماعيـل بن مرزوق, قال: ثنـي يحيى بن أيوب, عن مـحمد, يعنـي ابن عجلان, أن يزيد بن أسلـم كان يقول فـي قول الله تعالـى ذكره: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم مثل قول الرجل: هو كافر, هو مشرك, قال: لا يؤاخذه الله حتـى يكون ذلك من قلبه.
3حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمْ اللّهُ بـاللّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ قال: اللغو فـي هذا: الـحلف بـالله ما كان بـالألسن فجعله لغوا, وهو أن يقول: هو كافر بـالله, وهو إذًا يشرك بـالله, وهو يدعو مع الله إلها, فهذا اللغو الذي قال الله تعالـى فـي سورة البقرة: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم قال: بـما كان فـي قلوبكم صدقا وَاخَذَك به, فإن لـم يكن فـي قلبك صدقا لـم يواخذك به, وإن أثمت.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أوعد عبـاده أن يؤاخذهم بـما كسبت قلوبهم من الأيـمان, فـالذي تكسبه قلوبهم من الأيـمان, هو ما قصدته, وعزمت علـيه علـى علـم ومعرفة منها بـما تقصده وتريده, وذلك يكون منها علـى وجهين:
أحدهما علـى وجه العزم علـى ما يكون به العازم علـيه فـي حال عزمه بـالعزم علـيه آثما وبفعله مستـحقا الـمؤاخذة من الله علـيها, وذلك كالـحالف علـى الشيء الذي لـم يفعله أنه قد فعله, وعلـى الشيء الذي قد فعله أنه لـم يفعله, قاصدا لقـيـل الكذب, وذاكرا أنه قد فعل ما حلف علـيه أنه لـم يفعله, أو أنه لـم يفعل ما حلف علـيه أنه قد فعل, فـيكون الـحالف بذلك إن كان من أهل الإيـمان بـالله وبرسوله فـي مشيئة الله يوم القـيامة إن شاء واخذه به فـي الاَخرة, وإن شاء عفـا عنه بتفضله, ولا كفـارة علـيه فـيها فـي العاجل, لأنها لـيست من الإيـمان التـي يحنث فـيها, وإنـما الكفـارة تـجب فـي الأيـمان بـالـحنث فـيها, والـحالف الكاذب فـي يـمينه لـيست يـمينه مـما يتبدأ فـيه الـحنث فتلزم فـيه الكفـارة.
والوجه الاَخر منهما: علـى وجه العزم عل إيجاب عقد الـيـمين فـي حال عزمه علـى ذلك, فذلك مـما لا يواخذ به صاحبه حتـى يحنث فـيه بعد حلفه, فإذا حنث فـيه بعد حلفه كان مواخذا بـما كان اكتسبه قلبه من الـحلف بـالله علـى إثم وكذب فـي العاجل بـالكفـارة التـي جعلها الله كفـارة لذنبه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِـيـمٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: والله غفور لعبـاده فـيـما لغوا من أيـمانهم التـي أخبر الله تعالـى ذكره أنه لا يؤاخذهم بها, ولو شاء واخذهم بها, ولـما واخذهم بها فكفروها فـي عاجل الدنـيا بـالتكفـير فـيه, ولو شاء واخذهم فـي آجل الاَخرة بـالعقوبة علـيه, فساتر علـيهم فـيها, وصافح لهم بعفوه عن العقوبة فـيها وغير ذلك من ذنوبهم. حلـيـم فـي تركه معاجلة أهل معصيته العقوبة علـى معاصيهم.
الآية : 226
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّلّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَآئِهِمْ تَرَبّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُوا فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ }
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ الذين يقسمون ألـية, والأَلِـيّة: الـحلف. كما:
3حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا مسلـمة بن علقمة, قال: حدثنا داود بن أبـي هند, عن سعيد بن الـمسيب فـي قوله: للّذِينَ يُؤْلُونَ يحلفون. يقال: آلـى فلان يؤْلـي إيلاء وألـية, كما قال الشاعر:
كَفَـيْنا مَنْ تغَيّبَ مِنْ تُرابٍوأحْنَثْنا ألـيّةَ مُقْسِمِينا
ويقال أَلْوَة وأُلْوَة, كما قال الراجز:
()(يا أُلْوَةً ما أُلْوَةً ما أُلْوَتِـي )
وقد حكي عنهم أيضا أنهم يقولون: «إلوة» مكسورة الألف, والتربص: النظر والتوقـف.
ومعنى الكلام: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر, فترك ذكر أن يعتزلوا اكتفـاء بدلالة ما ظهر من الكلام علـيه.
واختلف أهل التأويـل فـي صفة الـيـمين التـي يكون بها الرجل مؤلـيا من امرأته, فقال بعضهم: الـيـمين التـي يكون بها الرجل مؤلـيا من امرأته, أن يحلف علـيها فـي حال غضب علـى وجه الإضرار لها أن لا يجامعها فـي فرجها, فأما إن حلف علـى غير وجه الإضرار علـى غير غضب فلـيس هو مولـيا منها. ذكر من قال ذلك:
3حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن حريث بن عميرة, عن أم عطية, قالت: قال جبـير: أرضعي ابن أخي مع ابنك فقالت: ما أستطيع أن أرضع اثنـين. فحلف أن لا يقربها حتـى تفطمه. فلـما فطمته مرّ به علـى الـمـجلس, فقال له القوم: حسنا ما غذوتـموه. قال جبـير: إنـي حلفت ألا أقربها حتـى تفطمه. فقال له القوم: هذا إيلاء. فأتـى علـيا فـاستفتاه, فقال: إن كنت فعلت ذلك غضبـا فلا تصلـح لك امرأتك, وإلا فـيه امرأتك.
3856ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سماك, أنه سمع عطية بن جبـير, قال: توفـيت أم صبـيّ نسيبة لـي, فكانت امرأة أبـي ترضعه, فحلف أن لا يقربها حتـى تفطمه. فلـما مضت أربعة أشهر قـيـل له: قد بـانت منك وأحسب شكّ أبو جعفر, قال: فأتـى علـيا يستفتـيه, فقال: إن كنت قلت ذلك غضبـا فلا امرأة لك, وإلا فهي امرأتك.
3857ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنـي سماك, قال: سمعت عطية بن جبـير يذكر نـحوه عن علـيّ.
3858ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب بن عبد الـمـجيد, قال: حدثنا داود, عن سماك, عن رجل من بنـي عجل, عن أبـي عطية: أنه توفـي أخوه وترك ابنا له صغيرا, فقال أبو عطية لامرأته: أرضعيه فقالت: إنـي أخشى أن تغيـلهما, فحلف أن لا يقربها حتـى تفطمهما ففعل حتـى فطمتهما. فخرج ابن أخي أبـي عطية إلـى الـمـجلس, فقالوا: لَـحُسْنَ ما غذى أبو عطية ابن أخيه قال: كلا زعمت أم عطية أنـي أغيـلهما فحلفت أن لا أقربها حتـى تفطمهما. فقالوا له: قد حرمت علـيك امرأتك. فذكرت ذلك لعلـيّ رضي الله عنه, فقال علـيّ: إنـما أردت الـخير, وإنـما الإيلاء فـي الغضب.
3859ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن سماك, عن أبـي عطية أن أخاه توفـي, فذكر نـحوه.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن سماك بن حرب, أن رجلاً هلك أخوه, فقال لامرأته: أرضعي ابن أخي فقالت: أخاف أن تقع علـيّ. فحلف أن لا يـمسها حتـى تفطم. فأمسك عنها حتـى إذا فطمته أخرج الغلام إلـى قومه, فقالوا: لقد أحسنت غذاءه فذكر لهم شأنه, فذكروا امرأته. قال: فذهب إلـى علـيّ فـاستـحلفه بـالله ما أردت بذلك؟ يعنـي إيلاءً, قال: فردّها علـيه.
3860ـ حدثنا علـيّ بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن أشعث بن سوار, عن سماك, عن عطية بن أبـي عطية, قال: توفـي أخ لـي وترك يتـيـما له رضيعا, وكنت رجلاً معسرا لـم يكن بـيدي ما أسترضع له. قال: فقالت لـي امرأتـي, وكان لـي منها ابن ترضعه: إن كفـيتنـي نفسك كفـيتكهما. فقلت: وكيف أكفـيك نفسي؟ قالت: لا تقربنـي, فقلت: والله لا أقربك حتـى تفطميهما. قال: ففطمتهما. وخرجا علـى القوم, فقالوا: ما نراك إلا قد أحسنت ولايتهما. قال: فقصصت علـيهم القصة. فقالوا: ما نراك إلا آلـيت منها, وبـانت منك. قال: فأتـيت علـيا, فقصصت علـيه القصة, فقال: إنـما الإيلاء ما أريد به الإيلاء.
3861ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن بكر البُرسانـي, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن جابر بن زيد, عن ابن عبـاس, قال: لا إيلاء إلا بغضب.
3862ـ وحدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن عمرو بن دينار, عن عطاء, عن ابن عبـاس, قال: لا إيلاء إلا بغضب.
3863ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا ابن وكيع, عن أبـي فزارة, عن يزيد بن الأصمّ, عن ابن عبـاس, قال: لا إيلاء إلا بغضب.
3864ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن سماك بن حرب, عن أبـي عطية, عن علـيّ, قال: لا إيلاء إلا بغضب.
3حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن سعيد, عن قتادة: أن علـيا قال: إذا قال الرجل لامرأته وهي ترضع: والله لا قربتك حتـى تفطمي ولدي, يريد به صلاح ولده, قال: لـيس علـيه إيلاء.
3حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا إسحاق بن منصور السلولـي, عن مـحمد بن مسلـم الطائفـي, عن عمرو بن دينار, عن سعيد بن جبـير, قال: جاء رجل إلـى علـيّ, فقال: إنـي قلت لامرأتـي لا أقربها سنتـين, قال: قد آلـيت منها. قال: إنـما قلت لأنها ترضع. قال: فلا إذن.
3حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن داود بن أبـي هند, عن سماك بن حرب, عن أبـي عطية, عن علـيّ أنه كان يقول: إنـما الإيلاء ما كان فـي غضب يقول الرجل: والله لا أقربك والله لا أمسّك, فأما ما كان فـي إصلاح من أمر الرضاع وغيره, فإنه لا يكون إيلاء ولا تبـين منه.
3حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, يعنـي ابن مهدي, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن حفص, عن الـحسن أنه سئل عنها, فقال: لا والله ما هو بإيلاء.
3865ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا بشر بن منصور, عن ابن جريج, عن عطاء, قال: إذا حلف من أجل الرضاع فلـيس بإيلاء.
3866ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, ثنـي يونس, قال: سألت ابن شهاب عن الرجل يقول: والله لا أقرب امرأتـي حتـى تفطم ولدي, قال: لا أعلـم الإيلاء يكون إلا بحلف بـالله فـيـما يريد الـمرء أن يضارّ به امرأته من اعتزالها, ولا نعلـم فريضة الإيلاء إلا علـى أولئك, فلا نرى أن هذا الذي أقسم بـالاعتزال لامرأته حتـى تفطم ولده, أقسم إلا علـى أمر يتـحرّى به فـيه الـخير, فلا نرى وجب علـى هذا ما وجب علـى الـمولـي الذي يولـي فـي الغضب.
وقال آخرون: سواء إذا حلف الرجل علـى امرأته أن لا يجامعها فـي فرجها كان حلفه فـي غضب أو غير غضب, كل ذلك إيلاء. ذكر من قال ذلك:
3867ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا ابن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي رجل, قال لامرأته: إن غشيتك حتـى تفطمي ولدك فأنت طالق, فتركها أربعة أشهر. قال: هو إيلاء.
3868ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن أبـي معشر, عن النـخعي, قال: كل شيء يحول بـينه وبـين غشيانها فتركها حتـى تـمضي أربعة أشهر فهو داخـل علـيه.
3869ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حبّـان بن موسى, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا أبو عوانة عن الـمغيرة, عن القعقاع, قال: سألت الـحسن عن رجل ترضع امرأته صبـيا فحلف أن لا يطأها حتـى تفطم ولدها, فقال: ما أرى هذا بغضب, وإنـما الإيلاء فـي الغضب. قال: وقال ابن سيرين: ما أدري ما هذا الذي يحدثون؟ إنـما قال الله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهمْ إلـى فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ إذا مضت أربعة أشهر فلـيخطبها إن رغب فـيها.
3870ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم فـي رجل حلف أن لا يكلـم امرأته, قال: كانوا يرون الإيلاء فـي الـجماع.
3871ـ حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيـم, قال: قال: كل يـمين منعت جماعا حتـى تـمضي أربعة أشهر فهي إيلاء.
3872ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت إسماعيـل وأشعث, عن الشعبـي, مثله.
3873ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم والشعبـي قالا: كل يـمين منعت جماعا فهي إيلاء.
وقال آخرون: كل يـمين حلف بها الرجل فـي مساءة امرأته فهي إيلاء منه منها علـى الـجماع, حلف أو غيره, فـي رضا حلف أو سخط. ذكر من قال ذلك:
3حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن خصيف, عن الشعبـي قال: كل يـمين حالت بـين الرجل وبـين امرأته فهي إيلاء, إذا قال: والله لأغضبنك, والله لأسوءنك, والله لأضربنك, وأشبـاه هذا.
3حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: ثنـي أبـي وشعيب, عن اللـيث, عن يزيد بن أبـي حبـيب عن ابن أبـي ذئب العامريّ: أن رجلاً من أهله قال لامرأته: إن كلـمتك سنة فأنت طالق واستفتـى القاسم وسالـما فقالا: إن كلـمتها قبل سنة فهي طالق, وإن لـم تكلـمها فهي طالق إذا مضت أربعة أشهر.
3حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, قال: سمعت حمادا, قال: قلت لإبراهيـم: الإيلاء أن يحلف أن لا يجامعها ولا يكلـمها, ولا يجمع رأسه برأسها, أو لـيغضبنها, أو لـيحرّمنها, أو لـيسوءنها؟ قال: نعم.
3874ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سألت الـحكم عن رجل قال لامرأته: والله لأغيظنك فتركها أربعة أشهر. قال: هو إيلاء.
3875ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: سمعت شعبة قال: سألت الـحكم, فذكر مثله.
3876ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, حدثنـي اللـيث, قال: حدثنا يونس, قال: قال ابن شهاب: حدثنـي سعيد بن الـمسيب: أنه إن حلف رجل أن لا يكلـم امرأته يوما أو شهرا, قال: فإنا نرى ذلك يكون إيلاء, وقال: إلا أن يكون حلف أن لا يكلـمها, فكان يـمسها فلا نرى ذلك يكون من الإيلاء. والفـيء أن يفـيء إلـى امرأته فـيكلـمها أو يـمسها, فمن فعل ذلك قبل أن تـمضي الأربعة الأشهر فقد فـاء ومن فـاء بعد أربعة أشهر وهي فـي عدتها فقد فـاء وملك امرأته, غير أنه مضت لها تطلـيقة.
وعلة من قال: إنـما الإيلاء فـي الغضب والضرار, أن الله تعالـى ذكره إنـما جعل الأجل الذي أجل فـي الإيلاء مخرجا للـمرأة من عضل الرجل وضراره إياها فـيـما لها علـيه من حسن الصحبة والعشرة بـالـمعروف. وإذا لـم يكن الرجل لها عاضلاً, ولا مضارّا بـيـمينه وحلفه علـى ترك جماعها, بل كان طالبـا بذلك رضاها, وقاضيا بذلك حاجتها, لـم يكن بـيـمينه تلك مولـيا, لأنه لا معنى هنالك يـلـحق الـمرأة به من قبل بعلها مساءة وسوء عشرة, فـيجعل الأجل الذي جعل الـمولـي لها مخرجا منه.
وأما علة من قال: الإيلاء فـي حال الغضب والرضا سواء عموم الآية, وأن الله تعالـى ذكره لـم يخصص من قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ بعضا دون بعض, بل عمّ به كل مول مقسم, فكل مقسم علـى امرأته أن لا يغشاها مدة هي أكثر من الأجل الذي جعل الله له تربصه, فمؤلٍ من امرأته عند بعضهم. وعند بعضهم: هو مؤلٍ, وإن كانت مدة يـمينه الأجل الذي جعل له تربصه.
وأما علة من قال بقول الشعبـي والقاسم وسالـم, أن الله تعالـى ذكره جعل الأجل الذي حدّه للـمولـي مخرجا للـمرأة من سوء عشرتها بعلها إياها وإضراره بها. ولـيست الـيـمين علـيها بأن لا يجامعها ولا يقربها بأولـى بأن تكون من معانـي سوء العشرة والضرار من الـحلف علـيها أن لا يكلـمها أو يسوءها أو يغيظها لأن كل ذلك ضرر علـيها, وسوء عشرة لها.
وأولـى التأويلات التـي ذكرناها فـي ذلك بـالصواب قول من قال: كل يـمين منعت الـمقسم الـجماع أكثر من الـمدة التـي جعل الله الـمولـي تربصها قائلاً فـي غضب كان ذلك أو رضا, وذلك للعلة التـي ذكرناها قبل لقائلـي ذلك. وقد أتـينا علـى فساد قول من خالف ذلك فـي كتابنا «كتاب اللطيف» بـما فـيه الكفـاية, فكرهنا إعادته فـي هذا الـموضع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنْ فـاءُوا فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: فإن رجعوا إلـى ترك ما حلفوا علـيه أن يفعلوه بهنّ من ترك جماعهن فجامعوهن وحنثوا فـي أيـمانهم, فإن الله غفور لـما كان منهم من الكذب فـي أيـمانهم بأن لا يأتوهن ثم أتوهن, ولـما سلف منهم إلـيهن من الـيـمين علـى ما لـم يكن لهم أن يحلفوا علـيه, فحلفوا علـيه رحيـم بهم وبغيرهم من عبـاده الـمؤمنـين. وأصل الفـيء: الرجوع من حال إلـى حال, ومنه قوله تعالـى ذكره: وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ اقْتَتلُوا فأصْلِـحُوا بَـيْنَهُما إلـى قوله: حتـى تَفِـيءَ إلـى أمْرِ اللّهِ يعنـي: حتـى ترجع إلـى أمر الله. ومنه قول الشاعر:
فَفـاءَتْ ولَـمْ تَقْضِ الّذِي أقْبَلَتْ لَهُوَمِنْ حاجَةِ الإنْسانِ ما لَـيْسَ قاضِيَا
يقال منه: فـاء فلان يفـيء فـيئة, مثل الـجَيْئة, وَفَـيئا. والفـيئة: الـمرة. فأما فـي الظلّ, فإنه يقال: فـاء الظلّ يفـيء فـيوءا وفَـيْئا, وقد يقال فـيوءا أيضا فـي الـمعنى الأول, لأن الفـيء فـي كل الأشياء بـمعنى الرجوع.
وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل, غير أنهم اختلفوا فـيـما يكون به الـمؤلـي فـائيا, فقال بعضهم: لا يكون فـائيا إلا بـالـجماع. ذكر من قال ذلك:
3877ـ حدثنا علـيّ بن سهل الرملـي, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: الفـيء: الـجماع.
3878ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو نعيـم, عن يزيد بن زياد بن أبـي الـجعد, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: الفـيء: الـجماع.
3879ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, مثله.
3880ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن صاحب له, عن الـحكم بن عتـيبة عن مقسم, عن ابن عبـاس, مثله.
3881ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حصين, عن الشعبـي, عن مسروق, قال: الفـيء: الـجماع.
3882ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة, عن حصين, عن الشعبـي, عن مسروق مثله.
3883ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد, عن إسماعيـل, قال: كان عامر لا يرى الفـيء إلا الـجماع.
3884ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر, قال: أخبرنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا إسماعيـل, عن عامر, بـمثله.
3885ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن علـيّ بن بذيـمة, عن سعيد بن جبـير قال: الفـيء: الـجماع.
3886ـ حدثنا أبو عبد الله النشائي, قال: حدثنا إسحاق الأزرق, عن سفـيان, عن علـيّ بن بذيـمة, عن سعيد بن جبـير, مثله.
3887ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن سعيد بن جبـير, قال: الفـيء: الـجماع, لا عذر له إلا أن يجامع, وإن كان فـي سجن أو فـي سفر سعيد القائل.
3888ـ حدثنـي مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن جبـير أنه قال: لا عذر له حتـى يغشى.
3حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن حماد وإياس, عن الشعبـي, قال أحدهما, عن مسروق, قال: الفـيء: الـجماع. وقال الاَخر عن الشعبـي: الفـيء: الـجماع.
3حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب فـي رجل آلـى من امرأته ثم شغله مرض, قال: لا عذر له حتـى يغشى.
3889ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنـي أبـي, عن قتادة, عن سعيد بن جبـير فـي الرجل يؤلـي من امرأته قبل أن يدخـل بها, أو بعد ما دخـل بها, فـيعرض له عارض يحبسه, أو لا يجد ما يسوق: أنه إذا مضت أربعة أشهر أنها أحقّ بنفسها.
3890ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن الـحكم والشعبـي قالا: إذ آلـى الرجل من امرأته ثم أراد أن يفـيء, فلا فـيء إلا الـجماع.
وقال آخرون: الفـيء: الـمراجعة بـاللسان أو القلب فـي حال العذر, وفـي غير حال العذر الـجماع. ذكر من قال ذلك:
3891ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن وعكرمة أنهما قالا: إذا كان له عذر فأشهر فذاك له. يعنـي فـي رجل آلـى من امرأته فشغله مرض أو طريق فأشهد علـى مراجعة امرأته.
3892ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن صاحب له, عن الـحكم قال: تذاكرنا أنا والنـخعي ذلك, فـال النـخعي: إذا كان له عذر فأشهد فقد فـاء, وقلت أنا: لا عذر له حتـى يغشى. فـانطلقنا إلـى أبـي وائل, فقال: إنى أرجو إذا كان له عذر فأشهد جاز.
3893ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن الـحسن, قال: إن آلـى ثم مرض, أو سجن, أو سافر فراجع, فإن له عذرا أن لا يجامع. قال: وسمعت الزهري يقول مثل ذلك:
3894ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا أبو عوانة, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي النفساء يؤلـي منها زوجها, قال: هذه فـي مـحارب سئل عنها أصحاب عبد الله, فقالوا: إذا لـم يستطع كفر عن يـمينه وأشهد علـى الفـيء.
3895ـ حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيـم, عن أبـي الشعثاء, قال: نزل به ضيف, فآلـى من امرأته فنفست, فأراد أن يفـيء فلـم يستطع أن يقربها من أجل نفـاسها. فأتـى علقمة فذكر ذلك له, فقال: ألـيس قد فئت بقلبك ورضيت؟ قال: بلـى. قال: فقد فئت هي امرأتك.
3896ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الأعمش, عن إبراهيـم: أن رجلاً آلـى من امرأته, فولدت قبل أن تـمضي أربعة أشهر أراد الفـيئة, فلـم يستطع من أجل الدم حتـى مضت أربعة أشهر. فسأل عنها علقمة بن قـيس, فقال: ألـيس قد راجعتها فـي نفسك؟ قال: بلـى. قال: فهي امرأتك.
3897ـ حدثنا عمران بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: أخبرنا عامر, عن الـحسن, قال: إذا آلـى من امرأته ثم لـم يقدر أن يغشاها من عذر, قال: يُشهد أنه قد فـاء وهي امرأته.
3898ـ حدثنا عمران, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا عامر, عن حماد, عن إبراهيـم, عن علقمة بـمثله.
3899ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثنـي أبـي, عن قتادة. عن عكرمة قال: وحدثنا عبد الأعلـى قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن عكرمة قال: إذا آلـى من امرأته فجهد أن يغشاها فلـم يستطع, فله أن يشهد علـى رجعتها.
3900ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن سعيد, عن قتادة, عن الـحسن وعكرمة أنهما سئلا عن رجل آلـى من امرأته, فشغله أمر, فأشهد علـى مراجعة امرأته, قالا: إذا كان له عذر فذاك له.
3901ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا غندر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, قال: انطلقت أنا وإبراهيـم إلـى أبـي الشعثاء, فحدّث أن رجلاً من بنـي سعد بن همام آلـى من امرأته فنفست, فلـم يستطع أن يقربها, فسأل الأسود أو بعض أصحاب عبد الله, فقال: إذا أشهد فهي امرأته.
3902ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا غندر, قال: حدثنا شعبة, عن حماد, عن إبراهيـم أنه قال: إن كان له عذر فأشهد فذلك له يعنـي الـمؤلـي من امرأته.
3903ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن مغيرة, عن إبراهيـم أنه كان يحدّث عن أبـي الشعثاء, عن علقمة وأصحاب عبد الله: أنهم قالوا فـي الرجل إذا آلـى من امرأته فنفست, قالوا: إذا أشهد فهي امرأته.
3904ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, قال: إذا آلـى الرجل من أمرته ثم فـاء فلـيشهد علـى فـيئه. وإذا آلـى الرجل من امرأته وهو فـي أرض غير الأرض التـي فـيها امرأته فلـيشهد علـى فـيئه. فإن أشهد وهو لا يعلـم أن ذلك لا يجزيه من وقوعه علـيها فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها فهي امرأته. وإن علـم أنه لا فـيء إلا فـي الـجماع فـي هذا البـاب ففـاء وأشهد علـى فـيئه ولـم يقع علـيها حتـى مضت أربعة أشهر, فقد بـانت منه.
3905ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي يونس, قال: قال ابن شهاب: حدثنـي سعيد بن الـمسيب أنه إذا آلـى الرجل من امرأته, قال: فإن كان به مرض ولا يستطيع أن يـمسها, أو كان مسافرا فحبس, قال: فإذا فـاء وكفر عن يـمينه فأشهد علـى فـيئه قبل أن تـمضي أربعة أشهر فلا نراه إلا قد صلـح له أن يـمسك امرأته ولـم يذهب من طلاقها شيء. قال: وقال ابن شهاب فـي رجل يؤلـي من امرأته ولـم يبق لها علـيه إلا تطلـيقة, فـيريد أن يفـيء فـي آخر ذلك وهو مريض أو مسافر, أو هي مريضة أو طامث أو غائبة لا يقدر علـى أن يبلغها حتـى تـمضي أربعة أشهر أله فـي شيء من ذلك رخصة أن يكفر عن يـمينه, ولـم يقدر علـى أن يطأ امرأته؟ قال: نرى والله أعلـم إن فـاء قبل الأربعة الأشهر فهي امرأته, بعد أن يشهد علـى ذلك ويكفر عن يـمينه, وإن لـم يبلغها ذلك من فـيئته, فإنه قد فـاء قبل أن يكون طلاقا.
3906ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: الفـيء: الـجماع. فإن هو لـم يقدر علـى الـمـجامعة, وكانت به علة من مرض, أو كان غائبـا, أو كان مـحرما, أو شيء له فـيه عذر, ففـاء بلسانه وأشهد علـى الرضا, فإن ذلك له فـيء إن شاء الله.
وقال آخرون: الفـيء: الـمراجعة بـاللسان بكل حال. ذكر من قال ذلك:
3907ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد, عن سفـيان, عن منصور وحماد, عن إبراهيـم, قال: الفـيء: أن يفـيء بلسانه.
3908ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن زياد الأعلـم, عن الـحسن, قال: الفـيء: الإشهاد.
3909ـ حدثنا الـمثنى قال: ثنـي الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن زياد الأعلـم, عن الـحسن, مثله.
3910ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن أبـي قلابة قال: إن فـاء فـي نفسه أجزأه, يقول: قد فـاء.
3911ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن إسماعيـل بن رجاء, قال: ذكروا الإيلاء عند إبراهيـم, فقال: أرأيت إن لـم ينتشر ذكره؟ إذا أشهد فهي امرأته.
قال أبو جعفر: وإنـما اختلف الـمختلفون فـي تأويـل الفـيء علـى قدر اختلافهم فـي معنى الـيـمين التـي تكون إيلاء, فمن كان من قوله: إن الرجل لا يكون مؤلـيا من امرأته الإيلاء الذي ذكره الله فـي كتابه إلا بـالـحلف علـيها أن لا يجامعها جعل الفـيء الرجوع إلـى فعل ما حلف علـيه أن لا يفعله من جماعها, وذلك الـجماع فـي الفرج إذا قدر علـى ذلك وأمكنه, وإذا لـم يقدر علـيه ولـم يـمكنه, فإحداث النـية أن يفعله إذا قدر علـيه وأمكنه وإبداء ما نوى من ذلك بلسانه لـيعلـمه الـمسلـمون فـي قول من قال ذلك.
وأما قول من رأى أن الفـيء هو الـجماع دون غيره, فإنه لـم يجعل العائق له عذرا, ولـم يجعل له مخرجا من يـمينه غير الرجوع إلـى ما حلف علـى تركه وهو الـجماع.
وأما من كان من قوله: إنه قد يكون مؤلـيا منها بـالـحلف علـى ترك كلامها, أو علـى أن يسوءها أو يغيظها, أو ما أشبه ذلك من الأيـمان, فإن الفـيء عنده الرجوع إلـى ترك ما حلف علـيه أن يفعله مـما فـيه مساءتها بـالعزم علـى الرجوع عنه وإبداء ذلك بلسانه فـي كل حال عزم فـيها علـى الفـيء.
وأولـى الأقوال بـالصحة فـي ذلك عندنا قول من قال: الفـيء: هو الـجماع لأن الرجل لا يكون مؤلـيا عندنا من امرأته إلا بـالـحلف علـى ترك جماعها الـمدة التـي ذكرنا للعلل التـي وصفنا قبل. فإذّ كان ذلك هو الإيلاء فـالفـيء الذي يبطل حكم الإيلاء عنه لا شك أنه غير جائز أن يكون إلا ما كان الذي آلـى علـيه خلافـا لأنه لـما جعل حكمه إن لـم يفـىء إلـى ما آلـى علـى تركه الـحكم الذي بـينه الله لهم فـي كتابه كان الفـيء إلـى ذلك معلوما أنه فعل ما آلـى علـى تركه إن أطاقه, وذلك هو الـجماع, غير أنه إذا حيـل بـينه وبـين الفـيء الذي هو الـجماع بعذر, فغير كائن تاركا جماعها علـى الـحقـيقة, لأن الـمرء إنـما يكون تاركا ماله إلـى فعله وتركه سبـيـل, فأما من لـم يكن له إلـى فعل أمر سبـيـل, فغير كائن تاركه. وإذ كان ذلك كذلك فإحداث العزم فـي نفسه علـى جماعها مـجزىء عنه فـي حال العذر, حتـى يجد السبـيـل إلـى جماعها. وإن أبدى ذلك بلسانه وأشهد علـى نفسه فـي تلك الـحال بـالأوبة والفـيء كان أعجب إلـيّ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: فإن الله غفور لكم فـيـما اجترمتـم بفـيئكم إلـيهن من الـحنث فـي الـيـمين التـي حلفتـم علـيهنّ بـالله أن لا تغشوهن, رحيـم بكم فـي تـخفـيفه عنكم كفـارة أيـمانكم التـي حلفتـم علـيهن ثم حنثتـم فـيها. ذكر من قال ذلك:
3912ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن: فَإنْ فَـاءُوا فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ قال: لا كفـارة علـيه.
3913ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن الـحسن, قال: إذا فـاء فلا كفـارة علـيه.
3914ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: حدثنا أبو عوانة, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: كانوا يرون فـي قول الله: فَإنْ فَـاءُوا فَإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ أن كفـارته فـيؤه.
وهذا التأويـل الذي ذكرنا هو التأويـل الواجب علـى قول من زعم أن كل حانث فـي يـمين هو فـي الـمقام علـيها حَرِجٌ, فلا كفـارة علـيه فـي حنثه فـيها, وإن كفـارته الـحنث فـيها. وأما علـى قول من أوجب علـى الـحانث فـي كل يـمين حلف بها برّا كان الـحنث فـيها أو غير برّ, فإن تأويـله: فإن الله غفور للـمؤلـين من نسائهم فـيـما حنثوا فـيه من إيلائهم, فإن فـاءوا فكفروا أيـمانهم بـما ألزم الله الـحانثـين فـي أيـمانهم من الكفـارة, رحيـم بهم بإسقاطه عنهم العقوبة فـي العاجل والاَجل علـى ذلك بتكفـيره إياه بـما فرض علـيهم من الـجزاء والكفـارة, وبـما جعل لهم من الـمهل الأشهر الأربعة, فلـم يجعل فـيها للـمرأة التـي آلـى منها زوجها ما جعل لها بعد الأشهر الأربعة. كما:
3915ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حبـان, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: حدثنا يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فَـاءُوا فَإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ قال: وتلك رحمة الله ملكه أمرها الأربعة الأشهر إلا من معذرة, لأن الله قال: وَاللاّتِـي تَـخافُونَ نُشُوزَهُنّ فَعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنّ فِـي الـمَضَاجِعِ.
ذكر بعض من قال: إذا فـاء الـمولـي فعلـيه الكفـارة:
3916ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـي بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ وهو الرجل يحلف لامرأته بـالله لا ينكحها, فـيتربص أربعة أشهر, فإن هو نكحها كفر يـمينه بإطعام عشرة مساكين, أو كسوتهم, أو تـحرير رقبة, فمن لـم يجد فصيام ثلاثة أيام.
3917ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي يونس, قال: ثنـي ابن شهاب, عن سعيد بن الـمسيب بنـحوه.
3918ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا حماد بن سلـمة, عن حماد, عن إبراهيـم, قال: إذا آلـى فغشيها قبل الأربعة الأشهر كفر عن يـمينه.
3919ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حبـان, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا أبو عوانة, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي النفساء يؤلـي منها زوجها, قال: هذه فـي مـحارب سئل عنها أصحاب عبد الله, فقالوا: إذا لـم يستطع كفر عن يـمينه وأشهد علـى الفـيء.
3920ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: إن فـاء فـيها كفر يـمينه وهي امرأته.
3921ـ حدثت عن عمار, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
3922ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثام, عن الأعمش, عن إبراهيـم فـي الإيلاء قال: يوقـف قبل أن تـمضي الأربعة الأشهر, فإن راجعها فهي امرأته وعلـيه يـمين يكفرها إذا حنث.
قال أبو جعفر: وهذا التأويـل الثانـي هو الصحيح عندنا فـي ذلك لـما قد بـينا من العلل فـي كتابنا «كتاب الأيـمان» من أن الـحنث موجب الكفـارة فـي كل ما ابتدىء فـيه الـحنث من الأيـمان بعد الـحلف علـى معصية كانت الـيـمين أو علـى طاعة.
الآية : 227
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنْ عَزَمُواْ الطّلاَقَ فَإِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
اختلف أهل التأويـل فـي معنى قول الله تعالـى ذكره وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فقال بعضهم: معنى ذلك: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر, فإن فـاءوا فرجعوا إلـى ما أوجب الله لهن من العشرة بـالـمعروف فـي الأشهر الأربعة التـي جعل الله لهم تربصهم عنهن وعن جماعهن وعشرتهن فـي ذلك بـالواجب, فإن الله لهم غفور رحيـم, وإن تركوا الفـيء إلـيهن فـي الأشهر الأربعة التـي جعل الله لهم التربص فـيهن حتـى ينقضين طلق منهم نساؤهم اللاتـي آلوا منهنّ بـمضيهن, ومضيهن عند قائلـي ذلك هو الدلالة علـى عزم الـمولـي علـى طلاق امرأته التـي آلـى منها.
ثم اختلف متأولو هذا التأويـل بـينهم فـي الطلاق الذي يـلـحقها بـمضيّ الأشهر الأربعة, فقال بعضهم: هو تطلـيقة بـائنة. ذكر من قال ذلك:
3923ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا مـحمد بن بشر, عن سعيد, عن قتادة, عن خلاس أو الـحسن, عن علـيّ قال: إذا مضت أربعة أشهر, فهي تطلـيقة بـائنة.
3924ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنا أبـي, عن قتادة أن علـيا وابن مسعود كانا يجعلانها تطلـيقة إذا مضت أربعة أشهر فهي أحقّ بنفسها. قال قتادة: وقول علـيّ وعبد الله أعجب إلـيّ فـي الإيلاء.
3925ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن: أن علـيا قال فـي الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر بـانت بتطلـيقة.
3926ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا معمر, عن عطاء الـخراسانـي, عن أبـي سلـمة أن عثمان بن عفـان وزيد بن ثابت كانا يقولان: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي واحدة بـائنة.
3927ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: أخبرنا عطاء الـخراسانـي, قال: سمعنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن أسأل ابن الـمسيب عن الإيلاء, فمررت به, فقال: ما قال لك ابن الـمسيب؟ فحدثته بقوله. فقال: أفلا أخبرك ما كان عثمان بن عفـان وزيد بن ثابت يقولان؟ قلت: بلـى. قال: كانا يقولان: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة وهي أحقّ بنفسها.
3928ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا الولـيد, عن الأوزاعي, عن عطاء الـخراسانـي, قال: حدثنا أبو سلـمة بن عبد الرحمن, أن عثمان بن عفـان, قال: إذا مضت أربعة أشهر من يوم آلـى فتطلـيقة بـائنة.
3929ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن معمر, أو حدثت عنه, عن عطاء الـخراسانـي, عن أبـي سلـمة عن عثمان وزيد أنهما كانا يقولان: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة بـائنة.
3930ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن منصور, عن إبراهيـم, عن عقلـمة, قال: آلـى عبد الله بن أنـيس من امرأته, فمكثت ستة أشهر, فأتـى ابن مسعود فسأله, فقال: أعلـمها أنها قد ملكت أمرها. فأتاها فأخبرها, وأصدقها رطلاً من وَرِق.
3931ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن إبراهيـم, عن عبد الله أنه كان يقول فـي الإيلاء: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطلـيقة بـائنة.
3932ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم, عن عبد الله, مثل ذلك.
3933ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن إبراهيـم, قال: آلـى عبد الله بن أنـيس من امرأته, قال: فخرج فغاب عنها ستة أشهر, ثم جاء فدخـل علـيها, فقـيـل: إنها قد بـانت منك. فأتـى عبد الله فذكر ذلك له, فقال له عبد الله: قد بـانت منك, فأتها وأعلـمها واخطبها إلـى نفسها فأتاها فأعلـمها أنها قد بـانت منه وخطبها إلـى نفسها, وأصدقها رطلاً من وَرِق.
3934ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, عن عطاء, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن ابن مسعود أنه قال فـي الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بـائنة.
3935ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: ثنـي عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر: أن رجلاً من بنـي هلال يقال له فلان ابن أنـيس أو عبد الله بن أنـيس, أراد من أهله ما يريد الرجل من أهله, فأبت, فحلف أن لا يقربها. فطرأ علـى الناس بعث من الغد, فخرج فغاب ستة أشهر, ثم قدم فأتـى أهله, ما يرى أن علـيه بأسا. فخرج إلـى القوم فحدثهم بسخطه علـى أهله حيث خرج وبرضاه عنهم حين قدم. فقال القوم: فإنها قد حرمت علـيك. فأتـى ابن مسعود فسأله عن ذلك, فقال ابن مسعود: أما علـمت أنها حرمت علـيك؟ قال لا. قال: فـانطلق فـاستأذن علـيها, فإنها ستنكر ذلك, ثم أخبرها أن يـمينك التـي كنت حلفت علـيها صارت طلاقا, وأخبرها أنها واحدة وأنها أملك بنفسها, فإن شاءت خطبتها فكانت عندك علـى ثنتـين, وإلا فهي أملك بنفسها.
3936ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن مهدي: قال: حدثنا سفـيان, عن علـيّ بن بذيـمة, عن أبـي عبـيدة, عن مسروق, عن عبد الله, قال فـي الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة بـائنة, وتعتدّ ثلاثة قروء.
3937ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور والأعمش ومغيرة, عن إبراهيـم: أن عبد الله بن أنـيس آلـى من امرأته, فمضت أربعة أشهر, ثم جامعها وهو ناس, فأتـى علقمة, فذهب به إلـى عبد الله, فقال عبد الله: بـانت منك فـاخطبها إلـى نفسها, فأصدقها رطلاً من فضة.
3938ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أيوب, وحدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا أيوب, عن أبـي قلابة: أن النعمان بن بشير آلـى من امرأته, فضرب ابن مسعود فخذه وقال: إذا مضت أربعة أشهر فـاعترفبتطلـيقة.
3939ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت داود, عن عامر أن ابن مسعود قال فـي الـمؤلـي: إذا مضت أربعة أشهر ولـم يفـىء فقد بـانت منه امرأته بواحدة وهو خاطب.
3940ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا بن مهدي, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس قال: عزم الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر.
3941ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, مثله.
3942ـ حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن عطاء, عن ابن عبـاس أنه قال فـي الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بـائنة.
3943ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا خالد بن مخـلد, عن جعفر بن برقان, عن عبد الأعلـى بن ميـمون بن مهران, عن عكرمة أنه قال: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطلـيقة بـائنة. فذكر ذلك عن ابن عبـاس.
3944ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو نعيـم, عن يزيد بن زياد بن أبـي الـجعد, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: عزيـمة الطلاق انقضاء الأربعة.
3945ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, مثله.
3946ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا ابن فضل, قال: حدثنا الأعمش, عن حبـيب, عن سعيد بن جبـير: أن أمير مكة سأله عن الـمؤلـي, فقال: كان ابن عمر يقول: إذا مضت أربعة أشهر ملكت أمرها, وكان ابن عبـاس يقول ذلك.
3947ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا حفص, عن الـحجاج, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة بـائنة.
3948ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا حفص, عن حجاج, عن سالـم الـمكي, عن ابن الـحنفـية, مثله.
3949ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا أبـي وشعيب, عن اللـيث, عن يزيد بن أبـي حبـيب عن أبـان بن صالـح, عن ابن شهاب: أن قبـيصة بن ذؤيب قال فـي الإيلاء: هي تطلـيقة بـائنة وتأتنف العدّة وهي أملك بأمرها.
3950ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبـي, عن شريح أنه أتاه رجل فقال: إنـي آلـيت من امرأتـي فمضت أربعة أشهر قبل أن أفـيء. فقال شريح: وَإِنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فَإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ لـم يزده علـيها. فأتـى مسروقا فذكر ذلك له, فقال: يرحم الله أبـا أمية لو أنا قلنا مثل ما قال لـم يفرج أحد عنه, وإنـما أتاه لـيفرج عنه. ثم قال: هي تطلـيقة بـائنة, وأنت خاطب من الـخطاب.
3951ـ حدثنا ابن الـمثنى قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن مغيرة أنه سمع الشعبـي يحدث أنه شهد شريحا وسأله رجل عن الإيلاء فقال: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهم تَربّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ الآية, قال: فقمت من عنده, فأتـيت مسروقا, فقلت: يا أبـا عائشة وأخبرته بقول شريح, فقال: يرحم الله أبـا أمية, لو أن الناس كلهم قالوا مثل هذا من كان يفرج عنا مثل هذا ثم قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بـائنة.
3952ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا أبو داود, عن جرير بن حازم, قال: قرأت فـي كتاب أبـي قلابة عند أيوب: سألت سالـم بن عبد الله وأبـا سلـمة بن عبد الرحمن فقالا: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة بـائنة.
3953ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا أبو داود, عن جرير بن حازم, عن قـيس بن سعد, عن عطاء, قال: إذا مضت أربعة أشهر, فهي تطلـيقة بـائنة, ويخطبها فـي العدّة.
3954ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا معتـمر, عن أبـيه فـي الرجل يقول لامرأته: والله لا يجمع رأسي ورأسك شيء أبدا ويحلف أن لا يقربها أبدا, فإن مضت أربعة أشهر ولـم يفـىءْ كانت تطلـيقة بـائنة وهو خاطب قول علـيّ وابن مسعود وابن عبـاس والـحسن.
3955ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن, أنه سئل عن رجل قال لامرأته: إن قربتك فأنت طالق ثلاثا, قال: فإذا مضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة بـائنة, وسقط ذلك.
3956ـ حدثنا سوار, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, وحدثنا أبو هشام, قال: حدثنا وكيع جميعا, عن يزيد بن إبراهيـم, قال: سمعت الـحسن ومـحمدا فـي الإيلاء, قالا: إذا مضت أربعة أشهر فقد بـانت بتطلـيقة بـائنة, وهو خاطب من الـخطاب.
3957ـ حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن عون, عن مـحمد, قال: كنا نتـحدث فـي الألـية أنها إذا مضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة بـائنة.
3958ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثام, عن الأعمش, عن إبراهيـم فـي الإيلاء قال: إن مضت, يعنـي أربعة أشهر بـانت منه.
3959ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن قتادة, عن النـخعي قال: إن قربها قبل الأربعة الأشهر فقد بـانت منه بثلاث, وإن تركها حتـى تـمضي الأربعة الأشهر بـانت منه بـالإيلاء فـي رجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إن قربتك سنة.
3960ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثنـي أبـي, عن قتادة, قال: أَعْتَـم عبـيد الله بن زياد عند هند فـي لـيـلة أم عثمان ابنة عمر بن عبـيد الله فلـما أتاها أمرت جواريها, فأغلقن الأبواب دونه, فحلف أن لا يأتـيها حتـى تأتـيه, فقـيـل له: إن مضت أربعة أشهر ذهبت منك.
3961ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا عوف, قال: بلغنـي أن الرجل إذا آلـى من امرأته فمضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة بـائنة, ويخطبها إن شاء.
3962ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهمْ تَرَبّصْ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فـي الذي يقسم, وإن مضت الأربعة الأشهر فقد حرمت علـيه, فتعتد عدّة الـمطلقة وهو أحد الـخطّاب.
3963ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن قبـيصة بن ذؤيب, قال: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطلـيقة بـائنة.
3964ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فَـاءُوا فَإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ وهذا فـي الرجل يؤلـي من امرأته ويقول: والله لا يجتـمع رأسي ورأسك, ولا أقربك, ولا أغشاك فكان أهل الـجاهلـية يعدّونه طلاقا, فحدّ الله لهما أربعة أشهر, فإن فـاء فـيها كفر يـمينه وهي امرأته, وإن مضت أربعة أشهر ولـم يفـىء فهي تطلـيقة بـائنة, وهي أحقّ بنفسها, وهو أحد الـخطّاب.
3965ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
3966ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ قال: كان ابن مسعود وعمر بن الـخطاب يقولان: إذا مضت أربعة أشهر فهي طالق بـائنة, وهي أحقّ بنفسها.
3967ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو وهب, عن جويبر, عن الضحاك: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ الآية, هو الذي يحلف أن لا يقرب امرأته, فإن مضت أربعة أشهر ولـم يفـيء ولـم يطلق بـانت منه بـالإيلاء, فإن رجعت إلـيه فمهر جديد, ونكاح ببـينة, ورضا من الـمؤلـي.
وقال آخرون: بل الذي يـلـحقها بـمضي الأربعة الأشهر تطلـيقة يـملك فـيها الزوج الرجعة. ذكر من قال ذلك:
3968ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا مالك, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب وأبـي بكر بن عبد الرحمن بن الـحرث بن هشام قالا: إذا آلـى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر, فواحدة وهو أملك لرجعتها.
3969ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا ابن إدريس, عن مالك, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب, قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة يـملك الرجعة.
3970ـ حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن مهديّ, قال: حدثنا سفـيان, عن إسماعيـل بن أمية, عن مكحول, قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة, يـملك الرجعة.
3971ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن أبـي بكر بن عبد الرحمن, قال: هي واحدة وهو أحقّ بها, يعنـي إذا مضت الأربعة الأشهر. وكان الزهري يفتـي بقول أبـي بكر هذا.
3972ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنا اللـيث, قال: ثنـي يونس, قال: قال ابن شهاب: حدثنـي سعيد بن الـمسيب أنه قال: إذا آلـى الرجل من امرأته فمضت الأربعة الأشهر قبل أن يفـيء فهي تطلـيقة وهو أملك بها ما كانت فـي عدتها.
3973ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, قال: حدثنا أبو يونس القويّ, قال: قال لـي سعيد بن الـمسيب: مـمن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق, قال: لعلك مـمن يقول: إذا مضت أربعة أشهر فقد بـانت؟ لا ولو مضت أربع سنـين.
3974ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا حجاج بن رشدين قال: حدثنا عبد الـجبـار بن عمر, عن ربـيعة أنه قال فـي الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطلـيقة, وتستقبل عدتها, وزوجها أحق برجعتها.
3حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: كان ابن شبرمة يقول: إذا مضت أربعة أشهر فله الرجعة ويخاصم بـالقرآن, ويتأوّل هذه الآية: وَبُعُولَتُهُنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فِـي ذَلِكَثم نزع: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فَـاءُوا فَإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فَإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ.
3975ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم, قال: قال أبو عمرو: ونـحن فـي ذلك يعنـي فـي الإيلاء علـى قول أصحابنا الزهري ومكحول أنها تطلـيقة يعنـي مضي الأربعة الأشهر وهو أملك بها فـي عدتها.
وقال آخرون: معنى قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ إلـى قوله: فَإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ للذين يؤلون علـى الاعتزال من نسائهم تنظر أربعة أشهر بأمره وأمرها, فإن فـاءوا بعد انقضاء الأشهر الأربعة إلـيهنّ, فرجعوا إلـى عشرتهن بـالـمعروف, وترك هجرانهن, وأتوا إلـى غشيانهن وجماعهن, فإن الله غفور رحيـم, وإن عزموا الطلاق فأحدثوا لهن طلاقا بعد الأشهر الأربعة, فإن الله سميع لطلاقهم إياهن, علـيـم بـما فعلوا بهن من إحسان وإساءة.
وقال متأوّلو هذا التأويـل: مضيّ الأشهر الأربعة يوجب للـمرأة الـمطالبة علـى زوجها الـمؤلـي منها بـالفـيء أو الطلاق, ويجب علـى السلطان أن يقـف الزوج علـى ذلك, فإن فـاء أو طلق, وإلا طلق علـيه السلطان. ذكر من قال ذلك:
3976ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم, قال: أخبرنا الـمثنى بن الصبـاح, عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن الـمسيب, أن عمر قال فـي الإيلاء: لا شيء علـيه حتـى يوقـف, فـيطلق أو يـمسك.
3977ـ حدثنـي عبد الله بن أحمد بن شبويه, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: حدثنا يحيى بن أيوب, عن الـمثنى, عن عمرو بن شعيب, عن سعيد بن الـمسيب, عن عمر بن الـخطاب, مثله.
3978ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا غندر, قال: حدثنا شعبة, عن سماك, قال: سمعت سعيد بن جبـير يحدّث عن عمر بن الـخطاب أنه قال فـي الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر لـم يجعله شيئا.
3979ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن الشيبـانـي, عن الشعبـي, عن عمرو بن سلـمة, عن علـيّ أنه كان يقـف الـمؤلـي بعد الأربعة الأشهر حتـى يفـيء أو يطلق.
3980ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفـيان, عن الشيبـانـي, عن الشعبـي, عن عمرو بن سلـمة, عن علـيّ قال فـي الإيلاء: يوقـف.
3981ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن الشيبـانـي, عن بكير بن الأخنس, عن مـجاهد, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن علـيّ أنه كان يقـفه.
3982ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفـيان, عن الشيبـانـي, عن بكير بن الأخنس, عن مـجاهد, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن علـيّ أنه كان يوقـفه.
3983ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد, عن مروان بن الـحكم, عن علـيّ قال: يوقـف الـمؤلـي عند انقضاء الأربعة الأشهر حتـى يفـيء أو يطلق. قال أبو كريب, قال ابن إدريس: وهو قول أهل الـمدينة.
3984ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن لـيث, عن مـجاهد, عن مروان, عن علـيّ مثله.
3985ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, عن مروان بن الـحكم, عن علـيّ, قال: الـمؤلـي إما أن يفـيء, وإما أن يطلق.
3986ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا وكيع, عن مسعر, عن حبـيب بن أبـي ثابت, عن طاوس, أن عثمان كان يقـف الـمؤلـي بقول أهل الـمدينة.
3987ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا مسعر, عن حبـيب بن أبـي ثابت, قال: لقـيت طاوسا فسألته, فقال: كان عثمان يأخذ بقول أهل الـمدينة.
3988ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا همام, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن أبـي الدرداء أنه قال: لـيس له أجل وهي معصية, يوقـف فـي الإيلاء, فإما أن يـمسك, وإما أن يطلق.
3989ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا همام, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب أن أبـا الدرداء قال فـي الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فإنه يوقـف, إما أن يفـيء, وإما أن يطلق.
3حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنا أبـي, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, أن أبـا الدرداء كان يقول: هي معصية, ولا تـحرم علـيه امرأته بعد الأربعة الأشهر, ويجعل علـيها العدة بعد الأربعة الأشهر.
3حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أن أبـا الدرداء وسعيد بن الـمسيب قالا: يوقـف عند انقضاء الأربعة الأشهر, فإما أن يفـيء, وإما أن يطلق, ولا يزال مقـيـما علـى معصية حتـى يفـيء أو يطلق.
3حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة أن أبـا الدرداء وعائشة قالا: يوقـف الـمؤلـي عند انقضاء الأربعة, فإما أن يفـيء, وإما أن يطلق.
3990ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أبـي الدرداء وسعيد بن الـمسيب, نـحوه.
3حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا الـحسن, عن ابن أبـي ملـيكة, قال: قالت عائشة: يوقـف عند انقضاء الأربعة الأشهر, فإما أن يفـيء, وإما أن يطلق. قال: قلت: أنت سمعتها؟ قال: لا تبكّتنـي.
3991ـ حدثنا إبراهيـم بن مسلـم بن عبد الله, قال: حدثنا عمران بن ميسرة, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا حسن بن الفرات بإسناده عن عائشة, مثله.
3992ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا عبد الـجبـار بن الورد, عن ابن أبـي ملـيكة, عن عائشة, مثله.
3993ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي عبـيد الله بن عمر, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبـيه, عن عائشة أنها قالت: إذا آلـى الرجل أن لا يـمسّ امرأته فمضت أربعة أشهر, فإما أن يـمسكها كما أمره الله, وإما أن يطلقها لا يوجب علـيه الذي صنع طلاقا ولا غيره.
3994ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس بن يزيد وناجية بن بكر وابن أبـي الزناد, عن أبـي الزناد, قال: أخبرنـي القاسم بن مـحمد: أن خالد بن العاص الـمخزومي كانت عنده ابنة أبـي سعيد بن هشام, وكان يحلف فـيها مرارا كثـيرة أن لا يقربها الزمان الطويـل, قال: فسمعت عائشة تقول له: ألا تتقـي الله يا ابن العاص فـي ابنة أبـي سعيد؟ أما تـحرج؟ أما تقرأ هذه الآية التـي فـي سورة البقرة؟ قال: فكأنها تؤثمه, ولا ترى أنه فـارق أهله.
3995ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن عبـيد الله, عن نافع, عن ابن عمر أنه قال فـي الـمؤلـي: لا يحلّ له إلا ما أحلّ الله له, إما أن يفـيء, وإما أن يطلق.
3996ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر, قال: أخبرنا عبد الله بن نـمير, قال: أخبرنا عبـيد الله, عن نافع, عن ابن عمر, نـحوه.
3997ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا عبـيد الله, عن نافع, عن ابن عمر, قال: لا يجوز للـمؤلـي أن لا يفعل ما أمره الله, يقول: يبـيّن رجعتها, أو يطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر يبـين رجعتها, أو يطلق قال أبو كريب: قال ابن إدريس وزاد فـيه: وراجعته فـيه, فقال قولاً معناه: إن له الرجعة.
3998ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا شعبة, عن سماك, عن سعيد بن جبـير أن عمر قال نـحوا من قول ابن عمر.
3999ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا جرير بن حازم, قال: أخبرنا نافع أن ابن عمر قال فـي الإيلاء: يوقـف عند الأربعة الأشهر.
4000ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي عبـيد الله بن عمر, عن نافع, عن ابن عمر أنه قال: إذا آلـى الرجل أن لا يـمسّ امرأته فمضت أربعة أشهر, فإما أن يـمسكها كما أمره الله, وإما أن يطلقها ولا يوجب علـيه الذي صنع طلاقا ولا غيره.
3حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن أيوب, عن سعيد بن جبـير, قال: سألت ابن عمر عن الإيلاء فقال: الأمراء يقضون بذلك.
4001ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر, قال: يوقـف الـمؤلـي بعد انقضاء الأربعة, فإما أن يطلق, وإما أن يفـيء.
3حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: حدثنا يحيى بن أيوب, عن عبـيد الله بن عمر, عن سهيـل بن أبـي صالـح, عن أبـيه, قال: سألت اثنـي عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن الرجل يؤلـي من امرأته, فكلهم يقول: لـيس علـيه شيء حتـى تـمضي الأربعة الأشهر فـيوقـف, فإن فـاء وإلا طلق.
3حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن سعيد بن الـمسيب فـي الرجل يؤلـي من امرأته قال: كان لا يرى أن تُدخـل علـيه فَرَقُه حتـى يطلق.
4002ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن داود, عن سعيد بن الـمسيب فـي الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر إنـما جعله الله وقتا لا يحلّ له أن يجاوز حتـى يفـيء أو يطلق, فإن جاوز فقد عصى الله لا تـحرُمُ علـيه امرأته.
4003ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن داود بن أبـي هند, عن سعيد بن الـمسيب, قال: إذا مضت أربعة أشهر, فإما أن يفـيء, وإما أن يطلق.
4004ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى وابن بشار قالا: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن ابن الـمسيب فـي الإيلاء: يوقـف عند انقضاء الأربعة الأشهر, فإما أن يفـيء, وإما أن يطلق.
4005ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن معمر, أو حدثته عنه, عن عطاء الـخراسانـي, قال: سألت ابن الـمسيب عن الإيلاء, فقال: يوقـف.
4006ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن الـمسيب, وعن ابن طاوس, عن أبـيه, قالا: يوقـف الـمؤلـي بعد انقضاء الأربعة, فإما أن يفـيء, وإما أن يطلق.
4007ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم, قال: ثنـي مالك بن أنس, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب وأبـي بكر بن عبد الرحمن بن الـحرث بن هشام مثل ذلك. يعنـي مثل قول عمر بن الـخطاب فـي الإيلاء: لا شيء علـيه, حتـى يوقـف, فـيطلق, أو يـمسك.
4008ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد أنه قال فـي الإيلاء: يوقـف.
4009ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح. وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ قال إذا مضى أربعة أشهر أخذ فـيوقـف حتـى يراجع أهله, أو يطلق.
4010ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن أيوب, عن سلـيـمان بن يسار: أن مروان وقـفه بعد ستة أشهر.
4011ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عمر بن عبد العزيز فـي الإيلاء, قال: يوقـف عند الأربعة الأشهر حتـى يفـيء, أو يطلق.
4012ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ عن ابن عبـاس قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ هو الرجل يحلف لامرأته بـالله لا ينكحها, فـيتربص أربعة أشهر, فإن هو نكحها كفر عن يـمينه, فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها أجبره السلطان إما أن يفـيء فـيراجع, وإما أن يعزم فـيطلق, كما قال الله سبحانه.
3حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فَـاءُوا الآية, قال: كان علـيّ وابن عبـاس يقولان: إذا آلـى الرجل من امرأته فمضت الأربعة الأشهر فإنه يوقـف فـيقال له أمسكت أو طلقت, فإن أمسك فهي امرأته, وإن طلق فهي طالق.
3حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ قال: هو الرجل يحلف أن لا يصيب امرأته كذا وكذا, فجعل الله له أربعة أشهر يتربص بها. وقال: قول الله تعالـى ذكره: تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ يتربص بها فَإنْ فَـاءُوا فإنّ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيـمٌ وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ فإذا رفعته إلـى الإمام ضرب له أجلاً أربعة أشهر, فإن فـاء وإلا طلق علـيه, فإن لـم ترفعه فإنـما هو حق لها تركته.
4013ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, عن مالك, قال: لا يقع علـى الـمؤلـي طلاق حتـى يوقـف, ولا يكون مؤلـيا حتـى يحلف علـى أكثر من أربعة أشهر, فإذا حلف علـى أربعة أشهر فلا إيلاء علـيه, لأنه يوقـف عند الأربعة أشهر, وقد سقطت عنه الـيـمين, فذهب الإيلاء.
4014ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, عن ابن زيد, قال: قال ابن عمر: حتـى يرفع إلـى السلطان, وكان أبـي يقول ذلك ويقول: لا والله وإن مضت أربع سنـين حتـى يوقـف.
4015ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا فطر, قال: قال مـحمد بن كعب القرظي وأنا معه: لو أن رجلاً آلـى من امرأته أربع سنـين لـم نكنها منه حتـى نـجمع بـينهما, فإن فـاء فـاء, وإن عزم الطلاق عزم.
4016ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا عبد العزيز الـماجشون, عن داود بن الـحصين, قال: سمعت القاسم بن مـحمد يقول: يوقـف إذا مضت الأربعة.
وقال آخرون: لـيس الإيلاء بشيء. ذكر من قال ذلك:
4017ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن عمرو بن دينار, قال: سألت ابن الـمسيب عن الإيلاء فقال: لـيس بشيء.
4018ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: ثنـي جعفر بن بـاقان, عن ميـمون بن مهران, قال: سألت ابن عمر عن رجل آلـى من امرأته فمضت أربعة أشهر فلـم يفـىء إلـيها, فتلا هذه الآية: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ... الآية.
4019ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبونعيـم, قال: حدثنا مسعر, عن حبـيب بن أبـي ثابت, قال: أرسلت إلـى عطاء أسأله عن الـمؤلـي, فقال: لا علـم لـي به.
وقال آخرون من أهل هذه الـمقالة: بل معنى قوله: وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ وإن امتنعوا من الفـيئة بعد استـيقاف الإمام إياهم علـى الفـيء أو الطلاق. ذكر من قال ذلك:
4020ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيـم, قال: يوقـف الـمؤلـي عند انقضاء الأربعة, فإن فـاء جعلها امرأته, وإن لـم يفـىءْ جعلها تطلـيقة بـائنة.
4021ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن إبراهيـم, قال: يوقـف الـمؤلـي عند انقضاء الأربعة, فإن لـم يفـىء فهي تطلـيقة بـائنة.
قال أبو جعفر: وأشبه هذه الأقوال بـما دل علـيه ظاهر كتاب الله تعالـى ذكره, قول عمر بن الـخطاب وعثمان وعلـيّ رضي الله عنهم ومن قال بقولهم فـي الطلاق: أن قوله: فإنْ فـاءُوا فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ إنـما معناه: فإن فـاءوا بعد وقـف الإمام إياهم من بعد انقضاء الأشهر الأربعة, فرجعوا إلـى أداء حق الله علـيهم لنسائهم اللاتـي آلوا منهن, فإن الله لهم غفور رحيـم, وإن عزموا الطلاق فطلقوهن, فإن الله سميع لطلاقهم إذا طلقوا, علـيـم بـما أتوا إلـيهن.
وإنـما قلنا ذلك أشبه بتأويـل الآية, لأن الله تعالـى ذكره ذكر حين قال: وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ, ومعلوم أن انقضاء الأشهر الأربعة غير مسموع, وإنـما هو معلوم, فلو كان عزم الطلاق انقضاء الأشهر الأربعة لـم تكن الآية مختومة بذكر الله الـخبر عن الله تعالـى ذكره أنه سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ كما أنه لـم يختـم الآية التـي ذكر فـيها الفـيء إلـى طاعته فـي مراجعة الـمؤلـي زوجته التـي آلـى منها وأداء حقها إلـيها بذكر الـخبر عن أنه شديد العقاب, إذ لـم يكن موضع وعيد علـى معصية, ولكنه ختـم ذلك بذكر الـخبر عن وصفه نفسه تعالـى ذكره بأنه غفور رحيـم, إذ كان موضع وعد الـمنـيب علـى إنابته إلـى طاعته, فكذلك ختـم الآية التـي فـيها ذكر القول, والكلام بصفة نفسه بأنه للكلام سميع وبـالفعل علـيـم, فقال تعالـى ذكره: وإن عزم الـمؤلون علـى نسائهم علـى طلاق من آلوا منه من نسائهم, فإن الله سميع لطلاقهم إياهن إن طلقوهن, علـيـم بـما أتوا إلـيهن مـما يحلّ لهم, ويحرم علـيهم. وقد استقصينا البـيان عن الدلالة علـى صحة هذا القول فـي كتابنا «كتاب اللطيف من البـيان عن أحكام شرائع الدين» فكرهنا إعادته فـي هذا الـموضع.
الآية : 228
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلّ لَهُنّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِيَ أَرْحَامِهِنّ إِن كُنّ يُؤْمِنّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَبُعُولَتُهُنّ أَحَقّ بِرَدّهِنّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوَاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ }
يعنـي تعالـى ذكره: والـمطلقات اللواتـي طلقن بعد ابتناء أزواجهن بهن, وإفضائهم إلـيهن إذا كن ذوات حيض وطهر, يتربصن بأنفسهن عن نكاح الأزواج ثلاثة قروء.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل القُرء الذي عناه الله بقوله: يَترَبّصْنَ بأنْفُسهِنّ ثَلاثَة قُرُوءٍ فقال بعضهم: هو الـحيض. ذكر من قال ذلك:
4022ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَالـمُطَلّقاتُ يَترَبّصْنَ بأنْفُسهِنّ ثَلاثَة قُرُوءٍ قال: حِيَض.
4023ـ حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: ثَلاثَةَ قُروءٍ أي ثلاث حيض. يقول: تعتدّ ثلاث حيض.
4024ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا همام بن يحيى, قال: سمعت قتادة فـي قوله: وَالـمُطَلّقاتُ يَترَبّصْنَ بأنْفُسهِنّ ثَلاثَة قُرُوءٍ يقول: جعل عدّة الـمطلقات ثلاث حيض, ثم نسخ منها الـمطلقة التـي طلقت قبل أن يدخـل بها زوجها, واللائي يئسن من الـمـحيض, واللائي لـم يحضن, والـحامل.
4025ـ حدثنا علـيّ بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك, قال: القروء: الـحيض.
4026ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس: وَالـمُطَلّقاتُ يَترَبّصْنَ بأنْفُسهِنّ ثَلاثَة قُرُوءٍ قال: ثلاث حيض.
4027ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا ابن جريج, قال: قال عمرو بن دينار: الأقراء الـحِيَض عن أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
4028ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن رجل سمع عكرمة قال: الأقراء: الـحيض, ولـيس بـالطهر, قال تعالـى فَطَلّقُوهُنّ لِعدّتِهِنّ ولـم يقل: «لقروئهن».
4029ـ حدثنا يحيى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: وَالـمُطَلّقاتُ يَترَبّصْنَ بأنْفُسهِنّ ثَلاثَة قُرُوءٍ قال: ثلاث حيض.
4030ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَالـمُطَلّقاتُ يَترَبّصْنَ بأنْفُسهِنّ ثَلاثَة قُرُوءٍ أما ثلاثة قروء: فثلاث حيض.
4031ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن أبـي معشر, عن إبراهيـم النـخعي أنه رُفع إلـى عمر, فقال لعبد الله بن مسعود: لتقولنّ فـيها فقال: أنت أحقّ أن تقول قال: لتقولن قال: أقول: إن زوجها أحقّ بها ما لـم تغتسل من الـحيضة الثالثة, قال: ذاك رأيـي وافقتَ ما فـي نفسي فقضى بذلك عمر.
4032ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن أبـي معشر, عن النـخعي, عن قتادة, أن عمر بن الـخطاب قال لابن مسعود, فذكر نـحوه.
4033ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن أبـي معشر, عن النـخعي, أن عمر بن الـخطاب وابن مسعود قالا: زوجها أحقّ بها ما لـم تغتسل, أو قالا: تـحلّ لها الصلاة.
4034ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد بن أبـي عروبة, قال: حدثنا مطر أن الـحسن حدثهم: أن رجلاً طلق امرأته, ووكل بذلك رجلاً من أهله, أو إنسانا من أهله, فغفل ذلك الذي وكله بذلك حتـى دخـلت امرأته فـي الـحيضة الثالثة, وقربت ماءها لتغتسل, فـانطلق الذي وكل بذلك إلـى الزوج, فأقبل الزوج وهي تريد الغسل, فقال: يا فلانة قالت: ما تشاء؟ قال: إنـي قد راجعتك. قالت: والله مالك ذلك قال: بلـى والله قال: فـارتفعا إلـى أبـي موسى الأشعري, فأخذ يـمينها بـالله الذي لا إله إلا هو إن كنت لقد اغتسلت حين ناداك؟ قالت: لا والله ما كنت فعلت, ولقد قربت مائي لأغتسل فردّها علـى زوجها, وقال: أنت أحقّ ما لـم تغتسل من الـحيضة الثالثة.
4035ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن مطر, عن الـحسن, عن أبـي موسى الأشعري بنـحوه.
4036ـ حدثنا عمران بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا يونس, عن الـحسن, قال: قال عمر: هو أحقّ بها ما لـم تغتسل من الـحيضة الثالثة.
4037ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا أبو هلال, عن قتادة, عن يونس بن جبـير: أن عمر بن الـخطاب طلق امرأته, فأرادت أن تغتسل من الـحيضة الثالثة, فقال عمر بن الـخطاب: امرأتـي وربّ الكعبة فراجعها. قال ابن بشار: فذكرت هذا الـحديث لعبد الرحمن بن مهدي, فقال: سمعت هذا الـحديث من أبـي هلال, عن قتادة, وأبو هلال لا يحتـمل هذا.
4038ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم, عن علقمة قال: كنا عند عمر بن الـخطاب, فجاءت امرأة فقالت: إن زوجي طلقنـي واحدة أو إثنتـين, فجاء وقد وضعتُ مائي, وأغلقت بـابـي, ونزعت ثـيابـي. فقال عمر لعبد الله: ما ترى؟ قال: أراها امرأته ما دون أن تـحلّ لها الصلاة. قال عمر: وأنا أرى ذلك.
4039ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن إبراهيـم, عن الأسود أنه قال فـي رجل طلق امرأته ثم تركها حتـى دخـلت فـي الـحيضة الثالثة, فأرادت أن تغتسل, ووضعت ماءها لتغتسل, فراجعها: فأجازه عمر وعبد الله بن مسعود.
4040ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة, عن الـحكم, عن إبراهيـم, عن الأسود, بـمثله, إلا أنه قال: ووضعت الـماء للغسل, فراجعها, فسأل عبد الله وعمر, فقال: هو أحقّ بها ما لـم تغتسل.
3714حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيـم, قالا: كان عمر وعبد الله يقولان: إذا طلق الرجل امرأته تطلـيقة يـملك الرجعة, فهو أحقّ بها ما لـم تغتسل من حيضتها الثالثة.
4041ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا الـمغيرة, عن إبراهيـم أن عمر بن الـخطاب كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطلـيقة أو تطلـيقتـين, فهو أحقّ برجعتها, وبـينهما الـميراث ما لـم تغتسل من الـحيضة الثالثة.
4042ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أيوب, عن الـحسن: أن رجلاً طلق امرأته تطلـيقة أو تطلـيقتـين ثم وكل بها بعض أهله, فغفل الإنسان حتـى دخـلت مغتسلها, وقربت غسلها, فأتاه فآذنه, فجاء فقال: إنـي قد راجعتك فقالت: كلا والله قال: بلـى والله قالت: كلا والله قال: بلـى والله قال: فتـحالفـا, فـارتفعا إلـى الأشعري, واستـحلفها بـالله لقد كنت اغتسلت وحلت لك الصلاة. فأبت أن تـحلف, فردّها علـيه.
4043ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: حدثنا سعيد, عن أبـي معشر, عن النـخعي, أن عمر استشار ابن مسعود فـي الذي طلق امرأته تطلـيقة أو ثنتـين, فحاضت الـحيضة الثالثة, فقال ابن مسعود: أراه أحقّ بها ما لـم تغتسل, فقال عمر: وافقت الذي فـي نفسي. فردّها علـى زوجها.
4044ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا النعمان بن راشد, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب: أن علـيا كان يقول: هو أحقّ بها ما لـم تغتسل من الـحيضة الثالثة.
4045ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن دينار, قال: سمعت سعيد بن جبـير يقول: إذا انقطع الدم فلا رجعة.
4046ـ حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيـم, قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي طاهر اعتدت ثلاث حيض سوى الـحيضة التـي طهرت منها.
4047ـ حدثنـي مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن مطر, عن عمرو بن شعيب, أن عمر سأل أبـا موسى عنها, وكان بلغه قضاؤه فـيها, فقال أبو موسى: قضيت أن زوجها أحقّ بها ما لـم تغتسل. فقال عمر: لو قضيت غير هذا لأوجعت لك رأسك.
4048ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب: أن علـيّ بن أبـي طالب قال فـي الرجل يتزوّج الـمرأة فـيطلقها تطلـيقة أو ثنتـين, قال: لزوجها الرجعة علـيها, حتـى تغتسل من الـحيضة الثالثة وتـحلّ لها الصلاة.
4049ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن زيد بن رفـيع, عن أبـي عبـيدة بن عبد الله, قال: أرسل عثمان إلـى أبـي يسأله عنها, فقال أبـي: وكيف يُفْتَـي منافق؟ فقال عثمان: أعيذك بـالله أن تكون منافقا, ونعوذ بـالله أن نسميك منافقا, ونعيذك بـالله أن يكون مثل هذا كان فـي الإسلام ثم تـموت ولـم تبـينه قال: فإنـي أرى أنه حقّ بها حتـى تغتسل من الـحيضة الثالثة وتـحلّ لها الصلاة. قال: فلا أعلـم عثمان إلا أخذ بذلك.
4050ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن أبـي قلابة, قال: وأخبرنا معمر, عن قتادة قالا: راجع رجل امرأته حين وضعت ثـيابها تريد الاغتسال فقال: قد راجعتك, فقالت: كلا فـاغتسلت. ثم خاصمها إلـى الأشعري, فردّها علـيه.
4051ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن زيد بن رفـيع, عن معبد الـجهنـي, قال: إذا غسلت الـمطلقة فرجها من الـحيضة الثالثة بـانت منه وحلت للأزواج.
4052ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن حماد, عن إبراهيـم: أن عمر بن الـخطاب رضي الله عنه قال: يحلّ لزوجها الرجعة علـيها حتـى تغتسل من الـحيضة الثالثة, ويحلّ لها الصوم.
4053ـ حدثنا مـحمد بن بشار ومـحمد بن الـمثنى, قالا: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, قال: قال علـيّ بن أبـي طالب رضي الله عنه: هو أحقّ بها ما لـم تغتسل من الـحيضة الثالثة.
4054ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن سعيد, عن دُرُسْت, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب, عن علـيّ, مثله.
وقال آخرون: بل القُرء الذي أمر الله تعالـى ذكره الـمطلقات أن يعتددن به: الطهر. ذكر من قال ذلك:
4055ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا سفـيان, عن الزهري, عن عمرة, عن عائشة, قالت: الأقراء: الأطهار.
4056ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي عبد الله بن عمر, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبـيه, عن عائشة زوج النبـي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول: الأقراء: الأطهار.
4057ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عمرة وعروة, عن عائشة قالت: إذا دخـلت الـمطلقة فـي الـحيضة الثالثة فقد بـانت من زوجها وحلت للأزواج. قال الزهري: قالت عمرة: كانت عائشة تقول: القرء: الطهر, ولـيس بـالـحيضة.
4058ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن أبـي بكر بن عبد الرحمن بن الـحارث بن هشام, مثل قول زيد وعائشة.
4059ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر, مثل قول زيد.
4060ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب وسلـيـمان بن يسار أن زيد بن ثابت قال: إذا دخـلت الـمطلقة فـي الـحيضة الثالثة فقد بـانت من زوجها وحلت للأزواج. قال معمر: وكان الزهري يفتـي بقول زيد.
4061ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: بلغنـي أن عائشة قالت: إنـما الأقراء: الأطهار.
4062ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن زيد بن ثابت, قال: إذا دخـلت فـي الـحيضة الثالثة فلا رجعة له علـيها.
4063ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ وعبد الأعلـى, عن سعيد, عن قتادة, عن ابن الـمسيب فـي رجل طلق امرأته واحدة أو إثنتـين, قال: قال زيد بن ثابت: إذا دخـلت فـي الـحيضة الثالثة فلا رجعة له علـيها. وزاد ابن أبـي عديّ قال: قال علـيّ بن أبـي طالب: هو أحقّ بها ما لـم تغتسل.
4064ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن ابن الـمسيب, عن زيد وعلـيّ, بـمثله.
4065ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي الزناد, عن سلـيـمان بن يسار عن زيد بن ثابت, قال: إذا دخـلت فـي الـحيضة الثالثة فلا ميراث لها.
4066ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية وحدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قالا جميعا: حدثنا أيوب, عن نافع, عن سلـيـمان بن يسار: أن الأحوص رجل من أشراف أهل الشام طلق امرأته تطلـيقة أو إثنتـين, فمات وهي فـي الـحيضة الثالثة, فرفعت إلـى معاوية, فلـم يوجد عنده فـيها علـم, فسأل عنها فضالة بن عبـيد ومن هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلـم يوجد عندهم فـيها علـم, فبعث معاوية راكبـا إلـى زيد بن ثابت, فقال: لا ترثه, ولو ماتت لـم يرثها. فكان ابن عمر يرى ذلك.
4067ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن سلـيـمان بن يسار أن رجلاً يقال له الأحوص من أهل الشام طلق امرأته تطلـيقة, فمات وقد دخـلت فـي الـحيضة الثالثة, فرفع إلـى معاوية, فلـم يدر ما يقول, فكتب فـيها إلـى زيد بن ثابت, فكتب إلـيه زيد: إذا دخـلت الـمطلقة فـي الـحيضة الثالثة فلا ميراث بـينهما.
4068ـ حدثنا مـحمد بن يحيى,قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن أيوب, عن نافع, عن سلـيـمان بن يسار, أن رجلاً يقال له الأحوص, فذكر نـحوه عن معاوية وزيد.
4069ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن أيوب, عن نافع, قال: قال ابن عمر: إذا دخـلت فـي الـحيضة الثالثة فلا رجعة له علـيها.
4070ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا عبـيد الله, عن نافع, عن ابن عمر أنه قال فـي الـمطلقة: إذا دخـلت فـي الـحيضة الثالثة فقد بـانت.
4071ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي عمر بن مـحمد, أن نافعا أخبره, عن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت أنهما كانا يقولان: إذا دخـلت الـمرأة فـي الدم من الـحيضة الثالثة, فإنها لا ترثه ولا يرثها, وقد برئت منه وبرىء منها.
4072ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, قال: بلغنـي, عن زيد بن ثابت قال: إذا طلقت الـمرأة, فدخـلت فـي الـحيضة الثالثة أنه لـيس بـينهما ميراث ولا رجعة.
4073ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: سمعت يحيى بن سعيد, يقول: سمعت سالـم بن عبد الله يقول مثل قول زيد بن ثابت.
4074ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: وسمعت يحيى يقول: بلغنـي عن أبـان بن عثمان أنه كان يقول ذلك.
4075ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا عبـيد الله, عن زيد بن ثابت, مثل ذلك.
4076ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا شعبة, عن عبد ربه بن سعيد, عن نافع: أن معاوية بعث إلـى زيد بن ثابت, فكتب إلـيه زيد: إذا دخـلت فـي الـحيضة الثالثة فقد بـانت. وكان ابن عمر يقوله.
4077ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يحيى بن سعيد, عن سلـيـمان وزيد بن ثابت أنهما قالا: إذا حاضت الـحيضة الثالثة فلا رجعة, ولا ميراث.
4078ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا هشام بن حسان, عن قـيس بن سعد, عن بكير بن عبد الله بن الأشج, عن زيد بن ثابت, قال: إذا طلق الرجل امرأته, فرأت الدم فـي الـحيضة الثالثة, فقد انقضت عدتها.
4079ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة عن موسى بن شداد, عن عمر بن ثابت الأنصاري, قال: كان زيد بن ثابت يقول: إذا حاضت الـمطلقة الثالثة قبل أن يراجعها زوجها فلا يـملك رجعتها.
4080ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن سعيد, عن دُرُسْت, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب, أن عائشة وزيد بن ثابت قالا: إذا دخـلت فـي الـحيضة الثالثة فلا رجعة له علـيها.
قال أبو جعفر: والقُرء فـي كلام العرب: جمعه قروء, وقد تـجمعه العرب أقراء, يقال فـي أفعل منه: أقرأت الـمرأة: إذا صارت ذات حيض وطهر, فهي تقرىء إقراء. وأصل القرء فـي كلام العرب: الوقت لـمـجيء الشيء الـمعتاد مـجيئه لوقت معلوم, ولإدبـار الشيء الـمعتاد إدبـاره لوقت معلوم, ولذلك قالت العرب: أقرأت حاجة فلان عندي, بـمعنى دنا قضاؤها, وجاء وقت قضائها وأقرأ النـجم: إذا جاء وقت أفوله, وأقرأ: إذا جاء وقت طلوعه, كما قال الشاعر:
إذَا ما الثّرَيّا وقَدْ أقْرأَتَأحَسّ السّماكانِ مِنها أُفُولاَ
وقـيـل: أقرأت الريح: إذا هبت لوقتها, كما قال الهذلـي:
شَنِئْتُ العَقْرَ عَقْرَ بنـي شَلِـيـلٍإذَا هَبّتْ لِقارِئها الرّياحُ
بـمعنى هبت لوقتها وحين هبوبها. ولذلك سمى بعض العرب وقت مـجيء الـحيض قرءا, إذا كان دما يعتاد طهوره من فرج الـمرأة فـي وقت, وكمونه فـي آخر, فسمي وقت مـجيئه قرءا, كما سمى الذين سموا وقت مـجيء الريح لوقتها قرءا, ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لفـاطمة بنت أبـي حبـيش: «دَعِي الصّلاةَ أيّامَ أقْرائِكِ» بـمعنى: دعي الصلاة أيام إقبـال حيضك. وسمى آخرون من العرب وقت مـجيء الطهر قرءا, إذ كان وقت مـجيئه وقتا لإدبـار الدم دم الـحيض, وإقبـال الطهر الـمعتاد مـجيئه لوقت معلوم, فقال فـي ذلك الأعشى ميـمون بن قـيس:
وفـي كُلّ عامٍ أنْتَ جاشِمُ غَزْوَةٍتَشُدّ لأقصَاها عَزِيـمَ عَزائِكا
مُوَرّثَةٍ مالاً وفـي الذّكْرِ رِفعَةًلـمَا ضاعَ فـيها مِنْ قُرُوءِ نسائِكا
فجعل القرء: وقت الطهر. ولـما وصفنا من معنى القرء أشكل تأويـل قول الله: وَالـمُطَلّقاتُ يَترَبّصْنَ بأنْفُسهِنّ ثَلاثَة قُرُوءٍ علـى أهل التأويـل, فرأى بعضهم أن الذي أمرت به الـمرأة الـمطلقة ذات الأقراء من الأقراء أقراء الـحيض, وذلك وقت مـجيئه لعادته التـي تـجيء فـيه, فأوجب علـيها تربص ثلاث حيض بنفسها عن خطبة الأزواج. ورأى آخرون أن الذي أمرت به من ذلك إنـما هو أقراء الطهر, وذلك وقت مـجيئه لعادته التـي تـجيء فـيه, فأوجب علـيها تربص ثلاث أطهار. فإذ كان معنى القرء ما وصفنا لـما بـينا, وكان الله تعالـى ذكره قد أمر الـمريد بطلاق امرأته أن لا يطلقها إلا طاهرا غير مـجامعة, وحرم علـيه طلاقها حائضا, كان اللازم للـمطلقة الـمدخول بها إذا كانت ذات أقراء تربص أوقات مـحدودة الـمبلغ بنفسها عقـيب طلاق زوجها إياها أن تنظر إلـى ثلاثة قروء بـين طهري كل قرء منهنّ قرء, هو خلاف ما احتسبته لنفسها قروءا تتربصهن. فإذا انقضين, فقد حلت للأزواج, وانقضت عدتها وذلك أنها إذا فعلت ذلك, فقد دخـلت فـي عداد من تربص من الـمطلقات بنفسها ثلاثة قروء بـين طهري كل قرء منهنّ قرء له مخالف, وإذا فعلت ذلك كانت مؤدية ما ألزمها ربها تعالـى ذكره بظاهر تنزيـله. فقد تبـين إذا إذ كان الأمر علـى ما وصفنا أن القرء الثالث من أقرائها علـى ما بـينا الطهر الثالث, وأن بـانقضائه ومـجيء قرء الـحيض الذي يتلوه انقضاء عدتها.
فإن ظنّ ذو غبـاوة إذ كنا قد نسمي وقت مـجيء الطهر قرءا, ووقت مـجيء الـحيض قرءا أنه يـلزمنا أن نـجعل عدة الـمرأة منقضية بـانقضاء الطهر الثانـي, إذ كان الطهر الذي طلقها فـيه, والـحيضة التـي بعده, والطهر الذي يتلوها أقراء كلها فقد ظن جهلاً, وذلك أن الـحكم عندنا فـي كل ما أنزله الله فـي كتابه علـى ما احتـمله ظاهر التنزيـل ما لـم يبـين الله تعالـى ذكره لعبـاده, أن مراده منه الـخصوص, إما بتنزيـل فـي كتابه, أو علـى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا خصّ منه البعض, كان الذي خص من ذلك غير داخـل فـي الـجملة التـي أوجب الـحكم بها, وكان سائرها علـى عمومها, كما قد بـينا فـي كتابنا: «كتاب لطيف القول من البـيان عن أصول الأحكام» وغيره من كتبنا.
فـالأقراء التـي هي أقراء الـحيض بـين طهري أقراء الطهر غير مـحتسبة من أقراء الـمتربصة بنفسها بعد الطلاق لإجماع الـجميع من أهل الإسلام أن الأقراء التـي أوجب الله علـيها تربصهن ثلاثة قروء, بـين كل قرء منهن أوقات مخالفـات الـمعنى لأقرائها التـي تربصهن, وإذ كن مستـحقات عندنا اسم أقراء, فإن ذلك من إجماع الـجميع لـم يجز لها التربص إلا علـى ما وصفنا قبل.
وفـي هذه الآية دلـيـل واضح علـى خطأ قول من قال: إن امرأة الـمولـي التـي آلَـى منها تـحلّ للأزواج بـانقضاء الأشهر الأربعة إذا كانت قد حاضت ثلاث حيض فـي الأشهر الأربعة لأن الله تعالـى ذكره إنـما أوجب علـيها العدة بعد عزم الـمولـي علـى طلاقها, وإيقاع الطلاق بها بقوله: وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ وَالـمُطَلّقاتُ يَترَبّصْنَ بأنْفُسهِنّ ثَلاثَة قُرُوءٍ فأوجب تعالـى ذكره علـى الـمرأة إذا صارت مطلقة تربص ثلاثة قروء, فمعلوم أنها لـم تكن مطلقة يوم آلـى منها زوجها لإجماع الـجميع علـى أن الإيلاء لـيس بطلاق موجب علـى الـمولَـى منها العدة.
وإذ كان ذلك كذلك, فـالعدة إنـما تلزمها بعد الطلاق, والطلاق إنـما يـلـحقها بـما قد بـيناه قبل.
وأما معنى قوله: وَالـمُطَلّقاتُ فإنه: والـمخـلـيات السبـيـل غير مـمنوعات بأزواج ولا مخطوبـات, وقول القائل: فلانة مطلقة, إنـما هو مُفعّلة من قول القائل: طلق الرجل زوجته فهي مطلقة وأما قولهم: هي طالق, فمن قولهم: طلقها زوجها فطلقت هي, وهي تَطْلُق طلاقا, وهي طالق. وقد حكي عن بعض أحياء العرب أنها تقول: طَلَقت الـمرأة وإنـما قـيـل ذلك لها إذا خلاها زوجها, كما يقال للنعجة الـمهملة بغير راع ولا كالـىء إذا خرجت وحدها من أهلها للرعي مخلاة سبـيـلها: هي طالق فمثلت الـمرأة الـمخلاة سبـيـلها بها, وسميت بـما سميت به النعجة التـي وصفنا أمرها. وأما قولهم: طُلِقَت الـمرأة, فمعنى غير هذا إنـما يقال فـي هذا إذا نفست, هذا من الطلق, والأول من الطلاق. وقد بـينا أن التربص إنـما هو التوقـف عن النكاح, وحبس النفس عنه فـي غير هذا الـموضع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ مَا خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهِنّ إنْ كُنّ يُؤمِنّ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: تأويـله: ولا يحلّ لهنّ, يعنـي للـمطلقات أن يكتـمن ما خـلق الله فـي أرحامهن من الـحيض إذا طلقن, حرم علـيهنّ أن يكتـمن أزواجهنّ الذين طلقوهن فـي الطلاق الذي علـيهم لهن فـيه رجعة يبتغين بذلك إبطال حقوقهم من الرجعة علـيهن. ذكر من قال ذلك:
4081ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, عن يونس, عن ابن شهاب, قال: قال الله تعالـى ذكره: وَالـمُطَلّقاتُ يَترَبّصْنَ بأنْفُسهِنّ ثَلاثَة قُرُوءٍ إلـى قوله: وللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ واللّهُ عَزِيزٌ حَكِيـمٌ قال: بلغنا أن ما خـلق فـي أرحامهن الـحمل, وبلغنا أنه الـحيضة, فلا يحلّ لهنّ أن يكتـمن ذلك لتنقضي العدة ولا يـملك الرجعة إذا كانت له.
4082ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ مَا خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهِنّ قال: الـحيض.
4083ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ مَا خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهِنّ قال: أكثر ذلك الـحيض.
4084ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت مطرفـا, عن الـحكم, قال: قال إبراهيـم فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ مَا خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهِنّ قال: الـحيض.
4085ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا خالد الـحذاء, عن عكرمة فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ مَا خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهِنّ قال: الـحيض. ثم قال خالد: الدم.
وقال آخرون: هو الـحيض, غير أن الذي حرّم الله تعالـى ذكره علـيها كتـمانه فـيـما خـلق فـي رحمها من ذلك هو أن تقول لزوجها الـمطلق وقد أراد رجعتها قبل الـحيضة الثالثة: قد حضت الـحيضة الثالثة كاذبة, لتبطل حقه بقـيـلها البـاطل فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:
4086ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عبـيدة بن مُعَتّب, عن إبراهيـم فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ مَا خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهِنّ قال: الـحيض الـمرأة تعتد قرءين, ثم يريد زوجها أن يراجعها, فتقول: قد حضت الثالثة.
4087ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ مَا خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهِنّ قال: أكثر ما عنـي به الـحيض.
وقال آخرون: بل الـمعنى الذي نهيت عن كتـمانه زوجها الـمطلق الـحبل والـحيض جميعا. ذكر من قال ذلك:
4088ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا الأشعث, عن نافع, عن ابن عمر: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ من الـحيض والـحمل, لا يحلّ لها إن كانت حائضا أن تكتـم حيضها, ولا يحلّ لها إن كانت حاملاً أن تكتـم حملها.
4089ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن ادريس, قال: سمعت مطرفـا, عن الـحكم, عن مـجاهد فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ قال: الـحمل والـحيض.. قال: ابن كريب: قال ابن إدريس: هذا أول حديث سمعته من طرف.
4090ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن مطرف, عن الـحكم, عن مـجاهد, مثله, إلا أنه قال: الـحبل.
4091ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاري, قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري, عن لـيث, عن مـجاهد فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّقال: من الـحيض والولد.
4092ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مسلـم بن خالد الزنـجي, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّقال: من الـحيض والولد.
4093ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى ذكره: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ قال: لا يحلّ للـمطلقة أن تقول إنـي حائض ولـيست بحائض, ولا تقول: إنـي حبلـى ولـيست بحبلـى, ولا تقول: لست بحبلـى وهي بحبلـى.
4094ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
4095ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن الـحجاج, عن مـجاهد, قال: الـحيض والـحبل, قال: تفسير أن لا تقول إنـي حائض ولـيست بحائض, ولا لـيست بحائض وهي حائض, ولا أنـي حبلـى ولـيست بحبلـى, ولا لست بحبلـى وهي حبلـى.
4096ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن الـحجاج, عن القاسم بن نافع, عن مـجاهد نـحو هذا التفسير فـي هذه الآية.
4097ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله, وزاد فـيه: قال: وذلك كله فـي بغض الـمرأة زوجها وحبه.
4098ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ يقول: لا يحلّ لهن أن يكتـمن ما خـلق الله فـي أرحامهن من الـحيض والـحبل, لا يحلّ لها أن تقول: إنـي قد حضت ولـم تـحض, ولا يحلّ أن تقول: إنـي لـم أحض وقد حاضت, ولا يحلّ لها أن تقول: إنـي حبلـى ولـيست بحبلـى, ولا أن تقول: لست بحبلـى وهي حبلـى.
4099ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ الآية, قال: لا يكتـمن الـحيض ولا الولد, ولا يحلّ لها أن تكتـمه وهو لا يعلـم متـى تـحلّ لئلا يرتـجعها مضارة.
4100ـ حدثنـي يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ يعنـي الولد, قال: الـحيض والولد هو الذي اؤتـمن علـيه النساء.
وقال آخرون: بل عنى بذلك الـحبل. ثم اختلف قائلو ذلك فـي السبب الذي من أجله نهيت عن كتـمان ذلك الرجل, فقال بعضهم: نهيت عن ذلك لئلا تبطل حقّ الزوج من الرجعة إذا أراد رجعتها قبل وضعها وحملها. ذكر من قال ذلك:
4101ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن قبـاث بن رزين, عن علـيّ بن ربـاح أنه حدثه أن عمر بن الـخطاب قال لرجل: اتل هذه الآية فتلا. فقال: إن فلانة مـمن يكتـمن ما خـلق الله فـي أرحامهن. وكانت طلقت وهي حبلـى, فكتـمت حتـى وضعت.
4102ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قال: إذا طلق الرجل امرأته تطلـيقة أو تطلـيقتـين وهي حامل, فهو أحقّ برجعتها ما لـم تضع حملها, وهو قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ إنْ كُنّ يُوءْمِنّ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ.
4103ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول: الطلاق مرّتان بـينهما رجعة, فإن بدا له أن يطلقها بعد هاتـين فهي ثالثة, وإن طلّقها ثلاثا فقد حرمت علـيه حتـى تنكح زوجا غيره. إنـما اللاتـي ذكرن فـي القرآن: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ إنْ كُنّ يُوءْمِنّ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ وَبُعُولَتُهُنّ أحَقّ برَدّهِنّ هي التـي طلقت واحدة أو ثنتـين, ثم كتـمت حملها لكي تنـجو من زوجها, فأما إذا بت الثلاث تطلـيقات فلا رجعة له علـيها حتـى تنكح زوجا غيره.
وقال آخرون: السبب الذي من أجله نهين عن كتـمان ذلك أنهن فـي الـجاهلـية كنّ يكتـمنه أزواجهنّ خوف مراجعتهم إياهن حتـى يتزوّجن غيرهم, فـيُـلـحق نَسَبُ الـحمل الذي هو من الزوج الـمطلّق بـمن تزوجته فحرّم الله ذلك علـيهن. ذكر من قال ذلك:
4104ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا سويد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ قال: كانت الـمرأة إذا طلقت كتـمت ما فـي بطنها وحملها لتذهب بـالولد إلـى غير أبـيه, فكره الله ذلك لهن.
4105ـ حدثنـي مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ قال: علـم الله أن منهن كواتـم يكتـمن الولد, وكان أهل الـجاهلـية كان الرجل يطلق امرأته وهي حامل, فتكتـم الولد وتذهب به إلـى غيره, وتكتـم مخافة الرجعة, فنهى الله عن ذلك, وقدّم فـيه.
4106ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ قال: كانت الـمرأة تكتـم حملها حتـى تـجعله لرجل آخر منها.
وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله نهين عن كتـمان ذلك, هو أن الرجل كان إذا أراد طلاق امرأته سألها هل بها حمل لكيلا يطلقها, وهي حامل منه للضرر الذي يـلـحقه وولده فـي فراقها إن فـارقها, فأمرن بـالصدق فـي ذلك ونهين عن الكذب. ذكر من قال ذلك:
4107ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ فـالرجل يريد أن يطلق امرأته فـيسألها: هل بك حمل؟ فتكتـمه إرادة أن تفـارقه, فـيطلقها وقد كتـمته حتـى تضع. وإذا علـم بذلك فإنها تردّ إلـيه عقوبة لـما كتـمته, وزوجها أحقّ برجعتها صاغرة.
وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الآية قول من قال: الذي نهيت الـمرأة الـمطلقة عن كتـمانه زوجها الـمطلقها تطلـيقة أو تطلـيقتـين مـما خـلق الله فـي رحمها الـحيض والـحبل لأنه لا خلاف بـين الـجميع أن العدة تنقضي بوضع الولد الذي خـلق الله فـي رحمها كما تنقضي بـالدم إذا رأته بعد الطهر الثالث فـي قول من قال: القرء: الطهر, وفـي قول من قال: هو الـحيض إذا انقطع من الـحيضة الثالثة فتطهرت بـالاغتسال. فإذا كان ذلك كذلك, وكان الله تعالـى ذكره إنـما حرم علـيهن كتـمان الـمطلق الذي وصفنا أمره ما يكون بكتـمانهن إياه بُطولُ حقه الذي جعله الله له بعد الطلاق علـيهن إلـى انقضاء عددهن, وكان ذلك الـحق يبطل بوضعهن ما فـي بطونهن إن كنّ حوامل, وبـانقضاء الأقرار الثلاثة إن كنّ غير حوامل, علـم أنهنّ منهيات عن كتـمان أزواجهنّ الـمطلقـين من كل واحد منهما أعنـي من الـحيض والـحبل مثل الذي هنّ منهيات عنه من الاَخر, وأن لا معنى لـخصوص من خص بأن الـمراد بـالآية من ذلك أحدهما دون الاَخر, إذا كان جميع مـما خـلق الله فـي أرحامهن, وأن فـي كل واحدة منهما من معنى بطول حق الزوج بـانتهائه إلـى غاية مثل ما فـي الاَخر. ويسأل من خص ذلك فجعله لأحد الـمعنـيـين دون الاَخر عن البرهان علـى صحة دعواه من أصل أو حجة يجب التسلـيـم لها, ثم يعكس علـيه القول فـي ذلك, فلن يقول فـي أحدهما قولاً إلا ألزم فـي الاَخر مثله.
وأما الذي قاله السدي من أنه معنـي به نهي النساء كتـمان أزواجهن الـحبل عند إرادتهم طلاقهن, فقول لـما يدل علـيه ظاهر التنزيـل مخالف, وذلك أن الله تعالـى ذكره قال: وَالـمُطَلّقاتُ يَتَرَبَصْنَ بأنْفُسِهنّ ثَلاثَةَ قُرُوء وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ بـمعنى: ولا يحل أن يكتـمن ما خـلق الله فـي أرحامهن من الثلاثة القروء إن كن يؤمن بـالله والـيوم الاَخر. وذلك أن الله تعالـى ذكره ذكر تـحريـم ذلك علـيهن بعد وصفه إياهن بـما وصفهن به من فراق أزواجهن بـالطلاق, وإعلامهن ما يـلزمهن من التربص معرّفـا لهن بذلك ما يحرم علـيهن وما يحلّ, وما يـلزمهن من العدة ويجب علـيهن فـيها, فكان مـما عرّفهن أن من الواجب علـيهن أن لا يكتـمن أزواجهن الـحيض والـحبل الذي يكون بوضع هذا وانقضاء هذا إلـى نهاية مـحدودة انقطاع حقوق أزواجهن ضرار منهن لهم, فكان نهيه عما نهاهن عنه من ذلك بأن يكون من صفة ما يـلـيه قبله ويتلوه بعده, أولـى من أن يكون من صفة ما لـم يجر له ذكر قبله.
فإن قال قائل: ما معنى قوله: إنْ كُنّ يُوءْمِنّ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِر أو يحلّ لهن كتـمان ذلك أزواجهن إن كنّ لا يؤمنّ بـالله ولا بـالـيوم الاَخر حتـى خص النهي عن ذلك الـمؤمنات بـالله والـيوم الاَخر؟ قـيـل: معنى ذلك علـى غير ما ذهبت إلـيه, وإنـما معناه: أن كتـمان الـمرأة الـمطلقة زوجها الـمطلقها ما خـلق الله تعالـى فـي رحمها من حيض وولد فـي أيام عدتها من طلاقه ضرارا له لـيس من فعل من يؤمن بـالله والـيوم الاَخر ولا من أخلاقه, وإنـما ذلك من فعل من لا يؤمن بـالله ولا بـالـيوم الاَخر وأخلاقهن من النساء الكوافر فلا تتـخـلقن أيتها الـمؤمنات بأخلاقهن, فإن ذلك لا يحل لكن إن كنتن تؤمن بـالله والـيوم الاَخر وكنتنّ من الـمسلـمات لا أن الـمؤمنات هن الـمخصوصات بتـحريـم ذلك علـيهنّ دون الكوافر, بل الواجب علـى كل من لزمته فرائض الله من النساء اللواتـي لهن أقراء إذا طلقت بعد الدخول بها فـي عدتها أن لا تكتـم زوجها ما خـلق الله فـي رحمها من الـحيض والـحبل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ إنْ أَرادُوا إصْلاَحا. والبعولة جمع بعل: وهو الزوج للـمرأة, ومنه قول جرير:
أعِدّوا مَعَ الـحَلْـيِ الـملاَبَ فإنّـمَاجَرِيرٌ لَكُمْ بَعْلٌ وأنْتُـمْ حَلائِلُهْ
وقد يجمع البعل والبعول, كما يجمع الفحل والفحول والفحولة, والذكر الذكور والذكورة. وكذلك ما كان علـى مثال «فعول» من الـجمع, فإن العرب كثـيرا ما تدخـل فـيه الهاء, فإما ما كان منها علـى مثال «فِعال» فقلـيـل فـي كلامهم دخول الهاء فـيه, وقد حكي عنهم العظام والعظامة, ومنه قول الراجر:
()(ثم دَفنْتَ الفَرْثَ والْعِظامَة )
وقد قـيـل: الـحجارة والـحجار, والـمهارة والـمهار, والذكارة والذكار, للذكور.
وأما تأويـل الكلام, فإنه: أزواج الـمطلقات اللاتـي فرضنا علـيهنّ أن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء, وحرمنا عيـلهنّ أن يكتـمن ما خـلق الله فـي أرحامهن, أحق وأولـى بردّهن إلـى أنفسهم فـي حال تربصهن إلـى الأقراء الثلاثة, وأيام الـحبل, وارتـجاعهن إلـى حبـالهن منهم بأنفسهن أن يـمنعهن من أنفسهن ذلك كما:
4108ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ إنْ أَرادُوا إصْلاَحا يقول: إذ طلق الرجل امرأته تطلـيقة أو ثنتـين, وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لـم تضع.
4109ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ قال: فـي العدة.
4110ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, عن يزيد النـحوي, عن عكرمة والـحسن البصري, قالا: قال الله تعالـى ذكره: وَالـمُطَلّقاتُ يَتَرَبَصْنَ بأنْفُسِهنّ ثَلاثَةَ قُرُوء وَلا يَحِلّ لَهُنّ أنْ يَكْتُـمْنَ ما خَـلَقَ اللّهُ فِـي أرْحامِهنّ إنْ كُنّ يُوءْمِنّ بـاللّهِ وَالـيَومِ الاَخِرِ وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ إنْ أَرادُوا إصْلاَحا وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته كان أحقّ برجعتها وإن طلقها ثلاثا, فنسخ ذلك فقال: الطّلاقُ مَرّتَانِ... الآية.
4111ـ حدثنا موسى بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ فـي عدتهن.
4112ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
4113ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: فـي العدة.
4114ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ أي فـي القروء فـي الثلاث حيض, أو ثلاثة أشهر, أو كانت حاملاً, فإذا طلقها زوجها واحدة أو اثنتـين راجعها إن شاء ما كانت فـي عدتها.
4115ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ قال: كانت الـمرأة تكتـم حملها حتـى تـجعله لرجل آخر, فنهاهن الله عن ذلك وقال: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ قال قتادة: أحقّ برجعتهن فـي العدة.
4116ـ حديث عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ يقول: فـي العدة ما لـم يطلقها ثلاثا.
4117ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ يقول: أحقّ برجعتها صاغرة عقوبة لـما كتـمت زوجها من الـحمل.
4118ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ أحقّ برجعتهن ما لـم تنقض العدة.
4119ـ حدثنـي يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ قال: ما كانت فـي العدة إذا أراد الـمراجعة.
فإن قال لنا قائل: فما لزوج طلق واحدة أو اثنتـين بعد الإفضاء إلـيها علـيها رجعة فـي أقرائها الثلاثة, إلا أن يكون مريدا بـالرجعة إصلاح أمرها وأمره؟ قـيـل: أما فـيـما بـينه وبـين الله تعالـى فغير جائز إذا أراد ضرارها بـالرجعة لا إصلاح أمرها وأمره مراجعتها. وأما فـي الـحكم فإنه مقضيّ له علـيها بـالرجعة نظير ما حكمنا علـيه ببطول رجعته علـيها لو كتـمته حملها الذي خـلقه الله فـي رحمها أو حيضها حتـى انقضت عدتها ضرارا منها له, وقد نهى الله عن كتـمانه ذلك, فكان سواء فـي الـحكم فـي بطول رجعة زوجها علـيها وقد أثمت فـي كتـمانها إياه ما كتـمته من ذلك حتـى انقضت عدتها هي والتـي أطاعت الله بتركها كتـمان ذلك منه, وإن اختلفـا فـي طاعة الله فـي ذلك ومعصيته, فكذلك الـمراجع زوجته الـمطلقة واحدة أو ثنتـين بعد الإفضاء إلـيها وهما حران, وإن أراد ضرار الـمراجعة برجعته فمـحكوم له بـالرجعة وإن كان آثما برأيه فـي فعله ومقدما علـى ما لـم يبحه الله له, والله ولّـي مـجازاته فـيـما أتـى من ذلك. فأما العبـاد فإنهم غير جائز لهم الـحول بـينه وبـين امرأته التـي راجعها بحكم الله تعالـى ذكره له بأنها حينئذ زوجته, فإن حاول ضرارها بعد الـمراجعة بغير الـحقّ الذي جعله الله له أخذ لها الـحقوق التـي ألزم الله تعالـى ذكره الأزواج للزوجات حتـى يعدو ضرر ما أراد من ذلك علـيه دونها, وفـي قوله: وَبُعُولَتُهنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فـي ذَلِكَ أبـين الدلالة علـى صحة قول من قال: إنّ الـمؤلـي إذا عزم الطلاق فطلق امرأته التـي آلـى منها أن له علـيها الرجعة فـي طلاقه ذلك, وعلـى فساد قول من قال: إن مضّي الأشهر الأربعة عزم الطلاق, وأنه تطلـيقه بـائنة, لأن الله تعالـى ذكره إنـما أعلـم عبـاده ما يـلزمهم إذا آلوا من نسائهم وما يـلزم النساء من الأحكام فـي هذه الآية بإيلاء الرجال وطلاقهم, إذا عزموا ذلك وتركوا الفـيء.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ولَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَـيْهِنّ بـالْـمَعْرُوفِ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: تأويـله: ولهنّ من حسن الصحبة والعشرة بـالـمعروف علـى أزواجهن مثل الذي علـيهنّ لهم من الطاعة فـيـما أوجب الله تعالـى ذكره له علـيها. ذكر من قال ذلك:
4120ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو عاصم, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَـيْهِنّ بـالـمَعْرُوف قال: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهنّ, فعلـيه أن يحسن صحبتها, ويكف عنها أذاه, وينفق علـيها من سعته.
4121ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: ولَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَـيْهِنّ بـالـمَعْرُوفِ قال: يتقون الله فـيهنّ كما علـيهنّ أن يتقـين الله فـيهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولهنّ علـى أزواجهن من التصنع والـمواتاة مثل الذي علـيهنّ لهم فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:
4122ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن بشير بن سلـمان, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: إنـي أحبّ أن أتزين للـمرأة, كما أحبّ أن تتزين لـي لأن الله تعالـى ذكره بقول: وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَـيْهِن بـالـمَعْرُوفِ.
والذي هو أولـى بتأويـل الآية عندي: وللـمطلقات واحدة أو ثنتـين بعد الإفضاء إلـيهنّ علـى بعولتهن أن لا يراجعوهنّ ضرارا فـي أقرائهن الثلاثة إذا أرادوا رجعتهن فـيه إلا أن يريدوا إصلاح أمرهن وأمرهم فلا يراجعوهن ضرارا, كما علـيهنّ لهم إذا أرادوا رجعتهنّ فـيهنّ أن لا يكتـمن ما خـلق الله فـي أرحامهن من الولد ودم الـحيض ضرارا منهنّ لهم لَـيُفْتنَهُم بأنفسهنّ, ذلك أن الله تعالـى ذكره نهى الـمطلقات عن كتـمان أزواجهن فـي أقرائهنّ ما خـلق الله فـي أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ بـالله والـيوم الاَخر, وجعل أزواجهنّ أحقّ بردّهنّ فـي ذلك إن أرادوا إصلاحا, فحرّم الله علـى كل واحد منهما مضارّة صاحبه, وعرّف كل واحد منهما ما له وما علـيه من ذلك, ثم عقب ذلك بقوله: ولَهُنّ مِثْلَ الّذِي عَلَـيْهِنّ بـالـمَعْرُوفِ فبـين أن الذي علـى كل واحد منهما لصاحبه من ترك مضارته مثل الذي له علـى صاحبه من ذلك.
فهذا التأويـل هو أشبه بدلالة ظاهر التنزيـل من غيره, وقد يحتـمل أن يكون كل ما علـى كل واحد منها لصاحبه داخلاً فـي ذلك, وإن كانت الآية نزلت فـيـما وصفنا, لأن الله تعالـى ذكره قد جعل لكل واحد منهما علـى الاَخر حقا, فلكل واحد منهما علـى الاَخر من أداء حقه إلـيه مثل الذي علـيه له, فـيدخـل حينئذ فـي الآية ما قاله الضحاك وابن عبـاس وغير ذلك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَللِرّجال عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى الدرجة التـي جعل الله للرجال علـى النساء الفضل الذي فضلهم الله علـيهن فـي الـميراث والـجهاد وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك:
4123ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَللِرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ قال: فضل ما فضله الله به علـيها من الـجهاد, وفضل ميراثه, وكل ما فُضّل به علـيها.
4124ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
4125ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر: عن قتادة: وَللِرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ قال: للرجال درجة فـي الفضل علـى النساء.
وقال آخرون: بل تلك الدرجة: الإمرة والطاعة. ذكر من قال ذلك:
4126ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن زيد بن أسلـم فـي قوله: وَللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ قال: إمارة.
4127ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ قال: طاعة قال: يطعن الأزواج الرجال, ولـيس الرجال يطيعونهنّ.
3حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أزهر, عن ابن عون, عن مـحمد فـي قوله: وَللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ قال: لا أعلـم إلا أن لهنّ مثل الذي علـيهنّ إذا عرفن تلك الدرجة.
وقال آخرون: تلك الدرجة له علـيها بـما ساق إلـيها من الصداق, وإنها إذا قذفته حُدّت, وإذا قذفها لاعن. ذكر من قال ذلك:
4128ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عبـيدة, عن الشعبـي فـي قوله: وَللرّجال عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ قال: بـما أعطاها من صداقها, وأنه إذا قذفها لاعنها, وإذا قذفته جلدت وأقرّت عنده.
وقال آخرون: تلك الدرجة التـي له علـيها إفضاله علـيها وأداء حقها إلـيها, وصفحه عن الواجب له علـيها, أو عن بعضه. ذكر من قال ذلك:
4129ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن بشير بن سلـمان, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: ما أحبّ أن أستنظف جميع حقـي علـيها, لأن الله تعالـى ذكره يقول: وَللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ.
وقال آخرون: بل تلك الدرجة التـي له علـيها أن جعل له لـحية وحرمها ذلك. ذكر من قال ذلك:
4130ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي, قال: حدثنا عبـيد بن الصبـاح, قال: حدثنا حميد, قال: وَللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ قال: لـحية.
وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الآية ما قاله ابن عبـاس, وهو أن الدرجة التـي ذكر الله تعالـى ذكره فـي هذا الـموضع الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب علـيها, وإغضاؤه لها عنه, وأداء كل الواجب لها علـيه, وذلك أن الله تعالـى ذكره قال: وَللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ عقـيب قوله: وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَـيْهُنّ بـالـمَعْرُوف فأخبر تعالـى ذكره أن علـى الرجل من ترك ضرارها فـي مراجعته إياها فـي أقرائها الثلاثة وفـي غير ذلك من أمورها وحقوقها, مثل الذي له علـيها من ترك ضراره فـي كتـمانها إياه ما خـلق الله فـي أرحامهن وغير ذلك من حقوقه. ثم ندب الرجال إلـى الأخذ علـيهنّ بـالفضل إذا تركن أداء بعض ما أوجب الله لهم علـيهنّ, فقال تعالـى ذكره: وَللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ بتفضلهم علـيهن, وصفحهم لهنّ عن بعض الواجب لهم علـيهنّ, وهذا هو الـمعنى الذي قصده ابن عبـاس بقوله: ما أحبّ أن أستنظف جميع حقـي علـيها لأن الله تعالـى ذكره يقول: وَللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ. ومعنى الدرجة: الرتبة والـمنزلة, وهذا القول من الله تعالـى ذكره, وإن كان ظاهره ظاهر الـخبر, فمعناه معنى ندب الرجال إلـى الأخذ علـى النساء بـالفضل لـيكون لهم علـيهنّ فضل درجة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاللّهُ عَزيزٌ حَكِيـمٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: والله عزيز فـي انتقامه مـمن خالف أمره, وتعدّى حدوده, فأتـى النساء فـي الـمـحيض, وجعل الله عرضة لأيـمانه أن يبرّ ويتقـي, ويصلـح بـين الناس, وعضل امرأته بإيلائه, وضارّها فـي مراجعته بعد طلاقه, ولـمن كتـم من النساء ما خـلق الله فـي أرحامهنّ أزواجهنّ, ونكحن فـي عددهنّ, وتركن التربص بأنفسهنّ إلـى الوقت الذي حدّه الله لهنّ, وركبن غير ذلك من معاصيه, حكيـم فـيـما دبر فـي خـلقه, وفـيـما حكم وقضى بـينهم من أحكامه. كما:
4131ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: وَاللّهُ عَزيزٌ حَكِيـمٌ يقول: عزيز فـي نقمته, حكيـم فـي أمره.
وإنـما توعد الله تعالـى ذكره بهذا القول عبـاده لتقديـمه قبل ذلك بـيان ما حرم علـيهم أو نهاهم عنه من ابتداء قوله: وَلاَ تَنْكِحُوا الـمُشْرِكاتِ حتـى يُؤْمِنّ إلـى قوله: وَللرّجالِ عَلَـيْهِنّ دَرَجَةٌ ثم أتبع ذلك بـالوعيد لـيزدجر أولو النهي, ولـيذكر أولو الـحجا, فـيتقوا عقابه, ويحذروا عذابه.
الآية : 229
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الطّلاَقُ مَرّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمّآ آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئاً إِلاّ أَن يَخَافَآ أَلاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ }
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: هو دلالة علـى عدد الطلاق الذي يكون للرجل فـيه الرجعة علـى زوجته, والعدد الذي تبـين به زوجته منه.
ذكر من قال إن هذه الآية أنزلت لأن أهل الـجاهلـية وأهل الإسلام قبل نزولها لـم يكن لطلاقهم نهاية تبـين بـالانتهاء إلـيها امرأته منه ما راجعها فـي عدتها منه, فجعل الله تعالـى ذكره لذلك حدا حرم بـانتهاء الطلاق إلـيه علـى الرجل امرأته الـمطلقة إلا بعد زوج, وجعلها حينئذ أملك بنفسها منه.
ذكر الأخبـار الواردة بـما قلنا فـي ذلك:
4132ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, قال: كان الرجل يطلق ما شاء ثم إن راجع امرأته قبل أن تنقضي عدّتها كانت امرأته, فغضب رجل من الأنصار علـى امرأته, فقال لها: لا أقربك ولا تـحلـين منـي قالت له: كيف؟ قال: أطلقك, حتـى إذا دنا أجلك راجعتك ثم أطلقك, فإذا دنا أجلك راجعتك. قال: فشكت ذلك إلـى النبـي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله تعالـى ذكره: الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْسَاكٌ بِـمَعْرُوفٍ... الآية.
4133ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن هشام, عن أبـيه, قال رجل لامرأته علـى عهد النبـي صلى الله عليه وسلم: لا آويك, ولا أدعك تـحلـين فقالت له: كيف تصنع؟ قال: أطلقك, فإذا دنا مضي عدتك راجعتك, فمتـى تـحلـين؟ فأتت النبـي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله: الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانِ فـاستقبله الناس جديدا من كان طلق ومن لـم يكن طلق.
4134ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان أهل الـجاهلـية كان الرجل يطلق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك, ثم يراجع ما كانت فـي العدة, فجعل الله حدّ الطلاق ثلاث تطلـيقات.
4135ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان أهل الـجاهلـية يطلق أحدهم امرأته ثم يراجعها لا حدّ فـي ذلك, هي امرأته ما راجعها فـي عدتها, فجعل الله حدّ ذلك يصير إلـى ثلاثة قروء, وجعل حدّ الطلاق ثلاث تطلـيقات.
4136ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: الطّلاقُ مَرّتانِ قال كان الطلاق قبل أن يجعل الله الطلاق ثلاث لـيس له أمد يطلق الرجل امرأته مائة, ثم إن أراد أن يراجعها قبل أن تـحلّ كان ذلك له, وطلق رجل امرأته حتـى إذا كادت أن تـحلّ ارتـجعها, ثم استأنف بها طلاقا بعد ذلك لـيضارّها بتركها, حتـى إذا كان قبل انقضاء عدتها راجعها, وصنع ذلك مرارا. فلـما علـم الله ذلك منه, جعل الطلاق ثلاثا, مرتـين, ثم بعد الـمرتـين إمساك بـمعروف, أو تسريح بإحسان.
3حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ أما قوله: الطّلاقُ مَرّتانِ فهو الـميقات الذي يكون علـيها فـيه الرجعة.
3حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرمة فـي قوله: الطّلاقُ مَرّتانِ فَإِمْسَاكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فـيطلقها تطلـيقتـين, فإن أراد أن يراجعها كانت له علـيها رجعة, فإن شاء طلقها أخرى, فلـم تـحلّ له حتـى تنكح زوجا غيره.
فتأويـل الآية علـى هذا الـخبر الذي ذكرنا عدد الطلاق الذي لكم أيها الناس فـيه علـى أزواجكم الرجعة إذا كنّ كدخولاً بهنّ: تطلـيقتان, ثم الواجب علـى من راجع منكم بعد التطلـيقتـين إمساك بـمعروف, أو تسريح بإحسان, لأنه لا رجعة له بعد التطلـيقتـين إن سرحها فطلقها الثالثة.
وقال آخرون إنـما أنزلت هذه الآية علـى نبـي الله صلى الله عليه وسلم تعريفـا من الله تعالـى ذكره عبـاده سنة طلاقهم نساءهم إذا أرادوا طلاقهن, لا دلالة علـى القدر الذي تبـين به الـمرأة من زوجها. ذكر من قال ذلك:
3حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مطرف, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله فـي قوله: الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال: يطلقها بعد ما تطهر من قبل جماع, ثم يدعها حتـى تطهر مرة أخرى, ثم يطلقها إن شاء, ثم إن أراد أن يراجعها راجعها, ثم إن شاء طلقها, وإلا تركها حتـى تتـمّ ثلاث حيض وتبـين منه به.
4137ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: الطّلاقُ مَرّتانِ فَإِمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال: إذا طلق الرجل امرأته تطلـيقتـين, فلـيتق الله فـي التطلـيقة الثالثة, فإما أن يـمسكها بـمعروف فـيحسن صحابتها, أو يسرّحها بإحسان فلا يظلـمها من حقها شيئا.
4138ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح,, عن مـجاهد فـي قوله: الطّلاقُ مَرّتانِ فَإِمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال: يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع, فإذا حاضت ثم طهرت فقد تـمّ القرء, ثم يطلق الثانـية كما يطلق الأولـى, إن أحبّ أن يفعل, فإن طلق الثانـية ثم حاضت الـحيضة الثانـية فهما تطلـيقتان وقرءان, ثم قال الله تعالـى ذكره فـي الثالثة: فَإِمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ فـيطلقها فـي ذلك القرء كله إن شاء حين تـجمع علـيها ثـيابها.
4139ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه, إلا أنه قال: فحاضت الـحيضة الثانـية, كما طلق الأولـى, فهذان تطلـيقتان وقرءان, ثم قال: الثالثة, وسائر الـحديث مثل حديث مـحمد بن عمرو, عن أبـي عاصم.
وتأويـل الآية علـى قول هؤلاء: سنة الطلاق التـي سننتها وأبحتها لكم إن أردتـم طلاق نسائِكم, أن تطلقوهنّ ثنتـين فـي كل طهر واحدة, ثم الواجب بعد ذلك علـيكم: إما أن تـمسكوهنّ بـمعروف, أو تسرّحوهنّ بإحسان.
والذي هو أولـى بظاهر التنزيـل ما قاله عروة وقتادة ومن قال مثل قولهما من أن الآية إنـما هي دلـيـل علـى عدد الطلاق الذي يكون به التـحريـم, وبُطولُ الرجعة فـيه, والذي يكون فـيه الرجعة منه. وذلك أن الله تعالـى ذكره قال فـي الآية التـي تتلوها: فإنْ طَلّقَها فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ فعرّف عبـاده القدر الذي به تـحرم الـمرأة علـى زوجها إلا بعد زوج, ولـم يبـين فـيها الوقت الذي يجوز الطلاق فـيه والوقت الذي لا يجوز ذلك فـيه, فـيكون موجها تأويـل الآية إلـى ما رُوي عن ابن مسعود ومـجاهد ومن قال بـمثل قولهما فـيه.
وأما قوله: فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ فإن فـي تأويـله وفـيـما عنـي به اختلافـا بـين أهل التأويـل, فقال بعضهم: عنى الله تعالـى ذكره بذلك الدلالة علـى اللازم للأزواج الـمطلقات اثنتـين بعد مراجعتهم إياهنّ من التطلـيقة الثانـية من عشرتهن بـالـمعروف, أو فراقهن بطلاق. ذكر من قال ذلك:
4140ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: الطلاق مرتان؟ قال: يقول عند الثالثة: إما أن يـمسك بـمعروف, وإما أن يسرّح بإحسان. وغيره قالها قال: وقال مـجاهد: الرجل أملك بـامرأته فـي تطلـيقتـين من غيره, فإذا تكلـم الثالثة فلـيست منه بسبـيـل, وتعتدّ لغيره.
4141ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيـل بن سميع, عن أبـي رزين, قال: أتَـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله أرأيت قوله: الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تسْرِيحٌ بإحْسانٍ فأين الثالثة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ, أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ هي الثالثة».
4142ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, وعبد الرحمن بن مهدي, قالا: حدثنا سفـيان, عن إسماعيـل بن سميع, عن أبـي رزين, قال: جاء رجل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله, الطلاق مرتان, فأين الثالثة؟ قال: «إمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ, أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ».
4143ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن إسماعيـل, عن أبـي رزين, قال: قال رجل: يا رسول الله, يقول الله: الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِـمُعْرُوفٍ فأين الثالثة؟ قال: «التّسْريحُ بإحْسانٍ».
4144ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جريج, عن مـجاهد: أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال فـي الثالثة.
4145ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق,قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, قال: كان الطلاق لـيس له وقت حتـى أنزل الله: الطّلاقُ مَرّتانِ قال: الثالثة: إمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ.
وقال آخرون منهم: بل عنى الله بذلك الدلالة علـى ما يـلزمهم لهن بعد التطلـيقة الثانـية من مراجعة بـمعروف أو تسريح بإحسان, بترك رجعتهن حتـى تنقضي عدتهن, فـيصرن أملك لأنفسهن. وأنكروا قول الأولـين الذين قالوا: إنه دلـيـل علـى التطلـيقة الثالثة. ذكر من قال ذلك:
4146ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي قوله: فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ إذا طلق واحدة أو اثنتـين, إما أن يـمسك ويـمسك: يراجع بـمعروف وإما سكت عنها حتـى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها.
4147ـ حدثنا علـيّ بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ والتسريح: أن يدعها حتـى تـمضي عدتها.
3حدثنا يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال: يعنـي تطلـيقتـين بـينهما مراجعة, فأمر أن يـمسك أو يسرّح بإحسان. قال: فإن هو طلقها ثالثة فلا تـحل له حتـى تنكح زوجا غيره.
وكأن قائلـي هذا القول الذي ذكرناه عن السدي والضحاك ذهبوا إلـى أن معنى الكلام: الطلاق مرّتان, فإمساك فـي كل واحدة منهما لهنّ بـمعروف, أو تسريح لهنّ بإحسان. وهذا مذهب مـما يحتـمله ظاهر التنزيـل لولا الـخبر الذي ذكرته عن النبـي صلى الله عليه وسلم, الذي رواه إسماعيـل بن سميع, عن أبـي رزين فإن اتبـاع الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولـى بنا من غيره. فإذ كان ذلك هو الواجب, فبـين أن تأويـل الآية: الطلاق الذي لأزواج النساء علـى نسائهم فـيه الرجعة مرتان, ثم الأمر بعد ذلك إذا راجعوهن فـي الثانـية, إما إمساك بـمعروف, وإما تسريح منهم لهن بإحسان بـالتطلـيقة الثالثة حتـى تبـين منهم, فتبطل ما كان لهن علـيهن من الرجعة ويصرن أملك لأنفسهن منهن.
فإن قال قائل: وما ذلك الإمساك الذي هو بـمعروف؟ قـيـل: هو ما:
3حدثنا به علـيّ بن عبد الأعلـى الـمـحاربـي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ قال: الـمعروف: أن يحسن صحبتها.
4148ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ قال: لـيتق الله فـي التطلـيقة الثالثة, فإما أن يـمسكها بـمعروف فـيحسن صحابتها.
فإن قال: فما التسريح بإحسان؟ قـيـل: هو ما:
4149ـ حدثنـي به الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قـيـل: يسرحها, ولا يظلـمها من حقها شيئا.
4150ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنى أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال: هو الـميثاق الغلـيظ.
4151ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال: الإحسان: أن يوفـيها حقها, فلا يؤذيها, ولا يشتـمها.
4152ـ حدثنا علـيّ بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال: التسريح بإحسان: أن يدعها حتـى تـمضي عدتها, ويعطيها مهرا إن كان لها علـيه إذا طلقها. فذلك التسريح بإحسان, والـمتعة علـى قدر الـميسرة.
4153ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس فـي قوله: وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غلِـيظا قال قوله: فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ.
فإن قال: فما الرافع للإمساك والتسريح؟ قـيـل: مـحذوف اكتفـي بدلالة ما ظهر من الكلام من ذكره, ومعناه: الطلاق مرتان, فـالأمر الواجب حينئذ به إمساك بـمعروف, أو تسريح بإحسان. وقد بـيّنا ذلك مفسرا فـي قوله: فـاتّبـاعٌ بـالـمَعْرُوفِ وأداءٌ إلَـيْهِ بإحْسانٍ فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ الله.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا ولا يحلّ لكم أيها الرجال أن تأخذوا من نسائكم إذا أنتـم أردتـم طلاقهن بطلاقكم وفراقكم إياهن شيئا مـما أعطيتـموهنّ من الصداق, وسقتـم إلـيهنّ, بل الواجب علـيكم تسريحهن بإحسان, وذلك إيفـاؤهنّ حقوقهنّ من الصداق والـمتعة وغير ذلك مـما يجب لهن علـيكم إلا أن يخافـا ألا يقـيـما حدود الله.
واختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعضهم: إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُود اللّهِ وذلك قراءة عُظْم أهل الـحجاز والبصرة بـمعنى إلا أن يخاف الرجل والـمرأة أن لا يقـيـما حدود الله, وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب: «إلاّ أنْ يَظُنّا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّه».
4154ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: أخبرنـي ثور, عن ميـمون بن مهران, قال: فـي حرف أبـيّ بن كعب إن الفداء تطلـيقة. قال: فذكرت ذلك لأيوب, فأتـينا رجلاً عنده مصحف قديـم لأبـيّ خرج من ثقة, فقرأناه فإذا فـيه: «إلاّ أنْ يَظُنّا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ, فإنْ ظَنّا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا فِـيـمَا افْتَدَتْ بِهِ»: لا تـحلّ له من بعد حتـى تنكح زوجا غيره.
والعرب قد تضع الظن موضع الـخوف والـخوف موضع الظن فـي كلامها لتقارب معنـيـيهما, كما قال الشاعر:
أتانِـي كَلامٌ عنْ نُصَيْبٍ يَقُولُهُوَما خِفْتُ يا سَلاّمُ أنّكَ عائِبـي
بـمعنى: ما ظننت.
وقرأه آخرون من أهل الـمدينة والكوفة: «إلاّ أنْ يُخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ» فأما قارىء ذلك كذلك من أهل الكوفة, فإنه ذكر عنه أنه قرأه كذلك اعتبـارا منه بقراءة ابن مسعود, وذكر أنه فـي قراءة ابن مسعود: «إلاّ أنْ تـخافُوا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ» وقراءة ذلك كذلك اعتبـارا بقراءة ابن مسعود التـي ذكرت عنه خطأ وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه, فإنـما أعمل الـخوف فـي «أن» وحدها, وذلك غير مدفوعة صحته, كما قال الشاعر:
إذَا مِتّ فـادْفِنّـي إلـى جَنْب كَرْمَةٍتُرَوّي عِظامي بَعْدَ مَوتـي عُرُوقُها
وَلا تَدْفِنَـيّ بـالفَلاةِ فإنّنِـيأخافُ إذَا ما متّ أنْ لا أذُوقُها
فأما قارئه إلا أن يخافـا بذلك الـمعنى, فقد أعمل فـي متروكةٍ تسميته وفـي «أن», فأعمله فـي ثلاثة أشياء: الـمتروك الذي هو اسم ما لـم يسمّ فـاعله, وفـي أن التـي تنوب عن شيئين, ولا تقول العرب فـي كلامها ظُنّا أن يقوما, لكن قراءة ذلك كذلك صحيحة علـى غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك اعتبـارا بقراءة عبد الله الذي وصفنا, ولكن علـى أن يكون مرادا به إذا قرىء كذلك: إلا أن يخاف بأن لا يقـيـما حدود الله, أو علـى أن لا يقـيـما حدود الله, فـيكون العامل فـي أن غير الـخوف, ويكون الـخوف عاملاً فـيـما لـم يسمّ فـاعله. وذلك هو الصواب عندنا فـي القراءة لدلالة ما بعده علـى صحته, وهو قوله: فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فكان بـينا أن الأول بـمعنى: إلا أن تـخافوا أن لا يقـيـما حدود الله.
فإن قال قائل: وأية حال الـحال التـي يخاف علـيهما أن لا يقـيـما حدود الله حتـى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها؟ قـيـل: حال نشوزها وإظهارها له بغضته, حتـى يخاف علـيها ترك طاعة الله فـيـما لزمها لزوجها من الـحقّ, ويخاف علـى زوجها بتقصيرها فـي أداء حقوقه التـي ألزمها الله له تركه أداء الواجب لها علـيه, فذلك حين الـخوف علـيهما أن لا يقـيـما حدود الله فـيطيعاه فـيـما ألزم كل واحد منهما لصاحبه, والـحال التـي أبـاح النبـيّ صلى الله عليه وسلم لثابت بن قـيس بن شماس أخذ ما كان أتـى زوجته إذ نشزت علـيه بغضا منها له. كما:
4155ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: قرأت علـى فضيـل, عن أبـي جرير أنه سأل عكرمة, هل كان للـخـلع أصل؟ قال: كان ابن عبـاس يقول: إن أول خـلع كان فـي الإسلام أخت عبد الله بن أبـيّ, أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا إنـي رفعت جانب الـخبـاء فرأيته أقبل فـي عِدّة, فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها. قال زوجها: يا رسول الله إنـي أعطيتها أفضل مالـي حديقة فلتردد علـيّ حديقتـي قال: «ما تقولـين؟» قالت: نعم, وإن شاء زدته قال: ففرّق بـينهما.
4156ـ حدثنـي مـحمد بن معمر, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا أبو عمرو السدوسي, عن عبد الله, يعنـي ابن أبـي بكر, عن عمرة, عن عائشة: أن حبـيبة بنت سهل كانت تـحت ثابت بن قـيس بن شماس, فضربها فكسر بعضها, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح, فـاشتكته, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتا, فقال: «خُذْ بَعْضَ مَالها وفَـارِقَهَا» قال: ويصلـح ذلك يا رسول الله؟ قال: «نعم», قال: فإنـي أصدقتها حديقتـين وهما بـيدها. فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: «خُذْهُما وَفـارقْها» ففعل.
4157ـ حدثنا أبو يسار, قال: حدثنا روح, قال: حدثنا مالك, عن يحيى, عن عمرة أنها أخبرته عن حبـيبة بنت سهل الأنصارية أنها كانت تـحت ثابت بن قـيس بن شماس, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها عند بـابه بـالغلس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم«مَنْ هَذِه؟» قالت: أنا حبـيبة بنت سهل, لا أنا ولا ثابت بن قـيس لزوجها. فلـما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَذِهِ حَبِـيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ تَذْكُرُ ما شاءَ اللّهُ أنْ تَذْكُرَ». فقالت حبـيبة: يا رسول الله كلّ ما أعطانـيه عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خُذْ مِنْها» فأخذ منها وجلست فـي بـيتها.
4158ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسن بن واقد, عن ثابت, عن عبد الله بن ربـاح, عن جميـلة بنت أبـيّ ابن سلول, أنها كانت عند ثابت بن قـيس فنشزت علـيه, فأرسل إلـيها النبـي صلى الله عليه وسلم, فقال: «يا جَمِيـلَةُ ما كَرِهْتِ مِنْ ثابِتٍ؟» قالت: والله ما كرهت منه دينا ولا خـلقا, إلا إنـي كرهت دمامته. فقال لها: «أتَرُدّينَ الـحَدِيقَةَ؟» قالت: نعم فردّت الـحديقة وفرّق بـينهما.
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت فـي شأنهما, أعنـي فـي شأن ثابت بن قـيس وزوجته هذه.
4159ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: نزلت هذه الآية فـي ثابت بن قـيس وفـي حبـيبة, قال: وكانت اشتكته إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَرُدّينَ عَلَـيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» فقالت: نعم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, فقال: ويطيب لـي ذلك؟ قال: «نعم», قال ثابت: وقد فعلت فنزلت: وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها.
وأما أهل التأويـل فإنهم اختلفوا فـي معنى الـخوف منهما أن لا يقـيـما حدود الله, فقال بعضهم: ذلك هو أن يظهر من الـمرأة سوء الـخـلق والعشرة لزوجها, فإذا ظهر ذلك منها له, حلّ له أن يأخذ ما أعطته من فدية علـى فراقها. ذكر من قال ذلك:
4160ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا إلا أن يكون النشوز وسوء الـخـلق من قـيـلها, فتدعوك إلـى أن تفتدي منك, فلا جناح علـيك فـيـما افتدت به.
4161ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي هشام بن عروة أن عروة كان يقول: لا يحلّ الفداء حتـى يكون الفساد من قبلها, ولـم يكن يقول: لا يحلّ له حتـى تقول: لا أبرّ لك قسما, ولا أغتسل لك من جنابة.
4162ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي عمرو بن دينار, قال: قال جابر بن زيد: إذا كان النشز من قبلها حلّ الفداء.
4163ـ حدثنا الربـيع بن سلـيـمان, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي ابن أبـي الزناد, عن هشام بن عروة أن أبـاه كان يقول: إذا كان سوء الـخـلق وسوء العشرة من قبل الـمرأة فذاك يحلّ خـلعها.
4164ـ حدثنـي علـي بن سهل, قال: حدثنا مـحمد بن كثـير, عن حماد, عن هشام, عن أبـيه أنه قال: لا يصلـح الـخـلع, حتـى يكون الفساد من قبل الـمرأة.
4165ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان القناد, قال: حدثنا مـحمد بن يزيد, عن إسماعيـل, عن عامر فـي امرأة قالت لزوجها: لا أبرّ لك قسما, ولا أطيع لك أمرا, ولا أغتسل لك من جنابة. قال: ما هذا؟ وحرّك يده, لا أبرّ لك قسما, ولا أطيع لك أمرا إذا كرهت الـمرأة زوجها فلـيأخذه ولـيتركها.
4166ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا أيوب, عن سعيد بن جبـير أنه قال فـي الـمختلعة: يعظها, فإن انتهت وإلا هجرها, فإن انتهت وإلا ضربها, فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلـى السلطان, فـيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها, فـيقول الـحكم الذي من أهلها: تفعل بها كذا وتفعل بها كذا, ويقول الـحكم الذي من أهله: تفعل به كذا وتفعل به كذا, فأيهما كان أظلـم رده السلطان وأخذ فوق يده, وإن كانت ناشزا أمره أن يخـلع.
4167ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: الطّلاقُ مَرّتان فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ إلـى قوله: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ قال: إذا كانت الـمرأة راضية مغتبطة مطيعة, فلا يحل له أن يضربها, حتـى تفتدي منه, فإن أخذ منها شيئا علـى ذلك, فما أخذ منها فهو حرام, وإذا كان النشوز والبغض والظلـم من قِبَلها, فقد حلّ له أن يأخذ منها ما افتدت به.
4168ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ قال: لا يحلّ للرجل أن يخـلع امرأته إلا أن يرى ذلك منها, فأما أن يكون يضارّها حتـى تـختلع, فإن ذلك لا يصلـح, ولكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء, وأساءت عشرته, فقد حلّ له خـلعها.
4169ـ حدثنا يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا قال: الصداق إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ وحدود الله أن تكون الـمرأة ناشزة, فإن الله أمر الزوج أن يعظها بكتاب الله, فإن قبلت وإلا هجرها, والهجران أن لا يجامعها ولا يضاجعها علـى فراش واحد ويولـيها ظهره ولا يكلـمها, فإن أبت غلظ علـيها القول بـالشتـيـمة لترجع إلـى طاعته, فإن أبت فـالضرب ضرب غير مبرح, فإن أبت إلا جماحا فقد حلّ له منها الفدية.
وقال آخرون: بل الـخوف من ذلك أن لا تبرّ له قسما ولا تطيع له أمرا, وتقول: لا أغتسل لك من جنابة ولا أطيع لك أمرا, فحينئذ يحلّ له عندهم أخذ ما آتاها علـى فراقه إياها. ذكر من قال ذلك:
4170ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن أبـيه, قال: قال الـحسن: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابة, ولا أبرّ لك قسما, ولا أطيع لك أمرا, فحينئذ حلّ الـخـلع.
4171ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن, قال: إذا قالت الـمرأة لزوجها: لا أبرّ لك قسما, ولا أطيع لك أمرا, ولا أغتسل لك من جنابة, ولا أقـيـم حدّا من حدود الله, فقد حلّ له مالها.
4172ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة, عن عنبسة, عن مـحمد بن سالـم, قال: سألت الشعبـي, قلت: متـى يحل للرجل أن يأخذ من مال امرأته؟ قال: إذا أظهرت بغضه وقالت: لا أبرّ لك قسما ولا أطيع لك أمرا.
4173ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبـي أنه كان يعجب من قول من يقول: لا تـحل الفدية حتـى تقول: لا أغتسل لك من جنابة. وقال: إن الزانـي يزنـي ثم يغتسل.
4174ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيـم فـي الناشز, قال: إن الـمرأة ربـما عصت زوجها, ثم أطاعته, ولكن إذا عصته فلـم تبرّ قسمه, فعند ذلك تـحلّ الفدية.
4175ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا لا يحلّ له أن يأخذ من مهرها شيئا إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فإذا لـم يقـيـما حدود الله, فقد حل له الفداء, وذلك أن تقول: والله لا أبرّ لك قسما, ولا أطيع لك أمرا, ولا أكرم لك نفسا, ولا أغتسل لك من جنابة. فهو حدود الله, فإذا قالت الـمرأة ذلك فقد حلّ الفداء للزوج أن يأخذه ويطلقها.
4176ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عنبسة, عن علـيّ بن بذيـمة, عن مقسم فـي قوله: وَلا تَعْضُلُوهُنّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَـيْتُـمُوهُنّ يقول: «إلا أن يفحشن» فـي قراءة ابن مسعود, قال إذا عصتك وآذتك, فقد حلّ لك ما أخذت منها.
4177ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد فـي قوله: وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا قال: الـخـلع, قال: ولا يحلّ له إلا أن تقول الـمرأة لا أبرّ قسمه ولا أطيع أمره, فـيقبله خيفة أن يسيء إلـيها إن أمسكها, ويتعدّى الـحق.
وقال آخرون: بل الـخوف من ذلك أن تبتدىء له بلسانها قولاً أنها له كارهة. ذكر من قال ذلك:
4178ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم الـمصري, قال: حدثنا أبـي وشعيب بن اللـيث, عن اللـيث, عن أيوب بن موسى, عن عطاء بن أبـي ربـاح, قال: يحل الـخـلع أن تقول الـمرأة لزوجها: إنـي لأكرهك, وما أحبك, ولقد خشيت أن أنام فـي جنبك ولا أؤدي حقك. وتطيب نفسك بـالـخـلع.
وقال آخرون: بل الذي يبـيح له أخذ الفدية أن يكون خوف أن لا يقـيـما حدود الله منهما جميعا لكراهة كل واحد منهما صحبة الاَخر. ذكر من قال ذلك:
4179ـ حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا بشر بن الـمفضل قال: حدثنا داود, عن عامر, حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن داود, قال: قال عامر: أحلّ له مالها بنشوزه ونشوزها.
4180ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: قال ابن جريج, قال: طاوس: يحل له الفداء ما قال الله تعالـى ذكره, ولـم يكن يقول قول السفهاء: لا أبرّ لك قسما, ولكن يحلّ له الفداء ما قال الله تعالـى ذكره: إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فـيـما افترض لكل واحد منهما علـى صاحبه فـي العشرة والصحبة.
4181ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن مـحمد بن إسحاق, قال: سمعت القاسم بن مـحمد يقول: إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ قال: فـيـما افترض الله علـيهما فـي العشرة والصحبة.
4182ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي ابن شهاب, قال: أخبرنـي سعيد بن الـمسيب, قال: لا يحلّ الـخـلع حتـى يخافـا أن لا يقـيـما حدود الله فـي العشرة التـي بـينهما.
وأولـى هذه الأقوال بـالصحة قول من قال: لا يحلّ للرجل أخذ الفدية من امرأته علـى فراقه إياها, حتـى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما علـى نفسه فـي تفريطه فـي الواجب علـيه لصاحبه منهما جميعا, علـى ما ذكرناه عن طاوس والـحسن ومن قال فـي ذلك قولهما لأن الله تعالـى ذكره إنـما أبـاح للزوج أخذ الفدية من امرأته عند خوف الـمسلـمين علـيهما أن لا يقـيـما حدود الله.
فإن قال قائل: فإن كان الأمر علـى ما وصفت فـالواجب أن يكون حراما علـى الرجل قبول الفدية منها إذا كان النشوز منها دونه, حتـى يكون منه من الكراهة لها مثل الذي يكون منها له؟ قـيـل له: إن الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظننت, وذلك أن فـي نشوزها علـيه داعية له إلـى التقصير فـي واجبها ومـجازاتها بسوء فعلها به, وذلك هو الـمعنى الذي يوجب للـمسلـمين الـخوف علـيهما أن لا يقـيـما حدود الله. فأما إذا كان التفريط من كل واحد منهما فـي واجب حق صاحبه قد وجد وسوء الصحبة والعشرة قد ظهر للـمسلـمين, فلـيس هناك للـخوف موضع, إذ كان الـمخوف قد وجد, وإنـما يخاف وقوع الشيء قبل حدوثه, فأما بعد حدوثه فلا وجه للـخوف منه ولا الزيادة فـي مكروهه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ التـي إذا خيف من الزوج والـمرأة أن لا يقـيـماها حلت له الفدية من أجل الـخوف علـيهما بصنـيعها, فقال بعضهم: هو استـخفـاف الـمرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه, وأذاها له بـالكلام. ذكر من قال ذلك:
4183ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ قال: هو تركها إقامة حدود الله, واستـخفـافها بحق زوجها, وسوء خـلقها, فتقول له: والله لا أبرّ لك قسما, ولا أطأ لك مضجعا, ولا أطيع لك أمرا فإن فعلت ذلك فقد حلّ له منها الفدية.
4184ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يحيى بن أبـي زائدة, عن يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن فـي قوله: فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ قال: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابة حلّ له أن يأخذ منها.
4185ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: حدثنا يونس, عن الزهري قال: يحلّ الـخـلع حين يخافـا أن لا يقـيـما حدود الله, وأداء حدود الله فـي العشرة التـي بـينهما.
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن خفتـم أن لا يطيعا الله. ذكر من قال ذلك:
4186ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن عامر: فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ قال: أن لا يطيعا الله.
4187ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: الـحدود: الطاعة.
والصواب من القول فـي ذلك: فإن خفتـم ألا يقـيـما حدود الله ما أوجب الله علـيهما من الفرائض فـيـما ألزم كل واحد منهما من الـحق لصاحبه من العشرة بـالـمعروف, والصحبة بـالـجميـل, فلا جناح علـيهما فـيـما افتدت به.
وقد يدخـل فـي ذلك ما رويناه عن ابن عبـاس والشعبـي, وما رويناه عن الـحسن والزهري, لأن من الواجب للزوج علـى الـمرأة إطاعته فـيـما أوجب الله طاعته فـيه, وأن لا تؤذيه بقول, ولا تـمتنع علـيه إذا دعاها لـحاجته, فإذا خالفت ما أمرها الله به من ذلك كانت قد ضيعت حدود الله التـي أمرها بإقامتها.
وأما معنى إقامة حدود الله, فإنه العمل بها, والـمـحافظة علـيها, وترك تضيـيعها, وقد بـينا ذلك فـيـما مضى قبل من كتابنا هذا بـما يدل علـى صحته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ.
يعنـي قوله تعالـى ذكره بذلك: فإن خفتـم أيها الـمؤمنون ألا يقـيـم الزوجان ما حد الله لكل واحد منهما علـى صاحبه من حق, وألزمه له من فرض, وخشيتـم علـيهما تضيـيع فرض الله وتعدّي حدوده فـي ذلك فلا جناح حينئذ علـيهما فـيـما افتدت به الـمرأة نفسها من زوجها, ولا حرج علـيهما فـيـما أعطت هذه علـى فراق زوجها إياها ولا علـى هذا فـيـما أخذ منها من الـجُعُل والعوض علـيه.
فإن قال قائل: وهل كانت الـمرأة حَرِجة لو كان الضّرارُ من الرجل بها فـيـما افتدت به نفسها, فـيكون لا جناح علـيهما فـيـما أعطته من الفدية علـى فراقها إذا كان النشوز من قبلها؟ قـيـل: لو علـمت فـي حال ضراره بها لـيأخذ منها ما آتاها أن ضراره ذلك إنـما هو لـيأخذ منها ما حرم الله علـيه أخذه علـى الوجه الذي نهاه الله عن أخذه منها, ثم قدرت أن تـمتنع من إعطائه بـما لا ضرر علـيها فـي نفس, ولا دين, ولا حق علـيها فـي ذهاب حقّ لها لـما حلّ لها إعطاؤه ذلك, إلا علـى وجه طيب النفس منها بإعطائه إياه علـى ما يحلّ له أخذه منها لأنها متـى أعطته ما لا يحل له أخذه منها وهي قادرة علـى منعه ذلك بـما لا ضرر علـيها فـي نفس, ولا دين, ولا فـي حقّ لها تـخاف ذهابه, فقد شاركته فـي الإثم بإعطائه ما لا يحلّ له أخذه منها علـى الوجه الذي أعطته علـيه, فلذلك وضع عنها الـجناح إذا كان النشوز من قبلها, وأعطته ما أعطته من الفدية بطيب نفس, ابتغاء منها بذلك سلامتها وسلامة صاحبها من الوزر والـمأثم, وهي إذا أعطته علـى هذا الوجه بـاستـحقاق الأجر والثواب من الله تعالـى أولـى إن شاء الله من الـجناح والـحرج, ولذلك قال تعالـى ذكره: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فوضع الـحرج عنها فـيـما أعطته علـى هذا الوجه من الفدية علـى فراقه إياها, وعنه فـيـما قبض منها إذا كانت معطية علـى الـمعنى الذي وصفنا, وكان قابضا منها ما أعطته من غير ضرار, بل طلب السلامة لنفسه ولها فـي أديانهما وحذار الأوزار والـمأثم. وقد يتـجه قوله: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما وجها آخر من التأويـل وهو أنها لو بذلت ما بذلت من الفدية علـى غير الوجه الذي أذن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قـيس بن شماس, وذلك لكراهتها أخلاق زوجها أو دمامة خَـلْقه, وما أشبه ذلك من الأمور التـي يكرهها الناس بعضهم من بعض, ولكن علـى الانصراف منها بوجهها إلـى آخر غيره علـى وجه الفساد وما لا يحلّ لها كان حراما علـيها أن تعطى علـى مسألتها إياه فراقها علـى ذلك الوجه شيئا لأن مسألتها إياه الفرقة علـى ذلك الوجه معصية منها لله, وتلك هي الـمختلعة إن خولعت علـى ذلك الوجه التـي روي عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه سماها منافقة. كما:
4188ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: ثنـي الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن لـيث, عن أبـي إدريس, عن ثوبـان مولـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيّـمَا امرأةٍ سألَتْ زوْجَها الطّلاقَ مِنْ غيرِ بأْسٍ حِرّمَ اللّهُ عَلَـيْها رَائحَةَ الـجَنّةِ». وقال: «الـمُخْتَلِعاتُ هُنّ الـمُنافِقاتُ».
4189ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مزاحم بن دواد بن علـية, عن أبـيه, عن لـيث بن أبـي سلـيـم, عن أبـي الـخطاب عن أبـي زرعة, عن أبـي إدريس, عن ثوبـان مولـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الـمُخْتَلِعاتُ هُنّ الـمُنافِقاتُ».
4190ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا حفص بن بشر, قال: حدثنا قـيس بن الربـيع, عن أشعث بن سوار, عن الـحسن, عن ثابت بن يزيد, عن عقبة بن عامر الـجهنـي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الـمُخْتَلِعاتِ الـمُنْتَزَعاتِ هُنّ الـمُنافِقاتُ».
4191ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, وحدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قالا جميعا: حدثنا أيوب, عن أبـي قلابة, عمن حدثه, عن ثوبـان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيّـمَا امْرأةٍ سألَتْ زَوْجَها طَلاقا مِنْ غَيْرِ بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَـيْها رَائحَةُ الـجَنّة».
4192ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عارم, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن أيوب, عن أبـي قلابة, عن أبـي أسماء الرحبـي, عن ثوبـان, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نـحوه.
فإذا كان من وجوه افتداء الـمرأة نفسها من زوجها ما تكون به حرجة, وعلـيها فـي افتدائها نفسها علـى ذلك الـحرج والـجناح, وكان من وجوهه ما يكون الـحرج والـجناح فـيه علـى الرجل دون الـمرأة, ومنه ما يكون علـيهما, ومنه ما لا يكون علـيهما فـيه حرج ولا جناح. قـيـل فـي الوجه: الذي لا حرج علـيهما فـيه لا جناح إذ كان فـيـما حاولا وقصدا من افتراقهما بـالـجعل الذي بذلته الـمرأة لزوجها لا جناح علـيهما فـيـما افتدت به من الوجه الذي أبـيح لهما, وذلك أن يخافـا أن لا يقـيـما حدود الله بـمقام كل واحد منهما علـى صاحبه.
وقد زعم بعض أهل العربـية أن فـي ذلك وجهين: أحدهما أن يكون مرادا به: فلا جناح علـى الرجل فـيـما افتدت به الـمرأة دون الـمرأة, وإن كانا قد ذكرا جميعا كما قال فـي سورة الرحمن: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالـمَرْجان وهما من الـملـح لا من العذب, قال: ومثله: فَلَـمّا بَلَغا مَـجْمَعَ بَـيْنِهِما نَسِيا حُوَتهُما وإنـما الناسي صاحب موسى وحده قال: ومثله فـي الكلام أن تقول: عندي دابتان أركبهما وأسقـي علـيهما وإنـما تركب إحداهما وتسقـي علـى الأخرى, وهذا من سعة العربـية التـي يحتـجّ بسعتها فـي الكلام.
قال: والوجه الاَخر أن يشتركا جميعا فـي أن لا يكون علـيهما جناح, إذ كانت تُعطي ما قد نُفـي عن الزوج فـيه الإثم. اشتركت فـيه, لأنها إذا أعطت ما يطرح فـيه الـمأثم احتاجت إلـى مثل ذلك.
قال أبو جعفر: فلـم يصب الصواب فـي واحد من الوجهين, ولا فـي احتـجاجه فـيـما احتـجّ به قوله: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالـمَرْجانُ. فأما قوله: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فقد بـينا وجه صوابه, وسنبـين وجه قوله: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالـمَرْجانُ فـي موضعه إذا أتـينا علـيه إن شاء الله تعالـى.
وإنـما خطّأنا قوله ذلك لأن الله تعالـى ذكره قد أخبر عن وضعه الـحرج عن الزوجين إذا افتدت الـمرأة من زوجها علـى ما أذن, وأخبر عن البحرين أن منهما يخرج اللؤلؤ والـمرجان, فأضاف إلـى اثنـين, فلو جاز لقائل أن يقول: إنـما أريد به الـخبر عن أحدهما فـيـما لـم يكن مستـحيلاً أن يكون عنهما جاز فـي كل خبر كان عن اثنـين غير مستـحيـلة صحته أن يكون عنهما أن يقال: إنـما هو خبر عن أحدهما, وذلك قلب الـمفهوم من كلام الناس والـمعروف من استعمالهم فـي مخاطبـاتهم, وغير جائز حمل كتاب الله تعالـى ووحيه جل ذكره علـى الشواذ من الكلام وله فـي الـمفهوم الـجاري بـين الناس وجه صحيح موجود.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ أمعنـيّ به: أنهما موضوع عنهما الـجناح فـي كل ما افتدت به الـمرأة نفسها من شيء أم فـي بعضه؟ فقال بعضهم: عنى بذلك فلا جناح علـيهما فـيـما افتدت به من صداقها الذي كان آتاها زوجها الذي تـختلع منه واحتـجوا فـي قولهم ذلك بأن آخر الآية مردود علـى أولها, وأن معنى الكلام: وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ مـما آتـيتـموهن.
قالوا: فـالذي أحله الله لهما من ذلك عند الـخوف علـيهما أن لا يقـيـما حدود الله هو الذي كان حظر علـيهما قبل حال الـخوف علـيهما من ذلك. واحتـجوا فـي ذلك بقصة ثابت بن قـيس بن شماس, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنـما أمر امرأته إذ نشزت علـيه أن تردّ ما كان ثابت أصدقها, وأنها عرضت الزيادة فلـم يقبلها النبـي صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
4193ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع أنه كان يقول: لا يصلـح له أن يأخذ منها أكثر مـما ساق إلـيها, ويقول: إن الله يقول: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ منه, يقول: من الـمهر. وكذلك كان يقرؤها: «فـيـما افتدت به منه».
4194ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا بشر بن بكر, عن الأوزاعي, قال: سمعت عمرو بن شعيب وعطاء بن أبـي ربـاح والزهري يقولون فـي الناشز: لا يأخذ منها إلا ما ساق إلـيها.
4195ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا الولـيد, حدثنا أبو عمرو, عن عطاء, قال: الناشز لا يأخذ منها إلا ما ساق إلـيها.
4196ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جريج, عن عطاء أنه كره أن يأخذ فـي الـخـلع أكثر مـما أعطاها.
4197ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أشعث, عن الشعبـي, قال: كان يكره أن يأخذ الرجل من الـمختلعة فوق ما أعطاها, وكان يرى أن يأخذ دون ذلك.
4198ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي حصين, عن الشعبـي, قال: لا يأخذ منها أكثر مـما أعطاها.
4199ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن سالـم, عن الشعبـي أنه كان يكره أن يأخذ منها أكثر مـما أعطاها, يعنـي الـمختلعة.
4200ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت لـيثا عن الـحكم بن عتـيبة, قال: كان علـيّ رضي الله عنه يقول: لا يأخذ من الـمختلعة فوق ما أعطاها.
4201ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا سعيد, عن الـحكم أنه قال فـي الـمختلعة: أحبّ إلـيّ أن لا يزداد.
4202ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا حماد, عن حميد أن الـحسن كان يكره أن يأخذ منها أكثر مـما أعطاها.
4203ـ حدثنا مـحمد بن يحيى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن مطر أنه سأل الـحسن, أو أن الـحسن سئل عن رجل تزوّج امرأة علـى مائتـي درهم, فأراد أن يخـلعها, هل له أن يأخذ أربعمائة؟ فقال: لا والله, ذاك أن يأخذ منها أكثر مـما أعطاها.
4204ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: كان الـحسن يقول: لا يأخذ منها أكثر مـما أعطاها. قال معمر: وبلغنـي عن علـيّ أنه كان يرى أن لا يأخذ منها أكثر مـما أعطاها.
4205ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن عبد الكريـم الـجزري, عن ابن الـمسيب, قال: ما أحبّ أن يأخذ منها كل ما أعطاها حتـى يدع لها منه ما يعيشها.
4206ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس أن أبـاه كان يقول فـي الـمفتدية: لا يحلّ له أن يأخذ منها أكثر مـما أعطاها.
4207ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, قال: لا يحلّ للرجل أن يأخذ من امرأته أكثر مـما أعطاها.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: فلا جناح علـيهما فـيـما افتدت به من قلـيـل ما تـملكه وكثـيره. واحتـجوا لقولهم ذلك بعموم الآية, وأنه غير جائز إحالة ظاهر عام إلـى بـاطن خاص إلا بحجة يجب التسلـيـم لها قالوا: ولا حجة يجب التسلـيـم لها بأن الآية مراد بها بعض الفدية دون بعض من أصل أو قـياس, فهي علـى ظاهرها وعمومها. ذكر من قال ذلك:
4208ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا أيوب عن كثـير مولـى سمرة: أن عمر أتـي بـامرأة ناشز, فأمر بها إلـى بـيت كثـير الزبل ثلاثا, ثم دعا بها فقال: كيف وجدت؟ قالت: ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه اللـيالـي التـي حبستنـي. فقال لزوجها: اخـلعها ولو من قرطها.
4209ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن كثـير مولـى سمرة, قال: أخذ عمر بن الـخطاب امرأة ناشزة فوعظها, فلـم تقبل بخير, فحبسها فـي بـيت كثـير الزبل ثلاثة أيام وذكر نـحو حديث ابن علـية.
4210ـ حدثنا ابن بشار ومـحمد بن يحيى, قالا: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن حميد بن عبد الرحمن: أن امرأة أتت عمر بن الـخطاب رضي الله عنه, فشكت زوجها, فقال: إنها ناشز. فأبـاتها فـي بـيت الزبل, فلـما أصبح قال لها: كيف وجدت مكانك؟ قالت: ما كنت عنده لـيـلة أقرّ لعينـي من هذه اللـيـلة. فقال: خذ ولو عقاصها.
4211ـ حدثنا نصر بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا عبـيد الله, عن نافع: أن مولاة لصفـية اختلعت من زوجها بكل شيء تـملكه إلا من ثـيابها, فلـم يعب ذلك ابن عمر.
4212ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ومـحمد بن الـمثنى, قالا: حدثنا معتـمر, قال: سمعت عبـيد الله يحدث, عن نافع, قال: ذكر لابن عمر مولاة له اختلعت من زوجها بكل مال لها, فلـم يعب ذلك علـيها ولـم ينكره.
4213ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي, قال: حدثنا هشيـم, عن حميد, عن رجاء بن حيوة, عن قبـيصة بن ذؤيب: أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ منها أكثر مـما أعطاها. ثم تلا هذه الآية: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ.
4214ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم, قال فـي الـخـلع: خذ ما دون عقاص شعرها, وإن كانت الـمرأة لتفتدي ببعض مالها.
4215ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: الـخـلع بـما دون عقاص الرأس.
4216ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن إبراهيـم أنه قال فـي الـمختلعة: خذ منها ولو عقاصها.
4217ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم, قال: الـخـلع بـما دون عقاص الرأس, وقد تفتدي الـمرأة ببعض مالها.
4218ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن عبد الله بن مـحمد بن عقـيـل أن الرّبَـيّع ابنة معوّذ بن عفراء حدثته قالت: كان لـي زوج يقل علـيّ الـخير إذا حضرنـي, ويحرمنـي إذا غاب. قالت: فكانت منـي زلة يوما, فقلت: أختلع منك بكل شيء أملكه قال: نعم قال: ففعلت قالت: فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلـى عثمان بن عفـان, فأجاز الـخـلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه. أو قالت: ما دون عقاص الرأس.
4219ـ حدثنـي ابن الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا الـحسن بن يحيى, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: لا بأس بـما خـلعها به من قلـيـل أو كثـير, ولو عُقُصها.
4220ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا حجاج, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: إن شاء أخذ منها أكثر مـما أعطاها.
4221ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: أخبرنـي عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول: قال ابن عبـاس: لـيأخذ منها حتـى قرطها. يعنـي فـي الـخـلع.
4222ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مطرف بن عبد الله, قال: أخبرنا مالك بن أنس, عن نافع, عن مولاة لصفـية ابنة أبـي عبـيد: أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها, فلـم ينكر ذلك عبد الله بن عمر.
4223ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, قال: أخبرنا حميد, عن رجاء بن حيوة, عن قبـيصة بن ذؤيب أنه تلا هذه الآية: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ قال: يأخذ أكثر مـما أعطاها.
4224ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا يزيد وسهل بن يوسف وابن أبـي عديّ, عن حميد, قال: قلت لرجاء بن حيوة: إن الـحسن يقول فـي الـمختلعة: لا يأخذ أكثر مـما أعطاها, ويتأوّل: وَلا تَأخُذُوا مِـما آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئا قال رجاء: فإن قبـيصة بن ذؤيب كان يرخص أن يأخذ أكثر مـما أعطاها, ويتأوّل: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ.
وقال آخرون: هذه الآية منسوخة بقوله: وَإنْ أرَدْتُـمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وآتَـيْتُـمْ إحْدَاهُنّ قِنْطارا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيئَا. ذكر من قال ذلك:
4225ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: حدثنا عقبة بن أبـي الصهبـاء قال: سألت بكرا عن الـمختلعة أيأخذ منها شيئا؟ قال لا وقرأ: وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا.
4226ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا عقبة بن أبـي الصهبـاء, قال: سألت بكر بن عبد الله عن رجل تريد امرأته منه الـخـلع, قال: لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئا. قلت: يقول الله تعالـى ذكره فـي كتابه: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ قال: هذه نسخت. قلت: فإنـي حفظت؟ قال: حفظت فـي سورة النساء قول الله تعالـى ذكره: وَإنْ أرَدْتُـمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوجٍ وآتَـيْتُـمْ إحْدَاهُن قِنْطارا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيْئا أتأخُذُونَهُ بُهْتانا وإثْما مُبِـينا.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: إذا خيف من الرجل والـمرأة أن لا يقـيـما حدود الله علـى سبـيـل ما قدمنا البـيان عنه, فلا حرج علـيهما فـيـما افتدت به الـمرأة نفسها من زوجها من قلـيـل ما تـملكه وكثـيره مـما يجوز للـمسلـمين أن يـملكوه, وإن أتـى ذلك علـى جميع ملكها لأن الله تعالـى ذكره لـم يخص ما أبـاح لهما من ذلك علـى حدّ لا يجاوَز, بل أطلق ذلك فـي كل ما افتدت به غير أنـي أختار للرجل استـحبـابـا لا تـحتـيـما إذا تبـين من امرأته أن افتداءها منه لغير معصيةٍ لله, بل خوفـا منها علـى دينها أن يفـارقها بغير فدية ولا جُعْل فإن شحت نفسه بذلك, فلا يبلغ بـما يأخذ منها جميع ما آتاها. فأما ما قاله بكر بن عبد الله من أن هذا الـحكم فـي جميع الآية منسوخ بقوله: وَإنْ أرَدْتُـمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوجٍ وآتَـيْتُـمْ إحْدَاهُن قِنْطارا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيْئا فقول لا معنى له, فنتشاغل بـالإنابة عن خطئه لـمعنـيـين. أحدهما: إجماع الـجميع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الـمسلـمين, علـى تـخطئته وإجازة أخذ الفدية من الـمفتدية نفسها لزوجها, وفـي ذلك الكفـاية عن الاستشهاد علـى خطئه بغيره. والاَخر: أن الآية التـي فـي سورة النساء إنـما حرّم الله فـيها علـى زوج الـمرأة أن يأخذ منها شيئا مـما آتاها, بأن أراد الرجل استبدال زوج بزوج من غير أن يكون هنالك خوف من الـمسلـمين علـيهما بـمقام أحدهما علـى صاحبه أن لا يقـيـما حدود الله, ولا نشوز من الـمرأة علـى الرجل. وإذا كان الأمر كذلك, فقد ثبت أن أخذ الزوج من امرأته مالاً علـى وجه الإكراه لها والإضرار بها حتـى تعطيه شيئا من مالها علـى فراقها حرام, ولو كان ذلك حبة فضة فصاعدا. وأما الآية التـي فـي سورة البقرة, فإنها إنـما دلت علـى إبـاحة الله تعالـى ذكره له أخذ الفدية منها فـي حال الـخوف علـيهما أن لا يقـيـما حدود الله بنشوز الـمرأة, وطلبها فراق الرجل, ورغبته فـيها. فـالأمر الذي أذن به للزوج فـي أخذ الفدية من الـمرأة فـي سورة البقرة ضد الأمر الذي نهى من أجله عن أخذ الفدية فـي سورة النساء, كما الـحظر فـي سورة النساء غير الطلاق والإبـاحة فـي سورة البقرة. فإنـما يجوز فـي الـحكمين أن يقال أحدهما ناسخ إذا اتفقت معانـي الـمـحكوم فـيه, ثم خولف بـين الأحكام فـيه بـاختلاف الأوقات والأزمنة. وأما اختلاف الأحكام بـاختلاف معانـي الـمـحكوم فـيه فـي حال واحدة ووقت واحد, فذلك هو الـحكمة البـالغة, والـمفهوم فـي العقل والفطرة, وهو من الناسخ والـمنسوخ بـمعزل.
وأما الذي قاله الربـيع بن أنس من أن معنى الآية: فلا جناح علـيهما فـيـما افتدت به منه, يعنـي بذلك: مـما آتـيتـموهن, فنظير قول بكر فـي دعواه نسخ قوله: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ بقوله: وآتَـيْتُـمْ إحْدَاهُن قِنْطارا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيْئا لادّعائه فـي كتاب الله ما لـيس موجودا فـي مصاحف الـمسلـمين رسمه. ويقال لـمن قال بقوله: قد قال من قد علـمت من أئمة الدين: إنـما معنى ذلك: فلا جناح علـيهما فـيـما افتدت به من ملكها, فهل من حجة تبـين تهافتهم غير الدعوى, فقد احتـجوا بظاهر التنزيـل, وادّعيت فـيه خصوصا. ثم يعكس علـيه القول فـي ذلك, فلن يقول فـي شيء من ذلك قولاً إلا ألزم فـي الاَخر مثله. وقد بـينا الأدلة بـالشواهد علـى صحة قول من قال للزوج أن يأخذ منها كل ما أعطته الـمفتدية التـي أبـاح الله لها الافتداء فـي كتابنا كتاب «اللطيف» فكرهنا إعادته فـي هذا الـموضع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأوُلَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: تلك معالـم فصوله, بـين ما أحلّ لكم, وما حرّم علـيكم أيها الناس, فلا تعتدوا ما أحلّ لكم من الأمور التـي بـينها وفصلها لكم من الـحلال, إلـى ما حرّم علـيكم, فتـجاوزوا طاعته إلـى معصيته.
وإنـما عنى تعالـى ذكره بقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها هذه الأشياء التـي بـينت لكم فـي هذه الاَيات التـي مضت من نكاح الـمشركات الوثنـيات, وإنكاح الـمشركين الـمسلـمات, وإتـيان النساء فـي الـمـحيض, وما قد بـين فـي الاَيات الـماضية قبل قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ مـما أحلّ لعبـاده وحرّم علـيهم, وما أمر ونهى. ثم قال لهم تعالـى ذكره: هذه الأشياء التـي بـينت لكم حلالها من حرامها حدودي, يعنـي به: معالـم فصول ما بـين طاعتـي ومعصيتـي فلا تعتدوها يقول: فلا تتـجاوزوا ما أحللته لكم إلـى ما حرّمته علـيكم, وما أمرتكم به إلـى ما نهيتكم عنه, ولا طاعتـي إلـى معصيتـي, فإن من تعدّى ذلك يعنـي من تـخطاه وتـجاوزه إلـى ما حرّمت علـيه أو نهيته, فإنه هو الظالـم, وهو الذي فعل ما لـيس له فعله, ووضع الشيء فـي غير موضعه.
وقد دللنا فـيـما مضى علـى معنى الظلـم وأصله بشواهده الدالة علـى معناه, فكرهنا إعادته فـي هذا الـموضع.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل وإن خالفت ألفـاظ تأويـلهم ألفـاظ تأويـلنا, غير أن معنى ما قالوا فـي ذلك (يرجع) إلـى معنى ما قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
4227ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها يعنـي بـالـحدود: الطاعة.
4228ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها يقول: من طلق لغير العدة فقد اعتدى وظلـم نفسه, ومن يتعد حدود الله, فأولئك هم الظالـمون.
قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكر عن الضحاك لا معنى له فـي هذا الـموضع, لأنه لـم يجر للطلاق فـي العدّة ذكر, فـيقال: تلك حدود الله, وإنـما جرى ذكر العدد الذي يكون للـمطلق فـيه الرجعة, والذي لا يكون له فـيه الرجعة دون ذكر البـيان عن الطلاق للعدة.
الآية : 230
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِنْ طَلّقَهَا فَلاَ تَحِلّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّىَ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }
اختلف أهل التأويـل فـيـما دلّ علـيه هذا القول من الله تعالـى ذكره فقال بعضهم: دلّ علـى أنه إن طلق الرجل امرأته التطلـيقة الثالثة بعد التطلـيقتـين اللتـين قال الله تعالـى ذكره فـيهما: الطّلاقُ مَرّتانِ فإن امرأته تلك لا تـحلّ له بعد التطلـيقة الثالثة حتـى تنكح زوجا غيره, يعنـي به غير الـمطلق. ذكر من قال ذلك:
4229ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: جعل الله الطلاق ثلاثا, فإذا طلقها واحدة فهو أحقّ بها ما لـم تنقض العدة, وعدتها ثلاث حيض, فإن انقضت العدة قبل أن يكون راجعها فقد بـانت منه, وصارت أحق بنفسها, وصار خاطبـا من الـخطاب, فكان الرجل إذا أراد طلاق أهله نظر حيضتها, حتـى إذا طهرت طلقها تطلـيقة فـي قُبْل عدتها عند شاهدي عدل, فإن بدا له مراجعتها راجعها ما كانت فـي عدتها, وإن تركها حتـى تنقضي عدتها فقد بـانت منه بواحدة, وإن بدا له طلاقها بعد الواحدة وهي فـي عدتها نظر حيضتها, حتـى إذا طهرت طلقها تطلـيقة أخرى فـي قُبْل عدتها, فإن بدا له مراجعتها راجعها, فكانت عنده علـى واحدة, وإن بدا له طلاقها طلقها الثالثة عند طهرها, فهذه الثالثة التـي قال الله تعالـى ذكره: فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حّتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ.
4230ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: فإنْ طَلّقَها فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حّتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ يقول: إن طلقها ثلاثا, فلا تـحلّ حتـى تنكح زوجا غيره.
4231ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, قال: إذا طلق واحدة أو ثنتـين فله الرجعة ما لـم تنقض العدة, قال: والثالثة قوله: فإنْ طَلّقَها يعنـي بـالثالثة فلا رجعة له علـيها حتـى تنكح زوجا غيره.
4232ـ حدثنا يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, بنـحوه.
4233ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فإنْ طَلّقَها بعد التطلـيقتـين فلا تـحلّ له من بعد حتـى تنكح زوجا غيره, وهذه الثالثة.
وقال آخرون: بل دلّ هذا القول علـى ما يـلزم مسرح امرأته بإحسان بعد التطلـيقتـين اللتـين قال الله تعالـى ذكره فـيهما: الطّلاقُ مَرّتانِ. قالوا: وإنـما بـين الله تعالـى ذكره بهذا القول عن حكم قوله: أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ وأعْلَـمَ أنه إن سرح الرجل امرأته بعد التطلـيقتـين فلا تـحلّ له الـمسرّحة كذلك إلا بعد زوج. ذكر من قال ذلك:
4234ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فإنْ طَلّقَها فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حّتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ قال: عاد إلـى قوله: فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ.
4235ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قال أبو جعفر: والذي قاله مـجاهد فـي ذلك عندنا أولـى بـالصواب للذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي الـخبر الذي رويناه عنه أنه قال: أو سئل فقـيـل: هذا قول الله تعالـى ذكره: الطّلاقُ مرّتانِ فأين الثالثة؟ قال: «فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ». فأخبر صلى الله عليه وسلم, أن الثالثة إنـما هي قوله: أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ. فإذ كان التسريح بـالإحسان هو الثالثة, فمعلوم أن قوله: فإنْ طَلّقَها فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حّتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ من الدلالة علـى التطلـيقة الثالثة بـمعزل, وأنه إنـما هو بـيان عن الذي يحلّ للـمسرح بـالإحسان إن سرّح زوجته بعد التطلـيقتـين, والذي يحرم علـيه منها, والـحال التـي يجوز له نكاحها فـيها, وإعلام عبـاده أن بعد التسريح علـى ما وصفت لا رجعة للرجل علـى امرأته.
فإن قال قائل: فأيّ النكاحين عنى الله بقوله: فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حّتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ ألنكاح الذي هو جماع أم النكاح الذي هو عقد تزويج؟ قـيـل: كلاهما, وذلك أن الـمرأة إذا نكحت رجلاً نكاح تزويج لـم يطأها فـي ذلك النكاح ناكحها ولـم يجامعها حتـى يطلقها لـم تـحلّ للأول, وكذلك إن وطئها واطىء بغير نكاح لـم تـحلّ للأول بإجماع الأمة جميعا. فإذ كان ذلك كذلك, فمعلوم أن تأويـل قوله: فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حّتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ نكاحا صحيحا, ثم يجامعها فـيه, ثم يطلقها.
فإن قال: فإن ذكر الـجماع غير موجود فـي كتاب الله تعالـى ذكره, فما الدلالة علـى أن معناه ما قلت؟ قـيـل: الدلالة علـى ذلك إجماع الأمة جميعا علـى أن ذلك معناه. وبعد, فإن الله تعالـى ذكره قال: فإنْ طَلّقَها فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حّتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ فلو نكحت زوجا غيره بعقب الطلاق قبل انقضاء عدتها, كان لا شك أنها ناكحة نكاحا بغير الـمعنى الذي أبـاح الله تعالـى ذكره لها ذلك به, وإن لـم يكن ذكر العدة مقرونا بقوله: فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حّتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ لدلالته علـى أن ذلك كذلك بقوله: وَالـمُطَلّقاتُ يَتَرَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وكذلك قوله: فَإنْ طَلّقَها فَلا تَـحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حّتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ وإن لـم يكن مقرونا به ذكر الـجماع والـمبـاشرة والإفضاء فقد دلّ علـى أن ذلك كذلك بوحيه إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبـيانه ذلك علـى لسانه لعبـاده. ذكر الأخبـار الـمروية بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
4236ـ حدثنـي عبـيد الله بن إسماعيـل الهبـاري, وسفـيان بن وكيع, وأبو هشام الرفـاعي, قالوا: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيـم, عن الأسود, عن عائشة, قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوّجت رجلاً غيره فدخـل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها, أتـحلّ لزوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَـحِلّ لِزَوْجِها الأوّلِ حتـى يَذُوقَ الاَخَرُ عُسَيْـلَتها وتَذُوقَ عُسْيَـلَتَهُ».
4237ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة, عن النبـي صلى الله عليه وسلم, نـحوه.
4238ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, قال: سمعتها تقول: جاءت امرأة رفـاعة القرظي إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: كنت عند رفـاعة فطلقنـي, فبتّ طلاقـي, فتزوّجت عبد الرحمن بن الزّبـير, وإن ما معه مثل هُدْبة الثوب, فقال لها: «تُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إلـى رِفـاعَةَ؟ لا, حتـى تَذُوقـي عُسَيْـلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيْـلَتَك».
4239ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي يونس, عن ابن شهاب, عن عروة, عن عائشة, نـحوه.
4240ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب, قال: ثنـي عروة بن الزبـير, أن عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته أن امرأة رفـاعة القرظي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله, فذكر مثله.
4241ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة أن رفـاعة القرظي طلق امرأته, فبتّ طلاقها, فتزوجها بعدُ عبد الرحمن بن الزّبـير, فجاءت النبـي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبـي الله إنها كانت عند رفـاعة, فطلقها آخر ثلاث تطلـيقات, فتزوّجت بعده عبد الرحمن بن الزّبـير, وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل الهدبة. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال لها: «لَعلّكِ تُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إلـى رِفـاعَةَ؟ لا, حتـى تذُوِقـي عُسَيْـلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْـلَتَكِ» قالت: وأبو بكر جالس عند النبـي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بن العاص ببـاب الـحجرة لـم يؤذن له, فطفق خالد ينادي يا أبـا بكر يقول: يا أبـا بكر ألا تزجر هذه عما تـجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
4242ـ حدثنا مـحمد بن يزيد الأودي, قال: حدثنا يحيى بن سلـيـم, عن عبـيد الله, عن القاسم, عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ حّتـى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْـلَتِها ما ذَاقَ الأوّلُ».
4243ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت عبـيد الله, قال: سمعت القاسم يحدّث عن عائشة, قال: قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ حتـى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْـلَتِها ما ذَاقَ صَاحِبُهُ».
4244ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى, عن عبـيد الله, قال: حدثنا القاسم, عن عائشة, أن رجلاً طلق امرأته ثلاثا, فتزوّجت زوجا, فطلقها قبل أن يـمسها, فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتـحلّ للأوّل؟ قال: «لاَ حّتـى يَذُوقَ عُسَيْـلَتَها كمَا ذَاقَ الأوّلُ».
4245ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا موسى بن عيسى اللـيثـي, عن زائدة, عن علـيّ بن زيد, عن أم مـحمد, عن عائشة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «إذَا طَلّقَ الرّجُلُ امْرأتَه ثَلاثا لَـمْ تَـحِلّ لَهُ حتـى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ, فَـيَذُوقَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما عُسَيْـلَةَ صَاحِبِهِ».
4246ـ حدثنـي العبـاس بن أبـي طالب, قال: أخبرنا سعيد بن حفص الطلـحي, قال: أخبرنا شيبـان, عن يحيى, عن أبـي الـحارث الغفـاري, عن أبـي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «حتـى يَذُوقَ عُسَيْـلَتَها».
4247ـ حدثنـي عبـيد بن آدم بن أبـي إياس العسقلانـي, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا شيبـان, قال: حدثنا يحيى بن أبـي كثـير, عن أبـي الـحارث الغفـاري, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي الـمرأة يطلقها زوجها ثلاثا, فتتزوّج غيره, فـيطلقها قبل أن يدخـل بها, فـيريد الأول أن يراجعها, قال: «لا, حتـى يَذُوقَ عُسَيْـلَتَها».
4248ـ حدثنـي مـحمد بن إبراهيـم الأنـماطي, قال: حدثنا هشام بن عبد الـملك, قال: حدثنا مـحمد بن دينار, قال: حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي, عن أنس بن مالك, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي رجل طلق امرأته ثلاثا, فتزوجها آخر فطلقها قبل أن يدخـل بها, أترجع إلـى زوجها الأول؟ قال: «لا, حتـى يَذُوقَ عُسَيْـلَتَها وَتَذُوقَ عُسَيْـلَتَهُ».
4249ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, ويعقوب بن ماهان, قالا: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يحيى بن أبـي إسحاق, عن سلـيـمان بن يسار, عن عبـيد الله بن العبـاس: أن الغميصاء أو الرميصاء جاءت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها, وتزعم أنه لا يصل إلـيها, قال: فما كان إلا يسيرا حتـى جاء زوجها, فزعم أنها كاذبة, ولكنها تريد أن ترجع إلـى زوجها الأول, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَـيْسَ لَكِ حتـى يَذُوقَ عُسَيْـلَتَكِ رَجُلٌ غَيْرُهُ».
4250ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن علقمة بن مرثد, عن سالـم بن رزين الأحمري, عن سالـم بن عبد الله, عن سعيد بن الـمسيب, عن ابن عمر, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي رجل يتزوّج الـمرأة فـيطلقها قبل أن يدخـل بها البتة, فتتزوّج زوجا آخر, فـيطلقها قبل أن يدخـل بها, أترجع إلـى الأوّل؟ قال: «لا حتـى تَذُوقَ عُسَيْـلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْـلَتَها».
4251ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن علقمة بن مرثد, عن رزين الأحمري, عن ابن عمر, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا, فـيتزوّجها رجل, فأغلق البـاب, فطلقها قبل أن يدخـل بها, أترجع إلـى زوجها الاَخر؟ قال: «لا حتـى يَذُوقَ عُسَيْـلَتَها».
4252ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن علقمة بن مرثد, عن سلـيـمان بن رزين, عن ابن عمر أنه سأل النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو يخطب عن رجل طلق امرأته, فتزوّجت بعده, ثم طلقها أو مات عنها, أيتزوّجها الأول؟ قال: «لا حتـى تَذُوقَ عُسَيْـلَتَهُ».
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنْ طَلّقَها فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما أنْ يَتَرَاجَعا إنْ ظَنّا أنْ يُقـيِـما حُدُودَ اللّهِ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فإنْ طَلّقَها فإن طلق الـمرأة التـي بـانت من زوجها بآخر التطلـيقات الثلاث بعد ما نكحها مطلقها الثانـي, زوجها الذي نكحها بعد بـينونتها من الأوّل فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما يقول تعالـى ذكره: فلا حرج علـى الـمرأة التـي طلقها هذا الثانـي من بعد بـينونتها من الأوّل, وبعد نكاحه إياها, وعلـى الزوج الأول الذي كانت حرمت علـيه ببـينونتها منه بآخر التطلـيقات أن يتراجعا بنكاح جديد. كما:
4253ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة عن ابن عبـاس: فإنْ طَلّقَها فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما أنْ يَتَرَاجَعا إنْ ظَنّا أنْ يُقـيِـما حُدُودَ اللّهِ يقول: إذا تزوّجت بعد الأول, فدخـل الاَخر بها, فلا حرج علـى الأول أن يتزوّجها إذا طلق الاَخر أو مات عنها, فقد حلت له.
4254ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشام, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, قال: إذا طلق واحدة أو ثنتـين, فله الرجعة ما لـم تنقض العدة. قال: والثالثة قوله: فإنْ طَلّقَها يعنـي الثالثة فلا رجعة له علـيها حتـى تنكح زوجا غيره, فـيدخـل بها, فإن طلقها هذا الأخير بعد ما يدخـل بها, فلا جناح علـيهما أن يتراجعا يعنـي الأوّل إن ظنا أن يقـيـما حدود الله.
وأما قوله: إنْ ظَنّا أنْ يُقـيِـما حُدُودَ اللّهِ فإن معناه: إن رجوا مطمعا أن يقـيـما حدود الله. وإقامتهما حدود الله: العمل بها, وحدود الله: ما أمرهما به, وأوجب بكل واحد منهما علـى صاحبه, وألزم كل واحد منهما بسبب النكاح الذي يكون بـينهما. وقد بـينا معنى الـحدود ومعنى إقامة ذلك بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وكان مـجاهد يقول فـي تأويـل قوله: إنْ ظَنّا أنْ يُقـيِـما حُدُودَ اللّهِ ما:
4255ـ حدثنـي به مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: إنْ ظَنّا أنْ يُقـيِـما حُدُودَ اللّهِ إن ظنا أن نكاحهما علـى غير دُلْسَة.
4256ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وقد وجه بعض أهل التأويـل قوله إنْ ظَنّا إلـى أنه بـمعنى: إن أيقنا. وذلك ما لا وجه له, لأن أحدا لا يعلـم ما هو كائن إلا الله تعالـى ذكره. فإذ كان ذلك كذلك, فما الـمعنى الذي به يوقن الرجل والـمرأة أنهما إذا تراجعا أقاما حدود الله؟ ولكن معنى ذلك كما قال تعالـى ذكره: إنْ ظَنّا بـمعنى طمعا بذلك ورجواه «وأن» التـي فـي قوله أنْ يُقِـيـما فـي موضع نصب ب «ظَنّا», و«أن» التـي فـي أن يتراجعا جعلها بعض أهل العربـية فـي موضع نصب بفقد الـخافض, لأن معنى الكلام: فلا جناح علـيهما فـي أن يتراجعا, فلـما حذفت «فـي» التـي كانت تـخفضها نصبها, فكأنه قال: فلا جناح علـيهما تراجعهما. وكان بعضهم يقول: موضعه خفض, وإن لـم يكن معها خافضها, وإن كان مـحذوفـا فمعروف موضعه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَتِلْكَ حُدودُ الله يُبَـيّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَـمُونَ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَتِلْكَ حُدُودُ الله هذه الأمور التـي بـينها لعبـاده فـي الطلاق والرجعة والفدية والعدة والإيلاء وغير ذلك مـما يبـينه لهم فـي هذه الاَيات, حدود الله معالـم فصول حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته, يُبَـيّنُها: يفصلها, فـيـميز بـينها, ويعرفهم أحكامها لقوم يعلـمونها إذا بـينها الله لهم, فـيعرفون أنها من عند الله, فـيصدقون بها, ويعملون بـما أودعهم الله من علـمه, دون الذين قد طبع الله علـى قلوبهم, وقضى علـيهم أنهم لا يؤمنون بها, ولا يصدّقون بأنها من عند الله, فهم يجهلون أنها من الله, وأنها تنزيـل من حكيـم حميد. ولذلك خص القوم الذي يعلـمون بـالبـيان دون الذين يجهلون, إذ كان الذين يجهلون أنها من عنده قد آيس نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم من تصديق كثـير منهم بها, وإن كان بـينها لهم من وجه الـحجة علـيهم ولزوم العمل لهم بها, وإنـما أخرجها من أن تكون بـيانا لهم من وجه تركهم الإقرار والتصديق به