تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 7 من سورةالمائدة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾
[ سورة المائدة: 7]

معنى و تفسير الآية 7 من سورة المائدة : واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم


يأمر تعالى عباده بذكر نعمه الدينية والدنيوية، بقلوبهم وألسنتهم.
فإن في استدامة ذكرها داعيا لشكر الله تعالى ومحبته، وامتلاء القلب من إحسانه.
وفيه زوال للعجب من النفس بالنعم الدينية، وزيادة لفضل الله وإحسانه.
و مِيثَاقَهُْ أي: واذكروا ميثاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ْ أي: عهده الذي أخذه عليكم.
وليس المراد بذلك أنهم لفظوا ونطقوا بالعهد والميثاق، وإنما المراد بذلك أنهم بإيمانهم بالله ورسوله قد التزموا طاعتهما، ولهذا قال: إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ْ أي: سمعنا ما دعوتنا به من آياتك القرآنية والكونية، سمع فهم وإذعان وانقياد.
وأطعنا ما أمرتنا به بالامتثال، وما نهيتنا عنه بالاجتناب.
وهذا شامل لجميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة.
وأن المؤمنين يذكرون في ذلك عهد الله وميثاقه عليهم، وتكون منهم على بال، ويحرصون على أداء ما أُمِرُوا به كاملا غير ناقص.
وَاتَّقُوا اللَّهَ ْ في جميع أحوالكم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ْ أي: بما تنطوي عليه من الأفكار والأسرار والخواطر.
فاحذروا أن يطلع من قلوبكم على أمر لا يرضاه، أو يصدر منكم ما يكرهه، واعمروا قلوبكم بمعرفته ومحبته والنصح لعباده.
فإنكم -إن كنتم كذلك- غفر لكم السيئات، وضاعف لكم الحسنات، لعلمه بصلاح قلوبكم.

تفسير البغوي : مضمون الآية 7 من سورة المائدة


قوله تعالى : ( واذكروا نعمة الله عليكم ) يعني النعم كلها ، ( وميثاقه الذي واثقكم به ) عهده الذي عاهدكم به أيها المؤمنون ، ( إذ قلتم سمعنا وأطعنا ) وذلك حين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما أحبوا وكرهوا ، وهو قول أكثر المفسرين ، وقال مجاهد ومقاتل : يعني الميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجهم من صلب آدم عليه السلام ، ( واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب من خير وشر .

التفسير الوسيط : واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم


ثم بعد أن بين- سبحانه - بعض مظاهر فضله على عباده ورحمته بهم، أتبع ذلك بأمرهم بمداومة شكره، وبالوفاء بعهده فقال: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا.
أى: تنبهوا أيها المؤمنون- بعقولكم وقلوبكم لما أسبغه الله عليكم من منن فداوموا على شكرها وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بدين الإسلام الذي هديتم به إلى الصراط المستقيم، واذكروا كذلك مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ أى: عهده الوثيق الذي أخذه عليكم، وأمركم بالتزامه بكل قوة.
وقوله: إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ظرف لقوله واثَقَكُمْ بِهِ أى: إذ قلتم وقت أن أخذ عليكم العهد الموثق: سمعنا قولك وأطعنا أمرك.
فأنت ترى أن الآية الكريمة أوجبت على المؤمنين أمرين:أولهما: التنبه إلى نعم الله وعلى رأس هذه النعم نعمة الهداية إلى دين الإسلام، ومداومة شكره- سبحانه - على ذلك.
وثانيهما: الوفاء بعهوده التي أخذها عليهم، وتقبلوها بالسمع والطاعة لأنهم متى شكروه على نعمه، وكانوا أوفياء بعهودهم، زادهم- سبحانه - من فضله وعطائه قال الفخر الرازي: وإنما قال: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ولم يقل نعمه عليكم، لأنه ليس المقصود منه التأمل في أعداد نعم الله، بل المقصود منه التأمل في جنس النعم.
كالنظر إلى الحياة والصحة والعقل والهداية وحسن التدبير والصون عن الآفات والعاهات.
فجنس هذه النعم لا يقدر عليه سوى الله-تبارك وتعالى- فيكون وجوب الاشتغال بشكرها أتم وأكمل.
وإنما قال: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وهو يشعر بنسيانها مع أن مثلها في تواترها لا ينسى، للإشارة إلى أنه لكثرة هذه النعم وتعاقبها، صارت كالأمر المعتاد الذي لكثرة وجوده قد يغفل عنه المرء» والمراد بالميثاق الذي أخذه عليهم ما جرى بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين المؤمنين من عهود على أن يسمعوا له ويطيعوا في العسر واليسر، والمنشط والمكره، كما حدث مع الأنصار ليلة العقبة، وكما حدث مع المؤمنين جميعا في بيعة الرضوان وإنما أضيف الميثاق إلى الله تأكيدا لوجوب الوفاء به ولأنه- سبحانه - هو الذي شرعه وهو الذي سيحاسبهم على نقضه وعدم الوفاء به وقال مجاهد: المراد به الميثاق الذي أخذه الله على عباده حين أخرجهم من ظهر آدم، وضعف هذا القول بأن الخطاب هنا للمؤمنين وليس للبشر جميعا.
قال ابن جرير ما ملخصه: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك: قول ابن عباس، وهو أن معناه: واذكروا أيها المؤمنون- نعمة الله التي أنعمها عليكم بهدايته إياكم إلى الإسلام وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ يعنى: وعهده الذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة له في المنشط والمكره، والعسر واليسر، إذ قلتم سمعنا ما قلت لنا وأخذت علينا من المواثيق، وأطعناك فيما أمرتنا ونهيتنا عنه.. فأوفوا- أيها المؤمنون- بميثاقه الذي واثقكم به ونعمته التي أنعم عليكم بها يوف لكم بما ضمن لكم الوفاء به، من إتمام نعمته عليكم، وبإدخالكم جنته، وإنعامكم بالخلود في دار كرامته وإنقاذكم من عذابه وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من قول من قال المراد بالميثاق ما أخذ عليهم في صلب آدم، لأن الله بعد أن ذكر المؤمنين بميثاقه الذي واثقهم به، ذكر بعد ذلك أهل التوراة بالميثاق الذي أخذه الله عليهم في قوله: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ منبها بذلك المؤمنين على مواضع حظوظهم من الوفاء لله بما عاهدهم عليه، ويعرفهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيعوا من ميثاقه وبعد أن ذكر الله-تبارك وتعالى- المؤمنين بنعمته عليهم وبميثاقه الذي واثقهم به وأمرهم بالوفاء بما كلفهم به ختم- سبحانه - الآية بأمرهم بخشيته والخوف منه قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
أى: اشكروا الله- أيها المؤمنون- على نعمته، وكونوا أوفياء بعهودكم واتقوا الله وراقبوه في كل ما تأتون وما تذرون، وصونوا أنفسكم عن كل ما يكرهه لكم، فإنه- سبحانه - عليم علما تاما بخفيات الأمور الكامنة في الصدور.
وبكل ما يظهره الإنسان ويبطنه، وسيحاسبكم يوم القيامة على أعمالكم، فيجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته و {ذات الصدور} هي الأمور المستقرة في الصدور، فهي بالنسبة للصدور كالصاحب بالنسبة لصاحبه الذي يلازمه ولا يفارقه.
ومثلوا لها بالنيات والاعتقادات وسائر الأمور القلبية.
والجملة الكريمة إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ تعليل لقوله وَاتَّقُوا اللَّهَ وكرر- سبحانه - اسمه الجليل لإشعار المؤمنين برقابته التامة عليهم.
واطلاعه على أحوالهم المختلفة، وأعمالهم المتنوعة وللإشارة إلى أنه إذا كان- سبحانه - يعلم خفيات الأمور، فمن باب أولى يعلم جلياتها.
وبعد أن أمر الله-تبارك وتعالى- عباده المؤمنين بالوفاء بمواثيقه، أتبع ذلك بأمرهم بالتزام الحق في كل أقوالهم وأعمالهم، وذكرهم بما أفاء عليهم من نعم فقال- سبحانه -:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 7 من سورة المائدة


يقول تعالى مذكرا عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم ، وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم ، وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته ، والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه ، فقال [ تعالى ] ( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ) وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها عند إسلامهم ، كما قالوا : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله " ، وقال تعالى : ( وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ) [ الحديد : 8 ] وقيل : هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمد صلى الله عليه وسلم والانقياد لشرعه ، رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وقيل : هو تذكار بما أخذ تعالى من العهد على ذرية آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم : ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) [ الأعراف : 172 ] قاله مجاهد ومقاتل بن حيان . والقول الأول أظهر ، وهو المحكي عن ابن عباس والسدي . واختاره ابن جرير .ثم قال تعالى : ( واتقوا الله ) تأكيد وتحريض على مواظبة التقوى في كل حال .ثم أعلمهم أنه يعلم ما يتخالج في الضمائر والسرائر من الأسرار والخواطر ، فقال : ( إن الله عليم بذات الصدور )

تفسير الطبري : معنى الآية 7 من سورة المائدة


القول في تأويل قوله عز ذكره : وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: (182) واذكروا نعمة الله عليكم أيها المؤمنون، بالعقود التي عقدتموها لله على أنفسكم، واذكروا نعمته عليكم في ذلك بأن هداكم من العقود لما فيه الرضا، ووفقكم لما فيه نجاتكم من الضلالة والرَّدَى في نِعم غيرها جَمّة.
كما:-11550 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " واذكروا نعمة الله عليكم " قال، النعم: آلاءُ الله.
11551 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *وأما قوله: " وميثاقه الذي واثقكم به " فإنه يعني: واذكروا أيضا أيها المؤمنون، في نعم الله التي أنعم عليكم=" ميثاقه الذي واثقكم به "، وهو عهده الذي عاهدكم به.
(183)* * *واختلف أهل التأويل في" الميثاق " الذي ذكر الله في هذه الآية، أيَّ مواثيقه عَنى؟فقال بعضهم: عنى به ميثاقَ الله الذي واثقَ به المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بايعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة له فيما أحبّو وكرهوا، والعمل بكل ما أمرهم الله به ورسوله.
ذكر من قال ذلك:11552 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: " واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا " الآية، يعني: حيث بعث الله النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب، (184) فقالوا: "آمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالكتاب، (185) وأقررنا بما في التوراة "، فذكّرهم الله ميثاقَه الذي أقروا به على أنفسهم، وأمرهم بالوفاء به.
11553 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا "، فإنه أخذ ميثاقنا فقلنا: سمعنا وأطعنا على الإيمان والإقرار به وبرسوله.
* * *وقال آخرون: بل عنى به جلّ ثناؤه: ميثاقه الذي أخذ على عباده حين أخرجهم من صُلب آدم صلى الله عليه وسلم، وأشهدهم على أنفسهم: ألستُ بربكم؟ فقالوا: بلى شهدنا.
ذكر من قال ذلك:11554 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وميثاقه الذي واثقكم به " قال: الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم.
11555 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
* * *ثال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك: قولُ ابن عباس، وهو أن معناه: " واذكروا " أيها المؤمنون=" نعمة الله عليكم " التي أنعمها عليكم بهدايته إياكم للإسلام=" وميثاقه الذي واثقكم به "، يعني: وعهده الذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة له في المنشَط والمكرَه، والعُسر واليُسر=" إذ قلتم سمعنا " ما قلت لنا، وأخذت علينا من المواثيق وأطعناك فيما أمرتنا به ونهيتنا عنه، وأنعم عليكم أيضا بتوفيقكم لقبول ذلك منه بقولكم له: " سمعنا وأطعنا "، يقول: ففُوا لله، أيها المؤمنون بميثاقه الذي واثقكم به، ونعمته التي أنعم عليكم في ذلك بإقراركم على أنفسكم بالسمع له والطاعة فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، يَفِ لكم بما ضمن لكم الوفاءَ به إذا أنتم وفيتم له بميثاقه، من إتمام نعمته عليكم، وبإدخالكم جنته وإنعامكم بالخلود في دار كرامته، وإنقاذكم من عقابه وأليم عذابه.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من قول من قال: " عنى به الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم صلوات الله عليه "، لأن الله جل ثناؤه ذكرَ بعقب تذكرة المؤمنين ميثاقَه الذي واثقهم به، ميثاقَه الذي واثق به أهل التوراة= بعد ما أنزل كتابه على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم= فيها، (186) فقال: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ، الآيات بعدها [سورة المائدة: 12]= مُنبِّهًا بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد على مواضع حظوظهم من الوفاء لله بما عاهدهم عليه= ومعرِّفَهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيعوا من ميثاقه الذي واثقهم به في أمره ونهيه، وتعزير أنبيائه ورسله= زاجرًا لهم عن نكث عهودهم، فيُحلّ بهم ما أحلَّ بالناكثين عهوده من أهل الكتاب قبلهم.
فكان= إذْ كان الذي ذكرهم فوعظهم به ونهاهم عن أن يركبوا من الفعل مثلَه، ميثاقَ قوم أخذ ميثاقهم بعد إرسال الرسول إليهم وإنزال الكتاب عليهم (187) واجبًا أن يكون الحال التي أخذ فيها الميثاق والموعوظين نظيرَ حال الذين وعظوا بهم.
وإذا كان ذلك كذلك، كان بيِّنًا صحة ما قلنا في ذلك وفسادُ خلافه.
* * *وأما قوله: " واتقوا الله إنّ الله عليم بذات الصدور "، فإنه وعيد من الله جل اسمه للمؤمنين كانوا برسوله صلى الله عليه وسلم من أصحابه (188) وتهدُّدًا لهم أن ينقضوا ميثاق الله الذي واثقهم به في رسوله (189) وعهدهم الذي عاهدوه فيه= بأن يضمروا له خِلاف ما أبدوا له بألسنتهم.
(190) .
يقول لهم جل ثناؤه: واتقوا الله، أيها المؤمنون، فخافوه أن تبدِّلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به، أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم: " سمعنا وأطعنا "، بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم، فإن الله مطلع على ضمائر صدوركم (191) وعالم بما تخفيه نفوسكم لا يخفى عليه شيء من ذلك، فيُحّل بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به، كالذي حلَّ بمن قبلكم من اليهود من المسخ وصنوف النّقم، وتصيروا في معادِكم إلى سخط الله وأليم عقابه.
----------------الهوامش :(182) في المطبوعة والمخطوطة: "يعني جل ثناؤه بقوله" ، والسياق يقتضي ما أثبت.
(183) انظر تفسير"الميثاق" فيما سلف 9: 363 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(184) "حيث" هنا ، استعملت في موضع"حين".
وقد قال الأصمعي: "ومما تخطئ فيه العامة والخاصة ، باب"حين" و"حيث" ، غلط فيه العلماء ، مثل أبي عبيدة وسيبويه".
وقال أبو حاتم: "رأيت في كتاب سيبويه أشياء كثيرة ، يجعل حين: حيث" ، وكذلك في كتاب أبي عبيدة بخطه.
قال أبو حاتم: واعلم أن"حين" و"حيث" ظرفان ، فحين ظرف للزمان ، وحيث ظرف للمكان ، ولكل واحد منهما حد لا يجاوزه ، والأكثر من الناس جعلوهما معا: حيث".
ثم انظر مقالة الأخفش أن"حيث" ظرف للزمان ، في الخزانة 3: 162.
والأمر يحتاج إلى زيادة بحث.
ليس هذا موضعه.
(185) في المطبوعة: "بالنبي والكتاب" وأثبت ما في المخطوطة.
(186) قوله: "فيها" ، أي في التوراة ، والسياق: "ميثاقه الذي واثق به أهل التوراة.
.
فيها".
(187) سياق هذه العبارة: "فكان.
.
واجبا أن يكون الحال.
.
" ، وأما الجملة التي بينهما فهي معترضة ، فمن أجل ذلك وضعتها بين خطين.
(188) في المطبوعة: ".
.
للمؤمنين الذين أطافوا برسوله" ، غير ما في المخطوطة ، وهو صواب محض وعربي عريق ، وضع مكان"كانوا": "الذي أطافوا".
(189) في المطبوعة: "وتهديدا لهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض.
(190) قوله: "بأن يضمروا.
.
" متعلق"أن ينقضوا ميثاق الله.
.
" ، بأن يضمروا.
(191) انظر تفسير"ذات الصدور" فيما سلف 7: 155 ، 325.

واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور

سورة : المائدة - الأية : ( 7 )  - الجزء : ( 6 )  -  الصفحة: ( 108 ) - عدد الأيات : ( 120 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: إن الله يعلم غيب السموات والأرض والله بصير بما تعملون
  2. تفسير: قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا
  3. تفسير: وللآخرة خير لك من الأولى
  4. تفسير: فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر
  5. تفسير: أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد
  6. تفسير: بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون
  7. تفسير: فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة
  8. تفسير: أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا
  9. تفسير: فأقبلوا إليه يزفون
  10. تفسير: وإن الدين لواقع

تحميل سورة المائدة mp3 :

سورة المائدة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة المائدة

سورة المائدة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة المائدة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة المائدة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة المائدة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة المائدة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة المائدة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة المائدة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة المائدة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة المائدة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة المائدة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب