تفسير الطبري تفسير الصفحة 179 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 179
180
178
 الآية : 17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـَكِنّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ رَمَىَ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلآءً حَسَناً إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }..
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله مـمن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل أعداء دينه معه من كفـار قريش: فلـم تقتلوا الـمشركين أيها الـمؤمنون أنتـم, ولكن الله قتلهم. وأضاف جلّ ثناؤه قتلهم إلـى نفسه, ونفـاه عن الـمؤمنـين به الذين قاتلوا الـمشركين, إذ كان جلّ ثناؤه هو مسبب قتلهم, وعن أمره كان قتال الـمؤمنـين إياهم, ففـي ذلك أدلّ الدلـيـل علـى فساد قول الـمنكرين أن يكون لله فـي أفعال خـلقه صنع به وصلوا إلها. وكذلك قوله لنبـيه علـيه الصلاة والسلام: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمى فأضاف الرمي إلـى نبـيّ الله, ثم نفـاه عنه, وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي, إذ كان جلّ ثناؤه هو الـموصل الـمرميّ به إلـى الذين رمُوا من به الـمشركين, والـمسبب الرمية لرسوله. فـيقال للـمسلـمين ما ذكرنا: قد علـمتـم إضافة الله رمى نبـيه صلى الله عليه وسلم الـمشركين إلـى نفسه بعد وصفه نبـيه به وإضافته إلـيه ذلك فعل واحد كان من الله بتسبـيبه وتسديده, ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم الـحذف والإرسال, فما تنكرون أن يكون كذلك سائر أفعال الـخـلق الـمكتسبة: من الله الإنشاء والإنـجاز بـالتسبـيب, ومن الـخـلق الاكتساب بـالقوى؟ فلن يقولوا فـي أحدهما قولاً إلاّ ألزموا فـي الاَخر مثله.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12360ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: فَلَـمْ تَقْتُلُوهُمْ لأصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم, حين قال هذا: قتلت, وهذا: قتلت. وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ قال لـمـحمد حين حَصَب الكفـار.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
12361ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمى قال: رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالـحصبـاء يوم بدر.
12362ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن أيوب, عن عكرمة, قال: ما وقع منها شيء إلاّ فـي عين رجل.
12363ـ حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا أبـان العطار, قال: حدثنا هشام بن عروة, قال: لـما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا قال: «هَذِهِ مَصَارِعُهُمْ». ووجد الـمشركون النبـيّ صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إلـيه ونزل إلـيه, فلـما طلعوا علـيه زعموا أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جاءَتْ بِخُيَلائها وَفَخْرِها تَـحادّكَ وَتُكَذّبُ رَسُولَكَ, اللّهُمّ إنّى أسألُكَ ما وَعَدْتَنِـي» فلـما أقبلوا استقبلهم, فحثا فـي وجوههم, فهزمهم الله عزّ وجلّ.
12364ـ حدثنا أحمد بن منصور, قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد, قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران, قال: حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة, عن يزيد بن عبد الله, عن أبـي بكر بن سلـيـمان بن أبـي حثمة, عن حكيـم بن حزام, قال: لـما كان يوم بدر, سمعنا صوتا وقع من السماء كأنه صوت حصاة وقعت فـي طست, ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية, فـانهزمنا.
12365ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو معشر, عن مـحمد بن قـيس ومـحمد بن كعب القرظي, قالا: لـما دنا القوم بعضهم من بعض, أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها فـي وجوه القوم, وقال: «شاهَتِ الُوجُوهُ» فدخـلت فـي أعينهم كلهم, وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم, وكانت هزيـمتهم فـي رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنزل الله: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمى... الاَية, إلـى: إنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ.
12366ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ... الاَية, ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاثة أحجار ورمى بها فـي وجوه الكفـار, فهزموا عند الـحجر الثالث.
12367ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين التقـى الـجمعان يوم بدر لعلـيّ رضي الله عنه: «أعْطِنـي حَصا مِنَ الأرْضِ» فناوله حصى علـيه تراب فرمى به وجوه القوم, فلـم يبق مشرك إلاّ دخـل فـي عينـيه من ذلك التراب شيء. ثم ردِفهم الـمؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. فذكر رمية النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: فَلَـمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكِنّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمى.
12368ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمى قال: هذا يوم بدر, أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات, فرمى بحصاة فـي ميـمنة القوم وحصاة فـي ميسرة القوم وحصاة بـين أظهرهم وقال: «شاهَت الوُجُوهُ» فـانهزموا, فذلك قول الله عزّ وجلّ: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمى.
12369ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يوم بدر, فقال: «يا رَبّ إنْ تَهْلِكْ هذِهِ العِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَد فِـي الأرْضِ أبَدا» فقال له جبريـل: خذ قبضة من التراب فأخذ قبضة من التراب, فرمى بها فـي وجوههم فما من الـمشركين من أحد إلاّ أصاب عينـيه ومنـخريه وفمه تراب من تلك القبضة, فولوا مدبرين.
12370ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: قال الله عزّ وجلّ فـي رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الـمشركين بـالـحصبـاء من يده حين رماهم: وَلكنّ اللّهَ رَمى: أي لـم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل الله فـيها من نصرك, وما ألقـى فـي صدور عدوّك منها حين هزمتهم.
ورُوي عن الزهري فـي ذلك قول خلاف هذه الأقوال, وهو ما:
12371ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ قال: جاء أبـيّ بن خـلف الـجمـحي إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعظم حائل, فقال: الله مـحيـي هذا يا مـحمد وهو رميـم؟ وهو يفتّ العظم. فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «يُحْيِـيهِ اللّهُ, ثُمّ يُـمِيتُكَ, ثُمّ يُدْخِـلُكَ النّارَ» قال: فلـما كان يوم أُحد, قال: والله لأقتلنّ مـحمدا إذا رأيته فبلغ ذلك النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: «بَلْ أنا أقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ».
وأما قوله: وَلِـيُبْلِـيَ الـمُؤْمِنِـينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنا فإن معناه: ولـينعم علـى الـمؤمنـين بـالله ورسوله بـالظفر بأعدائهم, ويغنـمهم ما معهم, ويثبت لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك البلاء الـحسن, رَمْيُ الله هؤلاء الـمشركين. ويعنـي بـالبلاء الـحسن: النعمة الـحسنة الـجميـلة, وهي ما وصفت, وما فـي معناه.
12372ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال فـي قوله: وَلِـيُبْلِـيَ الـمُؤْمِنِـينَ مِنْهَ بَلاءً حَسَنا: أي لـيعرف الـمؤمنـين من نعمه علـيهم فـي إظهارهم علـى عدوّهم مع كثرة عددهم وقلة عددهم, لـيعرفوا بذلك حقه ولـيشكروا بذلك نعمته.
وقوله: إنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ يعنـي: إن الله سميع أيها الـمؤمنون لدعاء النبـيّ صلى الله عليه وسلم ومناشدته ربه ومسئلته إياه إهلاك عدوّه وعدوّكم ولقـيـلكم وقـيـل جميع خـلقه, علـيـم بذلك كله وبـما فـيه صلاحكم وصلاح عبـاده, وغير ذلك من الأشياء مـحيط به, فـاتقوه وأطيعوا أمره وأمر رسوله.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكُمْ وَأَنّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ }..
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: ذَلِكُمْ: هذا الفعل من قتل الـمشركين ورميهم حتـى انهزموا, وابتلاء الـمؤمنـين البلاء الـحسن بـالظفر بهم وإمكانهم من قتلهم وأسرهم, فعلنا الذي فعلنا. وأنّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدَ الكافِرِينَ يقول: واعلـموا أن الله مع ذلك مضعف كيد الكافرين, يعنـي مكرهم, حتـى يذلوا, وينقادوا للـحقّ ويهلكوا. وفـي فتـح «أن» من الوجوه ما فـي قوله: ذَلِكُمْ فَذُوقوهُ وأنّ للْكافِرِينَ وقد بـيّنته هنالك.
وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: مُوهِنُ.فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الـمكيـين والبصريـين: «مُوَهّنٌ» بـالتشديد, من وهّنت الشيء: ضعّفته. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: مُوهِنُ من أوهنته فأنا موهنه, بـمعنى أضعفته. والتشديد فـي ذلك أعجب إلـيّ لأن الله تعالـى كان ينقض ما يبرمه الـمشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, عقدا بعد عقد, وشيئا بعد شيء, وإن كان الاَخر وجها صحيحا.
الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ }..
يقول تعالـى ذكره للـمشركين الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ يعنـي: إن تستـحكموا الله علـى أقطع الـحزبـين للرحم وأظلـم الفئتـين, وتستنصروه علـيه, فقد جاءكم حكم الله ونصره الـمظلوم علـى الظالـم, والـمـحقّ علـى الـمبطل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12373ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
12374ـ قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبـي, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن عكرمة: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
12375ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ يعنـي بذلك الـمشركين, إن تستنصروا فقد جاءكم الـمدد.
12376ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي عبد الله بن كثـير, عن ابن عبـاس, قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا قال: إن تستقضوا القضاء, وإنه كان يقول: وَإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا قلت: للـمشركين؟ قال: لا نعلـمه إلاّ ذلك.
12377ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: كفـار قريش فـي قولهم: ربنا افتـح بـيننا وبـين مـحمد وأصحابه, ففتـح بـينهم يوم بدر.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.
12378ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: استفتـح أبو جهل, فقال: اللهمّ يعنـي مـحمدا ونفسه أينا كان أفجر لك اللهمّ وأقطع للرحم فأَحِنْهُ الـيوم قال الله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, فـي قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: استفتـح أبو جهل بن هشام, فقال: اللهمّ أينا كان أفجر لك وأقطع للرحم فأحنه الـيوم يعنـي مـحمدا علـيه الصلاة والسلام ونفسه. قال الله عزّ وجلّ: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ فضربه ابنا عفراء: عوف ومعوّذ, وأجهز علـيه ابن مسعود.
12379ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب, قال: أخبرنـي عبد الله بن ثعلبة بن صعير العدويّ حلـيف بنـي زهرة, أن الـمستفتـح يومئذٍ أبو جهل, وأنه قال حين التقـى القوم: أينا أقطع للرحم وآتانا بـما لا يُعرف فأَحِنْهُ الغداة فكان ذلك استفتاحه, فأنزل الله فـي ذلك: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... الاَية.
12380ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... الاَية, يقول: قد كانت بدر قضاء وعبرة لـمن اعتبر.
12381ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: كان الـمشركون حين خرجوا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم من مكة, أخذوا بأستار الكعبة, واستنصروا الله, وقالوا: اللهمّ انصر أعزّ الـجندين, وأكرم الفئتـين, وخير القبـيـلتـين فقال الله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ يقول: نصرت ما قلتـم, وهو مـحمد صلى الله عليه وسلم.
12382ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... إلـى قوله: وأنّ اللّهَ مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ وذلك حين خرج الـمشركون ينظرون عيرهم, وإن أهل العير أبـا سفـيان وأصحابه أرسلوا إلـى الـمشركين بـمكة يستنصرونهم, فقال أبو جهل: أينا كان خيرا عندك فـانصره وهو قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا يقول: تستنصروا.
12383ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: إن تستفتـحوا العذاب, فعذّبوا يوم بدر, قال: وكان استفتاحهم بـمكة, قالوا: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمِ قال: فجاءهم العذاب يوم بدر. وأخبر عن يوم أُحد: وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا وَلَوْ كَثُرَتْ وأنّ اللّهَ مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ.
12384ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن مطرف, عن عطية, قال: قال أبو جهل يوم بدر: اللهمّ انصر أهدى الفئتـين, وخير الفئتـين وأفضل فنزلت: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ.
قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن معمر, عن الزهريّ, أن أبـا جهل هو الذي استفتـح يوم بدر وقال: اللهمّ أينا كان أفجر وأقطع لرحمه, فأحِنْهُ الـيوم فأنزل الله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ.
قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن ابن إسحاق, عن الزهريّ, عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير: أن أبـا جهل, قال يوم بدر: اللهمّ أقطعنا لرحمه, وآتانا بـما لا نعرف, فأحِنْه الغداة وكان ذلك استفتاحا منه, فنزلت: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... الاَية.
قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن إبراهيـم بن سعد, عن صالـح بن كيسان, عن الزهريّ, عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير, قال: كان الـمستفتـح يوم بدر أبـا جهل, قال: اللهمّ أقطعنا للرحم, وآتانا بـما لا نعرف, فأحنه الغداة فأنزل الله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن مسلـم الزهري, عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير, حلـيف بنـي زهرة, قال: لـما التقـى الناس, ودنا بعضهم من بعض, قال أبو جهل: اللهمّ أقطعنا للرحم, وآتانا بـما لا نعرف, فأحنه الغداة فكان هو الـمستفتـح علـى نفسه.
قال ابن إسحاق: فقال الله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ لقول أبـي جهل: اللهمّ أقطعنا للرحم, وآتانا بـما لا نعرف, فأحنه للغداة قال: الاستفتاح: الإنصاف فـي الدعاء.
12385ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو معشر, عن يزيد بن رومان وغيره, قال أبو جهل يوم بدر: اللهمّ انصر أحبّ الدينـين إلـيك, ديننا العتـيق, أم دينهم الـحديث فأنزل الله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... إلـى قوله: وَأنّ اللّهَ مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ.
وأما قوله: وَإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فإنه يقول: وإن تنتهوا يا معشر قريش وجماعة الكفـار عن الكفر بـالله ورسوله, وقتال نبـيه صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين به, فهو خير لكم فـي دنـياكم وآخرتكم. وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ يقول: وإن تعودوا لـحربه وقتاله وقتال أتبـاعه الـمؤمنـين, نَعُدْ: أي بـمثل الواقعة التـي أُوقعت بكم يوم بدر.
وقوله: وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا وَلَوْ كَثُرَتْ يقول: وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أولـيائي وهزيـمتكم, ولن تغنـي عنكم عند عودي لقتلكم بأيديهم وسبـيكم وهزمكم فئتكم شيئا ولو كثرت, يعنـي جندهم وجماعتهم من الـمشركين, كما لـم يغنوا عنهم يوم بدر مع كثرة عددهم وقلة عدد الـمؤمنـين شيئا. وأنّ اللّهَ مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ يقول جلّ ذكره: وأن الله مع من آمن به من عبـاده علـى من كفر به منهم, ينصرهم علـيهم, أو يظهرهم كما أظهرهم يوم بدر علـى الـمشركين.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12386ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, فـي قوله: وَإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ قال: يقول لقريش: وإن تعودوا نعد لـمثل الواقعة التـي أصابتكم يوم بدر. وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا وَلَوْ كَثُرَتْ وأنّ اللّهَ مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ: أي وإن كثر عددكم فـي أنفسكم لن يغنـي عنكم شيئا, وأن الله مع الـمؤمنـين ينصرهم علـى من خالفهم.
وقد قـيـل: إن معنى قوله: وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ وإن تعودوا للاستفتاح نعد لفتـح مـحمد صلى الله عليه وسلم. وهذا القول لا معنى له لأن الله تعالـى قد كان ضمن لنبـيه علـيه الصلاة والسلام حين أذن له فـي حرب أعدائه إظهار دينه وإعلاء كلـمته من قبل أن يستفتـح أبو جهل وحزبه, فلا وجه لأن يقال والأمر كذلك إن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لكم وإن تعودوا نعد لأن الله قد كان وعد نبـيه صلى الله عليه وسلم الفتـح بقوله: أُذنَ للّذينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا وإنّ اللّهَ علـى نَصْرهِمْ لَقَديرٌ استفتـح الـمشركون أو لـم يستفتـحوا. ذكر من قال ذلك:
12387ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ: إن تستفتـحوا الثانـية نفتـح لـمـحمد صلى الله عليه وسلم. وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا وَلَوْ كَثُرَتْ وأنّ اللّهَ مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ: مـحمد وأصحابه.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وأنّ اللّهَ مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ ففتـحها عامة قرّاء أهل الـمدينة, بـمعنى: ولن تغنـي عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت, وأن الله مع الـمؤمنـين. فعطف ب «أنّ» علـى موضع «ولو كثرت» كأنه قال: لكثرتها, ولأن الله مع الـمؤمنـين ويكون موضع «أن» حينئذٍ نصبـا علـى هذا القول. وكان بعض أهل العربـية يزعم أن فتـحها إذا فتـحت علـى: وأنّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدَ الكافِرِينَ, وأنّ اللّهَ مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ عطفـا بـالأخرى علـى الأولـى. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين والبصريـين: «وإنّ اللّهَ» بكسر الألف علـى الابتداء, واعتلوا بأنها فـي قراءة عبد الله: «وَإنّ اللّهَ لَـمَعَ الـمُؤْمِنِـينَ».
وأولـى القراءتـين بـالصواب, قراءة من كسر «إن» للابتداء, لتقضي الـخبر قبل ذلك عما يقتضي قوله: وَإنّ اللّهَ مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ.
الآية : 20
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله أطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه. وَلا تَوَلّوْا عَنْهُ يقول: ولا تُدْبِرُوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, مخالفـين أمره ونهيه, وأنتـم تسمعون أمره إياكم ونهيه, وأنتـم به مؤمنون. كما:
12388ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلّوْا وأنْتُـمْ تَسْمَعُونَ: أي لا تـخالفوا أمره وأنتـم تسمعون لقوله, وتزعمون أنكم مؤمنون.
الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }..
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين بـالله ورسوله من أصحاب نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا أيها الـمؤمنون فـي مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالـمشركين الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلـى علـيهم, قالوا قد سمعنا بآذاننا وهم لا يسمعون يقول: وهم لا يعتبرون ما يسمعون بآذانهم. ولا ينتفعون به لإعراضهم عنه, وتركهم أن يوعوه قلوبهم ويتدبروه فجعلهم الله لـما لـم ينتفعوا بـمواعظ القرآن وإن كانوا قد سمعوها بآذانهم, بـمنزلة من لـم يسمعها. يقول جلّ ثناؤه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا أنتـم فـي الإعراض عن أمر رسول الله وترك الانتهاء إلـيه وأنتـم تسمعونه بآذَانكم كهؤلاء الـمشركين الذين يسمعون مواعظ كتاب الله بآذَانهم, ويقولون: قد سمعنا, وهم عن الاستـماع لها والاتعاظ بها معرضون, كمن لـم يسمعها.
وكان ابن إسحاق يقول فـي ذلك, ما:
12389ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ: أي كالـمنافقـين الذين يظهرون له الطاعة, ويسرّون الـمعصية.
12390ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ قال: عاصون.
12391ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وللذي قال ابن إسحاق وجه, ولكن قوله: وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ فـي سياق قصص الـمشركين, ويتلوه الـخبر عنهم بذمهم, وهو قوله: إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ البُكْمُ الّذِينَ لا يَعْقِلُونَ فلأن يكون ما بـينهما خبرا عنهم أولـى من أن يكون خبرا عن غيرهم.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِندَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: إن شرّ ما دبّ علـى الأرض من خـلق الله عند الله الذين يصغون عن الـحق لئلا يستـمعوه فـيعتبروا به ويتعظوا به وينكصون عنه إن نطقوا به, الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه, فـيستعملوا بهما أبدانهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12392ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ الله قال: الدوابّ: الـخـلق.
12393ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, عن عكرمة, قال: وكانوا يقولون: إنا صمّ بكم عما يدعونا إلـيه مـحمد, لا نسمعه منه, ولا نـجيبه به بتصديق. فقتلوا جميعا بأُحد, وكانوا أصحاب اللواء.
12394ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الصمّ البكم: الذين لا يعقلون, قال: الذين لا يتبعون الـحقّ.
12395ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ البُكْمُ الّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ولـيس بـالأصمّ فـي الدنـيا ولا بـالأبكم, ولكن صمّ القلوب وبكمها وعميها. وقرأ: فإنّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التـي فِـي الصّدُورِ.
واختلف فـيـمن عنـي بهذه الاَية, فقال بعضهم: عنـي بها نفر من الـمشركين. ذكر من قال ذلك:
12396ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: قال ابن عبـاس: الصمّ البكم الذين لا يعقلون: نفر من بنـي عبد الدار, لا يتبعون الـحقّ.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: الصّمّ البُكُمُ الّذِينَ لا يَعْقِلُونَ قال: لا يتبعون الـحقّ. قال: قال ابن عبـاس: هم نفر من بنـي عبد الدار.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, نـحوه.
وقال آخرون: عنـي بها الـمنافقون. ذكر من قال ذلك:
12397ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ البُكْمُ الّذين لا يَعْقِلُونَ: لا يعرفون ما علـيهم فـي ذلك من النعمة والسعة.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال بقول ابن عبـاس, وأنه عنـي بهذه الاَية مشركو قريش, لأنها فـي سياق الـخبر عنهم.
الآية : 23
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلّواْ وّهُمْ مّعْرِضُونَ }..
اختلف أهل التأويـل, فـيـمن عنـي بهذه الاَية وفـي معناها, فقال بعضهم: عنـي بها الـمشركون, وقال: معناه أنهم لو رزقهم الله الفهم لِـما أنزله علـى نبـيه صلى الله عليه وسلم لـم يؤمنوا به, لأن الله قد حكم علـيهم أنهم لا يؤمنون. ذكر من قال ذلك:
12398ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قوله: وَلَوْ عَلِـمَ اللّهُ فِـيهِمْ خَيْرا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أسْمَعَهُمْ لقالُوا ائْتِ بقُرآنٍ غيرِ هَذَا ولقالوا: لولا اجْتَبَـيْتَهَا. ولو جاءهم بقرآن غيره لتولّوْا وهُمْ مُعْرِضُونَ.
12399ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَوْ أسْمَعْهُمْ لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ قال: لو أسمعهم بعد أن يعلـم أن لا خير فـيهم ما انتفعوا بذلك, ولتولوا وهم معرضون.
وحدثنـي به مرّة أخرى, فقال: لو علـم الله فـيهم خيرا لأسمعهم, ولو أسمعهم بعد أن يعلـم أن لا خير فـيهم ما نفعهم بعد أن نفذ علـمه بأنهم لا ينتفعون به.
وقال آخرون: بل عنـي بها الـمنافقون. قالوا: ومعناه: ما:
12400ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَلَوْ عَلِـمَ اللّهُ فِـيهِمْ خَيْرا لأَسْمَعَهُمْ لأنفذ لهم قولهم الذي قالوه بألسنتهم, ولكن القلوب خالفت ذلك منهم, ولو خرجوا معكم لتولوا وهم معرضون, فأوفوا لكم بشرّ مـما خرجوا علـيه.
وأولـى القول فـي تأويـل ذلك بـالصواب عندي ما قاله ابن جريج وابن زيد لـما قد ذكرنا قبل من العلة, وأن ذلك لـيس من صفة الـمنافقـين.
فتأويـل الاَية إذن: ولو علـم الله فـي هؤلاء القائلـين خيرا لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره, حتـى يعقلوا عن الله حججه منه, ولكنه قد علـم أنه لا خير فـيهم وأنهم مـمن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون. ولو أفهمهم ذلك حتـى يعلـموا ويفهموا لتولوا عن الله وعن رسوله, وهم معرضون عن الإيـمان بـما دلهم علـى حقـيقته مواعظ الله وعبره وحججه معاندون للـحقّ بعد العلـم به.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }..
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ فقال بعضهم: معناه: استـجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم للإيـمان. ذكر من قال ذلك:
12401ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: أما يحيـيكم فهو الإسلام, أحياهم بعد موتهم, بعد كفرهم.
وقال آخرون: للـحقّ. ذكر من قال ذلك:
12402ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: الـحقّ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: الـحقّ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد, فـي قوله: اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: للـحقّ.
وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلـى ما فـي القرآن. ذكر من قال ذلك:
12403ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: هو هذا القرآن فـيه الـحياة والعفة والعصمة فـي الدنـيا والاَخرة.
وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلـى الـحرب وجهاد العدوّ. ذكر من قال ذلك:
12404ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ: أي للـحرب الذي أعزّكم الله بها بعد الذلّ, وقوّاكم بعد الضعف, ومنعكم بها من عدوّكم بعد القهر منهم لكم.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب, قول من قال: معناه: استـجيبوا لله وللرسول بـالطاعة إذا دعاكم الرسول لِـما يحيـيكم من الـحقّ. وذلك أن ذلك إذا كان معناه كان داخلاً فـيه الأمر بإجابتهم لقتال العدوّ والـجهاد, والإجابة إذا دعاكم إلـى حكم القرآن, وفـي الإجابة إلـى كلّ ذلك حياة الـمـجيب. أما فـي الدنـيا, فـيقال: الذكر الـجميـل, وذلك له فـيه حياة. وأما فـي الاَخرة, فحياة الأبد فـي الـجنان والـخـلود فـيها.
وأما قول من قال: معناه الإسلام, فقول لا معنى له لأن الله قد وصفهم بـالإيـمان بقوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ فلا وجه لأن يقال للـمؤمن استـجب لله وللرسول إذا دعاك إلـى الإسلام والإيـمان.
وبعد: ففـيـما:
12405ـ حدثنا أحمد بن الـمقدام العجلـي, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا روح بن القاسم, عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى أبـيّ وهو يصلـي, فدعاه: «أي أبـيّ» فـالتفت إلـيه أبـيّ, ولـم يجبه. ثم إن أبـيّا خفف الصلاة, ثم انصرف إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال: السلام علـيك أي رسول الله قال: «وَعَلَـيْكَ ما مَنَعَكَ إذْ دَعَوْتُكَ أنْ تُـجِيبَنِـي؟» قال: يا رسول الله كنت أصلـي. قال: «أفَلَـمْ تَـجِدْ فِـيـما أُوحِيَ إلـيّ اسْتَـجُيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ؟» قال: بلـى يا رسول الله, لا أعود.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا خالد بن مخـلد, عن مـحمد بن جعفر, عن العلاء, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى أبـيّ وهو قائم يصلـي, فصرخ به, فلـم يجبه, ثم جاء فقال: «يا أبـيّ ما منعك أن تـجيبنـي إذ دعوتك, ألـيس الله يقول يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ؟» قال أبـيّ: لا جرم يا رسول الله, لا تدعونـي إلاّ أجبت, وإن كنت أصلـي.
ما يبـين عن أن الـمعنـيّ بـالاَية هم الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى ما فـيه حياتهم بإجابتهم إلـيه من الـحقّ بعد إسلامهم, لأن أبـيّا لا شكّ أنه كان مسلـما فـي الوقت الذي قال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا فـي هذين الـخبرين.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ وأنّهُ إلَـيْه تُـحْشَرُونَ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معناه: يحول بـين الكافر والإيـمان وبـين الـمؤمن والكفر. ذكر من قال ذلك:
12406ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جبـير: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: بـين الكافر أن يؤمن, وبـين الـمؤمن أن يكفر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أحمد, قالا: حدثنا سفـيان, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: حدثنا الثوري, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جبـير, بنـحوه.
حدثنـي أبو زائدة زكريا بن أبـي زائدة, قال: حدثنا أبو عاصم, عن سفـيان, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله, عن سعيد بن جبـير, مثله.
حدثنـي أبو السائب وابن وكيع, قالا: حدثنا أبو معاوية, عن الـمنهال, عن سعيد بن جبـير: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن وبـين الكفر, وبـين الكافر وبـين الإيـمان.
12407ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بـين الكافر والإيـمان وطاعة الله.
قال: حدثنا حفص, عن الأعمش, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن والكفر, وبـين الكافر والإيـمان.
12408ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, وعبد العزيز بن أبـي روّاد, عن الضحاك, فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الكافر وطاعته, وبـين الـمؤمن ومعصيته.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن أبـي روق, عن الضحاك بن مزاحم, بنـحوه.
قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك, قال: يحول بـين الـمرء وبـين أن يكفر, وبـين الكافر وبـين أن يؤمن.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: حدثنا عبد العزيز بن أبـي روّاد, عن الضحاك بن مزاحم يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الكافر وبـين طاعة الله, وبـين الـمؤمن ومعصية الله.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا بن أبـي روّاد, عن الضحاك, نـحوه.
وحُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, يقول: فذكر نـحوه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن منهال, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت عبد العزيز بن أبـي روّاد يحدّث عن الضحاك بن مزاحم, فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن ومعصيته.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول: يحول بـين الـمؤمن وبـين الكفر, ويحول بـين الكافر وبـين الإيـمان.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول: يحول بـين الكافر وبـين طاعته, ويحول بـين الـمؤمن وبـين معصيته.
12409ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن لـيث, عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن وبـين الكفر, وبـين الكافر وبـين الإيـمان.
قال: حدثنا أبـي, عن ابن أبـي روّاد, عن الضحاك: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول: يحول بـين الكافر وبـين طاعته, وبـين الـمؤمن وبـين معصيته.
قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل, عن يعقوب القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بـين الـمؤمن والـمعاصي, وبـين الكافر والإيـمان.
12410ـ قال: حدثنا عبـيدة, عن إسماعيـل, عن أبـي صالـح: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـينه وبـين الـمعاصي.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يحول بـين الـمرء وعقله, فلا يدري ما يعمل. ذكر من قال ذلك:
12411ـ حدثنا عبـيد الله بن مـحمد الفريابـي, قال: حدثنا عبد الـمـجيد, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمرء وعقله.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ حتـى يتركه لا يعقل.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: هي يحول بـين الـمرء وقلبه حتـى يتركه لا يعقل.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا معقل بن عبـيد الله, عن حميد, عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: إذا حال بـينك وبـين قلبك كيف تعمل.
قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن خصيف, عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين قلب الكافر, وأن يعمل خيرا.
وقال آخرون: معناه يحول بـين الـمرء وقلبه أن يقدر علـى إيـمان أو كفر إلاّ بإذنه. ذكر من قال ذلك:
12412ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الإنسان وقلبه, فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه.
وقال آخرون: معنى ذلك أنه قريب من قلبه لا يخفـى علـيه شيء أظهره أو أسرّه. ذكر من قال ذلك:
12413ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: هي كقوله أقْرَبُ إلَـيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ.
وأولـى الأقوال بـالصواب عندي فـي ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله عزّ وجلّ أنه أملك لقلوب عبـاده منهم, وإنه يحول بـينهم وبـينها إذا شاء, حتـى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيـمان أو كفر, أو أن يعي به شيئا, أو أن يفهم إلاّ بإذنه ومشيئته. وذلك أن الـحول بـين الشيء والشيء إنـما هو الـحجز بـينهما, وإذا حجز جلّ ثناؤه بـين عبد وقلبه فـي شيء أن يدركه أو يفهمه, لـم يكن للعبد إلـى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبـيـل, وإذا كان ذلك معناه, دخـل فـي ذلك قول من قال: يحول بـين الـمؤمن والكفر وبـين الكافر والإيـمان, وقول من قال: يحول بـينه وبـين عقله, وقول من قال: يحول بـينه وبـين قلبه حتـى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه لأن الله عزّ وجلّ إذا حال بـين عبد وقلبه, لـم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيـل بـينه وبـينه ما منع إدراكه به علـى ما بـينت. غير أنه ينبغي أن يقال: إن الله عمّ بقوله: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ الـخبر عن أنه يحول بـين العبد وقلبه, ولـم يخصص من الـمعانـي التـي ذكرنا شيئا دون شيء, والكلام مـحتـمل كلّ هذه الـمعانـي, فـالـخبر علـى العموم حتـى يخصه ما يحب التسلـيـم له.
وأما قوله: وأنّهُ إلَـيْهِ تُـحْشَرُونَ فإن معناه: واعلـموا أيها الـمؤمنون أيضا مع العلـم بأن الله يحول بـين الـمرء وقلبه, أن الله الذي يقدر علـى قلوبكم, وهو أملك بها منكم, إلـيه مصيركم ومرجعكم فـي القـيامة, فـيوفـيكم جزاء أعمالكم, الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء بإساءته, فـاتقوه وراقبوه فـيـما أمركم ونهاكم هو ورسوله أن تضيعوه, وأن لا تستـجيبوا لرسوله إذا دعاكم لـما يحيـيكم, فـيوجب ذلك سخطه, وتستـحقوا به ألـيـم عذابه حين تـحشرون إلـيه.
الآية : 24
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلّواْ وّهُمْ مّعْرِضُونَ }..
اختلف أهل التأويـل, فـيـمن عنـي بهذه الاَية وفـي معناها, فقال بعضهم: عنـي بها الـمشركون, وقال: معناه أنهم لو رزقهم الله الفهم لِـما أنزله علـى نبـيه صلى الله عليه وسلم لـم يؤمنوا به, لأن الله قد حكم علـيهم أنهم لا يؤمنون. ذكر من قال ذلك:
12398ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قوله: وَلَوْ عَلِـمَ اللّهُ فِـيهِمْ خَيْرا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أسْمَعَهُمْ لقالُوا ائْتِ بقُرآنٍ غيرِ هَذَا ولقالوا: لولا اجْتَبَـيْتَهَا. ولو جاءهم بقرآن غيره لتولّوْا وهُمْ مُعْرِضُونَ.
12399ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَوْ أسْمَعْهُمْ لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ قال: لو أسمعهم بعد أن يعلـم أن لا خير فـيهم ما انتفعوا بذلك, ولتولوا وهم معرضون.
وحدثنـي به مرّة أخرى, فقال: لو علـم الله فـيهم خيرا لأسمعهم, ولو أسمعهم بعد أن يعلـم أن لا خير فـيهم ما نفعهم بعد أن نفذ علـمه بأنهم لا ينتفعون به.
وقال آخرون: بل عنـي بها الـمنافقون. قالوا: ومعناه: ما:
12400ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَلَوْ عَلِـمَ اللّهُ فِـيهِمْ خَيْرا لأَسْمَعَهُمْ لأنفذ لهم قولهم الذي قالوه بألسنتهم, ولكن القلوب خالفت ذلك منهم, ولو خرجوا معكم لتولوا وهم معرضون, فأوفوا لكم بشرّ مـما خرجوا علـيه.
وأولـى القول فـي تأويـل ذلك بـالصواب عندي ما قاله ابن جريج وابن زيد لـما قد ذكرنا قبل من العلة, وأن ذلك لـيس من صفة الـمنافقـين.
فتأويـل الاَية إذن: ولو علـم الله فـي هؤلاء القائلـين خيرا لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره, حتـى يعقلوا عن الله حججه منه, ولكنه قد علـم أنه لا خير فـيهم وأنهم مـمن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون. ولو أفهمهم ذلك حتـى يعلـموا ويفهموا لتولوا عن الله وعن رسوله, وهم معرضون عن الإيـمان بـما دلهم علـى حقـيقته مواعظ الله وعبره وحججه معاندون للـحقّ بعد العلـم به.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }..
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ فقال بعضهم: معناه: استـجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم للإيـمان. ذكر من قال ذلك:
12401ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: أما يحيـيكم فهو الإسلام, أحياهم بعد موتهم, بعد كفرهم.
وقال آخرون: للـحقّ. ذكر من قال ذلك:
12402ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: الـحقّ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: الـحقّ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد, فـي قوله: اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: للـحقّ.
وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلـى ما فـي القرآن. ذكر من قال ذلك:
12403ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: هو هذا القرآن فـيه الـحياة والعفة والعصمة فـي الدنـيا والاَخرة.
وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلـى الـحرب وجهاد العدوّ. ذكر من قال ذلك:
12404ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ: أي للـحرب الذي أعزّكم الله بها بعد الذلّ, وقوّاكم بعد الضعف, ومنعكم بها من عدوّكم بعد القهر منهم لكم.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب, قول من قال: معناه: استـجيبوا لله وللرسول بـالطاعة إذا دعاكم الرسول لِـما يحيـيكم من الـحقّ. وذلك أن ذلك إذا كان معناه كان داخلاً فـيه الأمر بإجابتهم لقتال العدوّ والـجهاد, والإجابة إذا دعاكم إلـى حكم القرآن, وفـي الإجابة إلـى كلّ ذلك حياة الـمـجيب. أما فـي الدنـيا, فـيقال: الذكر الـجميـل, وذلك له فـيه حياة. وأما فـي الاَخرة, فحياة الأبد فـي الـجنان والـخـلود فـيها.
وأما قول من قال: معناه الإسلام, فقول لا معنى له لأن الله قد وصفهم بـالإيـمان بقوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ فلا وجه لأن يقال للـمؤمن استـجب لله وللرسول إذا دعاك إلـى الإسلام والإيـمان.
وبعد: ففـيـما:
12405ـ حدثنا أحمد بن الـمقدام العجلـي, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا روح بن القاسم, عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى أبـيّ وهو يصلـي, فدعاه: «أي أبـيّ» فـالتفت إلـيه أبـيّ, ولـم يجبه. ثم إن أبـيّا خفف الصلاة, ثم انصرف إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال: السلام علـيك أي رسول الله قال: «وَعَلَـيْكَ ما مَنَعَكَ إذْ دَعَوْتُكَ أنْ تُـجِيبَنِـي؟» قال: يا رسول الله كنت أصلـي. قال: «أفَلَـمْ تَـجِدْ فِـيـما أُوحِيَ إلـيّ اسْتَـجُيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ؟» قال: بلـى يا رسول الله, لا أعود.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا خالد بن مخـلد, عن مـحمد بن جعفر, عن العلاء, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى أبـيّ وهو قائم يصلـي, فصرخ به, فلـم يجبه, ثم جاء فقال: «يا أبـيّ ما منعك أن تـجيبنـي إذ دعوتك, ألـيس الله يقول يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ؟» قال أبـيّ: لا جرم يا رسول الله, لا تدعونـي إلاّ أجبت, وإن كنت أصلـي.
ما يبـين عن أن الـمعنـيّ بـالاَية هم الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى ما فـيه حياتهم بإجابتهم إلـيه من الـحقّ بعد إسلامهم, لأن أبـيّا لا شكّ أنه كان مسلـما فـي الوقت الذي قال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا فـي هذين الـخبرين.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ وأنّهُ إلَـيْه تُـحْشَرُونَ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معناه: يحول بـين الكافر والإيـمان وبـين الـمؤمن والكفر. ذكر من قال ذلك:
12406ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جبـير: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: بـين الكافر أن يؤمن, وبـين الـمؤمن أن يكفر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أحمد, قالا: حدثنا سفـيان, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: حدثنا الثوري, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جبـير, بنـحوه.
حدثنـي أبو زائدة زكريا بن أبـي زائدة, قال: حدثنا أبو عاصم, عن سفـيان, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله, عن سعيد بن جبـير, مثله.
حدثنـي أبو السائب وابن وكيع, قالا: حدثنا أبو معاوية, عن الـمنهال, عن سعيد بن جبـير: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن وبـين الكفر, وبـين الكافر وبـين الإيـمان.
12407ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن الأعمش, عن عبد الله بن عبد الله الرازي, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بـين الكافر والإيـمان وطاعة الله.
قال: حدثنا حفص, عن الأعمش, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن والكفر, وبـين الكافر والإيـمان.
12408ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, وعبد العزيز بن أبـي روّاد, عن الضحاك, فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الكافر وطاعته, وبـين الـمؤمن ومعصيته.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن أبـي روق, عن الضحاك بن مزاحم, بنـحوه.
قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك, قال: يحول بـين الـمرء وبـين أن يكفر, وبـين الكافر وبـين أن يؤمن.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: حدثنا عبد العزيز بن أبـي روّاد, عن الضحاك بن مزاحم يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الكافر وبـين طاعة الله, وبـين الـمؤمن ومعصية الله.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا بن أبـي روّاد, عن الضحاك, نـحوه.
وحُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, يقول: فذكر نـحوه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن منهال, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت عبد العزيز بن أبـي روّاد يحدّث عن الضحاك بن مزاحم, فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن ومعصيته.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول: يحول بـين الـمؤمن وبـين الكفر, ويحول بـين الكافر وبـين الإيـمان.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول: يحول بـين الكافر وبـين طاعته, ويحول بـين الـمؤمن وبـين معصيته.
12409ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن لـيث, عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن وبـين الكفر, وبـين الكافر وبـين الإيـمان.
قال: حدثنا أبـي, عن ابن أبـي روّاد, عن الضحاك: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول: يحول بـين الكافر وبـين طاعته, وبـين الـمؤمن وبـين معصيته.
قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل, عن يعقوب القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بـين الـمؤمن والـمعاصي, وبـين الكافر والإيـمان.
12410ـ قال: حدثنا عبـيدة, عن إسماعيـل, عن أبـي صالـح: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـينه وبـين الـمعاصي.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يحول بـين الـمرء وعقله, فلا يدري ما يعمل. ذكر من قال ذلك:
12411ـ حدثنا عبـيد الله بن مـحمد الفريابـي, قال: حدثنا عبد الـمـجيد, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمرء وعقله.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ حتـى يتركه لا يعقل.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: هي يحول بـين الـمرء وقلبه حتـى يتركه لا يعقل.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا معقل بن عبـيد الله, عن حميد, عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: إذا حال بـينك وبـين قلبك كيف تعمل.
قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن خصيف, عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين قلب الكافر, وأن يعمل خيرا.
وقال آخرون: معناه يحول بـين الـمرء وقلبه أن يقدر علـى إيـمان أو كفر إلاّ بإذنه. ذكر من قال ذلك:
12412ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الإنسان وقلبه, فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه.
وقال آخرون: معنى ذلك أنه قريب من قلبه لا يخفـى علـيه شيء أظهره أو أسرّه. ذكر من قال ذلك:
12413ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: هي كقوله أقْرَبُ إلَـيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ.
وأولـى الأقوال بـالصواب عندي فـي ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله عزّ وجلّ أنه أملك لقلوب عبـاده منهم, وإنه يحول بـينهم وبـينها إذا شاء, حتـى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيـمان أو كفر, أو أن يعي به شيئا, أو أن يفهم إلاّ بإذنه ومشيئته. وذلك أن الـحول بـين الشيء والشيء إنـما هو الـحجز بـينهما, وإذا حجز جلّ ثناؤه بـين عبد وقلبه فـي شيء أن يدركه أو يفهمه, لـم يكن للعبد إلـى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبـيـل, وإذا كان ذلك معناه, دخـل فـي ذلك قول من قال: يحول بـين الـمؤمن والكفر وبـين الكافر والإيـمان, وقول من قال: يحول بـينه وبـين عقله, وقول من قال: يحول بـينه وبـين قلبه حتـى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه لأن الله عزّ وجلّ إذا حال بـين عبد وقلبه, لـم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيـل بـينه وبـينه ما منع إدراكه به علـى ما بـينت. غير أنه ينبغي أن يقال: إن الله عمّ بقوله: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ الـخبر عن أنه يحول بـين العبد وقلبه, ولـم يخصص من الـمعانـي التـي ذكرنا شيئا دون شيء, والكلام مـحتـمل كلّ هذه الـمعانـي, فـالـخبر علـى العموم حتـى يخصه ما يحب التسلـيـم له.
وأما قوله: وأنّهُ إلَـيْهِ تُـحْشَرُونَ فإن معناه: واعلـموا أيها الـمؤمنون أيضا مع العلـم بأن الله يحول بـين الـمرء وقلبه, أن الله الذي يقدر علـى قلوبكم, وهو أملك بها منكم, إلـيه مصيركم ومرجعكم فـي القـيامة, فـيوفـيكم جزاء أعمالكم, الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء بإساءته, فـاتقوه وراقبوه فـيـما أمركم ونهاكم هو ورسوله أن تضيعوه, وأن لا تستـجيبوا لرسوله إذا دعاكم لـما يحيـيكم, فـيوجب ذلك سخطه, وتستـحقوا به ألـيـم عذابه حين تـحشرون إلـيه.
الآية : 25
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتّقُواْ فِتْنَةً لاّ تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصّةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }..
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله: اتقوا أيها الـمؤمنون فتنة, يقول: اختبـارا من الله يختبركم, وبلاء يبتلـيكم, لا تصيبنّ هذه الفتنة التـي حذرتكموها الذين ظلـموا, وهم الذين فعلوا ما لـيس لهم فعله, إما أجرام أصابوها وذنوب بـينهم وبـين الله ركبوها, يحذّرهم جلّ ثناؤه أن يركبوا له معصية أو يأتوا مأثما يستـحقون بذلك منه عقوبة. وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم الذين عنوا بها. ذكر من قال ذلك:
12414ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن إبراهيـم, قال: حدثنا الـحسن بن أبـي جعفر, قال: حدثنا داود بن أبـي هند, عن الـحسن, فـي قوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: نزلت فـي علـيّ وعثمان وطلـحة والزبـير, رضي الله عنهم.
12415ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال قتادة: قال الزبـير بن العوّام: لقد نزلت وما نرى أحدا منا يقع بها, ثم خصتنا فـي إصابتنا خاصة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا زيد بن عوف أبو ربـيعة, قال: حدثنا حماد, عن حميد, عن الـحسن, أن الزبـير بن العوّام, قال: نزلت هذه الاَية: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وما نظننا أهلها, ونـحن عنـينا بها.
قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن الصلت بن دينار, عن ابن صبهان, قال: سمعت الزبـير بن العوّام يقول: قرأت هذه الاَية زمانا وما أرانا من أهلها, فإذا نـحن الـمعنـيون بها وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وَاعْلَـمُوا أن اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ.
12416ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: هذه نزلت فـي أهل بدر خاصة, وأصابتهم يوم الـجمل فـاقتتلوا.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن ابن أبـي خالد, عن السديّ: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ قال: أصحاب الـجمل.
12417ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: أمر الله الـمؤمنـين أن لا يقرّوا الـمنكر بـين أظهرهم فـيعمهم الله بـالعذاب.
12418ـ قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: هي أيضا لكم.
12419ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: الفتنة: الضلالة.
12420ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الـمسعودي, عن القاسم, قال: قال عبد الله: ما منكم من أحد إلاّ وهو مشتـمل علـى فتنة, إن الله يقول: إنّـمَا أمْوَالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنَة فلـيستعذ بـالله من مُضلات الفتن.
12421ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا مبـارك بن فضالة, عن الـحسن, قال: قال الزبـير: لقد خوّفنا بها, يعنـي قوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً.
واختلف أهل العربـية فـي تأويـل ذلك, فقال بعض نـحويـي البصرة: اتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا قوله: لا تصيبنّ, لـيس بجواب, ولكنه نهي بعد أمر, ولو كان جوابـا ما دخـلت النون. وقال بعض نـحويى الكوفة: قوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا أمرهم ثم نهاهم, ومنكم ظرف من الـجزاء وإن كان نهيا. قال: ومثله قوله: يا أيّها النّـمْلُ ادْخُـلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنّكُمْ سُلَـيْـمانُ أمرهم ثم نهاهم, وفـيه تأويـل الـجزاء. وكأن معنى الكلام عنده: اتقوا فتنة إن لـم تتقوها أصابتكم.
وأما قوله: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ فإنه تـحذير من الله ووعيد لـمن واقع الفتنة التـي حذره إياها بقوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً, يقول: اعلـموا أيها الـمؤمنون أن ربكم شديد عقابه لـمن اقتتن بظلـم نفسه وخالف أمره, فأثم به