تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم ..
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
[ سورة الأنفال: 25]
معنى و تفسير الآية 25 من سورة الأنفال : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم .
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
تفسير السعدي : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} بل تصيب فاعل الظلم وغيره، وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره، وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} من تعرض لمساخطه، وجانب رضاه.
تفسير البغوي : مضمون الآية 25 من سورة الأنفال
( واتقوا فتنة ) اختبارا وبلاء ( لا تصيبن ) قوله : " لا تصيبن " ليس بجزاء محض ، ولو كان جزاء لم تدخل فيه النون ، لكنه نفي وفيه طرف من الجزاء كقوله تعالى : " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده " ( النمل - 18 ) وتقديره واتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم ، فهو كقول القائل : انزل عن الدابة لا تطرحنك ، فهذا جواب الأمر بلفظ النهي ، معناه إن تنزل لا تطرحك .قال المفسرون : نزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعناه : اتقوا فتنة تصيب الظالم وغير الظالم .قال الحسن : نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير رضي الله عنهم . قال الزبير : لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها ، يعني ما كان يوم الجمل .وقال السدي ومقاتل والضحاك وقتادة : هذا في قوم مخصوصين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابتهم الفتنة يوم الجمل .وقال ابن عباس : أمر الله - عز وجل - المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم .أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا أبو طاهر الحارثي ، أنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، ثنا عبد الله بن المبارك ، عن سيف بن أبي سليمان ، قال : سمعت عدي بن عدي الكندي يقول : حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة " . وقال ابن زيد : أراد بالفتنة افتراق الكلمة ومخالفة بعضهم بعضا .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به " .قوله ( لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) يعني : العذاب ، ( واعلموا أن الله شديد العقاب )
التفسير الوسيط : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم
ثم يؤكد- سبحانه - بعد ذلك ترهيبه لهم من التراخي في تغيير المنكر فيقول: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.والفتنة: من الفتن. وأصله- كما يقول الراغب-: إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الإنسان النار.كما في قوله-تبارك وتعالى- ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ أى: عذابكم. وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فتنة فيستعمل فيه نحو قوله-تبارك وتعالى-: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا. وتارة في الاختيار نحو قوله-تبارك وتعالى- وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً .والمراد بالفتنة هنا العذاب الدنيوي، كالأمراض، والقحط، واضطراب الأحوال، وتسلط الظلمة، وعدم الأمان.. وغير ذلك من المحن والمصائب والآلام التي تنزل بالناس بسبب غشيانهم الذنوب، وإقرارهم للمنكرات، والمداهنة في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.والخطاب لجميع المؤمنين في كل زمان ومكان.فالمعنى: داوموا أيها المؤمنون على طاعة الله بقوة ونشاط، واحذروا من أن ينزل بكم عذاب سيعم عند نزوله الأخيار والفجار والمحسنين والمسيئين.وقوله، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ المراد منه الحث على لزوم الاستقامة خوفا من عقاب الله-تبارك وتعالى-.أى: واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره، وانتهك حرماته.قال صاحب الكشاف: وقوله لا تُصِيبَنَّ لا يخلو من أن يكون جوابا للأمر، أو نهيا بعد أمر، أو صفة لفتنة.فإذا كان جوابا فالمعنى: إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم ... وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل: واحذروا ذنبا أو عقابا، ثم قيل: لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله الجميع وليس من ظلم منكم خاصة.فإن قلت: كيف جاز دخول النون المؤكدة في جواب الأمر؟قلت: لأن فيه معنى النهى- ومتى كان كذلك جاز إدخال النون المؤكدة- كما إذا قلت:انزل عن الدابة لا تطرحك أو لا تطرحنك. ومنه قوله-تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ .وقوله خَاصَّةً منصوب على الحال من الفاعل المستكن في قوله لا تُصِيبَنَّ.ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف. والتقدير: إصابة خاصة.هذا، وقد دلت الآية الكريمة على وجوب الإقلاع عن المعاصي، ووجوب محاربة مرتكبيها، فإن الأمة التي تشيع فيها المعاصي والمظالم والمنكرات.. ثم لا تجد من يحاربها ويعمل على إزالتها، تستحق العقوبة جزاء سكوتها واستخذائها وجبنها.وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية الكريمة نزلت في حق بعض الصحابة الذين اشتركوا في واقعة الجمل فيما بعد.ولكن هذا القول غير صحيح لأن الآية الكريمة تخاطب المؤمنين جميعا في كل زمان ومكان، وتأمرهم بالبعد عن المعاصي والمنكرات التي تفضى بهم إلى العذاب الدنيوي قبل الأخروى. وليست خاصة بفريق دون فريق.لذا قال ابن كثير: والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم هو الصحيح، ويدل عليه الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن.ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد عن عدى بن عميرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله-تبارك وتعالى- لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة» .وروى الإمام أحمد أيضا عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم أعز وأكثر ممن يعملون، ثم لم يغيروه، إلا عمهم الله بعقاب» .وقال الإمام القرطبي: قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب.ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له:يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» .وفي صحيح الترمذي: «إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه، أو شك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» .وفي صحيح البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا- أى اقترعوا- على سفينة فأصاب بعضهم أغلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» .ففي هذا الحديث تعذيب العامة بذنوب الخاصة.قال علماؤنا: فالفتنة إذا عمت هلك الكل وذلك عند ظهور المعاصي، وانتشار المنكر وعدم التغيير. وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها.روى ابن وهب عن مالك قال: تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارا ولا يستقر فيها.واحتج بصنيع أبى الدرداء في خروجه عن أرض معاوية حين أعلن بالربا، فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها.فإن قيل: فقد قال الله-تبارك وتعالى- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وقال: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. وهذا يوجب ألا يؤخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب؟فالجواب أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره، فإذا سكت عليه فكلهم عاص هذا بفعله وهذا برضاه، وقد جعل الله في حكمه الراضي بمنزلة العامل فانتظم في العقوبة .وقال بعض العلماء: وذكر القسطلاني «أن علامة الرضا بالمنكر عدم التألم من الخلل الذي يقع في الدين بفعل المعاصي، فلا يتحقق كون الإنسان كارها له، إلا إذا تألم للخلل الذي يقع في الدين، كما يتألم ويتوجع لفقد ماله أو ولده. فكل من لم يكن بهذه الحالة، فهو راض بالمنكر، فتعمه العقوبة والمصيبة بهذا الاعتبار .
تفسير ابن كثير : شرح الآية 25 من سورة الأنفال
يحذر تعالى عباده المؤمنين } فتنة } أي: اختبارا ومحنة ، يعم بها المسيء وغيره ، لا يخص بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب ، بل يعمهما ، حيث لم تدفع وترفع . كما قال الإمام أحمد :
حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا شداد بن سعيد ، حدثنا غيلان بن جرير ، عن مطرف قال : قلنا للزبير : يا أبا عبد الله ، ما جاء بكم ؟ ضيعتم الخليفة الذي قتل ، ثم جئتم تطلبون بدمه ؟ فقال الزبير - رضي الله عنه - : إنا قرأنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت .
وقد رواه البزار من حديث مطرف ، عن الزبير ، وقال : لا نعرف مطرفا روى عن الزبير غير هذا الحديث .
وقد روى النسائي من حديث جرير بن حازم ، عن الحسن ، عن الزبير نحو هذا .
وروى ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : قال الزبير : لقد خوفنا بها ، يعني قوله [ تعالى ] { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ظننا أنا خصصنا بها خاصة .
وكذا رواه حميد ، عن الحسن ، عن الزبير ، رضي الله عنه .
وقال داود بن أبي هند ، عن الحسن في هذه الآية قال : نزلت في علي ، وعثمان وطلحة والزبير ، رضي الله عنهم .
وقال سفيان الثوري عن الصلت بن دينار ، عن عقبة بن صهبان ، سمعت الزبير يقول : لقد قرأت هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإن نحن المعنيون بها : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب }
وقد روي من غير وجه ، عن الزبير بن العوام .
وقال السدي : نزلت في أهل بدر خاصة ، فأصابتهم يوم الجمل ، فاقتتلوا .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } يعني : أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة .
وقال في رواية له ، عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية : أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين ظهرانيهم إليهم فيعمهم الله بالعذاب .
وهذا تفسير حسن جدا ؛ ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } هي أيضا لكم ، وكذا قال الضحاك ، ويزيد بن أبي حبيب ، وغير واحد .
وقال ابن مسعود : ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ، إن الله تعالى يقول : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } [ التغابن : 15 ] فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن . رواه ابن جرير .
والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم - وإن كان الخطاب معهم - هو الصحيح ، ويدل على ذلك الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن ، ولذلك كتاب مستقل يوضح فيه إن شاء الله تعالى ، كما فعله الأئمة وأفردوه بالتصنيف ومن أخص ما يذكر هاهنا ما رواه الإمام أحمد حيث قال :
حدثنا أحمد بن الحجاج ، أخبرنا عبد الله - يعني ابن المبارك - أنبأنا سيف بن أبي سليمان ، سمعت عدي بن عدي الكندي يقول : حدثني مولى لنا أنه سمع جدي - يعني عدي بن عميرة - يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله - عز وجل - لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة .
فيه رجل مبهم ، ولم يخرجوه في الكتب الستة ، ولا واحد منهم ، والله أعلم .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان الهاشمي ، حدثنا إسماعيل - يعني ابن جعفر - أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهل ، عن حذيفة بن اليمان ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم .
ورواه عن أبي سعيد ، عن إسماعيل بن جعفر ، وقال : أو ليبعثن الله عليكم قوما ثم تدعونه فلا يستجيب لكم .
وقال أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، قال حدثنا رزين بن حبيب الجهني ، حدثني أبو الرقاد قال : خرجت مع مولاي ، فدفعت إلى حذيفة وهو يقول : إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصير منافقا ، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات ؛ لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتحاضن على الخير ، أو ليسحتنكم الله جميعا بعذاب ، أو ليؤمرن عليكم شراركم ، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم .
حديث آخر : قال الإمام أحمد أيضا : حدثني يحيى بن سعيد ، عن زكريا ، حدثنا عامر ، قال : سمعت النعمان بن بشير - رضي الله عنه - يخطب يقول - وأومأ بإصبعيه إلى أذنيه - يقول : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها - أو المدهن فيها - كمثل قوم ركبوا سفينة ، فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها ، وأصاب بعضهم أعلاها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم ، فقالوا : لو خرقنا في نصيبنا خرقا ، فاستقينا منه ، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا .
انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم ، فرواه في " الشركة " و " الشهادات " ، والترمذي في الفتن من غير وجه ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن عامر بن شراحيل الشعبي ، به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن ليث ، عن علقمة بن مرثد ، عن المعرور بن سويد ، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا ظهرت المعاصي في أمتي ، عمهم الله بعذاب من عنده . فقلت : يا رسول الله ، أما فيهم أناس صالحون ؟ قال : بلى ، قالت : فكيف يصنع أولئك ؟ قال : يصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج بن محمد ، أخبرنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن المنذر بن جرير ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من قوم يعملون بالمعاصي ، وفيهم رجل أعز منهم وأمنع لا يغيرون ، إلا عمهم الله بعقاب - أو : أصابهم العقاب .
ورواه أبو داود ، عن مسدد ، عن أبي الأحوص ، عن أبي إسحاق ، به .
وقال أحمد أيضا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق يحدث ، عن عبيد الله بن جرير ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، هم أعز وأكثر ممن يعمله ، لم يغيروه ، إلا عمهم الله بعقاب .
ثم رواه أيضا عن وكيع ، عن إسرائيل - وعن عبد الرزاق ، عن معمر - وعن أسود ، عن شريك ويونس - كلهم عن أبي إسحاق السبيعي ، به .
وأخرجه ابن ماجه ، عن علي بن محمد ، عن وكيع ، به .
[ حديث آخر ] وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، حدثنا جامع بن أبي راشد ، عن منذر ، عن حسن بن محمد ، عن امرأته ، عن عائشة تبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا ظهر السوء في الأرض ، أنزل الله بأهل الأرض بأسه . قالت : وفيهم أهل طاعة الله ؟ قال : نعم ، ثم يصيرون إلى رحمة الله .
تفسير الطبري : معنى الآية 25 من سورة الأنفال
القول في تأويل قوله : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 25 )قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: " اتقوا "، أيها المؤمنون= " فتنة ", يقول: اختبارًا من الله يختبركم, وبلاء يبتليكم ( 64 ) = " لا تصيبن "، هذه الفتنة التي حذرتكموها ( 65 ) " الذين ظلموا ", وهم الذين فعلوا ما ليس لهم فعله, إما أجْرام أصابوها، وذنوب بينهم وبين الله ركبوها. يحذرهم جل ثناؤه أن يركبوا له معصية، أو يأتوا مأثمًا يستحقون بذلك منه عقوبة. ( 66 )* * *وقيل: إن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين عُنوا بها.* ذكر من قال ذلك:15903- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن إبراهيم قال، حدثنا الحسن بن أبي جعفر قال، حدثنا داود بن أبي هند, عن الحسن في قوله: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )، قال: نزلت في علي، وعثمان، وطلحة، والزبير, رحمة الله عليهم.15904- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )، قال قتادة: قال الزبير بن العوام: لقد نزلت وما نرى أحدًا منا يقع بها. ثم خُلِّفْنا في إصابتنا خاصة. ( 67 )15905 - حدثني المثنى قال، حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة قال، حدثنا حماد, عن حميد, عن الحسن: أن الزبير بن العوام قال: نزلت هذه الآية: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )، وما نظننا أهلها, ونحن عُنِينا بها. ( 68 )15906 - . . . . قال، حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن الصلت بن دينار, عن ابن صبهان قال: سمعت الزبير بن العوام يقول: قرأت هذه الآية زمانًا، وما أرانا من أهلها, فإذا نحن المعنيون بها: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ). ( 69 )15907- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) ، قال: هذه نزلت في أهل بدر خاصة, وأصابتهم يوم الجمل، فاقتتلوا.15908- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن ابن أبي خالد, عن السدي: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )، قال: أصحاب الجمل.15909- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية, عن علي, عن ابن عباس: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )، قال: أمر الله المؤمنين أن لا يقرُّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمَّهم الله بالعذاب.15910- . . . . قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )، قال: هى أيضًا لكم.15911- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )، قال: " الفتنة "، الضلالة.15912- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن المسعودي, عن القاسم قال: قال عبد الله: ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة, إن الله يقول: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [ سورة الأنفال: 28 ]، فليستعذ بالله من مُضِلات الفتن. ( 70 )15913- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك بن فضالة, عن الحسن قال: قال الزبير: لقد خُوِّفنا بها= يعني قوله: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) .* * *واختلف أهل العربية في تأويل ذلك.فقال بعض نحويي البصرة: ( اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا )، قوله: " لا تصيبن ", ليس بجواب, ولكنه نهي بعد أمر, ولو كان جوابًا ما دخلت " النون ".* * *وقال بعض نحويي الكوفة قوله: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا )، أمرهم ثم نهاهم. وفيه طرَفٌ من الجزاء، ( 71 ) وإن كان نهيًا. قال: ومثله قوله: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ ، [ سورة النمل: 18 ]، أمرهم ثم نهاهم, وفيه تأويل الجزاء. ( 72 )وكأن معنى الكلام عنده: اتقوا فتنة، إن لم تتقوها أصابتكم.* * *وأما قوله: ( واعلموا أن الله شديد العقاب )، فإنه تحذير من الله، ووعيد لمن واقع الفتنة التي حذره إياها بقوله: ( واتقوا فتنة ) , يقول: اعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم شديد عقابه لمن افتُتن بظلم نفسه، وخالف أمره, فأثم به. ( 73 )الهوامش:( 64 ) انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف ص : 151 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .( 65 ) انظر تفسير " الإصابة " فيما سلف 2 : 96 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .( 66 ) انظر تفسير " الخصوص " فيما سلف 2 : 471 6 : 517 .( 67 ) في المطبوعة : " ثم خصتنا في إصابتنا خاصة " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو فيها غير منقوط ، وظننت أن صواب نقطها ما أثبت . يعني : أنهم بقوا بعد الذين مضوا ، فإذا هي في إصابتهم خاصة .( 68 ) الأثر : 15905 - " زيد بن عوف القطعي " ، " أبو ربيعة " . ولقبه " فهد " ، متكلم فيه ، ضعيف ، مضى برقم : 5623 ، 14215 ، 14218 .( 69 ) الأثر : 15906 - " الصلت بن دينار الأزدي " " أبو شعيب " ، " المجنون " . متروك لا يحتج بحديثه . مترجم في التهذيب . والكبير 2 / 2 / 305 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 437 . وميزان الاعتدال 1: 468 .وابن صهبان" هو "عقبة بن صهبان الحداني الأزدي " تابعي ثقة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 113/ 312 ، ولم أجدهم ذكروا له رواية عن الزبير بن العوام ، ولكنه روى عن عثمان ، وعياض بن حمار ، وعبد الله بن مغفل ، وأبي بكرة الثقفي وعائشة .( 70 ) الأثر : 15912 - انظر الأثر التالي رقم : 15934 ، ونصه : " فمن استعاذ منكم ، فليستعذ . .. " ، وكأنه الصواب .( 71 ) في المطبوعة : " ومنكم ظرف من الجزاء " ، فجاء الناشر بكلام غث لا معنى له وفي المخطوطة : " ومنه طرف " ، وصواب قراءته ما أثبت ، مطابقًا لما في معاني القرآن للفراء .( 72 ) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1 : 407 .( 73 ) انظر تفسير " شديد العقاب " فيما سلف من فهارس اللغة ( شدد ) ، ( عقب ) .
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة من
- تفسير: قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون
- تفسير: ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون
- تفسير: فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين
- تفسير: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما
- تفسير: أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير
- تفسير: وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار
- تفسير: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون
- تفسير: والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله
- تفسير: زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك
تحميل سورة الأنفال mp3 :
سورة الأنفال mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأنفال
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب