تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 66 من سورةالنساء - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾
[ سورة النساء: 66]

معنى و تفسير الآية 66 من سورة النساء : ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم


يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار لم يفعله إلا القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد، ولا يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات، لتخف عليه العبادات، ويزداد حمدًا وشكرًا لربه.
ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به أي: ما وُظِّف عليهم في كل وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد، أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد، فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة، وحصول الكسل وعدم النشاط.
ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور: (أحدها) الخيرية في قوله: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ أي: لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها، أي: وانتفى عنهم بذلك صفة الأشرار، لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده.
(الثاني) حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان، الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد.
فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر.
فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر.
وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به، لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات.
(الثالث) قوله: وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا أي: في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبُدن، ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
(الرابع) الهداية إلى صراط مستقيم.
وهذا عموم بعد خصوص، لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمنة للعلم بالحق، ومحبته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمن هُدِيَ إلى صراط مستقيم، فقد وُفِّقَ لكل خير واندفع عنه كل شر وضير.

تفسير البغوي : مضمون الآية 66 من سورة النساء


قوله تعالى : ( ولو أنا كتبنا ) أي : فرضنا وأوجبنا ، ( عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) كما أمرنا بني إسرائيل ( أو اخرجوا من دياركم ) كما أمرنا بني إسرائيل بالخروج من مصر ، ( ما فعلوه ) معناه : أنا ما كتبنا عليهم إلا طاعة الرسول والرضى بحكمه ، ولو كتبنا عليهم القتل والخروج عن الدور ما كان يفعله ، ( إلا قليل منهم ) نزلت في ثابت بن قيس وهو من القليل الذي استثنى الله ، قال الحسن ومقاتل لما نزلت هذه الآية قال عمر وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم القليل ، والله لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن من أمتي لرجالا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي " .
قرأ ابن عامر وأهل الشام ( إلا قليلا ) بالنصب على الاستثناء ، وكذلك هو في مصحف أهل الشام ، وقيل: فيه إضمار ، تقديره : إلا أن يكون قليلا منهم ، وقرأ الآخرون قليل بالرفع على الضمير الفاعل في قوله ( فعلوه ) تقديره : إلا نفر قليل فعلوه ، ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ) من طاعة الرسول والرضى بحكمه ، ( لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ) تحقيقا وتصديقا لإيمانهم .

التفسير الوسيط : ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم


ثم بين- سبحانه - بعض مظاهر فضله على الناس، ورحمته بهم.
فقال-تبارك وتعالى-:وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ، ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً.
والمراد بقوله كَتَبْنا: فرضنا وأوجبنا.
والمراد {بقتل النفس} تعريضها للهلاك من غير أمل في النجاة، وقيل: المراد به تعريضها للقتل عن طريق الجهاد.
والمراد بالخروج من الديار: الهجرة في سبيل الله، والخروج من الأوطان إلى أماكن فيها استجابة لأمر الله.
قال الفخر الرازي: الضمير في قوله وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فيه قولان:الأول: وهو قول ابن عباس ومجاهد- أنه عائد إلى المنافقين، وذلك لأنه-تبارك وتعالى- كتب على بنى إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، وكتب على المهاجرين أن يخرجوا من ديارهم.
فقال-تبارك وتعالى-: ولو أنا كتبنا القتل والخروج عن الوطن على هؤلاء المنافقين ما فعله إلا قليل منهم رياء وسمعة، وحينئذ يصعب الأمر عليهم، وينكشف كفرهم، فإذا لم نفعل ذلك بل كلفناهم بالأشياء السهلة، فليتركوا النفاق، وليقبلوا الإيمان على سبيل الإخلاص.
وهذا القول اختيار أبى بكر الأصم والقفال.
الثاني: أن المراد لو كتب الله على الناس ما ذكر لم يفعله إلا قليل منهم، فلما لم يفعل- سبحانه - ذلك رحمة بعباده، بل اكتفى بتكليفهم بالأمور السهلة، فعليهم أن يقبلوا عليها بإخلاص حتى ينالوا خير الدارين.
وعلى هذا التقدير دخل تحت هذا الكلام المؤمن والمنافق.
وأما الضمير في قوله وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ فهو مختص بالمنافقين، ولا يبعد أن يكون أول الآية عاما وآخرها خاصا.
وعلى هذا التقدير يجب أن يكون المراد بالقليل المؤمنين» .
وعلى كلا التقديرين: فإن الآية الكريمة تدل على أن الله-تبارك وتعالى- لم يكلف هذه الأمة إلا بما تستطيعه، لأنه- سبحانه - لو كلف الناس جميعا بالتكاليف الشاقة، لما استطاع أن يقوم بها إلا عدد قليل منهم، وهذا الدين لم يجئ لهذا العدد القليل من الناس وإنما جاء للناس جميعا.
والمراد: أننا لم نكتب على الناس قتل أنفسهم أو خروجهم من ديارهم لأننا لو فعلنا ذلك لما استطاعه إلا عدد قليل منهم.
وإنما الذي كتبناه عليهم هو طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والخضوع لحكمه في الظاهر والباطن والاستجابة لتوجيهاته في السر والعلن.
فالمقصود من الآية الكريمة بيان لمظهر من مظاهر فضل الله على هذه الأمة، ورحمته بها، وتحريض الناس على الامتثال لشريعة الله-تبارك وتعالى- والضمير في قوله ما فَعَلُوهُ للمكتوب عليهم الشامل للقتل والخروج من الديار.
لدلالة قوله كَتَبْنا عليه.
وقوله «قليل» مرفوع على أنه بدل من الواو في قوله فَعَلُوهُ والتقدير: ما فعله أحد إلا قليل منهم.
وقرأه ابن عامر بالنصب على الاستثناء.
والأول أولى، لأنه استثناء من كلام تام غير موجب فيترجح الرفع.
قال ابن كثير: لما نزلت وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ.. الآية.
قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن من أمتى رجالا، الإيمان أثبت في قلوبهم من الرواسي» وعن عامر بن عبد الله بن الزبير أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم» - أى: لو فرض ذلك لكان عبد الله بن مسعود من الذين يفعلونه.
وعن شريح بن عبيد قال: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، أشار بيده إلى عبد الله بن رواحة فقال: «لو أن الله كتب ذلك، لكان هذا من أولئك القليل» .
وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً بيان للنتائج الطيبة التي تترتب على امتثالهم لأمر الله.
أى: ولو ثبت أن هؤلاء الذين أمرناهم بطاعتنا فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ أى: ما أمرناهم به من اتباع لرسولنا صلى الله عليه وسلم وانقياد لحكمه، لأنه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ...
لو ثبت أنهم فعلوا ذلك لكان ما فعلوه خَيْراً لَهُمْ في دنياهم وآخرتهم.
ولكان أَشَدَّ تَثْبِيتاً لهم على الحق والصواب، وأمنع لهم من الضلال.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 66 من سورة النساء


يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه ; لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر ، وهذا من علمه - تبارك وتعالى - بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون ; ولهذا قال تعالى : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم )قال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثني إسحاق ، حدثنا أبو زهير عن إسماعيل ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال : لما نزلت : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل [ منهم ] ) الآية ، قال رجل : لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن منير ، حدثنا روح ، حدثنا ، عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) الآية . قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو فعل ربنا لفعلنا ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي " .وقال السدي : افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود ، فقال اليهودي : والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا . فقال ثابت : والله لو كتب علينا : ( أن اقتلوا أنفسكم ) لقتلنا . فأنزل الله هذه الآية . رواه ابن أبي حاتم .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا بشر بن السري ، حدثنا مصعب بن ثابت ، عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال : لما نزلت [ ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) قال أبو بكر : يا رسول الله ، والله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت ، قال : " صدقت يا أبا بكر " .حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : سئل سفيان عن قوله ] ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم " .وحدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن صفوان بن عمرو ، عن شريح بن عبيد قال : لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم [ أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ] ) الآية ، أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى عبد الله بن رواحة ، فقال : " لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل " يعني : ابن رواحة .ولهذا قال تعالى : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ) أي : ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به ، وتركوا ما ينهون عنه ( لكان خيرا لهم ) أي : من مخالفة الأمر وارتكاب النهي ( وأشد تثبيتا ) قال السدي : أي : وأشد تصديقا .

تفسير الطبري : معنى الآية 66 من سورة النساء


القول في تأويل قوله : وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم "، ولو أنا فرضنا على هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، المحتكمين إلى الطاغوت، أن يقتلوا أنفسهم وأمرناهم بذلك = أو أن يخرجوا من ديارهم مهاجرين منها إلى دار أخرى سواها (1) =" ما فعلوه "، يقول: ما قتلوا أنفسهم بأيديهم، ولا هاجروا من ديارهم فيخرجوا عنها إلى الله ورسوله، طاعة لله ولرسوله =" إلا قليل منهم ".
* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:9918 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم "، يهود يعني = أو كلمة تشبهها = والعربَ، (2) كما أمر أصحاب موسى عليه السلام.
9919 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم "، كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضًا بالخناجر، لم يفعلوا إلا قليل منهم.
9920 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم "، افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من يهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم، فقتلنا أنفسنا! فقال ثابت: والله لو كُتب علينا أن اقتلوا أنفسكم، لقتلنا أنفسنا! أنزل الله في هذا: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا .
9921 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن إسماعيل، عن أبي إسحاق السبيعي قال: لما نزلت: " وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ"، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ من أمتي لَرِجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرَّواسي.
* * *واختلف أهل العربية في وجه الرفع في قوله: " إلا قليل منهم ".
فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنه رفع " قليل "، لأنه جعل بدلا من الأسماء المضمرة في قوله: " ما فعلوه "، لأن الفعل لهم.
* * *وقال بعض نحويي الكوفة: إنما رفع على نية التكرير، كأن معناه: ما فعلوه، ما فعله إلا قليل منهم، كما قال عمرو بن معد يكرب: (3)وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ,لَعمْرُ أَبِيك إلا الفَرْقَدَانِ (4)قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: رفع " القليل " بالمعنى الذي دلَّ عليه قوله: " ما فعلوه إلا قليل منهم ".
وذلك أن معنى الكلام: ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعله إلا قليل منهم = فقيل: " ما فعلوه " على الخبر عن الذين مضى ذكرهم في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ألم استثنى " القليل "، فرفع بالمعنى الذي ذكرنا، إذ كان الفعل منفيًّا عنه.
* * *وهي في مصاحف أهل الشام: ( مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ ).
وإذا قرئ كذلك، فلا مرْزِئَةَ على قارئه في إعرابه، (5) لأنه المعروف في كلام العرب، إذ كان الفعل مشغولا بما فيه كنايةُ مَنْ قد جرى ذكره، (6) ثم استثني منهم القليل.
* * *القول في تأويل قوله : وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدُّون عنك صدودًا =" فعلوا ما يوعظون به "، يعني: ما يذكّرون به من طاعة الله والانتهاء إلى أمره (7) =" لكان خيرًا لهم "، في عاجل دنياهم، وآجل معادهم =" وأشد تثبيتًا "، وأثبت لهم في أمورهم، وأقوم لهم عليها.
(8) وذلك أن المنافق يعمل على شك، فعمله يذهب باطلا وعناؤه يضمحلّ فيصير هباء، وهو بشكه يعمل على وناءٍ وضعف.
(9) ولو عمل على بصيرة، لاكتسب بعمله أجرًا، ولكان له عند الله ذخرًا، وكان على عمله الذي يعمل أقوى، ولنفسه أشدَّ تثبيتًا، لإيمانه بوعد الله على طاعته، وعمله الذي يعمله.
ولذلك قال من قال: معنى قوله: " وأشد تثبيتًا "، تصديقًا، كما:-9922 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا "، قال: تصديقًا.
* * *= لأنه إذا كان مصدّقًا، كان لنفسه أشد تثبيتًا، ولعزمه فيه أشدّ تصحيحًا.
وهو نظير قوله جل ثناؤه: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [سورة البقرة: 265].
وقد أتينا على بيان ذلك في موضعه، بما فيه كفاية من إعادته، (10)-------------------الهوامش :(1) انظر تفسير"كتب" فيما سلف ص: 8: 170 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(2) في المطبوعة: "هم يهود يعني والعرب".
ومثلها في الدر المنثور 2: 181 ، وهو تصرف من السيوطي ، وتبعه الناشر الأول.
وذلك أنه شك في معنى"أو كلمة تشبهها" فحذفها ، وزاد في أول الكلام"هم".
ولكن قوله: "أو كلمة تشبهها" أي: تشبه"يعني" في معناها ، كقولك "يريد" أو "أراد".
(3) وأصح ، نسبته إلى حضرمي بن عامر الأسدي ، وينسب إلى سوار بن المضرب ، وهو خطأ.
(4) سيبويه 1: 371 / مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 131 / البيان والتبيين 1: 228 / حماسة البحتري: 151 / الكامل 2: 298 / المؤتلف والمختلف: 85 / الخزانة 2: 52= 4: 79 / شرح شواهد المغني: 78.
هذا ولم أجد أبيات عمرو بن معد يكرب ، وأما شعر حضرمي ، فقبل البيت ، وهو شعر جيد:وَذِي فَجْعٍ عَزَفتُ النَّفْسَ عَنْهُحِذَارَ الشَّامتين، وَقَدْ شَجَانِيأَخِي ثِقَةٍ، إذَا مَا اللَّيْلُ أَفْضَىإلَيَّ بِمُؤْيِدٍ حُبْلَى كَفَانِيقَطَعْتُ قَرِينَتِي عَنْهُ فأغْنَىغناهُ، فَلَنْ أَراهُ وَلَنْ يَرَانِيوكُلُّ قَرِينَةٍ قُرِنَتْ بِأُخْرى،وَلَوْ ضَنَّتْ بِهَا، سَتَفَرَّقَانِوكُلُّ أَخٍ.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
وَكُلُّ إِجَابَتي إِيَّاهُ أَنِّيعَطَفْتُ عَلَيْهِ خَوَّار الْعِنَانِوقوله: "وذي فجع" ، أي: صديق يورث فراقه الفجيعة ، ويروى"وذى لطف" ، ويروي"وذي فخم" ، يعني: ذي كبرياء واستعلاء.
و"عزف نفسه عن الشيء": صرفها.
و"شجاني": أحزنني.
و"المؤيد" الداهية العظيمة.
"حبلى" تلد شرًا بعد شر.
و"القرينة" النفس التي تقارن صاحبها لا تفارقه ، حتى يموت.
و"خوار العنان" صفة الفرس إذا كان سهل المعطف لينه كثير الجري ، يعني ، أنه ينصره في الحرب حين يستغيث به.
(5) "المرزئة" (بفتح الميم ، وسكون الراء ، وكسر الزاي) ، مثل الرزء ، والرزيئة: وهو المصيبة والعناء والضرر والنقص ، وكل ما يثقل عليك ، عافاك الله.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "فلا مرد به على قارئه" ، وهو شيء لا يفهم ولا يقال!!(6) "الكناية" الضمير ، كما سلف مرارًا كثيرة.
ثم انظر مقالة أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 131.
(7) انظر تفسير"الوعظ" ، فيما سلف ص: 299 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.
(8) انظر تفسير"التثبيت" فيما سلف 5: 354 ، 531 / 7: 272 ، 273.
ولو قال: "وأقوى لهم عليها" ، لكان ذلك أرجح عندي ، وكلتاهما صواب.
(9) "الونا" و"الوناء": الفترة والكلال والإعياء والضعف.
(10) انظر تفسير الآية فيما سلف 5: 530 - 534.

ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا

سورة : النساء - الأية : ( 66 )  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 89 ) - عدد الأيات : ( 176 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم
  2. تفسير: لقد رأى من آيات ربه الكبرى
  3. تفسير: سبحان ربك رب العزة عما يصفون
  4. تفسير: وجنات ألفافا
  5. تفسير: فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون
  6. تفسير: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنـزل إليكم وما أنـزل إليهم خاشعين لله
  7. تفسير: قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين
  8. تفسير: وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون
  9. تفسير: فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين
  10. تفسير: فأما من أوتي كتابه بيمينه

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب