تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا ..
﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾
[ سورة الأنبياء: 79]
معنى و تفسير الآية 79 من سورة الأنبياء : ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا .
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
تفسير السعدي : ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا
{ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ }- أي: فهمناه هذه القضية، ولا يدل ذلك، أن داود لم يفهمه الله في غيرها، ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله: { وَكُلَا } من داود وسليمان { آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } وهذا دليل على أن الحاكم قد يصيب الحق والصواب وقد يخطئ ذلك، وليس بمعلوم إذا أخطأ مع بذل اجتهاده.ثم ذكر ما خص به كلا منهما فقال: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ } وذلك أنه كان من أعبد الناس وأكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا، وكان قد أعطاه [الله] من حسن الصوت ورقته ورخامته، ما لم يؤته أحدا من الخلق، فكان إذا سبح وأثنى على الله، جاوبته الجبال الصم والطيور البهم، وهذا فضل الله عليه وإحسانه فلهذا قال: { وَكُنَّا فَاعِلِينَ }
تفسير البغوي : مضمون الآية 79 من سورة الأنبياء
قوله عز وجل : ( ففهمناها سليمان ) أي علمناه القضية وألهمناها سليمان ، ( وكلا ) يعني داود وسليمان ، ( آتينا حكما وعلما ) قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده . واختلف العلماء في أن حكم داود كان بالاجتهاد أم بالنص وكذلك حكم سليمان .فقال بعضهم فعلا بالاجتهاد وقالوا يجوز الاجتهاد للأنبياء ليدركوا ثواب المجتهدين إلا أن داود أخطأ وأصاب سليمان . وقالوا يجوز الخطأ على الأنبياء إلا أنهم لا يقرون عليه فأما العلماء فلهم الاجتهاد في الحوادث إذا لم يجدوا فيها نص كتاب أو سنة وإذا أخطأوا فلا إثم عليهم [ فإنه موضوع عنهم ] لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن بشر ابن سعيد ، عن أبي عن قيس مولى عمرو بن العاص ، عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر " .وقال قوم إن داود وسليمان حكما بالوحي وكان حكم سليمان ناسخا لحكم داود ، وهذا القائل يقول لا يجوز للأنبياء الحكم بالاجتهاد لأنهم مستغنون عن الاجتهاد بالوحي وقالوا لا يجوز الخطأ على الأنبياء واحتج من ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب بظاهر الآية وبالخبر حيث وعد الثواب للمجتهد على الخطأ وهو قول أصحاب الرأي وذهب جماعة إلى أنه ليس كل مجتهد مصيبا بل إذا اختلف اجتهاد مجتهدين في حادثة كان الحق مع واحد لا بعينه ولو كان كل واحد مصيبا لم يكن للتقسيم معنى وقوله عليه السلام : " وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " ، لم يرد به أنه يؤجر على الخطأ بل يؤجر على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة والإثم في الخطأ عنه موضوع إذا لم يأل جهده .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرنا أبو الزناد ، عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان وأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله فهو ابنها فقضى به للصغرى " .قوله عز وجل ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير ) أي وسخرنا الجبال والطير يسبحن مع داود إذا سبح قال ابن عباس : كان يفهم تسبيح الحجر والشجر قال وهب : كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير وقال قتادة : يسبحن أي يصلين معه إذا صلى وقيل: كان داود إذا فتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه ( وكنا فاعلين ) يعني ما ذكر من التفهيم وإيتاء الحكم والتسخير
التفسير الوسيط : ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا
والضمير المنصوب في قوله-تبارك وتعالى-: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ يعود إلى القضية أو المسألة التي عرضها الخصمان على داود وسليمان.أى: ففهمنا سليمان الحكم الأنسب والأوفق في هذه المسألة أو القضية، وذلك لأن داود- كما يقول العلماء. قد اتجه في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب.أما حكم سليمان فقد تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير، وهذا هو العدل الحي الإيجابى في صورته البانية الدافعة، وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء» .وقوله- سبحانه - وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ثناء من الله-تبارك وتعالى- على داود وسليمان- عليهما السلام- والمقصود من هذا الثناء دفع ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أن داود لم يكن مصيبا في حكمه.أى: وكلا من داود وسليمان قد أعطيناه من عندنا حُكْماً أى: نبوة وإصابة في القول والعمل وَعِلْماً أى: فقها في الدين، وفهما سليما للأمور.وقد توسع بعض المفسرين في الحديث عن هذا الحكم الذي أصدره داود وسليمان في قضية الحرث أكان بوحي من الله إليهما، أم كان باجتهاد منهما، وقد رجح بعض العلماء أنه كان باجتهاد منهما فقال: اعلم أن جماعة من العلماء قالوا: إن حكم داود وسليمان في الحرث المذكور في هذه الآية كان بوحي، إلا أن ما أوحى إلى سليمان كان ناسخا لما أوحى إلى داود.وفي الآية قرينتان على أن حكمهما كان باجتهاد لا بوحي، وأن سليمان أصاب فاستحق الثناء باجتهاده وإصابته، وأن داود لم يصب فاستحق الثناء باجتهاده، ولم يستوجب لوما ولا ذما لعدم إصابته.كما أثنى- سبحانه - على سليمان بالإصابة في قوله فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وأثنى عليهما في قوله: وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً.فدل قوله إِذْ يَحْكُمانِ على أنهما حكما فيها معا، كل منهما بحكم مخالف لحكم الآخر، ولو كان وحيا لما ساغ الخلاف. ثم قال: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ فدل ذلك على أنه لم يفهمها داود، ولو كان حكمه فيها بوحي لكان مفهما إياها كما ترى.فقوله: إِذْ يَحْكُمانِ مع قوله فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ قرينة على أن الحكم لم يكن بوحي بل باجتهاد، وأصاب فيه سليمان دون داود بتفهيم الله إياه ذلك.والقرينة الثانية: هي أن قوله-تبارك وتعالى- فَفَهَّمْناها يدل على أنه فهمه إياها من نصوص ما كان عندهم من الشرع، لا أنه-تبارك وتعالى- أنزل عليه فيها وحيا جديدا ناسخا، لأن قوله-تبارك وتعالى-: فَفَهَّمْناها أليق بالأول من الثاني كما ترى.. .ثم بين- سبحانه - نماذج من النعم التي أنعم بها على داود- عليه السلام- فقال:وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ.والتسخير: التذليل أى: وجعلنا الجبال والطير يسبحن الله-تبارك وتعالى- ويقدسنه مع داود، امتثالا لأمره- سبحانه -.قال ابن كثير: وذلك لطيب صوته، بتلاوة كتابه الزبور، وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء فتجاوبه، وترد عليه الجبال تأويبا. ولهذا لما مر النبي صلّى الله عليه وسلّم على أبى موسى الأشعرى، وهو يتلو القرآن من الليل، وكان له صوت طيب، فوقف واستمع إليه وقال:«لقد أوتى هذا من مزامير آل داود» .وقال صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم قدمت الجبال على الطير؟ قلت: لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب، وأدل على القدرة، وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد، والطير حيوان، إلا أنه غير ناطق، روى أنه كان يمر بالجبال مسبحا وهي تجاوبه، وقيل: كانت تسير معه حيث سار..وتسبيح الجبال والطير مع داود- عليه السلام- هو تسبيح حقيقى، ولكن بكيفية يعلمها الله-تبارك وتعالى- كما قال- سبحانه - تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.. .وشبيه بالآية التي معنا قوله-تبارك وتعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ .وقوله- سبحانه -: اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ .ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بقوله: وَكُنَّا فاعِلِينَ أى: وكنا فاعلين ذلك لداود من تسخير الجبال والطير معه يسبحن الله وينزهنه عن كل سوء، على سبيل التكريم له.والتأييد لنبوته، إذ أن قدرتنا لا يعجزها شيء، سواء أكان هذا الشيء مألوفا للناس أم غير مألوف.
تفسير ابن كثير : شرح الآية 79 من سورة الأنبياء
وقوله : { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما } قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن حميد; أن إياس بن معاوية لما استقضى أتاه الحسن فبكى ، قال ما يبكيك؟ قال يا أبا سعيد ، بلغني أن القضاة : رجل اجتهد فأخطأ ، فهو في النار ، ورجل مال به الهوى فهو في النار ، ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة . فقال الحسن البصري : إن فيما قص الله من نبأ داود وسليمان - عليهما السلام - والأنبياء حكما يرد قول هؤلاء الناس عن قولهم ، قال الله تعالى : { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين } فأثنى الله على سليمان ولم يذم داود . ثم قال - يعني : الحسن - : إن الله اتخذ على الحكماء ثلاثا : لا يشترون به ثمنا قليلا ولا يتبعون فيه الهوى ، ولا يخشون فيه أحدا ، ثم تلا { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ] } وقال : { فلا تخشوا الناس واخشون } [ المائدة : 44 ] ، وقال { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } [ المائدة : 44 ] .
قلت : أما الأنبياء ، عليهم السلام ، فكلهم معصومون مؤيدون من الله عز وجل . وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المحققين من السلف والخلف ، وأما من سواهم فقد ثبت في صحيح البخاري ، عن عمرو بن العاص أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " فهذا الحديث يرد نصا ما توهمه " إياس " من أن القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النار ، والله أعلم .
وفي السنن : " القضاة ثلاثة : قاض في الجنة ، وقاضيان في النار : رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ، ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في النار ، ورجل علم الحق وقضى بخلافه ، فهو في النار .
وقريب من هذه القصة المذكورة في القرآن ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال : حدثنا علي بن حفص ، أخبرنا ورقاء عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما امرأتان معهما ابنان لهما ، جاء الذئب فأخذ أحد الابنين ، فتحاكمتا إلى داود ، فقضى به للكبرى ، فخرجتا . فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما ، فقالت الصغرى : يرحمك الله هو ابنها ، لا تشقه ، فقضى به للصغرى " .
وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وبوب عليه النسائي في كتاب القضاء : { باب الحاكم يوهم خلاف الحكم ليستعلم الحق } .
وهكذا القصة التي أوردها الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في ترجمة " سليمان عليه السلام " من تاريخه ، من طريق الحسن بن سفيان ، عن صفوان بن صالح ، عن الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن بشر ، عن قتادة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس - فذكر قصة مطولة ملخصها - : أن امرأة حسناء في زمان بني إسرائيل ، راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم ، فامتنعت على كل منهم ، فاتفقوا فيما بينهم عليها ، فشهدوا عليها عند داود ، عليه السلام ، أنها مكنت من نفسها كلبا لها ، قد عودته ذلك منها ، فأمر برجمها . فلما كان عشية ذلك اليوم ، جلس سليمان ، واجتمع معه ولدان مثله ، فانتصب حاكما وتزيا أربعة منهم بزي أولئك ، وآخر بزي المرأة ، وشهدوا عليها بأنها مكنت من نفسها كلبا ، فقال سليمان : فرقوا بينهم . فقال لأولهم : ما كان لون الكلب؟ فقال : أسود . فعزله ، واستدعى الآخر فسأله عن لونه ، فقال : أحمر . وقال الآخر : أغبش . وقال الآخر : أبيض . فأمر بقتلهم ، فحكي ذلك لداود ، فاستدعى من فوره بأولئك الأربعة ، فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب ، فاختلفوا عليه ، فأمر بقتلهم .
وقوله : { وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين } : وذلك لطيب صوته بتلاوة كتابه الزبور ، وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء ، فتجاوبه ، وترد عليه الجبال تأويبا; ولهذا لما مر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي موسى الأشعري ، وهو يتلو القرآن من الليل ، وكان له صوت طيب [ جدا ] . فوقف واستمع لقراءته ، وقال : " لقد أوتي هذا مزامير آل داود " . قال يا رسول الله ، لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا .
وقال أبو عثمان النهدي : ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار مثل صوت أبي موسى رضي الله عنه ، ومع هذا قال : لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود .
تفسير الطبري : معنى الآية 79 من سورة الأنبياء
وقوله ( فَفهَّمْناها ) يقول: ففهَّمنا القضية في ذلك ( سُلَيْمانَ ) دون داود ، ( وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ) يقول: وكلهم من داود وسليمان والرسل الذين ذكرهم في أوّل هذه السورة آتينا حكما وهو النبوة، وعلما: يعني وعلما بأحكام الله.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب وهارون بن إدريس الأصمّ قالا ثنا المحاربيّ، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن مرّة، عن ابن مسعود، في قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: كرم قد أنبت عناقيده فأفسدته، قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان غير هذا يا نبيّ الله، قال: وما ذاك؟ قال: يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا كان الكرم كما كان دَفعت الكرم إلى صاحبه، ودَفعت الغنم إلى صاحبها، فذلك قوله ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ).حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ ). .. إلى قوله ( وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ) يقول: كنا لما حكما شاهدين، وذلك أن رجلين دخلا على داود، أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا أرسل غنمه في حرثي، فلم يُبق من حرثي شيئا، فقال له داود: اذهب فإن الغنم كلها لك، فقضى بذلك داود، ومرّ صاحب الغنم بسليمان، فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود فقالا يا نبيّ الله إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال: كيف؟ قال سليمان: إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، فإن الغنم لها نسل في كلّ عام، فقال داود: قد أصبت، القضاء كما قضيت، ففهَّمها الله سليمان.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن علي بن زيد، قال: ثني خليفة، عن ابن عباس قال: قضى داود بالغنم لأصحاب الحرث، فخرج الرُّعاة معهم الكلاب، فقال سليمان: كيف قضى بينكم؟ فأخبروه، فقال: لو وافيت أمركم لقضيت بغير هذا، فأُخبر بذلك داود، فدعاه فقال: كيف تقضي بينهم؟ قال: أدفع الغنم إلى أصحاب الحرث، فيكون لهم أولادها وألبانها وسلاؤها ومنافعها، ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم، فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه، أخذ أصحاب الحرث الحرث، وردّوا الغنم إلى أصحابها.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث، وحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعليهم رعايتها على أهل الحرث، ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون الحرث كهيئته يوم أُكل، ثم يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم.حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثني ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج بنحوه، إلا أنه قال: وعليهم رعيها.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن إسحاق، عن مرّة في قوله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: كان الحرث نبتا، فنفشت فيه ليلا فاختصموا فيه إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث. فمرّوا على سليمان، فذكروا ذلك له، فقال: لا تُدفع الغنم فيصيبون منها، يعني أصحاب الحرث ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا كان كما كان ردوا عليهم. فنزلت ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ).حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن شريح، في قوله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: كان النفْش ليلا وكان الحرث كرما، قال: فجعل داود الغنم لصاحب الكرم، قال: فقال سليمان: إن صاحب الكرم قد بقي له أصل أرضه وأصل كرمه، فاجعل له أصوافها وألبانها! قال: فهو قول الله ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ).حدثنا ابن أبي زياد، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا إسماعيل، عن عامر، قال: جاء رجلان إلى شُرَيح، فقال أحدهما: إن شياه هذا قطعت غَزْلا لي، فقال شريح: نهارا أم ليلا؟ قال: إن كان نهارا فقد برئ صاحب الشياه، وإن كان ليلا فقد ضمن، ثم قرأ ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: كان النفش ليلا.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن شريح بنحوه.حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، عن شريح، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ ). .. الآية، النفْش بالليل، والهَمَل بالنهار.وذُكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلا فُرفع ذلك إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الزرع، فقال سليمان: ليس كذلك، ولكن له نسلها ورَسْلها وعوارضها وجُزازها، حتى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى ربها وقبض صاحب الزرع زرعه، فقال الله ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ).حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتَادة والزهري ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: نفشت غنم في حرث قوم، قال الزهري: والنفش لا يكون إلا ليلا فقضى داود أن يأخذ الغنم، ففهمها الله سليمان، قال: فلما أخبر بقضاء داود، قال: لا ولكن خذوا الغنم، ولكم ما خرج من رسلها وأولادها وأصوافها إلى الحول.حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: في حرث قوم، قال معمر: قال الزهري: النفش لا يكون إلا بالليل، والهمل بالنهار، قال قَتادة: فقضى أن يأخذوا الغنم، ففهمها الله سليمان، ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث عبد الأعلى.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ). .. الآيتين، قال: انفلت غنم رجل على حرث رجل فأكلته، فجاء إلى داود، فقضى فيها بالغنم لصاحب الحرث بما أكلت، وكأنه رأى أنه وجه ذلك، فمرّوا بسليمان، فقال: ما قضى بينكم نبيّ الله؟ فأخبروه، فقال: ألا أقضي بينكما عسى أن ترضيا به؟ فقالا نعم. فقال: أما أنت يا صاحب الحرث، فخذ غنم هذا الرجل فكن فيها كما كان صاحبها، أصب من لبنها وعارضتها وكذا وكذا ما كان يصيب، وأحرث أنت يا صاحب الغنم حرث هذا الرجل، حتى إذا كان حرثه مثله ليلة نفشت فيه غنمك، فأعطه حرثه، وخذ غنمك، فذلك قول الله تبارك وتعالى ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) وقرأ حتى بلغ قوله ( وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ).حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، في قوله ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال: رعت.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: النفش: الرعية تحت الليل.قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن حرام بن محيصة بن مسعود، قال: " دخلت ناقة للبراء بن عازب حائطا لبعض الأنصار فأفسدته، فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) فقضى على البراء بما أفسدته الناقة، وقال عَلى أصحَابِ المَاشِيةِ حِفْظُ المَاشِيَةِ باللَّيْلِ، وَعَلى أصحَابِ الحَوَائِطِ حِفْظُ حِيطانِهِمْ بالنَّهارِ ".قال الزهري: وكان قضاء داود وسليمان في ذلك أن رجلا دخلت ماشيته زرعا لرجل فأفسدته، ولا يكون النفوش إلا بالليل، فارتفعا إلى داود، فقضى بغنم صاحب الغنم لصاحب الزرع، فانصرفا فمرا بسليمان، فقال: بماذا قضى بينكما نبيّ الله؟ فقالا قضى بالغنم لصاحب الزرع، فقال: إن الحكم لعلى غير هذا، انصرفا معي! فأتى أباه داود، فقال: يا نبيّ الله، قضيت على هذا بغنمه لصاحب الزرع؟ قال نعم. قال: يا نبيّ الله، إن الحكم لعلى غير هذا، قال: وكيف يا بنيّ؟ قال: تدفع الغنم إلى صاحب الزرع، فيصيب من ألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الزرع إلى صاحب الغنم يقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم عليها، ردّت الغنم على صاحب الغنم، وردّ الزرع إلى صاحب الزرع، فقال داود: لا يقطع الله فمك، فقضى بما قضى سليمان، قال الزهري: فذلك قوله ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ ). .. إلى قوله ( حُكْمًا وَعِلْمًا ).حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، وعليّ بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني من سمع الحسن يقول: كان الحكم بما قضى به سليمان، ولم يعنف الله داود في حكمه.وقوله ( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ) يقول تعالى ذكره: وسخرنا مع داود الجبال، والطير يسبحن معه إذا سبح.وكان قَتادة يقول في معنى قوله ( يُسَبِّحْنَ ) في هذا الموضع ما حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ) : أي يصلين مع داود إذا صلى.وقوله ( وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) يقول: وكنا قد قضينا أنا فاعلو ذلك، ومسخرو الجبال والطير في أمّ الكتاب مع داود عليه الصلاة والسلام.
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: ما القارعة
- تفسير: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم
- تفسير: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين
- تفسير: وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك
- تفسير: وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من
- تفسير: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير
- تفسير: ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون
- تفسير: فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين
- تفسير: ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال
- تفسير: ومن الليل فسبحه وأدبار السجود
تحميل سورة الأنبياء mp3 :
سورة الأنبياء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأنبياء
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب